حوارات  كانت  معي  

 

  أولاً - حوار مع نفسي  ( مونولوج )

-       لماذا هذا الكتاب ؟

-        لأنه جزء من سيرتي الذاتية ، فقد كتبت كل حوار في ساعات ،  وعن ساعات في عالم الأدب ،  بل أيام وسنين ، خلاصة تجاربي أرويها ، وآرائي أسوقها ...أو ليست وظيفة الأدب هي الكشف ؟

-       نعم ، ولكنك تُبدئ  وتعيد ، ويُكرِّر  أكثر من سؤال هذا المستجوِب   وذاك  ...ألا تخشى من النغمة الواحدة الرتيبة ؟

-         لاحظ أن إجاباتي تتباين حتى لو اشتركت في النتيجة ، ففي كل مرة زيادة أو نقصان ، وتاريخ المقابلة يقول لي أو لك  شيئًا   ، وأرجو الانتباه إلى تطور قد يحدث هنا أو هناك في هذه المسألة أو تلك ....

-       ولكن  ، هل تظن أن هناك من يهتم بهذه التفاصيل ؟

-        يهتم بها  الذي يهتم بالأدب ،  وبحركة أدبنا المحلي ، وبتطور كتابتي  - على المستوى الشخصي .....فإن لم تك هذي فتلك .

-        هل هذه هي كل حوارياتك ومقابلاتك ؟

-         لا ، فأحاديثي الإذاعية وتسجيلاتي التلفزيونية يمكن أن تُجمع في كتاب ضخم ...وقد كانت لي مقابلات صحفية أخرى لم أُثبتها ، إما لأنها ضاعت ، أو لأنني لا أرى في نشرها جدوى .

سؤال ضمن حوار :

هل لك طقوس في الكتابة ؟ هل هناك طقوس كتابة تحدثنا عنها !

يبدو لي أن "الطقوس" كما يسميها الكثيرون أو العادات المنتهجة أو " السلوك الكتابي" - كما أرى - فيها ما يشي بالمضمون، وإذا كان الأسلوب هو الكاتب كما يرى ( بوفون )  فلا بدع إن لاحظنا أن الشكل حتى الخارجي عن النص أو  السابق له ، له علاقة ما بالفحوى أو بصاحبه.

وقد ألف س.ر مارتين كتابه "في تجربة الكتابة" ( ترجمة: تحرير السماوي ) ، فعرّفنا على بعض السلوك الكتابي  لدى المبدعين ، فسيمنون مثلاً يصحو من السادسة صباحًا ويحضر لنفسه القهوة، ويأخذ فنجانه يوميًا" إلى غرفة عمله... الستائر تظل مسدلة ،  فهو يحب العمل تحت المصابيح الكهربائية . سيمنون كان يعمل لمدة ثلاث ساعات يوميًا - أي أنه في التاسعة صباحًا يكون قد أكمل ما يقارب العشرين صفحة دونما استراحة ، وتستمر طباعته كطلقات الرشاش، ويطبع نسختين من كل صفحة خوفًا من أن تضيع إحدى أوراقه... في فترات الاستراحة لا يقوم بأي عمل (ص92).   أما أجاتا كريستي ففي الحمام تأتيها أفضل الأفكار كما قالت،   كانت تجلس في البانيو ساعات طوالاً حتى تجد القصة الملائمة ،  وتضيف:" لا أستطيع وضع التصاميم إلا في الرياح الممطرة، أما إذا أشرقت الشمس فيكون أحب شيء الى نفسي هو الجلوس في الحديقة. وفي الأيام العشرة قبل الأخيرة قبل البدء في الكتابة أحتاج لتركيز محكم. عليّ أن أظل وحدي دون ضيوف ودون تلفون ورسائل (ص 108).

ولم يكن همنغواي يستعمل المكتبة لعمله ،  بل كان يعمل في "البرج الأبيض" المطل على العاصمة هافانا (ص12) - الأمر الذي يذكّرنا  بميخائيل نعيمة و"الشخروب" في أعلى بسكنتا.

والانضباط الصارم وجدناه لدى ألبرتو مورافيا ، فيقول :  " منذ فترة طويلة جداً وأنا أكتب كل صباح بالطريقة نفسها التي أنام فيها وآكل يوميًا. لقد أصبحت الكتابة جزءًا عضويًا في إيقاعي البيولوجي...

ولا بد من الإشارة كذلك إلى مقال كتبه صالح علماني في صحيفة تشرين السورية 2003/05/28 ،  حيث استعرض كتاب " عندما تأتي ربات الإلهام" للمؤلفَين الإسبانيين راؤول كريماديس وأنخل إستبيان. أما الأول فقد كان أستاذاً للأدب الإسباني والأمريكي اللاتيني في جامعات مختلفة ،  وحرر مقالات أدبية ونقدية في صحف كثيرة . وأما الآخر فهو أستاذ الأدب الأمريكي في جامعة غرناطة. وهذا الكتاب يدرس عادات ستة عشرأديبًا في ستة عشر فصلا"، نحو: ألبرتي، نيرودا، بورخيس وأوكتافيو بات وإدواردز...الخ.

فبورخيس -  مثلاً -  كان يغطس في الصباح الباكر في حوض الاستحمام ليستغرق في التأمل ،  وليناقش الحلم الذي حلمه الليلة الفائتة، وليدرس إن كانت فكرة الحلم تنفعه في صياغة  أدبية ما، فإذا اهتدى إلى البداية والنهاية لم تكن لديه صعوبة في استمرار معالجته النص.

يقول علاء طاهر في كتابه الخوف من الكتابة ( ص 60 ) أن فيه  نصوصه نجد المرايا ، التيه ، النمور ، الأنهار المدارية ، مدن غريبة .....  

ومن الجدير أن نذكر أن ماركيز كان يؤمن بأن الأزهار الصفراء  على منضدته تجلب له الحظ، وقد ذكر أنه يستهلك مئات الأوراق حتى يستخلص قصة في اثنتي عشرة صفحة.

أما الحديث عن يوسا وانضباطه ودقته فيذكرنا بنجيب محفوظ الذي كان يمر في وقت محدد في أثناء تجواله في القاهرة ،  فتُضبط الساعة حسب مروره بذات المكان . ولكن المفاجئ في سلوك يوسا الأدبي أنه كان يكتب وأمامه دمى لأفراس النهر.

ولم يعش بروست مع نساء ، بل عاش مع سائقه الخاص الذي كان يصحبه بسيارته إلى تلك الحفلات الليلية التي لا تنتهي ، فبروست كان ينام طيلة النهار ، ثم يخرج ليلاً متوجهًا إلى صالون أرستقراطي تجري فيه حفلات الكوكتيل ، لذا كانت رواية البحث عن زمن ضائع تتصف بمناخ هذه الحياة الغريبة . ( انظر كتاب : علاء طاهر : الخوف من الكتابة ).

وإذا عدنا إلى أدبنا ، و طالعنا في العمدة لابن رشيق فسنجد أنه أفرد للشعراء العرب الضروب التي بها يُستدعى الشعر ،  فكثيّر عزة  كان يطوف في الرياض المعشبة ،   بينما  كان الفرزدق يركب ناقته ،  ويطوف منفردًا في شعاب الجبال وبطون الأودية والأماكن الخربة.  وأما جرير فكان  يشعل سراجه ويعتزل ، وربما علا السطح وغطى رأسه رغبة في الخلوة ، بينما ذو الرمة كان يخلو لتذكر الأحباب

 ( انظر نماذج أخرى في العمدة ج 1 ، ص 180 )

وكنت قد قرأت أن شاعرنا  شوقي كان يكتب في المقاهي وعلى أوراق علبة التبغ ،  وكان يترنم في شعره قبل أن يكتبه ، وذلك في تجواله على شاطئ النيل، وأن نزار قباني كان لا يستخدم إلا الورق الملون في كتابته ، وكان هناك من الشعراء ( عزيز أباظة وسواه  )  يرتدي أبهى ملابسه وأفخمها.... وكأنه سيلاقي عروسه . وقد تعرفت إلى أديب - لا يحب أن أذكر اسمه -  بأنه من  الذين يُعدّون للكتابة عدتها، فيرتب  هذا الطاولة والأقلام والورق، ويحضر  القهوة، ويستمع الى الموسيقى الكلاسية .

       ونحن بالطبع لا نستطيع أن نصل بين خط السلوك وفحوى النص تمامًا، ولكن ذلك يحتاج الى دراسة متأنية  ومسؤولة، والافتراض هو  أن ثمة علاقة ما -  كما أشرت - .

   وسأحاول أن أبيًن ذلك من خلال سلوكي الشخصي (وعذرًا لأنني أذكر نفسي بين عظماء أنا تلميذ لهم، فقد طُلب مني -  أصلاً-  أن أكتب هنا عن سلوكي أو طقوسي الشخصية :

 إن النظام والانضباط والدقة أهم ما أهتم به، والصدق مع النفس  هو العمود الفقري لكتابتي، فإذا ورد وارد القصيدة وكنت سائقًا كتبت بعض أبياتها  وأنا أقود سيارتي، وإن كنت على فراشي ليلاً فإنني أدوّن الوارد والنور مُطفأ ( خشية من تعكير الصفو على العائلة)، وإن أطلّت الفكرة أو الومضة  أو الإشراقة لجأت إلى الهدوء لأتابع ما أحسه ويختلج في مشاعري وفكري.

 لماذا أقول " الصدق " وهو وصف أكثر منه سلوكًا ؟

 السبب -  أنني أحاول أن أتهرب من هذا الخاطر أو الكتابة بسبب كثرة انهماكاتي ،  وحبي للقراءة الذي لا يكاد  يفسح لي مجالاً  ، وبسبب يأس مستور من عدم جدوى الكتابة ،  وبسبب االتساؤل الملح : ومن يقرأ  هذا الكلام  ؟ ولكني لا أجد مناصًا ، فالكتابة ليست ترفًا لدي ،  والصدق يستلزم أن أكون إياي . 

أقرأ بصوت عال كل ما أكتبه، وفي قراءتي يتبين لي إيقاع  الشعر بتلقائية، وألاحظ كيف يرتفع صوتي وينخفض مع وتيرة دمي. بعض قصائدي كانت تأتي إثباتاً لمقولة ووردزوورث  إن الشعر "  فيضان تلقائي " -   spontaneous overflow   ، فتولد القصيدة كاملة دون أن أغير فيها حرفًا - على سبيل المثال: " ند في أضرحة عراقية " التي كتبتها والدمعة ترف على مآقيّ.  أما القصائد التي أقرأها على نفسي بإلقائي المتفاعل فقد أجد فيها كلمة بحاجة الى تغيير، أو أن هناك  معنى جديرًا  بي علي  أن أتوسع فيه أو أختزله ،  فأفعل ذلك أسوة بـ " عبيد الشعر"  الذين اشتهروا في الجاهلية بسلوكهم الكتابي الذي كان يمتحن الجملة الشعرية مرة بعد مرة ، قراءة بعد  أخرى ،  وأمام هذا وذاك (زهير في حولياته، عبيد بن الأبرص، الحطيئة وعدي بن زيد...)

ولعل في هذا إيجابًا -  أيضًا إذ  أن الشاعر لا يعتبر كلماته كمالاً مطلقًا، وقد توصل إلى ذاك لاحقاً العماد الأصفهاني الذي  رأى في التغيير دلالة على "استيلاء النقص على جملة البشر".

أما كيف تولد قصيدتي، فالأمر يتعلق بما شُحنت به ،  أو عبّئت فيه  أشجاني وأحلامي وعاطفتي. تأتيني جنية الشعر ( ولا أقول شيطانه ، ولعل هذه القناعة خاصة بي لم أسمع أن أحدًا سبقني فيها من العرب ، ولا شك أن هناك تأثرًا  من الغرب فهي مستقاة من المـوزا ) فأتبعها بلباسها المغري  الشفاف. هل الصورة أوشكت أن تكون جنسية ؟  إذن فاسمعوا ما أقول:

انحنت لي قليلا

 فبدا تكوّر نهديها 

 فرمقت الزغب الأبيض.

في شهوه

 ومضينا في الـــ    كلام

 وفي الـــ   قصيده

عندما أختم قصيدتي  أحب أن أقرأها أولاً على  رفيقتي (تسمي نفسها"  الأذن الأولى " ) هي تسمع ، وأنا أقرأ وأراقب تعابير وجهها ،ثم أستمع الى تعليقها ،  ولكني مع ذلك – ولتعذرني - لا أتقيد به.

أما كتابتي النقدية والبحثية فهي من قبيل القصدية، فأنا معنيّ مثلاً بفكرة أو بنص أو بأديب أحب أن أعرّف به ،  أو مبدأ شعري أو فكري...

أقرأ أولاً ماذا كُتب في موضوعتي ، وأعطي كل ذي حق حقه، فلا أسرق من هذا وأنتحل، أو أنكر على ذاك فضله، فقد جعلت رائدي الصدق-كما قلت - ، وفي ذلك أتصالح مع ضرورة الكتابة في عصر يتنكر للكاتب والكتابة .

أبحث عن متلق يستمع إلي وأشترط فيه (في قرارة نفسي دون الإفصاح عن ذلك ) أن يقدّر جهدي، فلا يتوقف لدى الملاحظة التي لا تروق له ، وينسى أن الأذن تسمن  و " يهوى الثناء مبرز ومقصر " .

شرط كتابتي أن يكون هدوء حولي لأركّز فكرتي ،  وأغوص في أعماقها شعراً ونثراً.

فهل هذا الصدق وهذا الهدوء وهذه الدقة تنعكس في كتابتي؟

 أدع الجواب للمتلقي الذي أرجو  أن يكون موضوعيًا.

                                                                              وجّـه السؤال : كمال الرياحي – تونس

                                                          للنشر في مجلة عمان ( الأردن )

 

لقاء أيمن اللبدي لصحيفة الحقائق اللندنية

مع الدكتور فاروق مواسي

1 ـ تقدم في مقدمة موقعك الإليكتروني عن دافعك وعن تقنية تعاملك في أمر الكتابة دليلا نوعيًا ونقتطف للقارئ منها ما يلي :

أكتب لأنني مضطر أن أقدم الثمرات ، وكأنني شجرة قد تكون عذبة شهية، وقد لا تكون ، ولكني أحس أن هناك من يسعد بها ، أعيد تركيب الأشياء والعناصر كطفل ،وأتجشم مسؤوليتها كرجل ، وأنقد طبيعتها كشيخ ...أكتب حتى لا أموت....

في أي النصوص ترى نفسك أكثر ألفة مع ما قدمت ؟ في النقد ..في السرد ..في القصيدة ؟

- لا بد إلا أن أجد نفسي في النص ـ أي نص وفي أي نوع أدبي ، حيث يكون النص مسكونًا في ذاتي وذاتي مسكونة في النص أولا أو قبلا ، وذلك من خلال نسيج لحمته ( أو مضمونه ) الصدق وسَـداه ( أو مبناه ) اللغة . واللغة هي عشقي أعلّمها وأتعلمها ، وهي التي تشف عن كوامن حبي لمجتمعي ، فتنطلق أداء موظفًا آنًا ، وجماليًا يطوف في فضاءات شتى آنًا آخر . المهم ألا أنطق عن ثرثرة ، بل في هوًى أستحبه ، وأدعو لأن يحبه سواي ، ويسعدني أن أجد لي رفقة درب .

س2- فاروق مواسي ، اسم له دلالة ثقافية مميزة وإنجاز أكبر من أربع وعشرين حجّة حتى الآن ـ أطال الله عمرك ـ ما الذي تحقّق في أولويات الإنجاز عندك ؟ و ما الذي تبقى ؟ وكيف تراه متبرعمًا في بعد الزمن القادم ؟

-عذرًا عزيزي أيمن ـ لم أفهم معنى أربع وعشرين حجة ، فقد بدأت الكتابة منذ عام واحد وسبعين ولي نحو أربعين إصدارًا ، أما الرقم أربع وعشرون فلا يعني إلا مجموع كتبي النقدية ( 12 ) والدواوين ( 12 ) ويمكنك تحوير السؤال ) - تحققت لديّ ـ في تصوري- قصيدة الصدق الرهيفة المنبجسة من معين عميق يشف عن ألم وأمل، يتعانقان في غمرة الشوق ـ وبريقه في عيني - ، يلوّحان في دلالات ثلاث: ذاتية ووطنية وشمولية. _ ما وسعتني الطاقة أو الحيلة _ ماذا تبقى من كتابتي أو ماذا يتبقى ؟

لأترك غيري يقول ما يراه فيّ إن كان قد قرأني .

ثمة الكثير الكثير من الموضوعات واللقطات مما يدعوني لأن أدلي بدلوي، أرأيت الآلاف المؤلفة من الكتب؟ فما أكثر ما تدعوك منها لأن تقرأها ، ولا تملك لمتعتها وقتًا؟ وعلى غرار الكتاب، كل شيء جميل يدعوك ، ولا ... لا يمكنك أن تستأثر به كله. فطاعة النص / كل طاعة مستحبة هي قدر الاستطاعة ، وتتمثل هذه الطاعة بالتماثل معها كتابة أو قراءة أو موقفًا نقديًا. آنـًا أقول- وخاصة بعد اطلاعي على القمم الشامخة في الأدب الغربي ، وعلى نماذج عظيمة من تراثنا :

وماذا أضفت يا فاروق في هذا الخضّم؟ هل أقول أشعر بالصفرية؟ والله يحدث الاعتراف كثيرًا وأنا أخاطب بعض العمالقة في مكتبتي .

وآنـًا أتصفح ما كتبت وما عملت وما استغللت فيه من وقتي جيّدا، أقول لم أكن فاروقـًا واحدًا!

وبين هذا وذاك تتبرعم الرؤى الإنسانية التي قد تجد لها من يرافقها أو من يضرب عنها صفحـًا !

س - 3 باعتبارك أحد القامات الأدبية العريقة التي رفدت الحركة الثقافية الفلسطينية ما وراء خطهم الأخضر وخطنا الفلسطيني الأحمر ، ماذا يوجد هناك من جديد ؟ هل ترى تبلورًا لتميّز من نوع ما ؟ وفي أي مجال ؟

لا أؤكد أن هناك ما يميّز أدبنا في الداخل في هذه الآونة ، فالحالة أشبه بخواء أدبي، اللهم إلا بعض الكتابات هنا وهناك هي وَمضات لا تدل على اتجاه. ولكن ، من جهة أخرى - فثمة مشاركات لكتابنا في المدارس والمؤسسات التعليمية ، يقرءون عليهم ، ويناقشون الطلاب ، وهذه ظاهرة إيجابية للغاية ـ فيها التواصل مع الأدباء واحترام عطائهم ، وفيها مثار اهتمام وطني ضروري وملح ، خاصة وأن كتابتنا عادة تعبر عن قضايانا وإنسانيتنا ، رغم أن هناك من يدعو إلى سلخ أدبنا عن قضيته ، وألا يعانق همومنا حتى يظل في دوائر التهويم ، أو ـ في أحسن التصور - يبحث عن العمق الذي لا يسبره إلا نفر قليل .

في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات نشأ لدينا مسرح شعري جديد لم يواكبه سميح القاسم مثلاً بعد أن أبدعه. ونشأ تيار الكنعانية ( ولي بعض التحفظ من مسألة أولية الحق التاريخي فيها وكأن هناك أحدًا سيقضي بين خصمين ) ، وهذا التيار أبدع فيه أحمد حسين ، وأظن أنه نسيج وحده في منطلقاته ومؤدياته .

وكانت مجلة (الجديد) حتى أوائل التسعينيات - تبعت روحـًا أدبية متميّزة. ولها كتابها الذين رسخوا ثقافة إنسانية وإبداعية ، وكانت الوسائل الفنية المستجدة في النصوص على أنواعها وتبايناتها دليل التواصل مع الثقافة العربية والغربية، بل كانت هناك مراوحات مع الثقافة العبرية التقدمية ... فتوقفت هذه المجلة، وأصبحت ذكرى ، وموئلا للباحثين _ إن وُجدت _ .

كما لم تحافظ مجلة أخرى هي (الشرق) التي يحررها د . محمود عباسي على المستوى الرفيع الذي انطلقت منه.

وبعد، فالانحسار اليوم هو بادٍ شعرًا ونثرًا ، وتقدير النقاد الجادين أو العارفين بيننا وذوي الأهلية يكاد يكون منعدمًا في أجواء الصحافة الاستهلاكية والمادية والأثرة والحسد وعدم القراءة والبحث عن القشور.وما دمنا لا نعطي كل ذي حق حقه على المستوى الإبداعي فثمة مشكلة !

إذا أصررت على سؤالك عن تميّز في نوع ما لدينا، فبإمكاني أن أشير إلى الاتجاهات النقدية الأكاديمية التي هي جدّية أكثر من سواها- قياسًا بما أقرأه في الجامعات الفلسطينية المختلفة-. ولعل السبب يعود إلى استخدام أكثر من لغة في متابعات الأبحاث الجادّة.

ولكن هذه الدراسات والأبحاث ـ مع ذلك- لا ترقى إلى مستويات مجلات الدراسات اللغوية والأدبية التي تصدر في جامعات المغرب العربي.

