أستاذ قد الدنيا

( لوحات أدبية ساخرة )

 مكتبة الشعب ، كفر قاسم – 1979 .

فاروق مواسي

 

الرسوم والتعليق : عمر سمور – طولكرم

 

الرسوم سأدخلها لاحقًا

 

 

كنت قد نشرت بعض حلقات هذا الكتاب في مجلة  صدى التربية – مجلة المعلمين ،  بتوقيع ( أبي السيد ) ، ولا بد هنا من التأكيد أنّ أسماء المعلمين الواردين في الحلقات هي أسماء خيالية ، فإن اتفق وكان تشابه ،  فالعذر كل العذر.

 

فاروق مواسي

باقة الغربية

 

 

 

 وغبــــــــيٍ سميتــــــه أستاذًا

                                            وهو في جهله من الأفذاذ

 

قال : هل رمت رفعه؟ قلت : كلا

 

                                           رمت إسقاط كلمة الأستاذ

                                      

                                                                                       ( النجفي )

 

 

إن نقدْنا ذاتـــــــــنا               إن في هذا الصلاحْ

لست أرضى شعبنا               قشة   تذرو الرياح

 

إن بالعـــــلم الهدى                وهو قوت وسلاح

 

لا تظلوا في الخطا              والأموا نزف الجراح

 إن هـــزئنا عذرنا            إن في الهـــزء اللقاح

 

                                                                                                                                           ( فاروق )

 

 

 

ملحوظة لا بد منها

 

أرمي من وراء هذه الحلقات إصلاح أنفسنا ، فمن يقصر فينا فعليه أن يعتبر. ولنكن صرحاء ونقول : ما من أحد يمنع المخلص أن يعمل ، إذن، لماذا نهمل ولا نفتأ نتهم ؟  وأنا قبل أن يسيء فهمي أحد أؤكد أن كل الجهات ، وأولها  وزارة المعارف مقصرة ، وقد أشرنا إلى ذلك في أكثر من مقال.

 

 

 

الحلقة الأولى

 

* معلم شامل *

 

اسمي سعيد سعد

 

معلم شامل في مدرسة ابتدائية . أعلم في غرفة نائية عن البناية المركزية.

أرغمني المدير أن أعلم في الصف الأول ، لأنني معلم جديد ، وعلي أن أتحمل وإلا...

قبلت الأمر مكرهًا ، ودخلت الصف وأنا أزمجر ، ولكن ما في اليد حيلة .

 بدأت أعلم وأضرب .

لا تنكروا ضربي لهم ، فأنا لا أضرب أكثر من أربعة في اليوم :

هذا لأنه يتحادث مع جاره عندما أصلح الدفاتر في الصف .

وهذا لأنه انتقل من مكانه .

وهذا لأنه حضر بلا كتاب .

وهذا لأنه حضر بلا قلم .

في حصة اللغة العربية يهجئ الطلاب ورائي .

 

وفي حصة الحساب أكتب بضعة أسئلة على اللوح، وأجلس في انتظار الزوار الأوائل الذين يأتون للتصليح.

وفي حصة الرسم أقول كل مرة : " يا أولاد .....رسوم حرة " !

وفي حصة الموسيقى : "  غنوا ما تعلمتم في البستان " ، فصوتي – بلا مؤاخذه – لا يساعدني على أداء المخارج الملائمة . وعندما أرفع عقيرتي بالغناء أنفر من صوتي .

وفي حصة الرياضة يلعبون نفس التمارين ولا بد من لعبة ( طاق طاقية ) .

وبعد الحصة الرابعة أستريح على كرسيي.

فإن كانت معي  مجلة صدى التربية  أطالع التعازي والتهاني ، وإلا فأنا أحلم وأحيانًا أحسب ، وما أدارك ما أحسب ؟

كم يومًا بقي حتى ميعاد ( الخبز ) ،  وأعني الراتب ؟

كم ليرة بقي من الراتب ؟ المهم أنني أحسب .

في أثناء ذلك أصرخ على من يرفع صوته : ( سد بوزك ) الخ .

وقاموسي النابي يزداد حدة بحكم تعاملي مع هؤلاء الشياطين.

فلا عجب إذا نظرت للساعة لا أقل من عشر مرات ، ويطول النهار حتى الثانية عشرة والدقيقة الخامسة والثلاثون كما طال ليل النابغة .

يا أولاد : أكتبوا الدرس خمس مرات!

قيام جلوس  !  قيام جلوس !

قيام صف ! مع السلامة .

 

 

 

الحلقة الثانية

 

* معلم الإنجليزية *

 

اسمي إبراهيم عويطات

 

معلم اللغة الإنجليزية ، وصدقوني لا أستطيع تركيب جملة بسيطة ، فكيف بجملة فيها هذه الأفعال المساعدة التي لا يكاد يتقنها الإنجليز أنفسهم ؟ !

كلفت بتعليم هذه المادة ، لأن المعلمين يتهربون من تعليمها ، ولم يجد المدير بدًا من إلقاء هذا العبء على عاتقي .

وصرت معلم الإنجليزية بقدرة قادر ، وأمرنا لله .

قضينا عشرة دروس في تعليم الحروف وفي عد الأرقام حتى عشرة ، وهذه الأرقام تعلمتها بفضل لعبة الطابة التي كنا نخبطها في الأرض وفق أغنية في كلماتها الأرقام الانجليزية .

وعلّمت الدرس الأول مرارًا وتكرارًا . وانسخوا يا أولاد !

وفي صفي ثمة طالب يعد الدرس،  ويأتي حافظًا عن ظهر قلب،  أو عن قلب ظهر، أكلفه كل مرة أن يعلم الطلاب ، وربما  تزيد معلوماتي عن معلوماته قليلاً .

ذات صباح حضر سياح .

والأجانب- كما لا يخفى على بعضكم - يعجبهم كل شيء ، حدثوني عن سبب مجيئهم وعن أشياء أخرى .....كنت أهز رأسي وأقول ( يس ) .

