خاطرتي والضوء أو نبضات الشاعر مواسي
د. بطرس دلة
الدكتور فاروق مواسي إنسان متعدد المواهب فهو كاتب أديب، شاعر ناثر
وناقد له
إنتاج
غزير في شتى المجالات، ويكاد يكون ذا مدرسة أدبية واحدة، ولكنه فوق ذلك
كله
صديق
صادق تقوم بيننا علاقات عيش وملح ثقافية.
*
فاروق
عاشق الحزن أم محترفه ؟
يا
أهلها – أهلنا – يا طير منزلها ثم يتابع مستعرضًا مآسي الشعب العربي الفلسطيني فيعددها منذ النكبة، مرورًا بكفر قاسم ويافا وحيفا وشط البحر و... ويستنجد ببطولات.. صلاح الدين. كل ذلك لأنه يحب وطنه فلسطين ، ويحترف الحب والحزن معًا، يقول في ص – 30 : كم كنت أوثر أن يمتد بي زمني حتى أرى زمني يُكوى فيشفيني حتى أرى قلبي الظامئ ببهجته يراقص الفجر أفراحًا فيبكيني
وتنتقل
به الذاكرة مرة أخرى إلى عين غزال، فيبدو حزينًا ، لأنه عاشق لهذا
الحزن
، ولا يأمل على المدى أن يبرعم الصدى، ففي قلبه لوعة المدى ، واليأس
القاتل من
إمكانية إصلاح الحال: يقول في ص – 26-27 :
رغم بهاء حسان فيها رغم وداعة أطفال أو عزم رجال.. هذي الدنيا – لا جدوى – لا تبقينا بل تبقى مكتظه بكوابيس الرعب تسمى موتا ورحى عشوائية... في جذوة الوعد بأصواتنا مات الرجا والحلم والعطر حياتنا أسطورة مرة لقارئ حروفه الدهر * فاروق الذي يحب الحياة:
إذا
قلنا في الفصل السابق إن فاروقًا احترف الحزن و/ أو
عشقه،
فإن له مواقف أخرى حيث يتركه عشقه واحترافه للحزن ، فيتشبث بالحياة
التي يحبها
على ما
فيها من صخب، وجلبة وبناء وشراب وعشق وآمال....... مع أنها في لحظة
تنهار تلك
الفاتنة. ما أطيبها؟! ما أعذبها؟! نأكل… نشرب …نعشق…. ندرس…. نرقب…. نسمع نبني آمالا رحبــه في لحظــه تنهار الفاتنة المفتونه هل تعرف هذي المجنونــه أن حصان الموت يقود العربــه لمدارات الموت؟! ص 29-30. * فاروق الواعظ:
لا
ينسى شاعرنا أنه معلم في المدارس الثانوية ، وكيف ينسى وهو
الذي
كرس شهورًا في إعداد كتب التدريس، تدريس الأدب العربي شعرًا ونثرًا في
كتابيه
المشهورين "الجَنَى في النثر الحديث" و "الجنى في
الشعر الحديث"! لذلك ينطلق في نقد
المجتمع الشبابي الذي لا يقرأ ولا يطالع.... فيغضب ويصب جام غضبه على
الشباب الفتوة
الأقوياء جسديًا لأنه يريدهم أقوياء روحيًا : جيل الشهوات... اللذات.... الطرب والأغلب، جيل لا يعرف طعمًا للكتب قلت، وفي غضبي : يا فتيان العصر (حاشا أن أعني كل الفتيان) من دون فتوة اهتموا بالشَّعر
................. ص – 38-39. خلوا الأقراط تتدلى في الآذان بل تكفي في أذن واحدة تزدان وقميصك يا عيني ضيق افتح أزراره.... البس أضيق بنطال احمل خلويًا في يدك الأولى واستر سكينك ما أمكن انتعل الكعب العالي يا ارض اهتزي يا أمـــه.. لا تنس العلكة فتشدّق زمّر... زمّر...
وارجع بسلامة ربك! * فاروق المدافع عن المرأة: يقف شاعرنا معلنًا نقمته على الأهل، وعلى المجتمع الذكوري الذي يحرم الفتيات العربيات حياتهن بحجة الدفاع عن الشرف، ويثير لواعج الشوق والأسى على من تلوّن فستانها بلون الدم وهي بريئة، حتى إن الشجرة مدت يدًا تصافحها ، بينما تحجرت قلوب الأهل ، لأنها مست بشرف العائلة! فالأخ الحنون: كيف يؤدب أخته؟! إنه يؤدبها بالبلطة أو بالسكين أو يخنقها أو يشنقها .....أو بإعطائها سم الفئران !! ينتصر الشاعر للمرأة المظلومة مناقشًا المجتمع الظالم لها بتساؤله: بأي دين تحكمون؟! من ذا الذي أعطاكم قرار موت يا أيها الطغاة بل أي رب تعبدون يا قاتلون ص 48-49 . فصلاتهم لن تُقبل إلا إذا توقفوا عن قتل المرأة بحجة الشرف الواهية. * فاروق الصافي: في قصيدته "صباح الخير" يستهل شاعرنا يومه بمناجاة العامل والفلاح، بمناجاة أبنائهم/ بمناجاة الأرض والوطن، فهو عاشق مدمن على عشق الجبال، جبال الوطن والحياة! ومن يحب الوطن والحياة حسب رأيه – هو أقرب الناس إلى الخلود، ذلك الخلود الذي هو من صفات الآلهة فقط! هنا يسمو فاروق فوق الموت ويصبو إلى الخلود.. وفي هذه الصبوة شيء كثير من طيبة القلب وصفاء النفس ومحبة الآخرين! فالطير والشمس والأنهار والأشجار والحجارة، ليست لفلسطين فقط! وذلك لأنه يتجاوز محدودية التعصب للوطن إلى الانفتاح على العالمية ، وذلك أن لكل دولة من دول العالم أرضًا وأنهارًا وأشجارًا.. الخ ....ولكنها في فلسطين الوطن تبدو أجمل وأروع بكثير مما هي عليه في الأوطان الأخرى، لأنه لا ينتمي إلا الى هذا الوطن بالذات فلسطين- فلسطين التي هي موئل الشعراء والمؤرخين والدول المستعمرة الكبرى. · لغة فاروق الفنية: المطالع للديوان لا بد أن تستوقفه بعض التعابير الجميلة عندما يلجأ الى المحسنات اللفظية كقوله مثلا : ص – 11 فرسان الماء تحاول أن تغمرنا يعدو الماء بنا نعدو بالماء ويرش كل لحون الزمن فوق مدى يتبع أصداءه
فكيف
تكون رشرشة لحون الزمن هذه؟!
كذلك
يلجأ الشاعر إلى لغة الخطاب من حين لآخر كما في حوارية الموت مثلا ص
32-33
حيث
يقول: لا تفتح أبوابك يا من ساويت وما ساويت عفناك وعفنا شربتك المسمومــه أو:
حبّب نفسك في ليلة عشق أو سَورة كأس
او
أغنية
خضراء... افتح أزراره
حتى
تبدو في الحسن
زيادة!
|