ويبقى التميز لدينا في كتابة النص الملتزم ـ بكل دلالات ذلك ، أقول ذلك بعد اطلاعي على ما يصدر في العالم العربي بكل تيارات الأدب الواعية واللا واعية .

س4- ما الفارق بين أن تكون أديبًا أكاديميًا أو أ ن تكون أديبًا صحفيًا ؟ وأنت جمعت من التجربتين معًا ؟

سميت منهجي النقدي (الوسطي) ، إذ آخذ من الأكاديمية الدقة في الاستشهاد، والتصدي للانتحال، وأتحمل المسؤولية في توصيل الرسالة التي أكتب من أجلها، فالكتابة لا تنطلق من عدم، بل من منظور يبررها أو يبرر لها؟

ويأخذ النقد لدي الناحية الشخصية الذوقية وعنصر المشاركة ، وهذان - ولا شك - يتواصلان مع الاتجاه الصّحافي اليومي. فمن قال إن النقد الصّحافي هو سلبي عمومــًا ؟ ألم يكن نقد العقاد والمازني وشكري والرافعي وطه حسين ومارون عبود صحافيـًا؟

بل أرى اليوم ضرورة أن تكثر هذه الكتابات في الصحافة لترقية الذوق لدى بعض القراء الذين لا يعرفون المطبوعة إلا الصحافة. ( لاحظ أن التعبير " نقد صحفي " يكاد يكون شتيمة ، ولكن يمكن أن نهذب العبارة بقولنا " النقد في الصحافة " أو " النقد الصحافي " ، ويبدو أن المسكوكات اللغوية تفعل فعلها .

س5- في الداخل الفلسطيني نهضت مطبوعات ثقافية جديدة وأفل بعض منها واستمر البعض الآخر ، ترى كيف تقوّم التجارب الورقية الثقافية عبر الدوريات والصحف ؟ ماذا أنجزت وفيم قصّرت ؟

منها الصالح ومنها الطالح ، ومنها ما هو دون ذلك! المؤسف أن مجلة ( الجديد) توقفت .

هذه المجلة التي خرّجت أدباء " المقاومة" ـ حسب تعبير غسان كنفاني ، أو " المعارضة"-حسب تعبير غالي شكري- أو الاحتجاج- حسب تعبير أدونيس-.والمصطلحات الثلاثة قيها تحريك للراكد واختلاف عن السائد .

وقد كنت - في أعداد الجديد الأخيرة - من هيئة تحريرها، ومن أمتع ما قمت به أنني دوّنت المناظرات النقدية التي كانت تجريها المجلة للتداول حول قصة واحدة أو قصيدة - على غرار ما فعلناه مع قصيدة

" الهدهد" لمحمود درويش أو " قريتي" لعبد الحكيم قاسم. وأذكر في هذا السياق أن الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي كان قد قرأ مادة "الهدهد" لينشرها في مجلة إبداع، فامتدحها لي كثيرًا، وأكد على أنه سينشرها، وهيهات.

أما السؤال عن بدايات مجلات وانتهائها فهذا أمر مألوف ومعروف. لكني أضيف أنني رأست تحرير مجلة " مشاوير " التي أصدرتها رابطة الكتاب العرب في أواخر السبعينيات ، وقد توقفت بعد سنتين ، وكان ذلك مجرد نشاط عابر لا أظن أنه ترك أثرًا جديًا .

أما السؤال - بماذا قصّرت المطبوعات عامة ؟

إن أيًا منها لم تؤلف جماعة كجماعة (شعر) أو جماعة (إضاءات) أو (أصوات)،..... استثني من ذلك

عندنا " مشارف " التي أسسها إميل حبيبي ، فحصلت على دعم مزدوج من السلطة الفلسطينية ومن وزارة الثقافة الإسرائيلية ، وما لبثت مساعدته سهام داود أن واصلت إصدار المجلة ، وأنا أحس أن للمجلة مريدين هم في حلقة تحرص المحررة على أن يكونوا معًا ، ويذودون عن كتابة بعضهم البعض ، مع أنهم يكتبون أشتاتًا ، وبلا رؤية أو منظور مشترك ، أو على الأقل من قواعد ثقافية متباينة ، فمنهم من لا يحسن قراءة جملتين ويفهم مقروءهما ، ومنهم من أنهى الدراسة الأكاديمية الجادة

س6- أنتم من الذين استجابوا مبكّرًا لتحدي المعلوماتية ونشط عبر موقعه الخاص وعدد من المواقع الأخرى ، كيف تنظرون إلى هذه التجربة في تحقيق منجز مميز عدا تحقق التواصل الإنساني الثقافي العابر للحدود العاجزة الآن أمامه ؟

أسعد جدًا بهذا التواصل من خلال موقعي الذي تجاوز رواده السبعة آلاف - حسب الإحصاء المثبت في الموقع - ، ومن خلال المواقع التي أكتب لها. حيث ً أتعرّف أولا ً إلى أدباء وكتابات أدبية لم تكن أحلم بالاتصال بهم أو بها .

وثانيًا يعرفني العالم العربي بعد أن أدار لنا ظهره ، لأنه اكتفى بالثلاثي (درويش ،القاسم، زياد) ، ولم يعد يستوعب أن هناك أصواتًا أخرى . فهذه التجربة على الشبكة عرفتني أن هناك قراء لهم أذواقهم ومشاربهم ، وأن هناك من يفرح بنا،ونفرح به ، وليس أدل على ذلك من تعرفي إليك يا أيمن وإلى ناصر ثابت ، وأنتما من طولكرم ( بلدياتي ) التي لا يستغرق الوصول إليها بالسيارة أكثر من عشر دقائق . وهكذا أجد نفسي في المواقع السورية التي حرمنا من دخولها بغيًا واستكبارًا ، وأخذت مقالاتي وقصائدي تظهر في عشرات المواقع بعد أن كان الحرمان والحظر والتعالي على هويتنا الخاصة بعض ما يعكر علينا الصفو والاعتزاز بلغتنا ووجودنا .

تغمرني سعادة حقيقية وأنا أتصفح عشرات المواقع ، وإذ أبحث عن مادة فأجدها ، أو أقوم بجولة في عالم الحروف فتتراقص لي أبهى وأزهى، بل أذهب إلى أن قراءتي في الكتاب أو في الشبكة لا تختلفان وهما يتقاسمان الوقت ليتنازعا في سبل إمتاعي وإقناعي .

س7- انتقالا عبر عقد التسعينيات، كيف تقيمون التواصل الذي انفتح على جانبي الخط وفي الوطن العربي مع التجربة الفلسطينية والحركة الثقافية الفلسطينية ؟ ما الذي لم تروه بعد مما كنتم تتوقعونه ؟ وما الذي تطمئنون لإعلان ولادته ؟

الانفتاح المستجد هو على واقع الثقافة الفلسطينية في الضفة والقطاع بعد أوسلو، إذ في الفترة قبل ذلك كان الكتّاب الفلسطينيون ينشرون في صحافتنا "الجديد"، "الشرق"، "الإتحاد" كما كنا ننشر نحن ـ كتاب الجليل والمثلث - في "الفجر" و"البيادر". وكانت اللقاءات الثقافية متواصلة، وكنا كأننا الشجرة الواحدة لها غصون مختلفة.

أما بعد ذلك وبعد أن تسنّم بعض الأدباء، الذين وفدوا من الشتات، مواقع أدبية مقررة ، أخذنا نلاحظ نوعًا من الترفع عن النشر لنا، أو على الأقل لا نكاد نستمع إلى التوجه لنا من صحيفة معينة أن نزودها بمواد، وإذ طلبوا فهو من باب رفع العتب ، ومن بعض الأسماء التي " يتوسمون " فيها إحداث الثورة الأدبية .. هناك اليوم شبه انقطاع بيننا وبين أهلنا لم يكن لنا به عهد. كنت أتوقع علاقات وثيقة واتحاد كتاب فلسطيني لنا فيه مندوبون أو ممثلون على الأقل في اللجنة التنفيذية، وكنت أتوقع استمرار المهرجانات الثقافية في بير زيت ـ مثلا - وفي الندوات الشعرية ، ودعوتنا بشكل فعّال أكثر، وكنت أتوقع استمرار جائزة فلسطين ، وأن تكون أيضًا من حظ الأهل في الجليل والمثلث، وتوزيعها دون أن يقرر توزيعها مقرر واحد وأوحد ، هو صاحب الحول والطول ..

س8-    ماذا رأيتم من أصداء للأدب الفلسطيني عند الآخر المحتل ؟ هل يقرأ الجلاد الضحية؟

يهتم الإسرائيليون بكل ما ينشر، ولهم معاهد أبحاث، ومتابعات وأرشيفات، ويراقبون كل كلمة ويستمعون إلى كل صوت. وأنا لا أغالي في ذلك، فهم جدّيون في دراسة القضايا أكثر منا. هم يقرءون صرخات الضحية وتحديها ، ويعرفون مدى تأثير الكلمة، ومتى؟ وأين؟ وإلا فما الذي دعاهم إلى أن يغتاظوا لقصيدة لي عن اعتقال الشيخ رائد صلاح....؟ وقد عبّروا عن ذلك في وسائل مختلفة أعرف تفاصيلها. ولماذا يصادرون كتبًا لشفيق حبيب .. مثلاً - علمًا بأنه أصدر كتبًا أكثر ، وفيها موقف وطني لا يقل عما في هذا الكتاب المصادَر.

لا أنكر أن بين الإسرائيليين من هم في صفوف اليسار الذين يسمعون أصواتنا، بل منهم من يكتب معبّرًا عن رفضه لهذا الواقع. وحتى لو كان العدد من بينهم قليلاً، فنحن نشجع هذه الأصوات، ونترجم لها، ونعرّفها في مدارسنا وندعو إلى تضافر الجهود معها.

س9- بعض النقاد دفع عن تهمة أزمة النقد ، وأعاد الكرة إلى ملعب الشعراء أنفسهم في مقالات ظهرت مؤخرًا في الصحف ، بصراحة ووضوح ما رأيكم في مسألة أزمة النقد ؟ هل هي قائمة فعلا ؟

ليست هناك أزمة في نظري، فالكتابة النقدية انتقائية، ولما أن كان عدد النقاد أقل -وهذا هو الطبيعي- فلا يمكن أن يكتب الناقد عن كل أديب أو عن كل ظاهرة أدبية. فالأمر يتعلق برغبته في أن يطرح رؤية أو فكرة، أو أن يقدم نصًا راق له، أو يود أن يعالجه بكل تجلياته كما هو...

النقد يحتاج إلى وقت للدراسة ومراجعة المصادر، وهذا الوقت كان يجب أن يعوَّض عنه ماليًا أو مكانة رفيعة في الصحيفة ـ على الأقل من حيث الإخراج والمونتاج - ، وذلك مما يحفز على العودة إلى الكتابة.

وإذا أردت أن أُجمل : هناك كتابات متواصلة لأكثر الذين يكتبون النقد. والسؤال الذي يجب أن يُسأل: لماذا توقف هذا الناقد أو ذاك عن عطائه ؟ وهذه مسألة فيها نظر !

س10- البعض يرى أن قصيدة النثر أصبحت علة وعالة على الأدب العربي ونقل عن محمود درويش استنجاده بالناقد السعودي عبد الله الغذامي من مليشيات قصيدة النثر ، ما رأيكم في هذا كـله ؟

- محمود درويش أول متهم بتسويق هذه الكتابة النثرية الصرفة، فهو ينشرها في "كرمله" ويترفع عن نشر قصيدة فيها أبعاد وطنية شفافة ، لا لسبب إلا أنه يُعبِّر عنها في قصيدة التفعيلة (ولا تسل عن التقليدية من حيث الشكل). إنه يروّج لأسماء معينة، وكأنها هي الشعر والشاعرية.

أما موقفي أنا من قصيدة النثر فهو ليس موقف المعارض، فالماغوط في رأيي من أعظم الشعراء. وثمة قصائد جميلة لطه محمد علي ولأنطون شماس ( حين كان يكتب ) ولأديب كمال الدين ولحسن النواب ولفرج بيرقدار ولفرج العشة ولآخرين كثيرين ، لا أملك إلا أن أحبهم .

المهم : أعطني القصيدة الجميلة الشفافة الرائعة لا المستعلية علي هي وصاحبها . أقول ( استعلاء )، لأن أصحاب مجلاتهم يستنكفون عن النشر لي ـ مثلاً - باسم المستوى الرفيع الذي ينشدونه - ويا سبحان الله - ! ولن أذكر من هم حتى لا أترك لهم أو عليهم فسحة ومساءلة .

س11- الأسماء الشعرية الفلسطينية مؤخرًا شكّلت قائمة جديدة في داخل الخط الأخضر وخارجه ، بينما ليست هناك أسماء روائية جديدة وخاصة نسائية ، لماذا ؟

صحيح أن هناك أسماء شعرية جديدة في قائمة أدبائنا ، ولكن الأعمال النثرية عادة تحتاج إلى رويّة وتدبر ودراسة متواصلة وعمق أكثر، فالمسألة ليست مجرد خطرة أو ومضة .. كما في الشعر - بل هي بناء محكم ونسج مدروس. وأنا لم أقتنع أن لدينا رواية ذات مستوى رفيع، فحتى إميل حبيبي - الذي طبلوا له وزمروا - كتب نصوصًا ولم يكتب رواية.

من الأقلام النسائية التي أتوقع لها العطاء والإبداع دينا سليم، فقد لاحظت قوة السبك / الصياغة لديها ، وهي متواضعة تتقبل النقد بدون غروريات أو ادعاءات .وقد أصدرت لها دار العودة رواية " الحلم المزدوج " ، وأظن أنها بحاجة إلى وقفة متأنية .

س12- في الترجمة لك تجارب كثيرة ، وترجمة الأدب تحديدًا مهمة عسيرة فما هي معاييرك الخاصة التي تضعها أمام هذه المهمة في الاتجاهين من العربية ولها ؟

كم بودي أن يكون المترجم على اطلاع معقول على اللغتين ، وأن يستشير أهل اللغة الأخرى وسابري أغوارها - لدى مجابهته تعبيرًا بحاجة إلى تريث ، وهكذا أفعل ؛ بل سأصدر قريبًا مجموعة مترجمة عن العبرية وسأضع النص في اللغتين ، حتى يكون ذلك نوعًا من الاستغراء / التحدي للتنقيب عن أي مأخذ ، وهذا يدعوني إلى مداورة النص ومحاورته أكثر وأعمق .

ويبدو لي من سؤالك أنك تحس عدم رضاي عما تُرجم من العبرية وإليها ، ويا ليتني أفضي بسريرتي وسري حتى أبين مدى الزيف في ترجمات كثير من نصوصنا التي ترجِمت ، حتى بدا الأمر " كله عند العرب صابون " ، ولكني لن أفعل ذلك ما دام هناك عدم اهتمام بمدى صدقية النص وأمانته في النقل ، وما دام كل شيء بالمجان ، ووقتك وجهدك ورأيك وإخلاصك في موضع تساؤل ، وممن ؟ من أمثال من قال فيهم المتنبي " ضعيف يقاويني قصير يطاول ُ ".

س13- كيف ترى تجربة المواقع الالكترونية الثقافية ؟ وما هو مبعث قلقك حول تجارب من هذا النوع إن وجد ؟!

إن كثيرًا منها يستضيف أقلاما جادّة، ويحررها نخبة من المثقفين المتابعين للحركة الأدبية. وأنا إذ أُحيي القائمين عليها أدعو لأن تغربل المواد أكثر_ تلك المواد التي تصل إليها ، وتنشر المواقع المادة خِلوًا من الأخطاء اللغوية ، وذات صبغة أدبية تروع المتلقي حقًا .

مبعث قلقي أن تضيع هذه المواد، فأنا لا أضمن بقاءها بعد عَقد من السنين مثلاً، فأنّى لي ، أو من يضمن لي أن أجد مادة معينة قد يكون (فيروس) جديد منهجي اقتحم الحاسوب ، وشاء أن يقضي عليها ويُخرجها إلى دوائر ومربعات. لا لسبب إلا لكي يشفي هذا المعتدي آفة العدوان والإيذاء ، فينتشي بذلك أي انتشاء .

س14- كلمة تود أن ترسلها عبر الحقائق ، تفضّل ، ولك المساحة الفضائية بانتظارك ....

كلمتي للزعامة الأدبية التي ارتأت لنفسها أن تكون القمة المقررة لمستوى النصوص أن تطامن من كبريائها غير المبرر ، فقل لمن يدعي في العلم معرفةً حفظت شيئًا وغابت عنك أشياء

_ وأن ينطلق النقد من منطلق حب للعطاء وتقدير لصاحب النص، وأن يظل الناقد نزيهًا موضوعيًا يقول كلمته، لا جارحًا ولا متحديًا، وما أجدره أن يبحث عن بعض ما يشفع لصاحب النص حتى تظل الثقة بالناقد الجدي والمسؤول أمرًا لا مشاحّـة فيه . 

                                                   أيلول 2004

لقاء جمعية المترجمين العرب مع د . فاروق مواسي

 

هل من تعريف سريع بأديبنا الكريم؟  

 - لأوفر عليكم صفحات من هذا الحوار، يمكنكم الرجوع إلى رابط موقعي المنشور في سيرتي الذاتية المرفقة ،  حيث فيه سيرة مختصرة، وقائمة بمؤلفاتي.

ما هي مواهبك، وهل من هوايات لا زلتَ تمارسها حتى الآن؟

 - أهم هواية هي المطالعة واقتناء الكتب، وما أحبَّ الساعات التي أقضيها في مكتبتي بين آلاف العناوين، أخاطب المؤلفين ويخاطبونني، وأسمع أصواتهم وهم يحاورونني، أعاتبهم أحيانًا على قصور ما، وأندهش كثيرًا لغزارة معرفتهم، فأقول: يا بييّ! متى سأدرك ذلك؟ أما بعضهم فيعاتبني بسبب قصوري عن قراءة كتابه مثنى وثلاث ورباع.

الكتابة ليست هوايتي، بل هي قدري، وأكتب لأني مضطر أن أعبر عن مسألة أو صورة أو جمالية شفافة. وأدعو القارئ لأن يزور موقعي ليقرأ في الصفحة الأولى – لماذا أكتب؟

لكل مبدع تجربته الخاصة والمميزة فهل لنا أن نعرف ما هي ملامح هذه التجربة عندكم؟

أما تجربتي فانطلقت بعد قراءات ومتابعات، وكان النص الشعري أو النقدي ومنذ البدء فيه أناي ذاتي  أو ذوبها. كنت أقرأ وألخص ما أقرأ، ثم ما لبثت أن ألفيت نفسي قادرًا على الصولة والجولة ، فأحسست بأن لدي ما أضيف.

ولعل ما شجعني أنني وجدت الناس اتباعًا للمألوف، فإذا قالوا "طه حسين" رددوا كالببغاوات "طه حسين"، وعندها أجد رفضًا حادًا لمجرد معارضته، أو حتى بسبب إبداء رأي مستقل فيه، فمن أنت حتى تنتقد هذا العَلم أو ذاك؟ ثمة خانات محظور عليك أن تمس بها....

ومضت الأيام، فكنت إذا قرأت نصًا لي جديدًا حاول أصدقائي من المتأدبين أن ينزلوه إلى الدرك الأسفل من النقد، فما كان مني بعد أن ثبطوا من عزيمتي، إلا أن قرأت لهم نصًا على أنه للسيد يحيى بن يحيى الليثي (اخترعت هذا الاسم)، وقلت لهم إنه شاعر صوفي راق لي، وقد عاش في العصر العباسي، فكان رد فعلهم إعجاب منقطع النظير، بل أخذ أحدهم ينسخ القصيدة ليحفظها .... فاستأذنت منه، وأخذت ورقته لأثبت اسمي على النص، وقلت له: هذا من شعري ..... فبهت الذي كفر بي. وكنت أشارك في المسابقات الإذاعية التي كانت مثار تنافس ومجالاً أظهر فيه قدرتي، وكانت هذه في مواضيع أدبية مختلفة، وغالبًا ما كنت أفوز، بل كنت أفوز.

قصيدتي الأولى كتبتها مخاطبًا المتنبي، وقد تأثرت به كثيرًا لكثرة ما أحفظ له (لا أقل من ألف بيت، ربما بسبب مسابقة كانت عنه:

يا أبا الطيب أنصت       روحك الصغرى تغني

إن يكن مجدي سماء       أنت رب منك  فنـي

لن يكون الشعر شعرًا     دون أن يرقى  بفـن

إن شعري مسكراتٌ       من دنان الخمر  دنّي

شعبنا حي عريـق       ثورة لم  تستكـنِّ

حب أوطاني عظيم      في  هواها  لا  تلمني

وجدير بالذكر أن لدي دفتر شعر أسميته "أشعار ليست للنشر" (المكنونات)، وفيها الكثير الكثير من الغزل وبعضه فاحش، ومن السياسة، وبعضه يحبسني مباشرة. وأغلبه ليس بمستوى الشعر الذي أدعو له من حيث المستوى الفني ، فليبق مكنونًا في حياتي.