تركوني وهم يهنئوني على هذا الصف وهذا المستوى  .

مرة أخطأ طالب في إملاء كلمة ، فوقعت في حيص بيص .

قلت موجهًا كلامي للطلاب : " كيف تكتب " ؟

فاحترت من اختار ، وتداركت الأمر، فوجهت السؤال إلى الطالب الذي حدثتكم عنه ، كتبها وجلس،  ولم أقل لهم رأيي . وأنتم تعرفون السبب .

شك أحد الآباء بمعرفتي، والظاهر انه أطلع على دفتر ولده.

فالتقيت به وتحت إبطي  الجيروزليم بوست  و  التايم ، فحياتي وانصرف .

 

 

 

 الحلقة الثالثة

                                          * أستاذ الرياضيات *

 

أنا راضي برهان .

 

أستاذ الرياضيات ، والملقب بالطالب الخالد ، وسبب الملقب أنني منذ سبع سنوات أتعلم في الجامعة .

ولعلهم يهزأون بي، لأنني لم أحصل حتى الآن على شهادة الكرتون . الشهادة لا تصنع الرجال ، فانا خليفة ( إينشتين ) وحسبي أنني لا أخطئ كثيرًا في الصف أمام العفاريت الذين يتربصون في الدوائر، وخاصة في درس الهندسة .

وعندما أشرع في الحل وأتوقف هنيهة يأخذون بالغمز واللمز ، هذا يبتسم بمكر، وذاك يتنحنح .

لعنة الله عليهم !  إنهم يقتلونني بهذه السخرية المرة ، وكأنهم يشكون بقدرتي الخارقة الفائقة .

أخرجت طالبًا لحل مسألة مستعصية،  فحلها حلاً عجيبًا،  

وانطلت علي حيلته ، وما كان مني إلا أن قلت له : " أحسنت ! " ، ومن يدريني أنه " تخابث " عن سابق قصد .

وأنا أستاذ ( علمي ) لست من هؤلاء ( الأدباتيين ) الذين مضى وقتهم ، وأن أعجِبت بنفسي فهذا ناتج عن دراسة علمية ، فأنا أحل أصعب المعادلات ، وأنا نسيج وحدي أو( جحيش وحدي) في لغتكم .

أما الشهادة فهي لا تهم ، شهادة الكرتون لا تهم . المهم أنا مقتنع بنفسي .

ومن لا يعجبه العجب فأنا أتحداه .

 

 

الحلقة الرابعة

* مدير ومعلم دين *

 

أنا أمين عبد السميع .

 

مدير مدرسة ومعلم دين ، البرنامج تحت سلطتي أغيره وفق رغبتي ، والدين موضوع سهل يسير، فـ " الدين يسر ، لا عسر" ، ولإن الدين فيه نصائح ، فإنني  أبيعها كما يحلو لي من غير أن يعثر علي ( متفلسف ) .

اقرأ يا ولد ! احفظوا يا أولاد !

الله ، محمد ، موسى ، عيسى ... الخ .

إذا حضر ضيف إلى المدرسة أخرج من الصف لأسوّي الأمر، وأطيل الحديث ...وألف وأدور وأعيد وأستعيد . أما الطلاب فأصرفهم ، أو أجعلهم يخضعون تحت رقابة العريف الذي يقيد أسماء المشاغبين الملاعين .

في الدرس أطلب أن ينسخوا السورة أحيانًا ، وعند القراءة يقرأون بالدور كيفما يحلو لهم . وعندما أسهو في الصف أكلف طالبًا مجتهدًا أن يرد الطالب المخطئ ، ويصحح خطأه ، وعلى الطالب أن يكتفي بخمسة أسطر، فيتابع جاره القراءة.... وأنا في غفلة عنهم .

وأحيانًا أطلب منهم قراءة جماعية .

الله ، محمد ، موسى ، يونس ... الخ .

-  أنت يا ولد ، لماذا تضحك ؟  ألا تعرف أن الدرس دين ، والضحك في درس الدين حرام ؟

-  أنت يا بنت كاشفة الرأس ، هذا في الدين حرام ....يحرم جلدك ! .

وإذا سأل سائل كيف تعلم ؟

أقول بالتكرار ، فالتكرار يعلم الحمار .

اعلم الفقه، واشرح لهم كثيرًا عن إخراج الزكاة ، فمثلاً - الزكاة من الجمال كذا وكذا ، ولا يهم أن كان هناك جمال أم لا ، المهم أن  يتفقهوا في الدين .

ألم يقل تعالى – واسمحوا لي أن أنقل الآية ، فأنا لا أحفظ :

{ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقوا في الدين ... }

صدق الله العظيم !

 

 

 

الحلقة الخامسة

* معلم القواعد *

 

أنا الأستاذ سليم عطيه ، أستاذ النحو والصرف والبيان ،وكم يشار لي بالبنان !

 ولو كنت أدركت سيبويه لما ألّف ( الكتاب ) ، ولحضرت مجالس الأخفش والفراء ، وكان لي شأن أي شأن .

إذن ،  فأنا نسيج وحدي في هذا الباب . ذلك لأنني مؤمن أن السليقة كافية لتعليم النحو ، وإذا اضطر الطالب أن يتعلم فعليه ألا يتقيد بطريقة ( هربرت )-  من مقدمة وعرض واستنتاج، بل عليه أن يقرأ في الصف، ويحفظ القاعدة غيبًا ، فالقواعد غاية للغة لا وسيلة .

 هم يقرأون وأنا أحلم . المعذرة أفكر في إعراب كلمة . . .

والكلمة التي أخشى على نفسي منها أسكّنها حسب القاعدة ( سكن تسلم ) .

