أنــَفـَــة
جلس حمدي السكاك في غرفة الاستقبال ملقيًا رجلاً على رجل ، دافعًا بكليته إلى الأمام ، وقد اتكأ على وسادة وثيرة .
كانت نظراته تشي بأنه يدفع الكلمات قسرًا ، وبأنه تواضع كثيرًا حتى شرّف منزلي -
بيته الصغير .
رن جرس الهاتف ، وطلب الصوت البعيد حضرته ....قدمت له السماعة ، ولم أكن أدري أنني في خدمة الرجل العظيم .
كانت كلماته مع الآخر خفيضة قصيرة ، وكأنه سيدفع حساب كل كلمة من حساب عظمته .
انتهت المكالمة ، وظننت أن ضيفي سيعيد السماعة مكانها ما دام الهاتف أقرب عليه ، ولكنه بقي يحملها ، وألمح لي بإشارة أن أعدها .
- هل أطلب منه أن يعيد السماعة هو ؟
- لا ، هو ضيفي ، احتملها ، يالله .. ...ثم إنه مسترخٍ على الكنبة ، ويبدو أنه تعب . وماذا يضيرني إن أعدتها أنا ؟
- هؤلاء الناس لا تحترمهم أكثر مما يجب ، تقدم له رأس الإصبع يقضمونه كله .
إنك ستضره قبل أن تضر الناس ، أخرجه من وهمه ، وقل له بهدوء : " ولا تصغر " ،
أعدها !
- لا ، إنه ضيف . " سأقوم وأنا عمر وسأعود وأنا عمر " ........
أعدت السماعة مكانها ، وقد ارتفعت حرارة جسمي .
* * *
شرب الرجل قهوته ، وما لبث أن انهمك في عضو بارز في وجهه ، دس سبابته فيه ، وأخذ ينكت النَّغَف . أخرج أولا قطعة ، وأخذ يكوّرها بين إصبعيه ، حتى اختار اللحظة الملائمة فألقاها طريحة على السجادة .
دس ثانية سبابته ، وعمّق رحلته في جيوب أنفه . وعاد بعد مغالبة بقطعة أخرى أكبر من المخبآت . كوّرها ودوّرها ، حتى إذا ما تغافلت عنه ألقاها بعيدًا ناقفًا إياها لتلتصق بالباب .
وعادت سبابته ثالثة بسلك مخاطي ، فلم تطق إصبعاه هذه السيولة اللزجة ، واحتار ماذا يفعل ...
تداركت الأمر ، وجعلت مناديل الورق على المنضدة أمامه مباشرة ، وقلت مواصلا حديثي عن الوضع المحلي ، وكأني لا أتابع رحلاته في هذا البارز من وجهه :
" والسلوك عند علماء النفس المحدَثين مجموع ما يقوم به الكائن الحي من ردود فعل مترتبة على تجاربه السابقة ، سواء أكانت مشتركة بين أفراد النوع ، أم خاصة بفرد دون آخر . وهو يتضمن الأفعال الجسمانية الظاهرة بالدرجة الأولى .