ما هي الكتب التي تجذبك وتطالعها غالبًا؟

  -كتب اللغة، وكتب النقد الأدبي، وأشعار هنا وهناك تروق لي، فأنا يجذبني النص لا صاحبه، ويمكن أن تذهلني قصيدة لكمال السبتي مثلاً ولا أرى في قصائد معينة لأدونيس أثرًا في نفسي؛ باختصار: أنا مستقل في فكري وفي آرائي، فلو قال مليون واحد إن متشائل إميل حبيبي رواية لتحصنت برأيي، وقلت: هي ليست رواية وإنما نص جميل. ولي آراء في "عمالقة" الأدب واحدًا واحدًا، وليس لدي قدسية لأحد، وما أكثر ما آخذ على إدوار سعيد مثلاً، بيد أنهم يعدون له ملفًا تلو الملف. من هنا فإن الكتاب الجدد المتميزين يعرفونني بتشجيعي لهم كتابة وتعريفًا وتقديمًا (لاحظ: مؤلفاتي في موقعي الخاص، وانظر كم عرّفت وأحببت من الأدب الجديد الواعد!

 

هل لديكم مشاريع مستقبلية وهل يمكن للمترجم أن يتقاعد؟

ما أكثر ما أنوي إصداره:

bullet مجموعة أبحاث ودراسات،
bullet مجموعة مقالات بعنوان ( تمرة وجمرة ) وهي ناجزة للطباعة،
bullet مجموعة شعرية مترجمة للعبرية وربما تكون مشتركة مع الإنجليزية،
bullet المجلدان الأول والثاني لأعمالي الشعرية الكاملة (قريبًا جدًا، وسيُعرض في معرض فرانكفورت – كما أخبرني الناشر-
bullet *قصائد لشعراء عبريين من ترجمتي بعد اختياري ....وووو

القسم الثاني من السؤال منقطع عن قسمه الأول: وأجيب، عافيتي تحدد توجهي وحماستي واستمراري وابتكاراتي المتواصلة، ونشاطي المعهود، ولكن .... ثمة من يعطي هذه العافية، فله الحمد أولاً وقبلاً.

ما هو تعريفُكَ للمترجِم؟

هو الذي يسبر غور النص الأول فيعايشه، فيحب المترجم أن ينقله للآخر، لعل فيه فائدة له أو تعريفًا بما يحب هذا المترجم أن يرسله، أو أداء وظيفي يحاول أن ينقل نصًا من غير إخلال، حيث أن المترجم يعرف في قرارة نفسه أن الإبداع في الترجمة فن يجب عليه أن يستحصله حتى يُعجِب ويُرضي، وهي قدرة ومهارة وتذوق معًا.

هل تعتقد أن المبدعين العرب من أمثالك قد نالوا حقهم من الأضواء أو الانتشار؟ ولماذا؟

              -        الله         وكيلك،لا !!
والسبب أننا حُجبنا بظهور أسماء "عمالقة"، فمن فاروق مواسي؟ ومن فلان هذا. حتى يتطاول عليهم؟!!

وعزائي لنفسي أنني لا أقرأ لكثير منهم خمس جمل بدون أخطاء في اللغة، ومن يخطئ في اللغة دون معرفة أولا بأصولها فهو لا يعني شيئًا في حسابي المرصود للغة الفصيحة، ويمكن أن أقرأ شعره -مثلاً- وكأنه مكتوب بالعامية، وأنا أحب أن أقرأ شعر العامية كذلك، فأحب جمالية النص برغم ذلك أو معها !!!

وعزائي ثانية أنه لا يصح إلا الصحيح، والأمور بخواتيمها.

هل من الضروري تعليم المترجم وتدريبه على أن يكون حياديًا في الترجمة؟

نعم، فالترجمة أمانة لا خيانة، ولا بد أن نعلم أوليات الترجمة، ولا بد من دورات مكثفة، وجهد، ومتابعة، فالتعلم يتم فقط بالمتابعة والتمرس. والترجمة مسؤولية، وقد تكون كلمة ذات مفعول سحري أو مفعول غضَبيّ، فقد ترجمت ذات مرة كلمة إلى العبرية، ولم أُوفق في اختيار الكلمة العبرية الدقيقة، فكاد أن يقع خلاف في الجلسة، لولا أنني تداركت نفسي، فصححت خطئي، وبفضل الكلمة التي "شرفت" في اللحظة الحرجة - بقيت الجلسة مفتوحة.

وأذكر أنني كنت أضيف تفسيرًا ما بسبب حماستي لموقف فلسطيني مثلاُ، حتى لاحظ أحد الإسرائيليين ذلك، فقال: هذا رأيك أم رأيهم؟؟!! كنت تود أن يقولوا ذلك!!!!
الحيادية أمانة، ولكن هل هذي تتيسر دائمًا؟؟!! (أنا) الإنسان متواصلة مع تجليات نصوصه، واللبيب اللبيب من كبح جماح هواه، وظل إلى الموضوعية أقرب.

 مَن في رأيك مهمته أصعب: المترجم الفوري (الترجمان) أم المترجم التحريري؟

الفورية أصعب، فأنت ملزم بمتابعة جمل هذا الذي يطيل عليك، (في تجربتي القليلة هنا كنت أطلب منه أن يتوقف حتى أستوعب، لأنني أحيانًا أسرح، وخاصة إذا لم يعجبني المتحدث)، ثم أنت مراقَب لغويًا ، خاصة وأنت تدعو ليل نهار إلى الحفاظ علىاللغة.
في التحريري ثمة تنقيح ومراجعة ومساءلة لصاحب النص هاتفيًا -إذا أمكن-، وكثيرًا ما فعلت ذلك -من باب- قال بلى، ولكن، ليطمئن قلبي.

هل تعتقد أن اللهجات العامية واللغات الأجنبية في الإعلام والإعلان والإشهار تشكّل خطرًا على اللغة العربية؟

إلى حد بعيد، وقد كنت أظن أن المشكلة هي لدى عربنا في الجليل والمثلث الذين يطبعون لافتاتهم بالعبرية الفصحى، ولكني وجدت العواصم العربية التي أتيحت لي زيارتها لا أقل كرمًا منا في التخلي عن عربيتها، ثم، أليس هناك خطر حقيقي على عربيتنا ما دامت الرسائل للمسؤولين، وللجامعات، وللمؤسسات ليست باللغة العربية، وإذا كانت بالعربية فهي ليست خالية من اللحن والهمزات العجيبة .... أم تراني أغالي؟؟؟ أؤكد لكم أننا نكتب في الداخل بالعبرية أكثر من لغتنا، وفي المغرب العربي بالفرنسية، وفي ...بالإنجليزية، ونحن لا نكاد نذكر لواء آخر - بلغة تُفرض

عليه فرضًا هذه المرة.

إلى متى سيبقى تأليف المعجم العربي عملاً فرديًا في حين أصبحنا اليوم نعرف أن التأليف المعجمي صار صناعة تعتمد على فرق في الجمع والمتابعة والمراجعة والتنقيح والتجديد؟

حتى تكون ميزانيات مخصصة للدارسين؛ فأعطني ميزانيات أعطك برامج!!! والعمل الجماعي يظل أفضل حتى لو تحفظت بعد قليل -فيما يلي-.

هل يمكن ترجمة الشعر -حصرًا- هل يمكن أن تحقق الترجمة نفس التأثير في الثقافة واللغة المترجم إليها؟

يقول المثل الإيطالي (الترجمة خيانة) – traditorre traditorre وأرجو أن أكون قد كتبت إملاءها صحيحًا- كما أملاها علي أستاذ إيطالي، وقد وضع على الحرف الأخير إشارة فوقية ليس السبيل إليها في حاسوبي، ولفظ جناسها أمامي. فقد قالوا ذلك، لأنهم يعرفون أن نقل التجربة تمامًا مستحيل، ولكن ما العمل؟ أنكتفي بنقل الحضارة الأوروأمريكية مثلا بتجلياتها العلمية، ونتخلى عن أدبياتها فـ (رائحة الجوز ولا عدمه) كما يقول المثل الفلسطيني.

ثم إننا معنيون أن يتعرفوا إلينا، فيدرسوا في أي فلك نحن نسبح، لأن اللقاء الثقافي لا مندوحة عنه، فهو يهيئ اللقاء الفكري، ويجعلنا نسبح مع موجة واحدة، وبالتالي نفسح أبوابًا إنسانية، ونفتح المؤصدة منها.

ترجمة الشعر هي الأصعب، لأن في الشعر رموزًا وأبعادًا وظلالاً للفظة، ولها معان مركزية ومعان هامشية، وتلبس الاستعارات حللاً فيها شفافية أحيانًا وفيها غموض أحيانًا، وفي كلتا الحالتين "يعلَق" المترجم.

 ما رأيك بإنشاء الجمعية الدولية للمترجمين العرب؟

من يهتم بجمعية هنا أو جمعية هناك؟ - مع إجلالي لجهودكم - فالباحث عن مترجم يعرف لمن سيتوجه في الميدان الذي يخوضه، وما يهمه هو الكسب المادي المتاح من وراء هذه الترجمة، وما يهم المترجم هو أن يكسب مبلغًا معقولاً لقاء جهده، فهل الجمعية يمكنها أصلاً أن تحقق مبتغى هذا أو ذاك ؟؟؟ أم تستطيع الجمعية حفظ حقوق المترجم في عصر السرقات وأكل الحقوق؟؟!!

هل نطمع من أستاذنا بأن يحكي لنا عن موقف طريف قابله أثناء عمله كمترجم؟

ترجمتي هي قليلة، وتتركز في الشعر العبري، لكني أراجع ترجمات عن العبرية في ميادين مختلفة، فأفحص دقة الترجمة، وأنقح اللغة، ويظهر اسمي على أغلب الكتب الدراسية الصادرة لدينا – تلك التي تُرجمت عن العبرية. وثمة طرائف كثيرة تجابهني: فأحدهم يترجم عن العبرية (شجوياس محمود) بمعنى أن محمودًا جُنّد، فإذا بالمترجم يجعلها (بأن جويس محمود) -ربما بتأثير جيمس جويس- ظانًا أن الفعل هو اسم شخص. وقد ترجم أحدهمprehistoric وهي بالعبرية مأخوذة تمامًا بحرفيتها - التي تعني قبتأريخي فقال لا فُض فوه (بقرة تاريخية) لماذا؟ لأن (بارا) بالعبرية تعني بقرة.

ومن البلاء أن بعضهم يترجم الكنايات حرفيًا فـ "صدره واسع" مثلا تصبح معنى حرفيًا لقياس الصدر، و"يده طويلة" مثلها، وكذلك "قلبه أبيض" و "لسانه قصير" ومثل ذلك كثير، وخاصة في الأمثال التي يحتاج المترجم إلى بحث عن مثل مطابق في اللغة التي ينقل إليها، لا أن يُترجم ترجمة حرفية.

ومن المترجمين من لا يتروى، فيعرف هل المقصود في (ذكر) مثلا هو المذكر، أم عضو التذكير، أم مجرد ذكر الشيء وعدم نسيانه، أم أنه فعل أمر يطالب بالتذكير، أم أنه طقس من طقوس الصوفية، ومنهم من لا يفحص معنى الكلمة فـ ( عسعس الليل ) هي في ترجمته طال، والموشح هو (البالاد) و (بريّتي) هي بئري و (المعلّقات) هي التي كانت معلقة ربما بحبال أو مرتبطات بسبب من الأسباب ....وقد جمعت مئات من هذي الأخطاء.

هل ترجمت لك أشعار ؟ من ترجمها ؟

نعم، لي ديوان بالعبرية بعنوان (الأحزان التي لم تُفهم)، وقد ترجمت أشعاري أولاً بنفسي، لكني عندما أطلعت أحد الأدباء العبريين ممن يتقنون اللغتين رفض ترجمتي، واقترح علي أن يقوم هو بالترجمة لقاء مبلغ زهيد، فوافقت، وليتني لم أفعل -ليس بسبب المبلغ- بل لأنه كان يبتعد عن المعنى الأصلي بسبب قصوره عن معناه، فمثلا:

طار طير نحو أيك
نحو مغنى
ليس يفنى

فقد أردت من وراء كلمة (مغنى) وطن، منازل بدليل قول الشاعر:
مغاني الشعـب طيبًا بالمغاني      كمنزلة  الربيع      من    الزمان
فجاء المترجم (واسمه روجيه تابور) وجعلها بمعنى الغناء )

فأين السارح من الرائح ؟؟؟

وقس على ذلك الكثير، وعذرًا يا روجيه على هذه الفضيحة!

ما هي المشكلة الأولى التي تجابه المترجم إلى العربية ؟

اللغة، فاللغات الأخرى الحية تتجدد وتتفاعل وتتقبل كلمات وتعابير كما هي من لغات عالمية وغير عالمية، دون أن يطرف لها جفن. أما نحن فنتردد، ونركن إلى مجامع لغوية تسوّق لنا أكثر من لفظة للمصطلح الواحد، فتضيع هذي كلها في معمعة التنافس مع التعبير الأجنبي، وتبقى (فيديو) أقوى من كل بديل، ويحار المترجم مع تعابير مثل (مودولاري)، (موروتوريوم)، رومانتي (حتى الخلاف يكون في كتابتها: رومانسي، رومانطيقي، رومانتيكي ...) وقس على ذلك الكثير الكثير!!

وهل ثمة إمكانية حقًا لتوحيد أي مصطلح ؟

لا أظن. نقطة!

ومن يشك فليسأل مصطلح (التضمين) كم يشمل من معانٍ؟ فهو نقل حرف جر إلى آخر، وهو الجريان في الشعر (وبعضهم يسميه التتميم)، وهو الاقتباس من الشعر والنصوص، وهو ... هل أتابع؟

نحن بحاجة إلى احترام أنفسنا أولا، فنحترم لغتنا ثانيًا، فنحترم لغويينا ودارسينا ثالثًا، فنحترم جهودهم رابعًا، فنتبناهم وكأنهم جزء لا يتجزأ منا، ولا يجري ذلك إلا بعد أن يتحلى كل منا بالحديث الشريف "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" وأضيف: "وعن لغته" - التي هي هويته، ومعنى وجوده.

- ألديك محاولات لابتكار ترجمات ، وأنت عضو مجمع اللغة العربية في حيفا؟

نعم، ومن ترجماتي لمن همspecial care pupils المُستَرعَــون - أي الذين يحتاجون إلى رعاية منا، فالترجمة (معوّقون) هي حادة ولئيمة. وترجمتupdated  مُحَـتَّـن (منحوتة من لفظتي: حتى الآن)، وقد نجحت، رغم أن بعض أصدقائي أحب أن يستأثرها لنفسه، فأضاف لامًا بدون ضرورة ذوقية حتى على أسلة اللسان، فقال: مُحـَتْـلَـن ، ومما "قهرني" أن واضع القاموس العبري الجديد استخدم الأخيرة .. ويا تعبي ...!!!

أما الأماكن التي أعمل بها والكتب التي أراجعها فتسوّق كلمتي، وهذا نصف عزاء.
ومن ترجماتي (مَشْـرى) للمجمع التجاري، و(الموجِّه) للريموت كونترول، و(المَعْـشَـب) للمسطح الأخضر .. وغيرها مئات مما ابتكرته أو مما أدعو له من اقتراحات سُبقت فيها، وأعكف أنا والأستاذ جميل غنايم - وهو مترجم عن العبرية أثق به - على إصدار كتيب فيه ألفاظ مما لليس مثبتًا في المعاجم.

- نرى أن لديك جرأة في وضع الكلمات وابتكار التعابير ، هل لذلك تأثر ما - مما سُبقت فيه ؟

نعم، فأنا معجب بجرأة منير البعلبكي منذ أن أخذت أفتح معجمه (المورد) في ترجمة التعابير الإنجليزية، فله ابتكارات أبدع فيها على غرار: (تحأرضي، بيمِهَـني، دو وعيي، الفوبنفسجي، سمرئيات، مدَوْلَـب ....إلخ) وجرأتي تأتت – كذلك - ربما بسبب ملاحظتي الدقيقة لتطور اللغة العبرية الدينامية بصورة تبعث على الإبهار، هذه العبرية لها تأثير في الشارع العربي في الداخل، فنجد مزجًا عجيبًا بين اللغتين في الجملة الواحدة، حتى سميتُ اللغة المستجدة بين ظهرانَينا (اللغة العِـرْبـِيّـة أرجو قراءة مقالي عن هذي اللغة في مادة "من الأدب" في موقعي، فهناك أؤكد لكم أنكم ستستمتعون من المقال الساخر .

- هل أصدر أعضاء المجمع لديكم بعض الترجمات أو المعاجم ؟

لم يصدر المجمع إلا أعمال مؤتمره الأول، ولكن الأعضاء فيه كانوا أعضاء اللجنة العليا لشؤون اللغة العربية، وهذه توقفت في زمن حكم الليكود، وقد أصدرت اللجنة العليا كراسين تحت عنوان (المنهل) ضما مئات التعابير واقتراحات لترجمتها من العبرية إلى العربية، فهنا تكمن المشكلة الكأداء، وهي التي تجابهنا، ففي كل يوم لديهم تعابير عبرية يسوّقونها، وتنجح غالبيتها، لأن لهم وزارة ثقافة واحدة، ومجمع لغوي واحد، وصحافة تتبنى قرارات هذا المجمع، ومدارس ومؤسسات تصل إليها هذه القرارات.

- هل تظن أن المؤتمرات التي تعقد لتدارس الترجمة هي ذات جدوى ؟

أظن أنها مهمة جدًا، بحيث تكون هناك ورشات عمل، ومتابعات، وموازنات، فلو أحضرنا مثلا نصوص الترجمات الأربع (القط، عوض، جبرا، وعبد المقصود) لفصل من فصول هاملت -مثلا- سنجد أن جبرا (في رأيي، ومع أني أحبه) لم يكن دقيقًا، وإنما كان يحفز ذاته الشاعرة، فيحذف ويضيف.

بالمناسبة، لدي هواية نسيت أن أذكرها في مكانها أعلاه، وهي أنني أحب متابعة الترجمات الفورية والكتابية، فكم من مرة كنت أراقب المترجم عن الألمانية أو الإنجليزية أو العبرية، وأضع السماعة بشكل يفسح لي مجالاً لسماع الأصل -المتحدث من جهة، وأسمع من السماعة الترجمة من جهة أخرى، فأتعلم غالبًا، وأنقد أحيانًا. وهكذا فعلت مع هاملت بترجمة جبرا، وغير ذلك لا يعد.

- ألديك موقف أو وجهة نظر أو آراء تتعلق بالترجمة وهي جُماع رأيك ؟

  أرى أن نقبل الألفاظ العلمية العالمية، وبدون فلسفة، فقد قبلنا قديمًا وحديثًا، فلنبق مورفولوجيا وأبستمولوجيا كما أبقينا كهرباء وفيتامين، وإذا أمكن أن نجد تخريجًا لـ (أيملت) فهو أفضل من "أرسلت رسالة بالبريد الألكتروني"، فأنا أقبل (إيميل) معتبرًا إياها مختصرة من الأحرف الأولى لـ ( إيصال معلومة يتسلمها المتلقي) وعلى ذكر الاختصارات -إننا بحاجة لها، فقد كانت في تراثنا بعض منها، ولكننا اليوم نرتدع عن صياغات جديدة، فذلك أشبه بالكفر.

يعرف زملائي في اللجنة العليا أو في مجمع اللغة أنني أحب أن أختار أحيانًا بديلا من الدخيل، فأبحث عن كلمة ليس لها معنى منافس (مصيبتنا هي المشتركات، وتشاركنا لغات أخرى في العالم، لكن اللغة العلمية المحددة تأبى ذلك) فمثلا أحب أن نترجم virtual  استيهامي (أفضل من افتراضي أو وهمي أو عملي أو خيالي ....إلخ) فمن يستخدم (استيهام ؟) المأخوذة من وهم؟ فلماذا لا نتفق عليها فقط.

ومثل آخر ترجمة experiment التي تتعلق بما يمر فيه الإنسان من تجارب شعورية متباينة، فهي تُترجم إلى: تجربة، اختبار، تجريب، وفي رأيي أن لفظة (عَيْشِــيَّة) لو اتفقنا عليها هي الأجزى، و(نعايش) كذا وكذا بدلاً من أن نمر في هذه التجربة، واللفظة الثانية مستخدمة بالطبع. وما أكثر ما لدي من اقتراحات، وكم أحب من القارئ أن يوافيني بما يقترحه إذا كان لديه بعض المصطلحات التي يرى أنها الأوفق!

bullet وعندي أن المختص في مجاله هو أحق بوضع المصطلح ما دام يعرف العربية ويعرف اشتقاقاتها.

ماذا تنصح ؟ ماذا تضيف ؟

أود لو تكثر الترجمات عن العبرية، فبالله عليكم هل يجوز أن يمر بيالك أكبر شاعر عبري ويمر تشيرنخوفسكي وراحيل ووووو دون ترجمة جدية إلى العربية (بل ما الذي تُرجم؟ وهل كانت هناك مراجعة لأي كتاب صدرت ترجمته من قبل أن ينشر؟ هل هناك معاهد دراسات؟ مكاتب توثيق لما يصدر في إسرائيل؟

أم أبقى ساكتًا؟    فرحم الله من قال خيرًا فغنم  ،  أو سكت فسلم.
وقبل أن أودعكم فما زال لدي الكثير مما أحدثكم، أرجو ألا أكون قد أثقلت عليكم، وأنا أنتظر تعقيباتكم وحبكم ....                    