 ولما كنت مضطرًا أن أفتح فمي بضع دقائق – كي يؤكدوا لأهلهم أنني أعلم – تحضرني أمثلة قريبة من واقع الطالب : ضرب المعلم الطالب ضربًا –

وتتكرر ( جمل الضرب)  في كل درس ، وينال الطالب هذا العذاب أسوة بعمرو الذي أكل الضربات من زيد منذ القدم ، كل ذلك حبًا وإكرامًا لخاطر النحو والصرف .

سألني طالب – وما أقل أسئلتهم ، فهم أما متثائب،  أو ينظر ولا يرى ، أو يصغي ولا يسمع :

 لماذا سمي حرف العلة بهذا الاسم ؟ 

قلت له بغير حماسة – يقينًا مني بأن هذا السؤال هو من أحد الماكرين الذين يبغون الإيقاع بي :

-         لأنه مريض ، ومصاب بالعلة .

-         وكيف يا أستاذ ؟ سلامته ؟

-         إنه مريض ، معتل ، وهذا يكفي .

-         لعله الزكام ، يا أستاذ !؟

-         تهزأ بي يا حيوان ؟!

وأصدقكم برغم أنني نحوي كبير إلا أنني لم أفهم تمامًا لماذا سمي " حرف علة " ، ولم أبحث في مصدر يرشدني ، فأنا لا أملك وقتًا ، إذ أن وقتي موزع بين المقاهي والملاهي ، وبعضه أعالج فيه الشؤون العائلية ، ومن هم المرشحون للانتخابات ؟ وفي تشكيل الرئاسة .

    تقدمت لامتحان القبول في الجامعة – حتى أكون معلمًا في الثانوية ، وأعطوني قطعة لتشكيلها . وكنت أظن أنني أخطأت في كلمة أو كلمتين ، وإذا بي أخطئ في العشرات – على حد زعمهم .

قلت :

-         الممتحِــن لا يعرف اللغة ، وهو أجنبي لا يتذوق لغتنا ، شأن المستشرقين المدعين .

-         لم يصلحوا ورقتي ، وقدروا العلامة تقديرًا .

-         متحيزون ضدي يريدون أن يحدوا من اعتزازي بنفسي وبلغتي .

وعندما راجعتهم لم يصدقوا أنني معلم في إحدى المدارس الابتدائية ، بل يجب أن أكون محاضرًا في الجامعة .

اعتذرت لهم . فوقتي لا يسمح لي .

أو ليس تشكيل الرئاسة أهم من تشكيل القطعة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ؟؟!!

ومن لا يصدّق فليسأل !

 

 

الحلقة السادسة

* معلم الرسم *

 

أنا راسم معروف ، أعلم عشر حصص أسبوعية . بمعنى آخر -عشر حصص استراحة (كيف) ؟

يبدأ الدرس عندي بالتفتيش عن الدفاتر ، والألوان ، وعقاب الطالب الذي لم يحضر دفتر ، أطلب إليه أن يخرج ورقة ،  وإلا فليخرج من الصف .

-  رسوم حرة يا أولاد !

الأولاد يرسمون ما يشاؤون – هكذا يطلب علم النفس – وأنا أتجول بين الطلاب . فأنا لست رسامًا ولا أعرف المقاييس والأوضاع الصحيحة والأحجام والأبعاد . ثم من قال إن الرسم ضروري للحياة ، وأي قيمة تربوية له  ؟  هذا درس للترفيه .

أصحو على صوت طالب " أستاذ أنهيت " .

أنظر إلى رسمه، فإذا به رسم ( سريالي ) لم أفهم أوله من آخره .

 أقول له : " مليح . أرسم رسمًا ثانيًا "!

وأنا- يا سادة يا كرام - لا أملك الحس النقدي في الرسم ، فحتى صورة ما تسمى ( بالموناليزا ) لا تقول لي شيئًا ، فكيف يتسنى لي أن أكتشف موهوبًا ،  وكل ما أعرفه من الرسم رسم شجرة ، أركّب أغصانها كيفما أتفق .

 

***

حضر طالب من دار المعلمين ليعطي درسًا نموذجيًا ، وأحضر وسائل إيضاح ( أوراق خاصة لإبراز الرسوم،  أو لتكميل صورة ناقصة ، ولوحات ) .

حدثهم عن الفنان ( بيرو ) ولوحة الأمومة . ناقشهم في الصورة ، وعرض عليهم لوحات تمثل الموضوع نفسه لفنانين - لا أذكر أسمائهم -  لأني لم أسمع بها ، وإذا كنت تذكرت ( بيرو ) فهو على اسم دولة .

ادعى الأستاذ أنه نمى عندهم الملاحظة والذوق الفني ، ثم رسم الطلاب بعد ملاحظاته  ،  وأخذ المعلم يجول بينهم ، ينبه،  يشجع ، يرشد ويوجه بعضهم لتفصيلات نسيها .

والأنكى من ذلك أنه أعطاهم وظيفة بيتية .

قلت له متعجبًا : وهل لدرس الرسم أصول ؟ لقد ظننته درسًا للراحة .

أجاب : مراحل الدرس : محادثة تمهيدية ، ثم رسم حر من إيحاء الموضوع ، ثم أرسم أمامهم رسمًا نموذجيًا ، تلي ذلك مرحلة التذوق والنقد.... ويشترك الطلاب في التقويم ، وأحيانا يتخلل ذلك نشيد دفعًا – للملل .

قلت له : أما أنا فالدرس عندي بدايته رسوم حرة،  ونهايته ممتاز جيد جدًا .

قال لي : حقًا : أنت تتعب – الله يعطيك العافية !

 

 

الحلقة السابعة

* معلم الجغرافية *

 

أنا مطيع إسماعيل .

 

أستاذ الجغرافية ، أو الجغرافيا . أنهيت الصف الحادي عشر، وها أنا أعلق الشهادة في واجهة غرفة الاستقبال . ولحرصي على المعلومات فما زلت أعلم ما حفظت بدقة أحسد عليها ، فعدد سكان القاهرة وعاصمة أستراليا وأسماء الدول تظل على ما كانت عليه .