                                                                      تشرين الثاني 2004

 

                    

حوار مع الدكتور فاروق مواسي                      

  أجرى الحوار  لمجلة بلسم  : مؤيد أبو صبيح

 

1- كيف تقرأ لنا المشهد الثقافي بشكل عام  عند عرب 48 ؟

 

يكاد المشهد هذه الأيام ينسدل على بعض المفارقات أهمها:

§       أدباء قدامى لا تكاد أذهانهم تتفتق عن إبداع جديد ومؤثر، وأدباء "حداثيون" يطهون أنفسهم في حساء الذات. وبين هؤلاء وهؤلاء تندر الصورة الشعرية وتنحسر القصة. ولا تسل عن المسرح والنقد؟ والرواية؟ إنها -  إن وجدت  -  فهي غير جدية... فوضعنا ليس على ما يرام!

§       صحافة تملأ صفحاتها بالهش من الكتابات ،  ومع ذلك تحاول أن تتبنى مقالات هنا وهناك - ومن العالم العربي -  تكتب عن محمود درويش، أو سميح القاسم حتى تتابع " الأنماط " الأدبية والقوالب المسكوكة، ولا جديد تحت الشمس أو القمر.

       مجلات ثقافية أكثر ما فيها مصاب بالأنيميا، ولقاءات وندوات لا تخرج منها بطائل(إلا ما ندر وبظروف مبررة) ومع ذلك، وبالرغم من ذلك نجد القصيدة المفردة هنا وهناك، ونجد المقالة الفذة هنا وهناك، ولا نكاد نجد صانعًا للحرف نشير إليه بالبنان، ونطمئن إليه كل الاطمئنان.

هل يستمر هذا الانحسار؟ والى متى؟ وكيف السبيل إلى تجاوزه؟ أسئلة بحاجة إلى معاودة. وسيبقى مفتاح أي سؤال أو لغز كامنًا في مقولة "أعط الخبز للخباز"!

 

 2- يسجل لك حسب رأي الشاعر العربي سميح القاسم  رفدك للحركة الأدبية هناك من خلال مؤلفاتك  الأدبية،  ما هي أبرز الإضاءات التي من الممكن أن تحدثنا عنها ؟

 يقول الصديق الشاعر سميح أنني قدمت كتبًا رفدت الحركة الأدبية، وأظن أنها شهادة أعتز بها، بقدر ما أعتز بأربعين إصدارًا أصدرتها في الشعر والنقد والقصة والمقالة واللغة. وحبذا أن يذكر سميح في لقاءاته- وبعد ما يستفسرون منه عن أدباء الداخل -  بعض الأسماء حتى نقول " والله، هناك من يُذكر؟"

ثمـة  كتب أعتز بها ضمت أبحاثًا لي نحو "هدي النجمة" ، وكتب فيها دراسات ، نحو " أدبيات – مواقف نقدية-" . بالإضافة إلى أشعاري التي هي أبنائي وفلذات دماغي...

عندما أقرأها أستعيد تجربتها، فأترنم أحيانًا، وأتألم أحيانًا.

 

3-  لك عشرات المؤلفات على صعيد الشعر والكتابة النقدية والبحث والدراسات هل تعتقد ذلك في جهد من التميز؟

 إن النتاج الأدبي هو جهد أو ثمرة جهد، وربما يجمع بينها أو ينظمها سلك النقد. فشعري نقد للحالة الذاتية أو لما أعانيه، والقصة والمقالة نقد مباشر أو غير مباشر، وتصوّر لما سيكون من خلال منظور نقدي بحت، والنقد لديّ نقد مدروس: لماذا أكتب؟ ولمن أكتب؟ وقبل ذلك: هل أكتب؟ وأين؟ وماذا؟

 

   4-  احتفى بك عدد من الشعراء الزملاء في أكثر من مناسبة .. ما صدى ذلك على الصعيد الشخصي  وعلى الصعيد الإبداعي؟ 

لم يتم الاحتفاء بي إلا كتابةً في عددين من مجلة الشرق  الصادرة في شفاعمرو.

أما اللقاءات الثقافية الاحتفائية فلم يكن لي فيها أدنى حظ، علمًا أن غيري احتفي به أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة.

"الشرق"  أكرمتني لأنني حررت فيها، وعرفوا جهدي، فلم يجازوني جزاء سنمار. والعددان هما توثيقيان في البيبليوغرافيا -  ضروريان  للباحث في أدبنا المحلي .

 وحتى لا أنكر فضلاً قام به الشاعر عبد الناصر صالح في طولكرم، سأذكر ما قام به - فقد أقام أمسية تكريمية لي ما لبث أحد المتحدثين فيها أن عرّج على توفيق زياد ونسيني...

5-  كان لك تجربة في العمل الصحفي الثقافي حينما رأست تحرير مجلة

( مشاوير) ، هل لك أن تحدثنا عن هذه التجربة؟

 

حررت ( مشاوير) في آخر السبعينيات، كما حررت في مجلة ( الجديد) ومجلة

 ( الثقافة) ومجلة (48) واليوم في مجلة (مواقف) ومجلة "جامعة" الأكاديمية.

يقول لي بعض أصدقائي  بنوع من الغمز : "لو يترك الأمر لك لما صدرت أي مجلة"، وبالطبع هذه سلبية فيّ لا مجال للمباهاة فيها. ولكن، قدّر الله أنني مع مجموعة تحاول أن تؤكد دائمًا أن طلب الكمال من المحال. فليس لنا والله إلا القبول والمثول. أحيانًا أسأل نفسي: " يا ولد! متى تكف عن طموحاتك؟ ثم من قال إنك على ما يرام بالتمام؟!  اهدأ أو بلغة الجاهليين " اِرْفَأْ على ظِلْعك"!

6-  أنت مترجم نهم عن العبرية للعربية ما ابرز ترجماتك ؟ 

لست " نهمًا" بقدر ما أنا متذوق. فإذا قرأت نصًّا راق لي بالعبرية – وخاصة من الشعر الإنساني الذي يكتبه نفر من شعراء العبرية- أحاول نقله إلى لغتي. أحب أن تظهر ترجمتي مع النص الأصل حتى يوازن القارئ، ويرى مدى طاقتي على معالجة النص وسبر غوره.

ترجمت قصائد- ربما سأصدرها قريبًا-، وذلك حتى يطلع القارئ العربي على لون آخر   - حتى لو من باب "اعرف خصمك!"

ولمن يرغب بقراءة نوع من هذه القصائد المترجمة على شبكة الانترنيت فإنني أدعوه للتصفح أو البحث عن قصائد (يوسي سريد) التي ترجمتها في موقع كيكا، وهو موقع يسهل الوصول إليه.

7- لك موقع على الشبكة ، وثمة أدباء آخرون منكم لهم مواقع ، فما رأيك في مدى مساهمة هذه المواقع أدبيًا ؟

 موقعي مع موقع الأخريين تركي عامر وصالح زيادنة وموقع الأديبة ريتا عودة في تقديري ناجحة، بدليل عدد الزوار الذين يتصفحون مواقعنا، و بدليل أن كثيرًا من هذه القصائد أو النصوص فيها ما يدعو ‘إلى ما يدعو إلى التواصل والحميمية  ،  ويحمل أبعادًا إنسانية.

8-  هل من سبيل للتواصل بين أدبائكم  - في الداخل – وبين العالم العربي ؟

 إن عددًا منا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة هو الذي يدعى لحضور الندوات والمهرجانات والمعارض، وتتكرر الدعوة لهؤلاء الأشخاص أنفسهم، وهيهات أن يدعى اسم جديد - وبسبب قدرته الأدبية وحدها.

شخصيًا: أشارك في بعض المؤتمرات النقدية بفضل دعوة أصدقاء، وسأكون –بإذن الله- في مؤتمر النقد الأدبي في جامعة اليرموك في أيار الجاري .

 وجدير بالذكر أنني  أعددت ملفًا خاصًا في مجلة الآداب (7-8/2003) تحت عنوان: حجر الزاوية -  الحركة الثقافية في الجليل والمثلث- وقد ضم هذا الملف مواد شعرية ونثرية وحول المسرح والفن التشكيلي، وكتب فيه نخبـة من أدبائنا، ولاقى العدد أصداء واسعة أعتز بها. ويمكن لهذا العدد أن يقدم صورة عن وضعنا الأدبي عامةً ،  بالرغم أن كثيرًا من مواد هذا العدد كان قد كتب قبل سنين.

 

  حوار مفتوح مع الشاعر د. فاروق مواسي

                                                                 

                                                                               حاورته: ألطاف أبو هنطش

 

(في نطاق وظيفة تخرج عن الشعر الفلسطيني – كلية العلوم التربية رام الله، بإشراف د. نادي ساري الديك).

 

س: ماذا يعني لك الشعر؟

ج: أجبت عن هذا السؤال بصور مختلفة تبعًا للموقف من العلاقة الجدلية بين الشعر وبين الحياة – أي ماذا يجب أن يعكس؟ الذات خاصة؟ أم الذات المعبرة عن الهم الجمعي؟ هل هو الفيض التلقائي حسب مصطلح ووردزوورث أم هو عملية بنائية تنبثق من الشعور ، وكلها كنت قد عايشتها فعلاً وصدقًا، الآن في ساعة الكتابة أرى أن الشعر يعني لي التعبير الصادق عن الوجدان، ولن أكتب إلا ما يعتمل ويتفاعل في احتدام بالغ وتواصل مع نفسي ومع المتلقي. شعري هو أناي ( يُراجع ما كتبته عن الشعر – القصائد من ص 67-74) من ديوان ما قبل البعد.

س: هل كتابتك التزام إبداعي أم طرح سياسي؟

ج: إنها التزام إبداعي صادق، تعبر عن فاروق مواسي، وبالتالي تعبر عن همومه التي تتلاقى وهموم مجتمعه، وفاروق هذا له جوانب وحالات وأشجان ، وأحاديث ذات شجون ، وهو يحسّ القضية ويتألم ،  ويعشق ، ويرفض.... وقد تكون بعض انطلاقته سياسية، أو قد تكون السياسة لبسها ولبسته، فكونت شخصًا هو نسيج متفرد بمعنى individual

س: كيف ترى قصيدتك عند كتابتها؟ بعد كتابتها؟ وبعد مرور فترة عليها؟

ج: في المرحلة الأولى وعندما أقرر نشرها أعجب بها، وإلا فلن أنشرها، وبعد كتابتها أو بعد نشرها استمع إلى ردود الفعل، فأقدسها إذا وجدت متلقين غير جديين، وأحترمها إذا أثارت نقاشًا. أما بعد سنين فأرى كل قصيدة بمنظارها الحدثي أو المنطلق من التجربة. لو أردت نشر قصائدي في مجموعات جديدة لما حذفت أية قصيدة . وكثيرًا ما أتساءل عند قراءة قصيدة  قديمة:كيف استطعت أن تهتدي إلى هذه المعاني؟ اليوم أنت – يا ولد – لا تستطيع أن تكتب سطرًا مما كتبت. دائمًا أتهم نفسي أنني لا أستطيع أن أجاري قصيدة الأمس.

ولكني عند ولادة القصيدة الجديدة التي جاءت بعد ولادة مكتملة النضج أحزن ...لأن شعراء آخرين هم الذين يُطبل لهم، وهم الذين يُحرق لهم البخور... فأقول لقصيدتي: يا قصيدتي لك الله، ولك الناقد الذي لا بد أن يقدَم!

س: هل تسعى من خلال شعرك أن تشكل جمهورًا..؟

ج: يهمني أن يرضى الجمهور الواسع عن قصيدتي الوطنية، ولا يهمني من هذا الجمهور أن يرضى عن القصيدة الفكرانية العميقة (  إلا القارئ المتعمق  عندها أسعد به ) . "الجمهور" كلمة مرنة، وقد ناقشت هذا الموضوع في مقالة لي في كتاب أدبيات – مواقف نقدية.

س: الشعر هل هو لديك هواية؟ أو عمل؟

ج: بالطبع هو ليس عملاً أرتزق منه، فالشاعر – عادة – يكتب ويتحرى النشر، ويتعب، ويدفع الكتاب إلى المطبعة، ويوزعه على الأصدقاء، ولا يكاد يكون هناك تعويض ما.

والشعر ليس هواية كذلك بمعنى ترفي، بل هو قدري ولعنتي وحبي ومُجتلاي.

س: كيف ترى الوطن من خلال فاروق شاعرًا وفاروق إنسانًا؟

ج: نشرت مجموعة (يا وطني)، وهي ليست الوحيدة التي ضمت قصائد وطنية، والوطن خلال كتابتي هو المكان والزمان في الوطن، هو النباتات والطيور، والمواقع والتضاريس والتربة والماء والهواء، وهو الناس وعلاقاتهم وانفعالاتهم، وما أتمناه فيه هو أن الإيجاب فيه يستمر، والسلب أن ينحسر . هنا تتلاقى الشاعرية والإنسانية في حضن الوطن. وهنا لا بد من استذكار دراسة صبحية الصالح عن شعري: (البعد الإنساني في شعر مواسي)، وقد نشرت في مجلة الشرق ( آذار 1980 ).

س: هل هناك حلم تخاف منه؟ وهل هناك حلم هرب منك؟

ج: أخاف من حلم هو حلم يقظة، من سيناريو تشريد جديد في هذا العالم الأفّاق – الذي يمر على ما يجري مثّلا في العراق مرور غير الكرام، الأحلام الصهيونية لم تقفل الباب... أما الأحلام التي هربت مني فقد أصبحت واقعًا، وبعضها هرب لأنني لم أستطع النفاذ إلى جوهره، ولله في خلقه وأحلامهم شؤون. عبرت عن أحلام وقضايا ومسائل وجزئيات كثيرة تتمازج فيما بينها على أرض الواقع.

س: ماذا يكره فاروق مواسي؟

ج: الظلم على المستوى العام، وعلى المستوى الشخصي فإنني أغدو منه مقهورًا وفي الحديث الشريف: ( أعوذ بالله من الفقر ومن قهر الرجال) ويقول عنترة:

فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل            مر مذاقته كطعم العلقم

ومن الطرفة أن أذكر أنني من برج الميزان!

قلت في قصيدة لي محتجًا:

                          ( فلماذا يسكت أولاد الكلبه

                            وأناخوا الركبه

                            والظلم يسود الكون)

 

س: هل هناك حلم تسعى لأن يتحقق؟

ج: مشكلتي أن لي أحلامًا وطموحات أكثر من طاقتي ووسعي، فأكلف نفسي أن أعمل مثلاً لخلود الجمال، والفن، والفكر، أصبو لأن تكون اللغة العربية طيّعة على جميع الألسن سليمة قوية، أن أرى وطني مزدهرًا بالحق والخير والجمال والبعد عن الغيبيات غير المجدية، وأن يتشبث العرب بروح العلم ومزاجه وجدواه، على المستوى الشخصي أسأل الله العفو والعافية، أو تظل لي حرية الاختيار والإرادة، وأن أبقى قارئًا حتى الرمق الأخير.

س: هل تسعى للحصول على جوائز شعرية؟

ج: حبذا ذلك، فهذا يدل على الاهتمام بشعري وعطائي، وأنا لا يهمني أن يقال عني (شاعر) فربما لأنني أحمل أكثر من صفة: الدكتور، المربي، الناقد...

وقد أسماني المرحوم عصام عباسي، (كشاجم فلسطين)،وهي اختصار لـ كاتب وشاعر وأديب وجواد ومؤلف، وبالمناسبة فأنا لا أحب أن يستعمله الآخرون عند تقديمي في المحاضرات.

 س: هل تملك السيطرة على القصيدة ؟

ج: أحيانًا نعم، وذلك عندما أبنيها، أحوّر وأغير فيها، وأحيانًا لا، فقصيدة( ند على أضرحة عراقية) مثلاً كتبت على نفَس واحد، وكانت هي التي تُملي علي الكتابة.

س: هل أنت شاعر صريح؟

ج: في صراحتي راحتي، وأحيانًا وجع رأسي، فقصيدة غزلية مثلاً من شانها أن تقيم علي القيامة من قبل زوجتي، لأنها تعرف أنني لا أكتب عفوًا أو عبثًا أو من غير نار خفية، التابوهات( المحرمات) في الدين والسياسة والجنس أعالجها بصراحة وأن تكن أحيانًا غير متناهية.

س: ما رأيك في الوضع السياسي القائم الذي  يتعلق بالقضية الفلسطينية؟

ج: رأيي أننا يجب أن نناقش الخصم، نصل إليه في كل سبيل حتى نفند حججه، وحتى يزول منه منطق القوة، وأظن أننا نسير في هذه الطريق التي ندفع فيها ثمنًا باهظًا وتنازلات على حساب دمائنا... لقد وقع الشعب الفلسطيني بين قبضة عدو مسلح بالتكنولوجيا وبالعلم والثقافة والخبرة، ولكنه مع ذلك تبنى مواقف ليس فيها أدنى عاطفة أو إنسانية، وله منطق سياسي يحتاج منا إلى دراية وخبرة مكافئتين..وبالمناسبة فلعلي من الشعراء القلائل الذين يوجهون بعض قصائدهم للعقل الإسرائيلي.

س: هل تنتقد قصائدك؟ أم تترك ذلك للجمهور ؟

ج: لأني أصلاً ناقد، ولي ما يزيد على عشرة كتب نقدية، فمن الطبيعي أن أحاسب قصيدتي أولاً ولا أحابيها. ولكم مزقت قصائد لأنها لا ترقى إلى مستوى حسّي النقدي، أما عن الجمهور فقد أجبت عن ذلك السؤال في سؤال سابق.

س: هل هناك تأثير للدين في كتابتك الشعرية؟

ج: هناك تناصات كثيرة في القرآن الكريم والحديث والصوفية في نسيج قصائدي. الدين عندي هو حضور الحضارة الإسلامية في فكري، وليس الحضور الشكلي المحض.

كتبت مرة قصيدة (من وحي الهجرة النبوية)، وقد استمعت مؤخرًا إلى بعض الطلاب يقرؤونها، فسرني ذلك.

أما رأيي العام فهو أن الشعر يجب أن ينطلق، أن يكون حرًا أن يعانق الكون كله.

س: هل ندمت على كتابة قصيدة ما؟ ما السبب؟

ج: لو ندمت لما أعدت نشرها. هناك قصائد كتبتها في رثاء بعضهم، وكذلك في غير الرثاء ولم أنشرها، لذا فلا مجال للندم إلا على الوقت الذي هدرته...

س: هل تعتبر الطبيعة ملهمة لك؟

ج: شعري ليس فيه وقفات وصفية من الطبيعة وعنها. الطبيعة عندي هي الوطن، المرأة، الإنسان في الطبيعة، فإذا وقفت عند الجبل قرب مضيق جبل طارق، فما يهمني هو الحدث الذي كان، وليس المنظر الجميل مع أنه كذلك. وقيسي على ذلك.

س: هل تستخدم الرمز؟

ج: الرمز وارد كثيرًا في شعري وفي تضاعيف قصائدي، ولا نكاد نجد قصيدة عمودية أم حرة إلا وفيها رموز تاريخية، أسطورية، دينية، فولكلورية، فلسفية، صوفية، وإبداعية مطلقة.

 

س: هل تأثرت ببعض الشعراء قدامى ومحدثين؟

ج: تأثري يتم من خلال قراءاتي الكثيرة المتباينة، وهناك معالم خفية تؤدي إلى المتنبي من القدماء وإلى السياب، عبد الصبور من المحدثين. وقد يجد الدارس أثرًا لشكسبير أو لطاغور أو لريتسوس أو شيركو بيكه س... إلخ

قلت إن( شعري أناي) وأناي هي كما قيل- (مجموعة خراف مهضومة).

س: هل تعتمد شكلاً شعريًا واحدًا ؟

ج: لا، فلي قصائد كثيرة على الصياغة التقليدية، وخاصة قصائد الرثاء أو القصائد التي تلقى في المحافل الوطنية، أما قصائد التفعيلة فهي الغالبة على قصائدي. وجدير بالإشارة إلى أن لي بضع قصائد من قصائد النثر كتبتها في حالات تضطرني إلى الخروج من أي إيقاع أو تطريب، وأذكر مثلاً منها(أمام مضيق جبل طارق) في (الأندلسيات) التي كتبتها، والقارئ يدرك لماذا خرجت أنا هنا من الوزن.

 س: هل تمزج في قصائدك بعض اللقطات النثرية؟

ج: نعم، أحيانًا عن طريق الحوار، وأحيانًا عن طريق تقديم التعليقات البدئية أو خلال النص، وأحيانا لذكر اقتباس ما.

س:ما هي علاقتك بالمتلقي؟

ج: علاقة إنسانية، يهمني المتلقي الذكي البارع في التقاط الإشارات، ولا يهمني شيئًا ذلك الذي لا يقرأ.

والقراءة – كما نعلم – قراءة الأسطر، بين الأسطر، وما وراء الأسطر كما يقول هاريس.

 

س: ماذا تعني لك الأنثى؟ هل أشغلت حيزًا في شعرك؟

ج: الأنثى هي الرقة والجمال والعذوبة، هي الصوت العذب الذي يسرّي على النفس. هي المشاركة الوجدانية الأخاذة التي تعطي للرجل معنى التكامل بقدر ما يعطي هو المرأة إحساسها بالتفوق. المرأة نقطة قوتي ونقطة ضعفي.

قصائدي الغزلية أكثر من أن تحصى، فكثير منها كتبته لبعضهن ولم أحتفظ به. بعضه فيه شبق جنسي، وبعضه يعني الأرض بقدر ما يعني المرأة، ولا بد من ذكر بادرة قد تكون جديدة في الشعر العربي عامة – وهي أنني كتبت قصيدة غزلية لزوجتي – أم السيد – أثارت غيرة زوجات بعض الشعراء الآخرين فكتبوا لهن .

س: ما هي أكثر قصيدة لك أحببتها؟

ج: أجيب في كل مرة عن قصيدة تختلف عن الإجابة السابق، الآن لو طلب مني تسليم قصيدة لمؤسسة عالمية –مثلاً- لكنت أختار (الشيخ والبحر) وهي عن مسجد قيسارية الذي أضحى حانة، وربما في وقت آخر أقول (الأندلسيات)... إلخ

س: ما هي أول قصيدة كتبتها؟

ج: كانت هناك قرزمات كثيرة لم أنشرها، منها على سبيل المثال – قصيدة وجهتها للمتنبي قلت فيها:

 يا أبا الطيب أنصت               روحك الصغرى تغني

أما أول قصيدة معترف بها (نشرًا) فهي (حلم السلام) موجهة إلى فدوى طوقان بعد لقائنا الأول إثر نكسة حزيران ومطلعها:

ما عدت أقبل أن أطيق مذلتي            وورائي الآمال تنفي غربتي

س: لو كتبتها اليوم، هل تكتبها بنفس الأداء؟

ج: طبعًا لا، لأن التجربة في كل آن تختلف عما سبق، وهذا أمر طبيعي. فهل (أنا) (أنا) اليوم كأنا الأمس.

س: هل تجري تغييرات على القصيدة لحظة كتابتها؟

ج: في بعضها نعم، وفي بعضها لا، الأمر يتعلق بمدى جيشان العاطفة، وصدق الانفعال، واحترام الموقف، وطبيعتي النقدية – كما قلت – تلزمني على أن أحاسب كل كلمة ول فكرة حسابًا عسيرًا.

س: هل هناك طقوس معينة للكتابة لديك؟

ج: لا، فأنا أكتب أنّي حلت الفكرة وخطرت الصورة، واستجاشتني الكتابة، أحيانًا أكون سائقًا سيارتي، وآنا أكون على فراش النوم، وآنًا وأنا بين كتبي بعد ومضة أشعلها كتاب ما أو قصيدة ما.

س: هل تحضر للكتابة بعض ما يستلزم أجواءها؟

ج: لا أحضر إلا استرسال أفكاري، وطريقة انسياب المعاني وأدائها. الورقة والقلم دائمًا مرافقان لي أبديان.

س: من أين لك هذه الجرأة في طرح أفكارك؟

ج: الجرأة لا تشترى، بل هي تولد مع الإنسان، كالرائحة مع الزهرة والصوت مع العصفور. وأنا لا أدعي أنني جريء في كل موقف، بل هي موجات ودفعات وأحوال تأتي تبعًا للموقف. أحجم أحيانًا ولا أجابه، وأتصدى أحيانًا وأتحدى.

س: وعن التمزق الذاتي؟

ج: الإنسان بطبيعته عرضة للتردد والمواقف والصراعات المتباينة، وهو يختار أحيانًا في أي مسلك يسلك وأي خطة ينتهجها، ونحن في عصر الحداثة نشاهد الظلم وهو يسود الكون ونشاهد القلق الوجودي والمعاناة الإنسانية على مستوى الشعوب التي تنشد حريتها وكرامتها. نشاهد معالم العولمة والبهتان فغي طرحها ، واستخدام المقاييس بمكاييل مختلفة لا بمكيالين فقط.

هذا هو التمزق في الإنسانية، فلا بدع، إذا وجدنا هنا وهناك ولدى الشاعر عامة ولديّ خاصة مقاطع فيها تمزق ذاتي.. فلو قرأتِ (أغسل خوفي) لوجدت هذا التمزق بسبب سلطة التدين ومحاولتي للبحث عن خلاصي، أنا شاعر أجدد وأبدع في الأشكال الشعرية والأنماط البنائية في المفردة والجملة، ومع ذلك تجدين لدي قصائد الصياغة القديمة، إنها قديمة صياغة، لكن فيها الكثير من معالم الجدة أيضًا فمثلاً:

مرابع النور تهمي من أواصرها

                                من علم اللوز نورًا حفظ تلقين

مراتع الشمس تبدو في مناظرها

                               فتنتشي نسمة في حضن ليمون

أليس في مثل هذا الشعر إيحاء وصور متوالدة؟!!رمز لقضية ومعايشة لها؟ ليس المهم ما هو الشكل ،  بل ما هي الصور؟

يخطئ الكثيرون في اعتبار القصيدة التقليدية أنها مباشرة بالضرورة.

 

س: وما هو الحال مع الغموض؟

ج: الغموض لدي مستحب،وهو خلاف الإبهام والتعقيد أطالب القارئ أن يكون مسلحًا بمعرفة أولية عن الشعر وتوليداته، ولا يهمني كيف يقرأ أو يفهم. الغموض هو كغموض المرأة الجميلة التي لا يسلس قيادها لأول نظرة، بل هي المرأة التي تعطي وتمنع، تراوح وتجذب، تؤمّل بقدر ما تكون عصيّة، الجمال الغامض الذي لا يتكشف مجانًا هذا هو الأحب.

س: هل شعرك يجنح إلى الخيال؟

ج: الخيال لدي هو من ضرورة تقديم الصورة الفنية، والصورة لا تتأتى من عالم بعيد عن عالمنا الواقعي، ومن فنتازيا غريبة مبهمة.

 س: هل كانت هناك مناسبة ما حاولت أن تعبر عنها شعريًا، ولم تفلح؟

ج: نعم، وكثيرًا ما يحدث ذلك، السبب أن الحدث يجب أن يقنعني داخليًا ونفسيًا وبعمق لا بتمثيل. أنا لا أنجح في الكتابة أو الخطابة إذا لم يهزني الحدث.

س: ما هي مشاريعك الحالية؟

ج: أن أواصل الكتابة، وأصدر كتبي، وأعيد نشر قصائدي للأجيال الجديدة

- أن تترجم بعض أعمالي إلى لغات أخرى.

- أن أشارك في مؤتمرات عربية وعالمية حتى يكون الإثراء المتبادل.

- أن أحاضر عن أدبنا الفلسطيني وأعرّّفه، وأقدم النماذج الجميلة فيه.

.....وهناك الكثير الكثير الذي ينتظرني وأنتظره.

س: وطموحك على المستوى العام؟

ج: أظن أن طموحاتي الشخصية كلها تصب في الطموح العام، فأنا لست (التينة الحمقاء) في شعر إيليا أبو ماضي.

س: هل تعبر عن قضية فلسطين نثرًا كما تعبر عناه شعرًا؟

ج: لي كثير من المقالات، وبعضها سياسي واجتماعي وفكري، فأنا ابن هذا الشعب، أفرح لفرحه وآسى لمآسيه. ولي نشاطات سياسية واجتماعية محلية كثيرة، وخاصة في المجالات الثقافية.

س: هل تعتبر الشعر الوطني لديك شعرًا سياسيًا؟

ج: أنا لا أحب التعبير (الشعر السياسي) الشعر هو شعر وإيحاء، وجدير بنا ألا نلصق به وصفًا حادًا ومباشرًا، قد تكون بعض قصائدي مؤداها سياسي محض. وهذا لا غضاضة فيه. وفي هذا السياق اذكر أن بعض المعلمين استُدعي بسبب قراءته قصيدة لي في غرفة المعلمين، ويبدو أن قصيدتي تزعجهم أحيانًا.

س: هل تناولك النقاد بالنقد؟

ج: وما أكثر ذلك، ومن مشروعاتي المستقبلية أن أصدر جميع المقالات التي تناولت شعري، حتى ولو أن بعض ما جاء فيها لا أوافقه، فالأمانة تقتضي إيراد المادة بنصها.

 

س: ما هو توجهك السياسي الرسمي – إذا أمكن أن تعرفنا؟

ج: لم انضم لحزب رسميًا، اللهم أنني كنت من مؤسسي الحركة التقدمية، وقد كنت كذلك عضوًا في اللجنة المركزية فيها، وما سوى ذلك فلم أعلن رسميًا أنني ضمن أية فئة سياسية.

علمًا بان توجهات الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة هي التي تفاعلت مع كثير منها، وليس أدل على ذلك من كتابتي  في (الجديد) و (الإتحاد).

س: هل تعرض شعرك على أحد قبيل نشره؟

ج: نعم على زوجتي، وكما قالت هي بلغتها : (أنا الأذن الأولى له).

س: كيف تبدأ قصيدتك؟

ج: تبدأ القصيدة تهويمة أو دندنة إيقاعية لمعنى معين، ثم تتجمع صور القصيدة وتُملى علي.... أقول إن لي جنيّة شعر (وليس شيطان شعر) على طريقة اليونان، وهي التي تناغيني وأناغيها حتى تلد القصيدة.

س: إلى ماذا تطمح في القصيدة؟

ج: إلى أن تكون في دوائر ثلاث على مستوى التوصيل.

- دائرة ذاتية، وهي البعد الذي يقرأه كل قارئ، ويجد فيه نجواه.

- دائرة وطنية – أن يجد القارئ بعدًا فلسطينياً عميقًا.

- دائرة إنسانية – أن يقرأها القارئ الكوبي أو السنغالي – مثلا - فيجد فيها طاقة خلاقة من الإنسانية الشمولية. وبالفعل فإن لدي عشرات القصائد مما يمكن أن يحمل الأبعاد الثلاثة.

 

 لقاء مع الشاعر د. فاروق مواسي

أجرى اللقاء :رياض حسين

 

- دكتور فاروق الشاعر ، الناقد ، الباحث ، كيف ترتب هذه الألقاب في تقديرك ومن أنت بشكل عام؟

أنا أتعاطى الأدب ، والواقع إن الأدب سواء أكان قصة أو قصيدة أو مقالة نقدية أو بحث ، كل ذلك هو في دمي ، وأكتب ما أحس به ،  ويكون ذلك بدافع هو قدري أكثر مما هو إرادي ، أنا شاعر - كما يبدو لي -  لأن الشعر هو النبض الأول الذي ألتمسه دائمًا وهو وجداني ،  وأرى أنني لستُ بعيدًا برغم شاعريتي التي تحمل الخيال المجنح والأفاق الواسعة عن العلم في البحث الأكاديمي ؛  إلا أن ذلك يشكل كلاً واحدًا هو فاروق مواسي.

- من إجابتك أرى أنك تعتبر نفسك شاعرًا في المقام الأول بالرغم من أنك مارست كتابة الشعر في فترة متأخرة من عمرك؟

- أنت تخطئ في ذلك ،  فأنا قد بدأت كتابة الشعر وأنا في الثاني عشر ، ونشرته في مطالع السبعين ،  وكانت القصائد عن القضية الفلسطينية والإحساس بها منذ هذه السنوات ،  وخاصة بعد أن عانيت المأساة التي أحس فيها كل منا ، وليس أدل على ذلك من قصيدة كتبتها لفدوى طوقان قلت فيها:

والعهد يا  فدوى     يراودنا                   إلى حلم السلام لشعبنا المتشتت

حبي لأهلي لم يدعني صامتًا                   صمت الجنادل أبكمًا في عزلــة

- اشتركت في وضع برامج التعليم للغة العربية... هل كل ما وضعتموه أنت ورفاقك يكفي ؟ وإذا كان هنالك نقص فأين هو؟

أولا: لقد درسنا أنا والدكتور فهد أبو خضرة والأستاذ إلياس عطا الله معظم  المناهج في العالم العربي ،  ووجدنا أن السبيل الأمثل لتعليم القواعد هو عن طريق النص ،  ونحن نعلم مادة في الإعراب الوظيفي ،  بحيث يستطيع الطالب معرفة اللغة و إتقانها وإيجادها بدون أن يكون هنالك حواشٍ لا ضرورة لها ، هذا المنهاج الذي نعكف عليه الآن  خاص بالقواعد ،  وأملي أن يبدأ به المعلمون من غير كلف .

ثانيًا : بالنسبة للأدب... فالأدب لأول مرة - و المعلمون يعرفون ذلك حق المعرفة ويلاحظون كيف أن الأدب المحلي الفلسطيني له دور حتى ولو كان هذا ليس شاملاً لجميع الإطارات ،  وقد غمط شعراء بارزون ... . هذه حقيقة إلا أن مجرد البداية في تعليم قصيدة لحنا أبو حنا أو ميشيل حداد أو فهد أبو خضرة أمر يسر الخاطر ،  فلا يمكن أن نعلم هذه القصيدة أو تلك  إلا بعد أن نتحدث عن مسيرة الأدب الفلسطيني ، عن حاضر الأدب الفلسطيني وأين نحن منه . ثم حتى قصيدة حنا أبو حنا مثلاً " من هديل الحمامة المطوقة " تفسر بالتفسير الفلسطيني الثوري الذي يجب أن نعلمه لطلابنا ، ونفس الشيء أقول عن قصيدتي " المسرح والهموم "... هل هي انهزامية كما يظن البعض ، لا.. لأن هذا الشعر الذي اخترناه للمنهاج -  برغم كل ذلك-  فيه نفس فلسطيني.  إذن نحن قد خطونا خطوات إلى الأمام... أما النقص البارز الواضح فهو أن شعر محمود درويش مثلاً" أحن إلى خبز أمي" لا يسمحون بتدريسها ،ويرون فيها خطرًا  ، أو قصيدة سميح القاسم " سيرين" يرون فيها أيضًا خطرًا ، ذلك لأننا – في دعواهم -  سنعلم عن كل سيرين وعن  القرى المدمرة ، وقصيدة راشد حسين عن صندلة:

مرج ابن عامر هل لديك سنابل

                                           أم فيك من زرع الحصاد قنابل

حذفوها بعد الموافقة عليها في  المنهاج .

هناك بعض القصائد التي تمس حسب ادعاء بعض الأطر بالمشاعر الدينية لبعض الطوائف.... هل يحق لهذه الأطر معاقبة الأستاذ الذي يدرسها أو مطالبة وزارة المعارف بإلغائها ؟

قطعًا يجب أن تكون للقصيدة بنية مستقلة ، وتقف تبعًا لتحليل الناقد أو المعلم أو الطلاب ، يجب ألا يكون تعليمنا إطلاقا تلقينيًا ، بحيث أنت  تبدي رأيك والطلاب يستمعون .. اليوم يجب أن يكون التعليم مشاركة ،  بحيث يجب أن تشرك الطالب في رأيه وتناقشه.... والمعلم الناجح حقًا هو الذي يشارك طالبه دون أن يملي عليه أي تصور وأي فكر ،  وإذا كنا حضاريين حقًا فيجب أن ننشد هذه الوسيلة ،  ونجعلها في سلم أولوياتنا ،  ونتخلص من ألانا الفوقية ، ومن القسرية في التفهيم ، وأن نكون مشاركين للطلاب في عملية التعلم ، قصيدة نزار قباني أو أدونيس أو صلاح عبد الصبور تعالج مسائل دينية حقًا ، ولكن الهمم هو كيف نعلم القصيدة دون أن نتطلع إلى بنية القصيدة وفهمها المضموني -  عن طريق المعالجة النفسية والحضارية والاجتماعية لهذه القصيدة، أما أن القصيدة تقول إنه يؤمن ولا يؤمن فهذا لا يعنيني إطلاقاً ولا يعني الطالب ، المهم في قطعة الأدب  هو كيف عبر هذا الشكل عن مضمون العمل .

 

- ننتقل إلى نوع أخر من الأسئلة التي تختص باتحاد الكتاب العرب ورابطة الكتاب والاتحاد العام للكتاب، أنت كأحد المؤسسين... ماذا قدمتم لأبناء شعبكم والفكر العربي من خلال هذه المؤسسات إذا كان قُدم شيء كهذا ؟

- بصراحة أنا من المؤسسين لاتحاد الكتاب العرب ، كنت قبل ذلك مسؤولاً في رابطة الكتاب العرب التابعة لاتحادات الكتاب في دولة إسرائيل ، وكان الهدف الرئيسي لاتحاد الكتاب هو طبع الكتاب وتوزيعه ، وأن نشجع الكتاب الشباب ، أن نبني حركة أدبية ، أن يكون هنالك نواد ثقافية تستقبل الأدباء، أن تكون الحركة الأدبية رائعة ومقبولة ولها أثرها في مجتمعنا ، هذا كان هدفي ،  ولكني رأيت أننا عندما أسسنا اتحاد الكتاب وقد كنت من المؤسسين الأوائل -  إن لم أكن المؤسس الأول ، كان هدفي أن يكون لهذا الاتحاد أثره الاجتماعي والفكري والسياسي والمنهجي ،  ولكني وجدت أن السياسة هي التي كانت تحرك كل شيء ، وأنا بالرغم من أن دمي وكل شيء بي يتعلق بالسياسة إلا أنني لا أوافق أبدًا أن يكون هدف الاتحاد والرابطة الأول والأخير إصدار بيانات واستنكارات ، هذا ما يُحدث لدينا نوعًا من الشلل ،  وأقول لك بصراحة مثلاً إنني خاطبت جماعة الرابطة قبل أن يؤسس الاتحاد على أن نكون كلنا معًا ...فكان الدكتور جمال قعوار يقول إنه لا يمكن إقامة اتحاد في ظروفنا الراهنة ، كان يرفض ،  وعلى نفس المنوال  كان المرحوم فوزي عبد الله.... وبشيء من الاندفاع  أقاموا جسمًا آخر اسمه " الاتحاد العام..."  وأنا لا أرى مبررًا لهذا الجسم ، كلنا يجب أن نكون جسمًا واحدًا فعالاً عمليًا ،  والسياسة يجب أن تكون في جوهر  كتاباتنا ومؤلفاتنا ، فأن تحضر اجتماعًا أدبيًا لا بد إلا  أن تطرح قضية سياسية ، أنت لا يمكن أن توافق على الممارسات السلطوية، لكني لا أريد أن يكون هدفنا الأول والأخير من وجودنا الاستنكار.. الاستنكار ، كل الاحترام ، الاستنكار هو واجب وشيء أولي ويومي ، لكنه ليس عمل اتحاد الكتاب ، من يعرف اتحاد الكتاب أصلاً أو رابطة الكتاب ؟

يجب أن نكون ضمن إطار عملي ، قمنا  بإصدار مجلة 48 التي  يفخر فيها كل قارئ جاد  ، لكننا بعد ذلك ..ماذا فعلنا ؟ لم نفعل شيئًا ؛  فرابطة الكتاب - مع الأسف أو الفخر- لا أدري هل هو  أسف أو فخر -  قامت بنشر زهاء عشرين كتابًا لأدباء من الرابطة  على حساب الرابطة  ، صحيح أن لديهم إمكانيات مادية وطاقات لا أعرف من أين يأتون بها ،  ونحن لا نملك هذه الطاقات أو قد تكون هذه الطاقات موجودة لكننا لا ندري أين هي . هم نشروا عشرين كتابًا ونحن لم ننشر أي كتاب لأحد منا ..... إذا كان هنالك مشكلة فإنني لا اعرف من المسئول عنها . الاتحاد العام هو  برئاسة سميح القاسم ( وأنا نائب رئيس ،  ولكني لم أحس أنني أعمل أو أشارك أو أقوم بعمل أحس فيه أنني نائب رئيس ) ، وهو -  باختصار -  لا يُفهم ما هو معناه ،  وقد يغضب مني صديقي سميح القاسم ، لا أفهم ما ضرورته حتى الآن ، نحن نذهب إلى اجتماعات اللجنة التنفيذية إلى حيفا ، مشاوير.. ووقت ...وتعب ... لماذا ؟ وماذا نبغي ؟  وماذا يريدون منا في الاتحاد العام ؟ هل جماعة الرابطة لهم مواقف ؟ إنهم يلتزمون ويتشددون في الطلبات من سميح ، باختصار لا مخرج من هذه الأزمة ، هنالك أزمة قائمة بين الرابطة والاتحاد ، أزمة حقيقية صحيحة ، لا ثقة بين الواحد والآخر... ليقولوا ما يشاءون ،  ولكن هذه حقيقة صحيحة ، وهذا ما دعاني إلى الاستقالة رغم أن أبا علي يرفض قبولها ،  وسميح قال لي أنا حر في الاستقالة من اتحاد الكتاب... ولكنك لم تقدم لي استقالتك من الاتحاد العام ، وأنا لا أرى ضرورة للإشارة في الصحافة والإعلام باستقالتي ، ماذا يفيد سواءً أعلنت إنني استقلت أم لم استقل ، ماذا فعلنا أصلاً لأخبر إنني استقلت ؟

- هل افهم من أجابتك أن الشاعر سميح القاسم لا يعرف ماذا يجري في الاتحاد العام ،  أو أنه يغطي عما يجري ولا يريد أن يعرف الجميع بذلك ، ثم إنك تقول إنه ربما توجد مصادر مادية في اتحاد الكتاب ....وأنت لا تعرف عنها شيئًا ما هي الحقيقة؟

- حسب معلوماتي وحسب اعترافات سميح القاسم هنالك ميزانية وإمكانيات يحصل عليها من جهات رسمية معترف بها ،  وأنا كنائب رئيس من حقي معرفة كل شيء ،  والمسألة المادية ليست هي التي تهمني فقط وأدت إلى استقالتي ، فأنا أستطيع إصدار  كتاب على حسابي الخاص... لأنني أثق أن هنالك قراء يستطيعون شراء كتابي ولست بحاجة لأحد .