حضر عندي مفتش، وكنت أعلم عن مصر .

اختلفنا أولاً : كيف يكون الشرق في الخارطة ، لكنه سرعان ما أقنعني،  وتنازلت له احترامًًا وإكرامًا – فهو مفتش – ،  ولكني ما زلت أعجب لقوله إن النيل يتجه شمالاً في هبوط ، أو ليس له عينان حتى يرى أن النيل يصعد صعودًا ؟

كتب الجغرافية ( البابوريشية ) فيها مادة وفيرة ، وأقرأها أنا والطلاب : مرة أنا ، ومرة هم ، فإذا وقعت على خطأ مطبعي أضخم المصيبة التي وقعت . وفي هذه الكتب يخلطون الجغرافية بالحساب ، فما علاقة مقياس الرسم بالجغرافية ؟

أحضر لي طالب خارطة صماء ، وطلب مني أن أساعده في تعيين طهران والإسكندرية .

طهران يليق بها أن تكون عند الخليج حتى يستحم أهلها صيفًا ، والإسكندرية لا بد إلا أن تكون جارة الإسكندرية ، وطلعت عليه بخارطة... أين منها خارطة الإدريسي ؟

يدعي بعض زملائي أن الطالب قادر على الملاحظة الدقيقة ، والتعليل،  واستخلاص المعلومات من الصور التي يجمعها عن نشاط الإنسان .

 ويقولون أن الطالب يدرك أسباب الظواهر الطبيعية المختلفة ومدى ارتباطها بظواهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وأن بوسع الطالب أن يجري موازنات ومقارنات من بيئته ، بل حدثني معلم من الخضيرة أنه يستعمل في صفه الخرائط المختلفة ، ومنها المجسمة والرسوم البيانية والإحصائيات العلمية الدقيقة ، والصور والأفلام ، والنشرات والصحف والمجلات،  والكتب المناسبة . وأغرب ما سمعت أن الرحلات المدرسية هي رحلات تعليمية . ما شاء الله !

فالرحلات عندي  فيها يغنون ويأكلون،  ويذكرون الفكاهات بعد أن يعذبوا أهلهم للحصول على المبالغ التي يريدونها . وبالنسبة لي فهو يوم راحة، وخروج عن روتين العمل .

فبالله خبروني أين الراحة ؟ هل هي في عملي ؟ أم في عمل هؤلاء الزملاء  ؟

 

 

 

الحلقة الثامنة

* أستاذ التاريخ *

 

أنا الأستاذ سيف الدين ماضي ، أستاذ التاريخ في إحدى المدارس الإعدادية . شخصيتي أزلية ولي حق الأقدمية في تعليم الصفوف العليا .

عندما أتحدث عن واقعة أو عن بطل أتقمص الشخصيات،  وأعيش أجواء الحروب بحماسة
 ( منقطعة النظير ) ، الطلاب ينصتون وأنا أروي لهم من طق طق حتى السلام عليكم .

ومحسوبكم محدث من الطراز الأول ، رزقني الله لسانًا ذربًا أتخلص به في كل مأزق .

 مرة كتبت أمام الطلاب ( مُرجأة ) ، وبعد دقائق نبهني طالب إلى أن الهمزة على نبرة ،فقلت بحضور بديهة : " لقد كتبتها عمدًا حتى امتحن قوة انتباهكم " . ( ومشيت )

  ومن أساليبي التي أستعملها لاستعراض العضلات التاريخية أنني أحفظ بعض المصطلحات وأسباب تسميتها ، أتشبث بها كالقرد الذي لقي الخرزة ، وحتى لو كان للموضوع علاقة بعيدة كالفظة (البرجوازية) – مثلاً- إذ  أفصّل معنى الكلمة،  وكيف كان .

في كل درس تضيع دقائق عديدة وأنا أؤنب هذا لأنه لم يحل الوظيفة، وأحاسب ذلك لأنه لم يحضر الكتاب .

ومن الغريب أن المؤلفين قد وضعوا أسئلة تحليلية في نهاية كل درس، كأن يسأل المؤلف سؤالا فيه ربط بين التاريخ والجغرافية ، فما العلاقة بالله عليكم ؟

ويحاول المؤلف أن يجد رابطًا بين ما يقع اليوم في حياتنا الاجتماعية وبين مجريات تاريخية ؟

  إن التاريخ قصص وحكايات فما هي النتائج التي يريدوننا أن نستخلصها نتائج ، عوامل ، قارن ، ما رأيك . . . ؟

كنت أحسب نفسي قويًا في التحليل، حتى التقيت مرة بمعلم محنك أخذ يصول ويجول في تاريخ العرب،  فتبين لي أني لم أعرف ( خمسي من طمسي ) . أخذ صاحبنا  يشرح فلسفة التاريخ، - كما قال لي - ، وربط بين حوادث،  وعلل ظواهر،  وذكر مصادر،  وأشار إلى أنه يوجه طلابه لها،  وأنه يأخذ في كل درس بضعة دفاتر فيها وظائف الطلاب ،  يصححها ، ويوجه الطلاب إلى الإجابات السليمة .

ولما كنت معجبًا بالربط الذي شرحه الأستاذ فقد أخطأت أمام الطلاب خطأ اعتبروه فاحشًا، وما دروا أن لكل عالم هفوة، ولكل جواد كبوة . وذلك أني شرحت عن واقعة ( واترلو )، وأنه جرى فيها استخدام الدبابات والطيارات والرادارات والقنابل والغازات، وقد وزعت المناشير تدعو السكان للتسليم .

فإذا بأحد الطلاب يسأل : وهل كانت هناك صواريخ يا أستاذ ؟

ففطنت، ولكني بلعت خطئي وقلت : ( لا يهمنا . . المهم هو . . . )، وطبعًا أنا أقرر المهم .