 

- أنت كناقد مطلع على الشعر العربي... سأعطيك بعض الأسماء من شعرائنا وأرجو أن ترتبهم حسب مقدرتهم الشعرية ،  وما هي إيجابياتهم وسلبياتهم ؟

أولاً الفكرة رائعة ، وأرجو أن تسأل كل من تقابلونه عن هذه الأسماء الأدبية برغم الحساسية التي قد تؤذي واحدًا وترضي أخر، سأقول لك رأيي ،  وطبعًا رأيي غير ملزم .

أحمد حسين :  صاحب ملكة شعرية رهيبة ، القصيدة أو الجملة الشعرية عنده ذات مجاز بسيط ،  لكنه يحوي في ضمنه فكرة ، القصيدة عنده ليست سلسة ، بل يعتمل فيها أكثر  من طاقة فكرية ،  مع أن هذا الشعر فيه أبداع ،  إلا انه يظل صعبًا للقارئ .

 

فاروق مواسي :   رأيي الشخصي في نفسي -  رغم صعوبة ذلك -  أقول إنني أبحث عن الكلمة المموسقة ، عن الفكرة التي تؤدي هذه الموسيقى ، والموسيقى التي تؤدي إلى هذه الفكرة بشكل انفعالي صادق.... ولا أزعم ولا أرى أن هنالك شاعرًا فلسطينيًا  يمكن أن ينطلق بإحساسه الصادق في قصيدته مثل فاروق مواسي ،  فأنا اكتب قصيدتي وأنفعل عند إلقائها ،  وأعيشها حقًا.

سميح القاسم:يعجبني إلقائه وفنه في الأداء ،  ومقدرته العظيمة في اقتناص اللحظة الشعرية ، لكني أحيانًا أحس ببعض الافتعال لديه ،  وكأنه يلاحق أو يجاري موقفًا جرت عليه الناس، ولا يمكن أن أفهم مثلاً ، تقدموا تقدموا ، قد توافق مشروعًا عامًا عاديًا ملائمًا للطبيعة أو السجية البشرية أو للحماس النفسي الشائع ،  لكنه لا يمكن أن يكون سميح القاسم كما أعرفه مثلاً من خلال قصائده الأخرى .

طه محمد علي : أرى أنه نسخة ثانية لمحمد الماغوط الذي استطاع أن يكون عملاقًا في صوره وابتكاراته وبساطته ،  فجاء طه محمد علي ليشيع هذه الفلسطينية الرائعة ، فكان أخاذًا.... ولا أؤاخذه  إن كان  كلامه موزونًا أو غير موزون ، يبقى بالنسبة لي جميلاً ظريفًا وأحب أن أقرأه .

شكيب جهشان: شاعر له حماسته وانفعاله ، لكنه أحيانًا يواصل تواصل الحنين مع الإنسان البسيط الفلاح وهنا عظمته ،  مثلاً (  أذكر ) -  قصيدة شكيب جهشان الصادقة ،  لكنني من جهة أخرى أجد النثرية الشائعة الباهتة كثيرة في مواقف أخرى -  كخطابه لأحد البطارقة أو رجال الدين المسيحيين الذين زاروا الناصرة ، فأشعر أن شعره متفاوت بين طريقتين ، وحري به أن يخلص لنفسه ولشعره أصلاً.

حنا أبو حنا: رغم أننا على خلاف في مواقف هنا وهناك في مواقفنا ...يعجبني فيه الشعبية وهو يتحدث عن الإنسان الفلسطيني البسيط كصادق النمر مثلاً ، هذه الحنينية أو البساطة أو الشعبية هي التي تميز حنا أبو حنا ،  وأنا أهنئه إذا تقدم أكثر في مثل هذه القصائد وترك طريقة" عيون تتنهد" هذا الكلام الذي لا طائل له.

جمال قعوار : مع كل حبي وتقديري اللغوي والمعرفي له لا أحس أنه شاعر -  إلا إذا اعتبرنا الشعر اتكاء على التراث  وجريًا مع المناسبة ، مرة واحدة أحسست أن له قصيدة رائعة ،  فكتبت له رسالة إلى بيته  ، والقصيدة هي رثاء زوجته الأولى ، وما زالت القافية ترن في أذني حتى اليوم ، وربما هذه القافية تشفع له أن يكون شاعرًا.

- هناك انتقاد في الفترة الأخيرة على سميح القاسم بأنه سطحي في كتاباته فما رأيك في ذلك ؟

هو ليس سطحيًا ، وأنا أترنم على نظم الجملة على اثنين هما :  أحمد حسين وسميح القاسم بالرغم أن الاثنين يختلفان في الأداء والطريقة والأسلوب .

- بعض الأدباء يقولون إن سميح القاسم يأتي في المرتبة الثانية بعد أحمد حسين في الشعر ....فما رأيك بصراحة ؟

 لا.... أحمد حسين هو القاص المتميز ،  وهذه حقيقة ، فأما الشعر فأترك المرتبة الأولى لسميح ،  وأنا اترك لك أن تترك السؤال أو تحذفه إذا لم تعجبك إجابتي  .

- هل يحس فاروق مواسي أنه مطارد ومظلوم من الآخرين؟

- أحيانًا أحس أنني مغبون أكثر من مطارد ، وذلك  عندما أجد بعض الببغاوات  التي تردد الكلمات ملوكة ومطروقة ،  وتحاول أن تمس بي وبكتاباتي من أجل أن تنجح في وجودها ،  أو أن تجد مكانها لأول مرة.... أفكر أن العلاقة الاجتماعية والعلاقة الشخصية لها تقرير أدبي في الموقعة الأدبية ،  إذ أجد نفسي أنني بعيد عن الأضواء ،  ولا أجد الأصداء الكافية -  مثلاً احد النقاد المصريين طلب مني عندما ألقيت قصيدتي في لندن أن أصور هذه القصيدة حتى يكتب عنها في جريدة الأهرام ..لأنه معجب بها ، فما لبث أن كتب هذا الكاتب في "برج بابل " أنني كنت اخطب ولا أقول شعرًا . ولم يدرك – مع سعة إدراكه - أن قصيدتي " الخروج من نهر الظمأ "  كانت تنفيسًا عن الواقع المأساوي الذي نعيشه مع إخواننا في الضفة والقطاع ،  ولا ينقص القصيدة  مجازات واستعارات وطاقات شعرية ....وأتساءل :  إذا كانت هذه خطابة.... فكيف  يكون الشعر ؟

ثم إنني أحس بالغبن ...لأنني لم أجد حتى الآن الناقد المنصف والجاد الذي يأخذ أقوالي وكلمات وينقدها بجد ودون تحامل .... ولا ادري لماذا ؟ هل يعود إلى مقولة "  صعوبة شعري " ؟

أحس بالغبن عندما استقبل المعلمون كتابي " الجنى في الشعر" والجنى في النثر استقبالاً طيبًا في السنة الأولى.... ثم انقلبوا عليهما في السنة الثانية.... وقالوا إنك تقتل الإبداع .....على إثر ذلك أخذت  أحس أن الناس لا تصدق مع نفسها .

- ما رأيك فيما كتب حتى الآن عن أطفال الحجارة وهل عبر الكاتب أو الشاعر الفلسطيني عنهم وعن قضيتهم وما يجابهونه من ظلم وتعذيب  ؟

- أقول لك إن الطفل الفلسطيني أو الشخص الفلسطيني الذي يحمل الحجر ضد الغاشم المحتل لا يعرف شعرنا كلنا ،  إلا إذا كان هذا الشعر فيه ملامسة شعبية يومية وأغنية ترف على مسامعه ، فتنطلق منها حنجرته وإلا فإن هذا الشعر الغامض الذي نكتبه أحيانًا قد يسيء إلى القضية أكثر من معالجتها . نحن بحاجة إلى القصيدة التي تغنَّى  ، وحتى الآن لا نكاد نجدها ولا أعرف لماذا ، أين القصيدة التي فيها الرعوية الإنسانية البسيطة ، أين شعر الأطفال وأدبه ؟ ماذا أعطينا له ؟ نحن بحاجة إلى تغيير حقيقي والى إنسانية الإنسان الفلسطيني.

نشرت في صحيفة  الأسوار 14 / 9 / 1990

 

 

 

 

 

 

سنة اللغة العربية- إنجاز هام!!

 

- هل لك أن تحدثنا عن نشاطكم في سنة اللغة العربية  ؟ ما هي طموحاتكم ، وماذا تتوقعون من دعم ؟

إن الفعاليات والنشاطات أعراس الهوية، ولا يتوقع أحد أننا سنقدم أبحاثًا عجز عنها مؤتمر الخرطوم في تعليم اللغة، ولا نقول إننا سنجيب عن الأسئلة حول وظيفة اللغة الفصحى في حياة الفرد العربي في المجتمع المحلي. وليس من وكدنا أن ندرس أسباب ازدواجية اللغة، ولا أن نناقش طريقة تعليم(المحفوظات) التي كانت، ولا مسالة التسكين في آخر الكلمات في حديث المثقفين. فمثل هذه النقاشات تقحمنا في جدل من أجل الجدل، وفي أجواء المهاترة والاستعلاء، وما أكثرها اليوم!

      منذ بضع سنوات أخذت وزارة المعارف تتبنى فكرة "الموضوع المركزي على مدار السنة" فخصصت عامًا للديموقراطية، وآخر للقانون، وقد يكون العام القادم مخصصًا للهجرة اليهودية، فماذا يضيرنا إذا وازينا قرارات الوزارة بقرارات وتطبيقات تلائمنا؟ فالشرح عن الديموقراطية والحفاظ على القانون لهما مدلولات  ومداخل خاصة في وسطنا.

      فهل يتوقع أحد أن تكون لنا وزارة خاصة تزودنا بالموارد المالية  والإمكانات العملية؟ وهل نجدد إذا قلنا إن ثمة تمييزًا وإهمالاً يوجهان إلينا. فلنكلف أنفسنا ما في وسعها، وليظل النضال رائدنا، ولنبدأ حتى بالقشور كما سماها البعض فهذا أفضل بكثير من التكتّف والقعود للثرثرة والتشكيك.

      ثم، من الذي أوهمهم بالمساواة حتى أخذوا يطابقون وضعنا بوضعهم؟ هل الغرف الدراسية ووظائف التفتيش والعلماء النفسيون والاستشارة التربوية والتعليم المهني و.. و.. كل هذا بخير حتى أخذنا على الوزارة هذا التقصير فقط؟ وهل يتوقع أحد منا اليوم أن يعمل المركز التربوي لوزارة المعارف في إيجاد الأشرطة والوسائل الفنية باللغة العربية؟.

      لنقم بما نستطيع القيام به، ولندع أغنياءنا- ممن انعم الله عليهم ولا يشعرون أن نقصت ميزانيتهم قليلاً- أن يتبرعوا ويركزوا أنفسهم لغة وموقفًا ومع ذلك، لنطالب بتطبيق ما وعدت به الوزارة من جوائز تربوية في المجال اللغوي وقد اشترطت في منشورها على ما يلي:

أ) أن تكون للمدرسة خطة شاملة للتربية اللغوية.

ب)أن تكون قد قامت بنشاط مبرمج في :

1-    تعيين مواعيد ثابتة للمطالعة.

2-    وجود مكتبة مدرسية.

3-    أن يكون المعلمون والمربون على اطلاع دقيق مسجل على وضع المطالعة الشخصية لكل طالب.

4-    وجود مكتبة صفيّة.

5-    أن يقرأ كل طالب خمسة كتب على الأقل.

6-    قيام المدرسة بنشاطات مركزية مثل أسبوع الكتاب، معرض كتب، لقاءات مع أدباء، مسابقات، إعداد لافتات وزوايا خاصة لتشجيع المطالعة، نشر أنباء عن كتب جديدة

7-    قيام المدرسة بفعاليات يشارك فيها الأهالي لتشجيع القراءة.. انتبه! كم من الأهالي مستعد في الحقيقة للمشاركة!.

وقد أشار الأستاذ محمود أبو فنة إلى أن الوزارة " قررت أن تمنح شهادات تقدير وجوائز مادية تشجيعية للمدارس والطلاب الذين سيمتازون بفعاليات ومبادرات تسهم في تعميق التربية اللغوية وتؤكد الالتقاء والإثراء المتبادلين بين اللغتين الشقيقتين العربية والعبرية"( المواكب عدد شباط 1990) وسواء وفت الوزارة بوعدها أم لم تف، فجدير بمن يملك الغيرة اللغوية أن يقوم بواجبه، ولا يتخاذل حتى في الأشهر المتبقية من هذا العام المدرسي،لأن كل نشاط لغوي وثقافي وحضاري مطلوب دومًا، ولا نحدد له فترة زمنية، وإذا حددناها فإنما على سبيل التذكرة وتحفيز الهمة.

- هل لك اقتراحات عملية لتطوير مشروعكم اللغوي ؟

  كنت قد اقترحت في اجتماع لجنة المتابعة في سخنين أن تصدر كل شهرين مجلة خاصة، تلخص نشاطاتنا وفعالياتنا، لأن هذه المجلة ستكون بالضرورة محفزًا للمتقاعسين.. ولم يتحقق لنا الأمر. وهاءنذا أقترح اليوم في "كل العرب" أن تتبنى كل سنة موضوعًا مركزيًا موازيًا لما يتبناه الوسط العبري، فإن لاءمنا أخذنا به، وإلا كيّفنا الموضوع لظروفنا واحتياجاتنا. وإذا لم نحصل على الموارد المادية فعلينا أن نطالب الوزارة من جهة، ومن جهة أخرى أن ندعم كل فعالية بطاقاتنا وإمكاناتنا، فكم من مسجد أقيم؟! وكم مدرسة أقيمت بسواعدنا! فلماذا لا يكون حظ لغتنا-معشوقتنا- حظًا وافرًا نجود له بالنفيس فبل النفس.

      إن افتعال الخلاف في. هذا المضمار بين وزارة المعارف ولجنة المتابعة ليس له ما يبرره، فالمحاضرون الذين يفدون إلى المدارس يأتون بدعوة من مديريها. وليس من الضروري أن نتركز كل مرة على نقاط التشابه مع العبرية، كما تفترض وزارة المعارف اليوم، فاللغتان من أصل واحد، وهذه بديهية، وكل اجتهاد في العربية أو العبرية هو اجتهاد مبارك وهذه الوزارة- في منشورها- تطالب بإجراء مسابقات في التعبير الكتابي ،  فهل من المنطق إجراء ذلك بالعبرية؟ ويتطرق المنشور كذلك إلى الاهتمام بالخط العربي وإلى التعبير الشفوي وإلى التركيز على شخصية أدبية و.. فهل تقوم مدارسنا بذلك بالعبرية الفصحى؟.

      إن مدير المعارف العربية - الشخصية التي عملت وراء الستار من أجل تبني الوزارة للموافقة على سنة اللغة العربية والعبرية في مدارسنا، مدعو لمواصلة موقفه البناء والايجابي.

      سأجمل القول: لنستمر في أخذ أمورنا بأيدينا للحفاظ على لغتنا وأدبنا. ومن يعمل القليل أفضل من الذي يبيع الكلام، وكل خطوة، وكل كلمة، وكل موقف، هو لنا ولطلابنا، ومن يدري فقد نقول عن هذه السنة: "هذه سنة لها ما بعدها " وحيا الله من يعمل.

 

صحيفة "كل العرب" في الجمعة 6\4\1990

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حوار قصير مع د. فاروق مواسي (نائب رئيس الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين في إسرائيل)

 

لن أقدمك للقراء ،  فكتاباتك وكتبك وفيرة، ولكني سأسالك عن آخر ما أصدرت" قبلة بعد الفراق" ما مضمونه؟

قصائد لحمتها الرفض للاحتلال وسداها حب هذا الوطن.

·       هل كتب عنها النقاد في العالم العربي؟

علمت تلفونيًا أن مقالا نشر في صحيفة "المساء" في القاهرة، ولكن يهمني ما كتبته فلسطين الثورة في تقييم الكتاب... وأنا أعتز بهذا التقريظ...

·       وماذا مع ديوانك بالعبرية "الأحزان التي لم تفهم" هل كتبته بالعبرية؟

كتبت فيه قصيدة واحدة فقط بالعبرية، وقرأتها في مهرجان الشعر العالمي الأول في القدس، ولاقت استحسان الجمهور. أما سائر القصائد فقد ترجمها روجيه تابور عن  قصائدي بالعربية.

·       نقرأ يوميًا عن نشاطك في سنة اللغة العربية، عن أي المواضيع تحاضر؟

أود أولاً التأكيد على أهمية هذه السنة رغم تحفظ بعض الزملاء ،  وكم أسعد عندما أرى المدارس تستقبل المحاضرين، تعد المجلات، تسمي صفوفها بأسماء أعلام من أدبنا، تجري مسابقات في الإنشاء ، وتقيم نشاطات وفعاليات لغوية متعددة... أقول : ها نحن نعمل ولو القليل،وهذا أفضل ممن يتاجرون بكلام الهواء." وطق الحنك". هذه الصحف تنشر يوميًا عن نشاط مدارسنا، وبعضنا ما زال يتقول ويتفلسف بأنه يجب أن يكون تخطيط مسبق. أقول للمتشاغلين والمتفرجين: وقل: " اعملوا فسيرى الله عملكم "  وسيراه أبناء شعبنا وطلابنا أحباؤنا.

·       سألتك أيضًا عن أي المواضيع تحاضر؟

أتحدث عن اللغة: تطورها وحاضرها، وتطلعاتي لمستقبلها.

 

 

·       مم تتضايق على الصعيد الأدبي؟

أتضايق من قزم يطاول ويتطاول، من الادعاء والتعالي من غير رصيد. نكرة تريد بالقوة أن تكون معرفة، ضفدع ينق ويقول اسمعوا غنائي. أتضايق من الذي لا يجد إلا الهجوم والنقد اللاذع، وهو لا يحسن صنعًا، وكم تضايقت من بعض الذين تهجموا على كتابي" الجني في الشعر" و" الجنى في النثر" يتطاولون عليهما بعد أن درسوهما وأفادوا منهما. تهجموا على كتب الإنشاء التي نفكر في إعدادها من قبل أن تظهر.

      إن ذهبنا إلى محاضرة قالوا "محب للظهور" ، وإن كتبنا القصائد الغامضة قالوا"محب للتعمية"  ، وفي هذه الأيام سنؤسس جمعية لغوية لتخليص لغتنا من شوائب الخلط مع العبرية وها هم يقولون" من أنتم؟" ولي عزاء أن هناك من يقول "  الله يعطيكم العافية "  ويشد على أيدينا.

·       حصلت مؤخرًا على جائزة وزارة المعارف للتفرغ والإبداع. فماذا ستقدم لنا خلال هذا العام؟

سأعمل على نشر سبعة كتب معدة للنشر. وآمل أن أتمكن من ترجمة أطروحة الدكتوراة المكتوبة بالعبرية.... وما أصدق القول:" العمل كثير... والزمن قصير".

 

                                             صحيفة "هذا الأسبوع" حيفا- في: 12\4\1990.


 

لقاء مع الشاعر فاروق مواسي

(عضو لجنة التحكيم في جائزة رئيس الحكومة)

 

·       أولاً أرجو أن تعرفنا على هويتك:

- فاروق إبراهيم مواسي اجتزت الأربعين حديثًا  ،  وما زلت اقرأ وأكتب... وهذه خلاصة الخلاصة.

·       عرف نفسك: شاعر قاص ناقد باحث.... من أنت أدبيًا ؟

- إن قلت لك "  كلها " يكون نوعًا من الغرور ،  ولكنها الحقيقة مشحونة  بشيء من التواضع.

   في الشعر أصدرت خمس مجموعات هي على التوالي:_

"في انتظار القطار"- 1971- ، "غداة العناق"- 1974-، " يا وطني"- 1977- ، "اعتناق الحياة والممات"- 1979- ، ومجموعة للطلاب" إلى الآفاق"- 1979-.

في القصة:

ستصدر لي مجموعة قصصية عن منشورات البيادر بعنوان"أمام المرآة"

في النقد:

صدر لي "عرض ونقد في الشعر المحلي"- 1976- ، "دراسة عن صلاح عبد الصبور شاعرًا مجددًا"-1979- وفي النقد التربوي" أستاذ قد الدنيا"-1979-.

·       ومع هذا النشاط فأنت ما زلت طالبًا في الدراسات العليا:

- نعم فأنا في المراحل الأخيرة من رسالة الدكتوراة وموضوعها: " شعر مدرسة الديوان: العقاد، المازني، عبد الرحمن شكري" وهي قيد الطبع ثم المناقشة... وعند الفراغ منها سأتحدث عن مدى التجديد فيها.

·       لابد انك زرت مصر ما دمت تتحدث عن أدبائها.

- بالطبع فقد كنت في بيت المرحوم العقاد ، واجتمعت إلى عائلته ،  وأفدت من كتبه ومن مختاراته ، وقد أهدوني مشكورين مجموعة من كتبه. وأصارح القول إن هذه الكتب لا يجب أن تكون ملكًا لأحد بما فيهم أنا .

·       وما هي نشاطاتك المحلية في قريتك باقة الغربية؟

- بالإضافة إلى عملي ضمن إدارة المدرسة الثانوية ،  وإلى تدريس اللغة العربية فيها فإنني قمت ببعض النشاطات أذكر منها .

عقد ندوة اشترك فيها تسعة من أبناء باقة الغربية ،  وذلك في المركز الثقافي في القرية.

إصدار مجلات في المدرسة الثانوية ضمن حصص التربية الاجتماعية منها "آراء وأصداء"،" الباقة"،" أشذاء".

وأعكف الآن على إعداد كتاب عن تاريخ" باقة الغربية حتى سنة 1948" ومن مصادري الهامة في هذا الكتاب ما جمعه الشيخ محمد رشيد صفا الذي اهتم بالموضوع بشكل خاص. بالإضافة إلى ذلك نقوم بندوة ثقافية أسبوعية يشترك فيها الأستاذان محمود غنايم وجمال قعدان ، وتعقد هذه الندوات في بيوتنا.

·       أنت ممثل رابطة الكتاب العرب ضمن اتحاد الكتاب في إسرائيل.... ما هي نشاطاتكم؟

- قامت الرابطة بنشاطات في أول مسيرتها إذ أصدرت مجلة"مشاوير" التي حررتُـها أنا وصديقي جورج نجيب خليل، وقد أقمنا ندوات ثقافية وأدبية اشترك فيها بعض أعلام الأدب في بلادنا.

      لقد توقفت"مشاوير" لأنها لم تحصل على دعم مادي أسوة بما تحصل عليه زميلتها "موزنايم" العبرية، إذ تحصل الأخيرة على ملايين الشواقل سنويًا حسب ميزانية الاتحاد. وقد كتبنا محتجين فكانوا كل مرة يقولون لنا قدموا الميزانية .....فنقدم ....ولكن هيهات.

الرابطة مشلولة ، وهي بحاجة إلى وقفة جديدة ، وهي ليست بحاجة حتى للدعم من المعارف إذا انضم إليها الكتاب العرب بمختلف اتجاهاتهم وتياراتهم.

      أستطيع أن أقول إن أهم إنجاز حققناه هو تخصيص جائزة رئيس الحكومة لأديبين عربيين سنويًا. وهذا إنجاز حتى ولو كانت هناك لدى البعض  بعض التحفظات.

 

 

·       ما هو تعليقك على جائزة رئيس الوزراء؟ أليس في ذلك بعض ما يثير التساؤل؟

جائزة رئيس الحكومة لا تعيب صاحبها ،  فقد يتغير الرئيس وتبقى الجائزة، ثم من قال إن من يحصل على جائزة رئيس حكومة معين يوافق سياسته بالضرورة.

هذه الجائزة رسمية وهي أقل ما يمكن أن نحصل عليه. طالبنا بهذا منذ سنوات ونطالب بأن يأخذها المستحقون لها، كما نطالب بأن تكون جوائز أخرى من مؤسسات وبلديات.

      إننا نطالب كذلك بجائزة تفرغ للأديب العربي ،  ونطالب أن يمثل أديبنا في جميع المؤسسات.

·       ما هي الاعتبارات التي اتخذتموها في قرار منح الجائزة ولمن أعطيت؟

- لجنة الجائزة كانت مؤلفة من البروفيسور دافيد صيمح من جامعة حيفا ، ومن الأديب سمير نقاش الذي حاز على هذه الجائزة قبل سنتين ومني. وكان الاختيار بالإجماع على:

      الجائزة الأولى ومقدارها عشرون  ألف شاقل للأديب ميشيل حداد الذي أصدر ست مجموعات شعرية وأخرى مترجمة للعبرية "تراكمات" ،  كما رعى الأدباء الشبان في مجموعته "غرة على جبين الصبا" وهو يستحق هذه الجائزة لتجديده في الشعر ولجو الألفة الذي يشيع في قصائده وخاصة الأخيرة منها .

      الجائزة الثانية للأديب محمود عباسي وقدرها خمسة عشر ألف شاقل ، وذلك على مسرحيته "وفاء أم" ، وعلى مساهمته للمسرح عامة ،  فمحمود رعى مجلة الشرق ،  وأعد للطبع أكثر من مائة كتاب للأدباء المحليين ، كما ترجم عن العبرية والإنجليزية ،  ويبلغ مجموع كتبه زهاء الأربعين.

·       لنعد إلى مجلتكم "مشاوير" ما هي  الإنجازات التي حققتموها عند إصدارها؟

-        قدمت أسماء جديدة نعتز بها اليوم كياسين حسن وأسامة حلبي.

-        ترجمنا من الأدب العبري والأدب العالمي -  الأمر الذي انفردنا به.

-        نقلنا من الأدب العبري المعاصر ،  وأبقينا على الصلة مع أدبنا في الخارج.

ضمت مجلتنا مختلف التيارات الكتابية ،  ولا تعجب إن قلت إننا نشرنا مادة ضد أدب محرريها.

ومن العجيب أنها حوربت من أكثر من جهة ،  وفي هذا القول إشارة.

·       ما هي مشاريعك للمستقبل؟

- بعد أن أحصل على الدكتوراة خلال الفترة الوجيزة بودي إصدار عدة كتب ، وأنت كما ترى أنها بحاجة إلى دار نشر قائمة معدة.

-        أنطولوجيا الشعر الفلسطيني مع مقدمة.

-        دراسات في الشعر الفلسطيني.

-        من أحشاء اللغة (دراسات لغوية).

-        تاريخ باقة الغربية حتى 1948

-        لغة بدر السياب وصلتها بلغة المصادر القديمة (رسالة الماجستير) .

-        ترجمة رسالة الدكتوراة إلى العربية وهي عن مدرسة "الديوان".

-        إصدار مجموعة شعرية لي باللغة العبرية.

-        شعر فاروق مواسي في ميزان النقد.

صحيفة "الأنباء" في 1/6/1983

أجرى الحوار: إميل خزعل

 

 

 

 

 

 

لقاء مع د. فاروق مواسي (نائب رئيس الاتحاد الكتاب العرب)

 

آلام وآمال في مسيرتي الأدبية

 

التقيت الدكتور الشاعر فاروق مواسي، وبدا لي من ملامحه أن ثمة الكثير مما يحب أن يفضي به، قد يكون همًا يساوره أو تساؤلاً يعانيه، وأنا أعرفه ديناميًا وصاحب مبادرات يقيم الورش الأدبية والمنتديات الفكرية، فما باله اليوم وفي عينيه تساؤل وقلق ؟ قلت له مستفزًا:

·       لقد أصدرت مؤخرًا ديوانًا جديدًا هو "الخروج من النهر" فهل هناك قراء حقًا للشعر في مثل ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية هذه ؟

- أعترف بندرة القراء وقلة القراءة، فالكتاب الذي كان يطبع منه ألف نسخة صرنا نكتفي بإصدار خمسمائة، يوزع أكثرها إهداء للصحف والأصدقاء. إننا نعاني هذه الحالة وضعًا غريبًا، فلا مشتري، ولا مناقش، ولا ناقد جاد، ولا محتفي بالكتاب ولا ما يحزنون.....

·       إذن أنت يائس ...هل أفهم من ذلك أنك لن تعيد الكرّة؟

- لست يائسًا، وإنما سأنشر ،  فهذا قدر أُساق إليه وأنا سعيد.

·        ولكن مع ذلك هناك مجلات عربية كثيرة، وكتب محلية تصدر تباعًا بمعدل كتاب كل يومين، إذًا هناك نهضة أدبية وفكرية، وهذه النهضة لا تتحقق بدون قراء، كيف تعلل ذلك؟

- قد تحصل بعض المجلات على إعانات من هنا وهناك، وقد تخسر، وقد يستدر الموزعون جيوب القراء وعواطفهم، أنا لا أنكر أن عندنا قراء. قلت "إنهم نادرون". ففي قرية مثل باقة الغربية لا تجد أكثر من عشرة قراء حقيقيين، بينما تجد أكثر من عشرين يشترون، وهذه النسبة تظل ضئيلة ،  فليس كل من اشترى قرأ، وليس كل من قرأ فهم، وليس كل من فهم ناقش، وليس كل من ناقش كتب ودوّن، هذا إذا استحق ما ناقشه التدوين.

·       لكن ما هو السبب؟

- السبب الأول في نظري  لتردي مكانة الكتاب المحلي هو - كثرة الطباخين أو المتسلقين وضياع المقاييس، فالصحف كثيرة ولكل صحيفة "قبيلة". ويختلط الغث بالسمين، هذا إذا كانت مادة ثمينة  أو سمينة حقًا.

      والسبب الثاني هو الكتابة المجانية، فأنا لا اعرف مكانًا آخر في العالم يكتب فيه الكتاب بالمجان- باسم التطور وخدمة المجتمع والتضحية، ونبل المقاصد وسموها وترفعها عن المال. ناسين أن هناك كتابًا حقيقيين هم بحاجة إلى دعم مادي ،  وهذا حق لهم.

·       سأسألك على المستوى الشخصي أنت شاعر، ناقد، قاص، باحث، كيف تعرّف نفسك، ألا ترى في ذلك ضياعًا لتحديد هويتك الأدبية؟

- ولماذا لا أكونها جميعًا إذا نبعت من الصدق وعكست واقعًا؟ ليس المهم اسم اللون الأدبي ،  وإنما المهم هو المضمون، وأنا لم أجد أحدًا عاب جبرا إبراهيم لكونه يجمع ألوانًا عديدة، كما لم أجد أحدًا عاب المرحوم صلاح عبد الصبور أو فاضل العزاوي ..... من الطريف أن أذكر أن أحد الباحثين المحليين حدد قصيدة لي وسماها"قصة قصيرة"، وحدد قصة وسماها"قصيدة". احترنا يا قرعة...

 *    ما الذي تجده مثبطًا في مسيرتك الشعرية؟

- يزعجني أن القصيدة الوطنية لا بد فيها من مباشرة إذا أردنا التوصيل والاستثارة والاستقطاب، ومع ذلك يأتي أحدهم ويكتب في مجلة"فلسطين الثورة" التي من واجبها أن تعتز بإبداعاتنا ويقول:" إنه كلام عادي ولا جديد فيه" هكذا بمنتهى البساطة وبأستاذية غير مقنعة وفجة لا تعرف مدى المعاناة في كتابة كل بيت وكل كلمة.

      في رأيي أن الشعر الوطني يجب أن يمازج بين المباشرة والإيحاء، ولا معنى للكلام القاتم والمبهم، إنه ضياع ومتاهة لا نخرج منها بقدر ما تتورط فيها.

ويزعجني أنني لا أستطيع نشر قصيدة الغزل بسبب ظروفنا السياسية وإراقة دمائنا يوميًا.

 ويزعجني أننا لا نعطي الأطفال شعرًا وأدبًا ،  ولدي اقتناع أن الشاعر الجيد لابد من أن يكون قادرًا على إبداع ما هو جيد للأطفال ،  وقد وجدت كتابي  "  إلى الآفاق" - ديوان الطلاب" مقصرًا  ، والقصور ليس مقصورًا علي.

·       هل أنت راض عن نفسك ناقدًا في  الحركة الأدبية المحلية؟

- أنا لا أقتنع بالكثير ممن يكتب ،  وأسكت.... وهذا عيب. والصعوبة في نقدي أنني أنطلق من رؤيتي النقدية التي تواكب إبداعي وإنتاجي... وفي هذا ذاتية. حاولت أن أفهم القصيدة بمنهج خاص لي أبحث في كل مرة عن: أ- المضمون. ب- الوسائل الفنية وطريقة الأداء. ج- طريقة توظيف اللغة والألفاظ. د- الإشارات الثقافية أو التاصات  هـ- أسئلة مثارة من خلال القصيدة. فإذا ببعض الأدباء يخرجون كتابيَّ "الجنى في الشعر الحديث "و"الجنى في النثر الحديث " من دوائر النقد الأدبي، لأنها تتعامل والنصوص المدرسية، ولما أن وصلت إلى بعض المعلمين رفضوا استعمال التحليل من قبل الطلاب، لأنه أعلى من مستواهم، ولأنه يجيب عن كل التساؤلات بمستوى نقدي جاد فقالوا إن الجنى جنى على العقول ...يا حرام !!!

      وبرغم ذلك أجيبك: أنني راض عن نفسي ، لأن المعلمين في قرارة النفس يعرفون كم ساهمت هذه الكتب في الرؤية النقدية للقصيدة الحديثة. وإنني أدعو صادقًا بعض المفكرين منهم  أن يحللوا القطع الأخرى التي لم أقم بتحليلها حتى أفيد أنا أيضًا  منهم كما يفيد الطلاب. فالذي يجرب يعرف معنى أن يجرب الآخر.

·       نقرأ في مجلة"القنديل" التي تصدر عن مؤسسة"كل العرب" مقالة في كل عدد تحت عنوان"من الأعماق" فما الغرض منها؟

- إنها تركيز على سلبياتنا. اعتدنا دائمًا دائمًا أن نلقي بالثقل ونشير بإصبع الاتهام على السلطة. مرة واحدة علينا أن نحاسب أنفسنا. صحيح أن السلطة لابد أن يكون لها تأثير ما، ولكن أكبر اللوم هو على أنفسنا. فمن القضايا التي عالجتها: زواج البدل والجرائم العائلية التي تحدث، وحشر الأنف والتطفل وخطاباتنا على المنابر، وسباقنا للحصول على مناصب لا نستحقها .....وقس على ذلك.

إنني أتعمد  أن أكتب كل مقالة بصورة فنية تلائم المستوى الأدبي والاجتماعي معًا.

·       وما رأيك في "الأبحاث" ومدى كتابتها؟ أين أنت منها؟

- من الصعب أن يجد الباحث موضوعًا يتحدث عنه ويغني القراء، فأنا لا أعرف من سيهتم بذي الرُّمة أو من سيشتري دراسة منهجية من شعر مدرسة الديوان.

      إنني أطمح إلى تحرير مجلة أبحاث فلسطينية تدفع لقاء كل بحث مبلغًا معقولاً ، لأنه ليس منطقيًا أن يتفرغ الباحث أيامًا وليالي ويقبض ريحًا. المبلغ سيكون ولا شك لشراء الكتب والمصادر ، ويجب ألا نقتصر على"شكرًا" ،  أو يشيح أحدهم برأسه قائلا:"هذا المقال لا يساوي شيئًا"بعد أن هلك كاتبه ....وأؤكد أنني لابد من أن أحقق ما أصبو إليه ما دامت عافيتي بخير.

·       نشرت بعض القصص... وتوقفت ،  فهل لذلك سبب؟

- القصص التي سميتها "قصص قصيرة جدًا" فيها تركيز وتكثيف ومعاناة وفلسفة حياة، ومع هذا لم تجد هذه القصص لها صدى. تصور أن أحد الصحفيين يكتب في"الديار" عن إحدى هذه القصص: "هذه مقالة" ويتهمني بأنني لا أعرف قواعد القصة؟! أليس هذا من المضحك المبكي ،  وخاصة من كاتب ناشئ. لقد اعتادني الجمهور شاعرًا وناقدًا واكتفى، ولا أدري إن كنت سأنشر قصصًا في وقت لاحق ،  فالأمر ليس بيدي. هناك دافع داخلي يرغمني ويقول:"اكتب" .....فأقوم منقادًا  ، وأحيانًٍا لا أعرف ما سيكون المولود ....قصيدة/  قصة/  مقالا؟

 

·       لقد أبديت لي بعض التذمر مما نشر في"كل العرب" حول الأدب فهل لك أن توضح للقراء ذلك؟

تذمرت من مقالة للأستاذ فرج سلمان وهو يسخر من الحوار لضم اتحادي الكتاب في اتحاد واحد، علما بأن مقالاته الكثيرة تدعو للوحدة، وقد أنكر علينا الحديث عن المناصب ،  وكأننا نعيش في المريخ، أو كأن هناك أي شعب لا يهمه المناصب، وأظهرَنا وكأننا صغار لا تهمنا قضية شعبنا، باختصار لقد أساء هذا المقال له أكثر من إساءته لنا، وثانيًا ساءني ما كتبه الصديق عمر الزعبي حول تكريم الشاعر الصديق سميح القاسم وكان الأمر جريمة ،  وأنا إذ أبشره أن سميحًا رفض التكريم إلا أنه يؤلمني جدًا هذا الرفض ،  فليس التكريم لشخص سميح، وإنما هو للمرحلة الأدبية التي قطعها سميح وإلى النضال والمثابرة. ....إنه تكريم لقضية شعب، وأنا أتطلع إلى اليوم الذي نكرم فيه شخصياتنا من منطلق وطني ،  وأن نعيش حياتنا بدون عقد ..وبدون لؤم.. وبدون حقد... وبدون مزايدات.

·       ومع ذلك يبدو انك متفائل في أدبنا وفي شعبنا؟

نعم وأنا اسمي شعبنا هذا "شعب المبادرات" لقد تعودنا أن ننتج، نعمل ولا ننتظر أحدًا  ، لأن أحدًا لن يسعفنا، أقمنا المؤسسات، ألفنا الكتب، نشرنا... ونحن لا نزال نعطي. وأعدك برغم كل ما تذمرت منه أن أبقى سائرًا أعطي وأنتج. فهل اقتنعت بأنني ما زلت متفائلاً.

·       الله يعطيك العافية ولك الشكر على هذا الحديث الصريح.

صحيفة  "كل العرب"- الناصرة- في: 4/5/1989

أجرى الحوار: عبد الرحمن مجادلة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 مع د. فاروق مواسي شاعرًا وناقدًا

 

في منزله الجديد في باقة الغربية وفي مكتبته الضخمة التي يعتز بها صاحبها أيّما اعتزاز كان لي هذا اللقاء مع الدكتور الشاعر فاروق مواسي.

 وقد ارتأيت أن أطرح عليه بعض التساؤلات التي قد يجد القارئ فيها بعض ما يشفي غليله من التعرف إلى طبيعة الأدب المحلي وما يعتوره أحيانًا من صعود وهبوط. أهداني المضيف كتابه الجديد"حديث ذو شجون"، فكان لابد من أن أجاذبه  هنا أطراف الحديث:

·       ما هي رسالتك في هذا الكتاب، وهل هناك إطار يجمع هذه المقالات الاثنتين والثلاثين؟

- هذه مقالات اجتأدبية.

·       تعني اجتماعية -أدبية؟

- نعم. عالجت من خلالها قضايا أرمي من ورائها الإصلاح في المجتمع،لأن ذلك أهم ما يشغلني في معركتي من أجل الحق والحرية والجمال والحب. الأديب هو في مركز الأحداث ،  ولا يمكن أن يقف على حدة ما دام اللهب يطاله. هنا أنقد، ومع النقد أطرح حلولاً.

·       ولكن، هل  ثمة ردود فعل لما تكتب من معالجات؟

- لي مقال في الكتاب بعنوان:"لكل صوت صدى"، وفي هذا إجابة. وهنا يطيب لي أن أذكر ما وافاني به الشاعر أحمد طاهر يونس الذي نيّف على الثمانين، إذ يقول:

" فلله درك يا دكتور على معالجتك لمشاكلنا الاجتماعية، وما أكثرها ،  وكيف رأيتك تنقد بغير إجحاف، وتصف الدواء بتجارب المربي القدير."

وأنا أعتز بهذه الرسالة وبردود فعل منصفة أخرى... ولا شك أن كل كاتب يجد المتعة بمثل هذا الدعم وهذه الحرارة.

·       في تصفحي السريع لهذه المقالات رأيت أن لك مواقف ومفاهيم لمعاني الوطنية والأخلاقيات في المجتمع العربي، ألا يدل ذلك على أنك تنكأ جروحًا؟

- فليكن! وهذا أول ما على الكاتب أن يقوم به، لا أن يدغدغ ويداري ويواري. لقد أحسنت في سؤالك إذ توضح أن لي موقفًا، والإنسان أو الكاتب هو موقف.