 

 

الحلقة التاسعة

* أستاذ الرياضة *

 

أنا الأستاذ رياض حافظ أستاذ الرياضة – ولا أعنيها باللهجة المصرية – وإنما أعني أنني أستاذ التربية البدنية ، ومرتبط بالصفارة والسيجارة وكرسي الإمارة .

يبدأ درسي باصطفاف الطلاب – استرح ، واستعد ( عشرين مرة )

 انتظم ، أسبل ( عشرين مرة )

 اصمت ، اخرس ، اهدأ ( ومرادفاتها ) .

التمارين هي هي ، آنًا يقومون بها بتكاسل وبتثاقل ، وآنًا أجلس وإياهم تحت الشجرة يحدثونني أحدث النكات،  أو يقومون بمصارعة تسمى في قرانا ( مباطحة ) .

 وفي لعبة المعسكرين – اللعبة شبه الوحيدة – يقرر القوي في الصف مجرى اللعبة ، هذا يصرخ وذاك يشتم ، والمعلمون في الصفوف الأخرى يقفون وراء النوافذ ، بعضهم يتذمر، وبعضهم مرتاح، لأنه وجد متنفسًا ومبررًا لراحته، وبعضهم لا يعنيه الأمر ، وأنا أدخن في الظل أجلس أنا و كرشي .

وتسألني ما الغرض العام من درس الرياضة ؟

لا أدري إلا أنه إنهاك الجسم،  ومساعدة الجسم على نمو مرتبك،  ونتائجه فوضى،عدم انضباط ولا مسؤولية ، فماذا تأمل من مثل هؤلاء الطلاب ؟

المهم – بصراحة – أن أزجي خمسين دقيقة بأمان ، ودرس على درس فإذا بالشهر ينتهي ،وشهر على شهر فإذا بالسنة تنقضي .

التمارين عندي تندرج من الصعوبة إلى السهولة ، وليس فيها اختيار خاص لجيل خاص .

وتسألني عن أهداف خاصة لكل تمرين ؟

 لا أدري،  والسؤال حري به أن يوجه لطلاب ( وينغت ).

 في بعض الدروس تجري سباقات ، فكثيرًا ما يُشج بعض الطلاب، ولا اعرف كيف أسعفه، وهل أنا ممرضة حتى أكون ملزمًا بالإسعاف ؟

 وعند فوز أي فريق أتحمس له ، وآخذ في مماحكة الطرف الآخر وكأنني أحدهم . أليس هذا بناء على أصول التربية الحديثة ؟

تضيع بعض أدوات الرياضة،  فهل كتب علي أن أدونها ؟

أتراني سكرتيرًا ؟

والأنكى من ذلك أن المدير يطلب مني أحضّر لدرس الرياضة .

لا يكفيه أن صوتي أبح أجش ؟

ثم يطلب مني ان ألزم الطلاب بملابس رياضية خاصة ويدعوني أن أفعل أنا كذلك ، هذا ما بقي علي ؟

أطلب تعليم الرياضة حتى أرتاح،  وهاءنذا جالس على كرسي الإمارة .

 

 

الحلقة العاشرة

* أستاذ الزراعة *

 

أنا الأستاذ عبد القادر سامي .

 

أستاذ الزراعة في مدرسة ابتدائية لها أرض صالحة للزراعة ، عندنا حديقة نحرثها كل سنة، ولا نزرعها ، نحرثها حتى يراها المدير والمفتش ، فإذا زرعنا بعضها نهتم به لأن الغنم والأولاد لا يدعون شيئًا سليمًا .

نقضي دروسنا في التفتيش عن الأوراق المهملة ، ونجلس تحت الشجرة ، ونكتة من هنا ونكتة من هناك . لا تلوموني فوالله لست مختصًا،  وليست لي رغبة في العمل،  ولا أدنى خبرة زراعية ، اللهم إلا ما أقرأه مرارًا وتكرارًا حتى أفهم بعضه .

في الدروس النظرية أسأل أحيانًا أسئلة معقدة لا أعرف أنا حلها ، وأحيانًا ألجأ إلى مواضيع مختلفة .

تصوروا مرة أنني كنت أشرح للطلاب كيف تصنع الهريسة .

قلت لهم :

الطبقة الأولى :   الفستق والجوز

الطبقة الثانية  :  السميد والسمن

الطبقة الثالثة :( وهنا دخل مدير المدرسة ) –

 

فسألت توًا أذكى طلاب الصف : وما الطبقة الثالثة يا سعيد ؟

فلم يحر سعيد جوابًا ، فقلت على الفور إنها رملية طينية يا طلاب !

 فضحك الطلاب كثيرًا .

 

 

الحلقة الحادية عشرة

* أستاذ الموسيقا *

 

أنا الأستاذ عدنان عثمان .

 

ألا تلاحظون أن اسمي فيه إيقاع  موسيقي ، لا يغرنّكم ذلك ، فوالله لست أتقن العزف على أية آلة  ، وصوتي منكر ، ولا أعرف من قواعد الموسيقا إلا السلّم : دو ري مي فا صو لا سي

غنوا يا أولاد :    طلت خلينا  ،    عذب الجمال قلبي ،      على دلعونه  ،   موال    وميجنا .

 

وسواء كانت المعاني أخلاقية أم لا فهذا ليس مهمًا .

 المهم . غناء وساعات هناء .  أما تكييف صوت الطفل، وتهذيب أذنه، وتنشيطه، وتنمية حسه الموسيقى ، ومعرفة الأصوات والإيقاع،  وتذوق الموسيقا والألحان،  فعلمه عند موتسارت وباخ وبتهوفن وسواهم ممن أسمع أسماءهم  من دار الإذاعة .

الآلات وأسماؤها ، الكتابة الموسيقية ، هذه كلها الغاز .

اسمحوا لي أن أعلمكم آخر أغنية  علمتها ،

 واحد اثنين ثلاثة :

 

صاف الصيف واخضر الدوالي

وطلعن البيض ع ظهر العلالي

ريتك يا نحل مالك توالي

قرصت البيض من تحت الثياب

       

 

الحلقة الثانية عشرة

 

من مذكرات الأستاذ عطوان سعد

 

كيف تم تعييني ؟

 

أما كيف تم تعييني معلمًا فقد كان سعيد البرشان نشيطًا في . . .، ولا يرد له طلب . توجه إليه أبي الذي حلم طويلاً أن يرى ابنه معلمًا . فقرأ لوحة معلقة في صدر الغرفة ، وربما هي آية -{ ادفع بالتي هي أحسن } ، فدفع أبي خمسة آلاف دسها تحت الفراش .

 وفي أول أيلول كنت معلمًا في مدرسة قريبة .

ولا أخجل إن صارحتكم أنني لم أنجح في أي موضوع ( بجروت )، وما زلت غير مؤهل حتى الآن – مع إني مؤهل زواجًا - ، فالشهادة ليس لها أدنى اعتبار عند المسؤولين .

ليس الشهادة عند الله من أحد .

في الصف :

لم أكن اعرف الطلاب،  ولا المادة التي سأعلمها،  ولا الصف الذي سأدخله .

 قرع الجرس،  فحملت نفسي إلى الصف،  ورسمت تكشيرة- كأنني فقدت فقيدًا قبل ساعة - ونظرت إلى المرآة لأرى مدى هيبتي . وأنا ابن جلا متى أحمل العصا يعرفوني

وما إن تململ أحدهم حتى انهلت عليه ضربًا ، فبهذه الطريقة – كما قالوا لي -  اثبت شخصيتي ، إذ أن تحطيم شخصية الطفل وجرح كرامته أمام زملائه ،  وخاصة أمام بنات الصف - يجعله مستكينًا ، وأصدقكم أنني أتلذذ بالضرب كأنني ( سادي ). وعندما لا أجد شيئًا أقوله في الصف أطلب من الصف أن يخلد إلى السكينة ، وأن يطرقوا رؤوسهم على الطاولات ،  ولا يفتح أحدهم فمه و . . .

الطلاب لا يحبونني – وإن خافوني – وبعضهم يهرب من المدرسة .

قلت :

لان ضربتك في يدي       ضرب المعلم للردي

تقول في فرط  الأذى      دخيل  الله  وأحمــــد

 

ولما حاسبت أحدهم لأنه هرب لكمته لكمة كادت أن تفقأ عينه .

هاج أبوه وماج،  وقدم شكوى للشرطة ، فاتجه أقربائي وشيخ عائلتي إلى والده واعتذر باسمي ، وأكدوا أن ليس بيني وبين الطلاب ثأر ، وأن الضرب هو بدافع المصلحة ، والعصا من الجنة . ومع ذلك ،  فقد أخطأ المعلم ، ومنك يا أبو فلان السماح .

سامحني الأب بعد أن أخذته النخوة – بارك الله فيه – وقال " لك  اللحمات ولي العظمات" .

والملدوغ لا يلدغ ، فأخذت أخرج بعض الأولاد ممن ألمس في أهلهم عدم قبول سياسة الضرب – مرة يقف الطالب على رجل واحدة،  ومرة حبس عن الغداء،  ومرة يخرج من الصف ، تنوعت الأسباب وأشكال العقاب .

ومهما بالغت فلن أصل إلى مبلغ ذلك المعلم الذي وضع لوحًا من الزنك ، ووضع فوق اللوح  أحجارًا ثقيلة ......وأنا لم أعض أذن طالب....... ولم أشل يد طالب آخر .

وكما يبدو أن سياسة الضرب لا تجدي في كل صف وفي كل جيل ، ففي الصف يوسوسون في درسي ( س س س )-  نغمة متصلة لا أعرف من أين تنطلق ومتى تنتهي .

أضطر لضربهم كلهم حتى المساكين الذين ( يأكل النمل عشاءهم ) ، فلا يجدي الضرب نفعًا.

 أسب دينهم ، وأشتم آباءهم،  ولكن هيهات  !

تدور أسطوانة الميم ( م م م )،  فأضرب عن التعليم،  وأقول المثل الدارج ( تعلموا أولاد يعبد لا تعلموا )

وخارج الصف أنا ( قبضاي ) !!


 

معلمون ؟

 

                     قد ضقت ذرعًا أيها الرجـل      أمعلـــمون توافه نفل ؟

 

                                  هل يعرف التدريس زعنفة      ويح لطفل غره الأمل

 

                                 إن يسأل الطـلاب مسألـــة       ويجيبهم ، فجوابه زلل

 

                                  قاموســـــه لفظ بلا خلق          أخلاقه سوء ولا جدل

 

                                   تبدو الغباوة فيه واضحة     والشكل أستاذ هو البطل

 

                      إن شاء يكتب (رؤية) و (رؤى )

                          حار الجهول وضاق   السبُل

 

                                بئس الذي في العار منغمس     متعجرف أقرانه   سفل

 

                                  يزجون وقتهم بمفسده         من قال عنهم أنهم رسل؟

 

                                 يا ليت شعري من يعاقبهم     فأراهم يومًا  وقد فصلوا

 

كتبتُ هذه القصيدة سنة 1968

مهداة إلى الناشط الاجتماعي

جلال أبو طعمة

 

 

 

   الحلقة الثالثة عشرة

* مدير المدرسة يتحدث *

 

 

اسمي محمود البك

 

أنا مدير منذ عشرين سنة . تم تعيني لأنني كنت نشيطًا مع حزب السلطة .

 خدمت كثيرًا فخدموني .

أنا مدير مدرسة ( أ ) في قرية في الشمال، ومدرستي اسمها عند المعلمين مدرسة ( البك )، فعندنا لا تحمل المدارس أسماء ابن خلدون والمتنبي وابن رشد وغيرهم ، عندنا المدارس أ ، ب ، ج ، د ، ولها أسماء أسهل فهي تحمل أسماءنا نحن المديرين الخالدين .

أنا – المدير – تسلمت الإدارة، وأرجو بعد تقاعدي أن تكون لولدي من بعدي .

 وأنا المدير أهتم جدًا بالدفاتر والتنظيمات الإدارية خارجيًا . أما الجوهر ومدى معرفة الطلاب فأساتذتنا قد الدنيا ، وهم كلهم لا شك مخلصون يقومون بالواجب ، اللهم إلا ذلك المعلم الذي لا يطيعني، فأكتب فيه تقريرًا يسرع على أثره المفتش ، وكل تأخير وكل غياب يخصم عليه .

أنا – المدير – كان عندما يقبض المعلم راتبه أحس كأنه مقطوع من أموالي الخاصة، أو أن المعلم عامل في مزرعة والدي .

أدقق على كل ورقة دفع أو كشف راتب ، وأتساءل: كيف قبض هذا مبلغًا كبيرًا ؟

أنا – المدير – شهادتي فعلاً أقل من شهادات المعلمين ، ولكن أي عيب فيه هذا ؟

المهم شخصيتي قوية ، وأنا ابن عائلة عريقة .

وأنا – المدير – أتحدى المعلمين أن يكونوا يستطيعون أن يديروها . . .

وأنا – المدير – أطبق سياسة المعارف حرفًا حرفًا ، وأتقلب حسب رغبات كل رئيس جديد للمجلس المحلي .

وعلى المعلم واجب الطاعة، وإلا فالبرنامج في يدي : كل يوم حصة سابعة ، مربي صف خامس ج،  أو بدون تربية صف ، فإن غبت عن المدرسة تظهر المدرسة كأنها في فترة استراحة ، وإن حضرت أو تجولت أمام الصفوف يظهرون لي أنهم يعملون .

مرة وأنا أتجول أمام أحد الصفوف كان معلم العبرية يقول ما معناه ( الحمار خارج الصف)، فهربت من وجهه ، وكأنني لم أسمع ، ولكن ، من يقصد هذا ؟

وأخيرًا أيها المعلمون:  هل منكم من هو ( مستمدر ) ؟

 

 

 

الحلقة الرابعة عشرة

 

* المفتش *

 

 

أنا أبو نادر-  مفتش المعارف العربية في حيفا وسائر الجليل ، ثقافتي ابتدائية ، وأدركت أيام العز - أيام كانت صناديق الفواكه والخضراوات  ، وكنت أعز من أشاء ، وأذل من أشاء،  بيدي النقل والتعيين،  وحل مشكلات المعلمين .

كنت أساعد من هم وراء الكواليس ، وأخبرهم عن كل شاردة وواردة ، والرجل السري يدون ويدون .

قبل أن ادخل المدرسة يهرع الواحد للآخر ينذر ويحذر- ( أجا المفتش ) ، تحضير ، حضور غياب .....حالة طوارئ !

المعلمون منهمكون في إعداد أوراق تحضير كتبوها في الحال، وأنا عند المدير اسأله :  " من نؤدب ؟ " ،  فيسر المدير لهذا العرض،  ويشفي غليله .

أنا مفتش،  ليس من واجبي أن أوجه،  أن أحث وأحرك،  بل كل غرضي أن أنقد النقدات السلبية، ، أحطم ، أثير شك المعلم في نفسه،  أو يصفّ المعلم في ( التلم ) .

كنت أحضر دروسًا ضمن ( التفتيش الفني ) ، وبعدها يصلنا أمر فوقي أن افصلوا فلانًا ، فنوقـع ،  أما الآن فدار المعلمين تريحنا،  فهي تتعهد ألا تقبل من في سلوكه السياسي ما يثير الريب وطبعا بإيحاء من فوق  .

بعد الدروس ألعب الورق،  وفي الليل أرتاد النوادي الليلية،  وأحتسي الخمرة،  فهذه شؤوني الخاصة .

ومن إنجازاتي أن اسمي على صدر كتب كثيرة،  فانا ( إنسيكلوبيديا ). يؤلف بعض المعلمين الكتب ، عفوا يغيّرون ترتيب الكتب السابقة ،  ولكي يحظوا على موافقة إدارة المعارف، وتطبق الكتب في المدارس أشاركهم في التأليف ، فانا مفتش واعتباري كبير ، وبالثقة جدير  .

إذ أن لي رصيد إضافي لا إخالكم تحسدوني عليه .

ما أكثر المفتشين هذه الأيام ! شباب يحملون الشهادات أو لا يحملونها، لكنهم يحملون المحسويية وختم الغول .

سمعت احدهم في اجتماع للمفتشين يتمرد،  ثم ما لبث الهمس أن تعالى إلى نقد صريح ومر على واقع التعليم .

 أما أنا فأعجب . أعجب كيف يبقون في وظائفهم ؟ كيف انحطت قيمة الوظيفة بدخول هؤلاء السلبيين .

تصوروا أن المسؤول الكبير تحدى في أحد الاجتماعات وقال إن المخابرات لا تتدخل في شؤون التعليم،  فانبرى له أحد المفتشين الجدد ، وقال له : " يا حضرة.... لقد طلبوا مني أنا ، وألحوا وضغطوا حتى أتعاون " ،  فاحمر وجه المسؤول،  واصفر،  ولم ينبس .

اسمحوا لي أن أودعكم ، سأركب سيارتي ، وأرفع هامتي،  وأقطب عن جبيني ، فقديمًا قيل :                         " كشر عن أنيابك كل الناس تهابك "!

 

 

الحلقة الخامسة عشرة

 

* مدير المعارف *

 

أنا يسرائيل مانكوفوفتش-  مدير المعارف العربية

اسمي كما ترون أجنبي ولي نائبان : سامي مجدي يقول كما نقول له ، وخانقين جاء لتطبيق سياسة الحكومة الجديدة ...

قامت دولتنا ، فكان التعليم العربي قضيتنا الأولى .

قال لوبراني مستشار رئيس الحكومة " نريد العرب حطابين وسقائين " فعارضناه .

 طلبوا من العرب أن يحتفلوا بعيد الاستقلال فهم أبناء الدولة ، وكم مرة من المناسبات وقف الطلاب ومعلموهم أمام عتبات الحكام العسكريين وبيدهم الأعلام،  ويغنون بالعبرية أغنيات جميلة الفحوى .

كان الحكام  العسكريون ورجال الأمن يقررون من المعلم ومن المدير .

ولا يكون المدير مديرًا حتى يخدمنا .

ولا يكون المفتش مفتشا حتى يحسن الخدمة .

        الشهادات ( يوك ) !

       المعلومات ( يوك ) !

       الإخلاص  ( يوك ) !

يتذمرون يسبب نقص الغرف ،  وقدم كتب التدريس،  وعدم ملاءمتها ، ومستوى المدارس الخفيض.

وأقول لهم باختصار :

يكفيهم أنهم بيننا ، ينعمون بديموقراطيتنا.  ألا يشعرون أنهم تطوروا ؟ ليقارنوا أنفسهم بإخوتهم في الدولة العربية !

أنا اعرف أن التطرف موجود،  وبعض المعلمين يستغلون كونهم موظفين عندنا ليبثوا السم الزعاف . لذا فقدمت مؤخرًا اقتراحي لوزير المعارف - الذي قيل على لسانه إن العرب سرطان في جسم الدولة - حتى نمنع المعلم من الخوض في السياسة في إطار المدرسة .

كانوا يشكون من طريقة تعيين المديرين . فقلت لدي الحل .

 أقمت لهم طريقة المسابقة ( مخراز )،  وفي كل ( مخرز ) يكون المرشح المطلوب قد اختير سرًا ،  ومن وراء خطوط التلفون .

يتوافد المرشحون لإشغال المناصب الشاغرة ، فنسألهم شتى الأسئلة،  ونلبس ثوبًا كأننا نريد أن نقرّ توًّا ، والمساكين يعملون أفكارهم في الاجابات ،  يبتسمون،  ويختارون الكلمات العبرية الفصيحة،  والكلمات الأجنبية،  وكل منهم يظن نفسه- أو على الأصح يوهم نفسه-  أننا سنختاره حتمًا .

مسرحية ؟  أليس كذلك ؟

 

* اعترافات *

 

رئيس المجلس المحلي :  

عندنا مدرسة ثانوية . نعين كل سنة مديرًا جديدًا لها . نفصل المعلمين في نهاية السنة . المصلحة الأولى هي مصلحة الائتلاف ، ولكنني هذه المرة تجاوزتها وعينت لمصلحتي .

لا تسألوني كيف ؟ ولماذا ؟ وأين ؟

 مراكز قوى . انتخابات . بلا شهادات بلا بطيخ !

 

معلم كثير الغياب :

مادامت أوضاعي ليست مريحة،  وبرنامجي غير منطقي ، والبغاث في هذه المدرسة يستـنسر ، فلن أهتم بالطلاب-  بالعيون التي تتلهف لدروسي . الضمير شيء نسبي . اليوم تقرير طبي . وبعد أسبوع تقرير شخصي . عد الأيام ! هل أنا مريض حقا ؟

 

معلمة بستان :

أقضي وقتي بالتطريز.....فسأتزوج قريبا .

مبارك !

 

معلم في غرفة مستأجرة :

 الجيران يتكرمون بالقهوة ،  وأشرب يوميًا عشرين فنجانًا .

شكرًا للجارة !

 

مربي صف :

درس التربية عندنا درس تشويش وشكاوى .

أولاد بلا تربية .

 


أبيات لي  قديمة

 

اذهبْ إلى القدس صيِّف   للمدارةِ               إن كنــــت تنشد قسم الثانويات !

 

يكفيك من قشرة في العلم تلحسها               واللب ، ما اللب ؟ محشو تفاهات

 

ما أنت أول أستاذ أخي     جهل                 ما كــــان يعرف ترتيب العبارات

 

في قصة الطبل ضخم الصوت معتبر        

                                                هل حصل الكلب شحمًا في المعاناة ؟

 

                                                                         فاروق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وأخـــــــــــــــيرًا  

 

حديث جدي جدًا

 

*  مدارسنا كالمدارس اليهودية - مزودة بالمختبرات والمكتبات والأبنية اللائقة .

 

* المناهج تتلاءم ومتطلبات العصر ، وعندنا لجان فعالة .

 

* مدراسنا تعمر بالتعليم اللا منهجي،  وفيها تُقدم الخدمات السيكلوجية على ارفع مستوى . وفي المدارس الثانوية استشارة تربوية ، وإرشاد .

* المعلمون يعينون  وينقلون حسب أصول صالحه وعادله ، والمحسوبية ( البروتوكتسيا ) لا تفعل فعلها ابدًا .  كما لا تتدخل مؤسسات وأشخاص لا علاقة لهم بالمعلمين في تثبيت وتعيين وفصل ونقل .

*الرجل المناسب دائمًا في المكان المناسب،  لذا لا تجد أشباه أميين وأنصاف مثقفين في إدارة المدارس .

*مقاييس القبول في دور المعلمين سليمة جدًا .

*  مراجعات المعلمين تتم بسرعة و تعييناتهم عادلة .

* لكل موضوع دراسي مركز ، والمفتشون مختصون بالمواضيع .

* الكتب عندنا رخيصة ، ومؤلفوها حملة شهادات تربية واختصاصيون .

   

وبعد هذا العرض ،  يأتي من يحتج ، ويدعي أننا لا ننوى الخير للمدارس العربية!!؟

 فليسقط المغرضون !