   في مقالك"امرأة طامحة"-ص51- تقول عن"حنان عشراوي إنها أثبتت قدرتها على قيادة الدفة،"        

      "وإن المرأة العربية إذا أُعطيت الإمكانية والظروف كانت أهلاً لكل مسؤولية تناط بها،وليست    

       رهينة المحابس ،  فالمرأة التي قصرنا اهتمامنا عليها ضمن دائرة جنسية ضيقة (نابعة من عقدنا- نحن  الرجال) كانت بيانًا وسحرًا هذه المرة على لسان هذا "الحنان" الرائع ، والجلد الأخاذ ،  والموقف النبيل والجمال والطيب"

- ما رأيك- على ضوء ذلك  فيما كتبته دالية بشارة في "الاتحاد" 2/9/1994 حيث رأت انك تنظر"إلى المرأة كجسد،  وتعمل على تجريدها من إنسانيتها في الشعر أو في المجتمع" وذلك من خلال ديوانك الأخير"ما قبل البعد"؟

- أولاً: تعرفت إلى دالية بشارة في "الورشة الأدبية" التي كنت أقيمها وأشرف عليها، وقد شجعتها على النشر وكتابة النقد لتمارس موهبتها. ولكنها في هذا المقال اشتطت وخلطت جملاً وأبياتًا قيلت في سياقات أخرى ،  وجعلتها كأنها موجهة للمرأة، ولا يثبت أي اقتباس ما تدعي به، فقصائد الغزل من الطبيعي أن يكون التركيز فيها على الجسد ونعمته، لكن هذا الشكل لا يمكن أن يكون بدون مضمون، وحتى القصيدة التي أحزن فيها على المرأة التي تحتضر وهي تزف ابنتها، هذه الابنة التي ستعشق الحياة كأمها تراها دالية بمنظار سلبي رغم ما يشع في هذا الموقف من إنسانية. والقصيدة التي أتعاطف فيها مع "عانس"، والتي "لا يسأل عنها رجل يمنحها سره" لا ترى دالية في هذا الموقف تعاطفًا ونقدًا لمجتمع يضطهدها، بل تذهب بعيدًا في خيال غير صحي، وكأن الرجل ليس ضروريًا لها. ولن أتحدث عن قصورها في سبر أغوار القصائد الوطنية والقصائد الموجهة لمحمد عفيفي مطر ومحمد على طه ولعكا.

·       على ذكر هذه القصائد، ما هو الخط أو السلك الذي يضم قصائد "ما قبل البعد"؟

- الديوان مبني من ثلاثة أقسام: الأول "كشف في دفتر الوطن" والثاني "مكاشفات" والثالث "كشف في دفاتري- قُصَيّدات".

·       لي ملاحظتان: الأولى- استعمال "الكشف" في كل قسم والثانية- تصغير قصيدة إلى قُصيّدة، فهل أنت تبحث عن الجديد والطريف دائمًا؟

- في تقديري أن القصيدة يجب أن تحمل عناصر مستجدة فيها، وإذا كانت عباراتها مطروقة ومعانيها مسروقة فلا كانت... نعم، قصائدي ليست نسخًا مكرورة.

·       لفتت نظري قصيدة كتبتها لزوجتك عفاف بعنوان "رفيقتي" نشرت في "الاتحاد"- 27/5/1994 فهل هي أول قصيدة غزلية يكتبها شاعر في زوجته في حياتها؟

قلت في مقدمة القصيدة"فإلى أم السيد أهدي هذه القصيدة لعلها تكون بادرة في أدبنا تدوّن لحسابها" وقد تفضل الدكتور سليم مخولي فكتب في "الاتحاد"(2/9/1994) وكأني قلت إن قصيدتي "فتح" في الأدب العربي ...وشتان بين معنى "فتح" "ولعلها تكون بادرة". أما إذا أراد الزميل أن يسخر من وراء هذه الكلمة فسامحه الله. وأما إذا أراد أن يتحفنا ب"قصيدتين عطرتين" للشاعرين العماد مصطفى طلاس وميشال سليمان فلا ضير في ذلك، على أن يكونا حقًا في اعتبار النقاد أنهما شاعران، أو على الأصح أن تكون القصيدتان شعرًا حقًا.

·       ولكن هل وُجه لك نقد في ديوانك الأخير؟

- نعم، فقد كتب الشعر محمود مرعي مقالة في بانوراما (16/7/1994) وقع فيها أخطاء جسيمة منها

- اعتبار الأخطاء الطباعية "أخطاء إملائية" علمًا بأنه يقول "لعلمي بالدكتور أن مثل هذه الأمور لا تغيب عنه...."

- اعتبار (عِبْرات) جمعا لعبرة خطأ، مع أن طالب المدرسة الثانوية يعرف أن كل اسم ينتهي بهاء التأنيث يمكن جمعه جمعًا مؤنثًا سالمًا ..

- تخطئة "ضرجوا دمه"  ، وهي صحيحة على سبيل المجاز وليس "خطأ شنيعًا"

أما ملاحظاته العروضية فإنني أجلّها رغم أنني أتحفظ من التقيد بها، لكن الكاتب كان على معرفة ودراية، وهو لا يهرف بما لا يعرف، فله الشكر.

·       الشعر يبقى كاملاً على صفحات الكتاب، فكيف يتواصل والجمهور؟ أليس عن طريق الغناء؟!

- التواصل قد يكون عن طريق القراءة وإنعام النظر، واليوم اختلفت أساليب التلقي. المهم أن تجد المتعة والمشاركة الوجدانية والفكرية. قديمًا ربطوا الشعر بالغناء، فهذي المجموعة الأدبية اسمها "الأغاني"، والبحتري أراد أن يشعر فغنّى، والعربي أذنه ألفت الإيقاع طويلاً بالقافية والوزن والرتابة، فترتفع وتائر وتنخفض في الإلقاء، لهذا يصعب الانتقال، مع أن الانتقال قد حصل.... ولا رادّ له.

·       ولكن ما رأيك في قصيدة النثر؟ أليس ذلك مجرد صفّ كلام؟

- لا يمكن أن يكون صفّ كلام في كتابات محمد الماغوط مثلا، له معاناة، لا يهمني هنا الشكل الشعري. اقرأ معي هذه القصيدة للشاعر اليوناني (ريتسوس) أو هذه للشاعر الكردي (شيركه بيكه س ) هل تسأل هنا عن وزن أو بحر؟ فلماذا يجب أن نسأل في القصيدة العربية؟

·       ولكنك لم تكتبها، فلماذا؟

- كتبتها مرتين، وكنت مضطرا إلى الخروج من أي نظام صارم، وفي ظني أنهما من أجمل شعري .

§        هل يعني ذلك أنك تؤيد هذه الكتابة؟

- أتحفظ، ولا أشجع كل شخص أن يلج هذا الباب، وإلا أغرقنا في نثرية مريعة.

·       كيف ترى الشعر في بلادنا محليًا، وعربيًا، وعالميًا؟

-  محليًا: نحن نقرأ لبعضنا البعض، وتبرز أسماء لدينا، ويعرف الواحد نفسه من خلال ندواته مع الجمهور أو تلقّيه لردود فعل من القراء.

-        وعربيًا: فنحن أضيع من الأيتام، ولا بأس هنا أن أُنحي باللائمة على هذا الإغفال لأدبنا (إلا القليل الأقل)، وأنا- شخصيًا- أشعر أنهم يعاملوننا من فوق- أقصد صحافة مصر وصحافة بيروت- وقد يكون لي عودة إلى هذا الموضوع.

-         وعالميًا: فإن شعرنا قد ترجم إلى كثير من لغات العالم ، وفي هذا مبعث اعتزاز.

·        يرى الناقد صبحي شحروري أن ليس هناك أدب فلسطيني حقيقي فما رأيك؟

- أخالف هذا الرأي من خلال قناعة أولاً- هو هذا المزج بين فلسطين والحبيبة- صوفية جديدة-، وهذا السريان الذي يجري من دم إبراهيم طوقان و عبد الرحيم محمود وأبي سلمى في شرايين شعرائنا وهو رسالة تواصل، ولا أريد أن أركز على فكرة (الكنعانية)- التي لا أتحمس لها  ، ولست مقتنعًا بها- دليلاً فلسطينيًا يتعمده الكثير من شعرائنا ويتقصدونه من خلال تلاحم فلسطيني مثبت.

·        كيف ترى على ضوء هذه"الفلسطينية" علاقة الكتاب على جانبي "الخط الأخضر"؟

- العلاقة ليست مُرضية، رغم وجود تواصل هنا وهناك ضمن دعوات موجهة. فمثلا لقد غضبت لأن جامعة النجاح أقامت يومًا دراسيًا عن إبراهيم طوقان، ولم يُدع أحد من شعرائنا وأدبائنا في المثلث والجليل. كم كنت أحب مثلاً أن أشارك محاضرًا في الندوة ،  أو أن تكون لي مداخلة. ولكن يبدو أن عربنا ليسوا مسجلين في أية دفاتر، والدعوات إلى عمان ومؤتمراتها الأدبية والثقافية محرمة علينا، بل إن الجوائز التي تقدمها أو قدمتها المؤسسات الفلسطينية هنا لا تأخذ أحدًا منا بالحساب.

·       في هذا التسجيل سيلاحظ المتلقي أنك غير راض إجمالاً عن الواقع الأدبي... فهل استنتاجي بمكانه ؟  وهل أنا على حق؟

البحث عن الأفضل لا يجعلني أقبل الاستقرار ، ولا أقبل القناعة السلبية... إنني أنشد الأفضل على المستوى الاجتماعي والأدبي والفكري، والأدب إذا لم يحمل مع رسالته الجمالية رسالة موازية أو متداخلة(سيّان) اجتماعية فإنه ليس أدبًا.

      وأنا لست قانعًا بما حصّلت.... وشعار منـزلي كما قرأته:"وقل رب زدني علمًا"، ومن العجيب أنني أتحسر أو أتضايق كثيرًا لأنني لم اقرأ كتبًا معينة، ولم أجد وقتًا لها- على كثرة ما اقرأ- ويحضرني قول الشافعي:

"كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي

 وإذا ما ازددت علمًا زادني علمًا بجهلي"

 

وبهذا ودعت الدكتور مواسي راجيًا له الصحة والعطاء ...حتى يظل خادمًا لأمته وقضيته، شاكرًا له هذا الحديث الآخر الذي هو كذلك ذو شجون.

صحيفة "الاتحاد" 7 تشرين الأول 1994.

أجرى اللقاء: خلدون الشيخ علي

 

 

 

 

 

 

 


 

التحام الأدب والسياسة في منظار الشاعر د. فاروق مواسي

 

أصدر ما يزيد على الخمسة وعشرين كتابًا ما بين الشعر والدراسات والنقد والقصة القصيرة ، وكتب في النحو والصرف، وهو معلم ومحاضر فعال في الحركة الأدبية والاجتماعية والسياسية في فلسطين 48 ، وكاتب في المجلات والصحف داخل الخط الأخضر.

إنه د. فاروق مواسي من مواليد باقة الغربية عام 1941م والذي زار عمان لأول مرة قبل أيام، وكان للدستور هذا اللقاء الذي تم التركيز فيه على الجوانب الأدبية والإبداعية لفلسطينيي 48.

وأفضل شيء لتقديم د. فاروق مواسي هو تقديم المقابلة ذاتها ،  والتي بدأتها بالسؤال:

·       أريد أن تحدثنا أولاً عن تجربتك الأدبية الخاصة، في ظل ظروف فلسطيني الـ 48 الغريبة. أشير هنا إلى العزلة الفلسطينية في المحيط الإسرائيلي.

- ولدت في قرية باقة الغربية في المثلث، وفيها أعيش. وعندما دخلت القوات الإسرائيلية قريتي كان عمري يناهز السابعة. تركَنا معلمونا الذين كانوا قد توافدوا إلينا من نابلس ومنطقتها، وبقينا أضيع من الأيتام..، ليس بيننا وبين اللغة العربية إلا ما نستمع إليه من الإذاعات، وكتب متناثرة تمزقت لكثرة ما استعيرت، ومن حسن حظي أن لي والدًا كان قارئًا، فكان في سفراته إلى يافا يقتني لي الكتب، ويحفزني على الدراسة، فاقرأ الكتاب أكثر من مرة، فتخيلوا كيف سينشأ شاب وهو يطالع كتاب (العمدة) لابن رشيق، وعليه اسم صاحبه "موسى عبد المجيد سمور- دير ياسين"، ويكتشف الفتى فيما بعد أن دير ياسين - هي هذه القرية التي أطاحت بأهلها مجزرة. ولكن..... أين موسى؟ وتعرفت على مجلة "الآداب" البيروتية في مكتبات المعاهد والجامعات، فراق لي خطها القومي، كما راقت لي تجربة الشعر الجديد التي دعت إليها، وتابعت فيها باب"قرأت العدد الماضي"، فتكونت لي حاسة نقدية، فأخذت ألخص الكتب التي تصل إلى يدي، وأعلق أحيانًا. ولا بد من الإشارة كذلك إلى مجلة "الجديد" التي كانت تزودنا بالثقافة العربية اليسارية، فكانت تقتبس مواد من مجلة"الطريق" اللبنانية ، وتدعو إلى الواقعية الاشتراكية التي اغتنينا منها في ظروفنا السياسية العصيبة ،  أو كما قلت "الغريبة"... إنها عصيبة ،  بسبب الحكم العسكري الجائر الذي فرض علينا تباعًا حتى سنة 1966، إنها سياسة اللاسياسة التي انتهجوها نحونا وما زالوا، فرافق أبناء جيلي هذا المد الثوري بدءًا من الناصرية واستقلال الجزائر وثورة العراق.... وانتهاء بقضايا عالمية مثل فيتنام التي كنا نراها صورة مصغرة لإمكانية تحررنا. ولذا فلا بدع أن ارتبطنا إنسانيًا وعالميًا بالشعر اليساري، فعرفنا نيرودا ولوركا وماياكوفسكي والبياتي وسواهم. وهذا الموقف الملتزم جعلنا نقف (وما زلنا) ونلقي الشعر في مهرجانات خطابية وسياسية. وأنا أعرف أن الجمهور وخاصة في كفر ياسيف والناصرة جمهور محفز محرك، وأظن أن هذا الجمهور بالذات كان مُستنبَت محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم. ولن أضن هنا باعتراف، وذلك أنني قرأت مقطوعة أمام جمهور في الجليل، فإذا بهم يصفقون لي بحرارة. وإذا بي أنفعل جدًا من حرارة اللقاء معهم.... وإذا بالمقطوعة في اليوم التالي تصبح مطولة.

      خلاصة القول: الجمهور له تأثيره على مسيرة الشاعر. وجمهورنا متلاحم معنا. على الأقل هكذا كان.

·        الأدب الفلسطيني داخل الخط الأخضر ظلت له مواصفاته المباشرة، ولم يتأثر كثيرًا بالتجارب العربية والغربية ،  فهل خدم ذلك الأدب الفلسطيني؟ وهل كانت هناك تأثيرات على مستواه الفني؟

صحيح أن شعرنا فيه الكثير من المباشرة والتسطيح، ولكن ذلك ليس تعميمًا، فشعرنا رافد من حركة النهر العربي الزاخر، بل إنني أذهب إلى القول إن شعرنا بخطابيته التي لا تعيب قد خدم قضية الشعر الجديد، فأخذ الجمهور يصغي إلى شعرائنا وإلى وقع كلماتهم وروح معنوياتهم وبناء عباراتهم، يصفق لها، ويعجب بها، رغم أنه لم يسبر غورها- أحيانًا-.

 إن الجمهور يعي أن هذا الشاعر يحمل قضيته، فهو لا يسأل عن تفسير كل كلمة أو معنى هذه الجملة، يأخذها معنى كليًا، يستشفها إحساسًا، ثم إن شعرنا جعل الغزل ذا بعد جديد، فحمّل الأرض دلالات المعشوقة، وألبس المعشوقة ثوب الأرض، تمامًا كالصوفية التي كانت تُقرأ على مستويين، فمحمود درويش عندما يقول:

      " عيناك شوكة في القلب توجعني وأعبدها"

      أو عندما أقول أنا:

      "أتيتك مترعًا بالشوق والتذكار يحدوني الحنين

       على شفتي أغنية تلم الضوء من عينيك"

فإن شعرنا هنا يندغم غزلاً  وقضيتَه ، وذلك  في شفافية أو بوح ليس بالضرورة أن يكون من المباشرة، مع أن المسائل نسبية في القياس.

      ثم من قال إن أدبنا لم يتأثر بالتجارب العربية؟

نغالط أنفسنا إذا أنكرنا دور الشعر اليساري الواقعي والملتزم، ونغالط كذلك إذا تجاهلنا دور الإذاعات العربية التي كانت تحمل في أوائل الستينيات زخمًا من العطاء الفكري والفني.. لم نكن غصنًا مقطوعًا عن الشجرة ، بل كنا غصنًا غطته الأشواك ،  وحجبته عن سائر الأغصان.... غصنًا تنكر له الأخوة حتى بُعيد سنة 1967، يوم عرّف محمد دكروب على أدبنا فأخذت الصحافة العربية تُبدئ القول وتعيد في نضالنا الشعري أكثر مما هو عليه في شعرنا النضالي، وحتى استجار محمود درويش أو استثار  في مقولته:     "أنقذونا من هذا الحب القاسي".

·       يرى بعض النقاد أن الأدب الفلسطيني خارج موقع الاحتلال أكثر حلمًا من الأدب في الداخل. درويش قال:"إن خروجه من فلسطين جعله أكثر قدره على سعة الأفق"؟!

- الحلم حلم في الداخل أو في الخارج تبعًا لمستوى الشاعرية، وتبعًا للحدث.... أدبنا في الداخل حمل الألم والأمل معًا، راوح بينهما في عناق متفائل ، وقد يرى المتابع لشعرنا أننا سجلنا معاناتنا واحدة تلو الأخرى في قصائد متباينة ومتفاوتة في مستواها الفني، لكنها جميعًا تلتقي في بؤرة الحب لهذه الأرض التي انتهكت، وعشق لهواء هذا الوطن وطيوره ونباتاته وبحره ،  وعلى ذكر البحر أرجو أن أكون قد بلغت في هذين البيتين من قصيدة لي:

      يا بحر هل كانت  بلادي درة                  منهوبة الآصال   والأسحار

      يا بحر يا وحيي وبث عواطفي          أنت الصديق، فهل يطول إساري

    

أعود إلى مقولة درويش الجديدة، وأذكره بأننا هنا في الداخل أيضًا اطلعنا على الثقافة العربية بشكل جيد، بل إنني أزعم أنني- مثلاً مطلع أكثر من الكثيرين من أدباء العالم العربي على حركة الأدب العربي الحديث في الأقطار العربية كلها. فوسائل الإعلام توصلنا اليوم بكل أفق، ومع ذلك فلا إنكار أن محمودًا  سبح في بحر، وكنا نسبح في نهر، وأنه حضر المؤتمرات والندوات التي حرمنا منها، وأعترف كذلك، بأنني شاركت في مهرجان لندن الثقافي الذي أقامه رياض الريس سنة 1988، فأثرى هذا المهرجان تجاربي الأدبية من خلال لقاءات ومعرفة لم تتح لي آنفًا.

·       ما تأثير الأدب العربي على الأدب الصهيوني، ثم ما تأثير الثقافة الإسرائيلية على نتاج الأدب المحلي للعرب المقيمين منذ سنة 1948؟

- الإجابة عن هذين السؤالين تستلزم مستفيضين، ولكني سأقدم لك إضاءات فقط. بخصوص الشق الأول، فإن أكثر من تأثروا بالأدب العربي أولئك الأدباء اليهود الذين هاجروا من الشرق من الأقطار العربية، ترفدهم ثقافتنا وأدبنا، فمهما حاول سامي ميخائيل في كتاباته أن يتنصل من ذلك فإن طابع الثقافة العربية متأصل فيه - فميخائيل نشر في السنوات الأولى لقدومه إلى إسرائيل بعض القصص باسم سمير مارد ،  وشمعون بلاص هو باحث يكتب الروايات بالعبرية. وهي في مجملها ذات نفس لا يغاير أصداء كتابتنا وروايتنا.. طالعت في صغري كتابًا بالعبرية كتبه ( سملنسكي) من يهود أوروبا الذين وفدوا إلى فلسطين قبيل 1948، والكتاب بعنوان (أيام العرب) لوحات قصصية رائعة تدل على شدة تأثره بالجو العربي..والأجواء العربية هذه أثرت على القادمين الجدد كان برنر وسواه يعتبرونها المثل الأعلى. ولأنهم يوحون بذلك إلى أن العرب في فلسطين هم الذين حافظوا على التراث العبري الذي كان منذ فترة الهيكل، فالجد موسى هو من سلالة موشه حتما؟؟!!

      أما عن الشق الثاني، فالثقافة الإسرائيلية أثرت في كتابتنا بصورة قليلة وهامشية، وإذا كان هناك من تأثير ما، ففي الألفاظ العبرية والأساليب اللغوية التي اقتحمت-طوعًا أو كرهًا- كتابتنا، وهناك شعراء منا كتبوا نتاجهم بالعبرية منهم: د. نعيم عرايدي وأنطون شماس، بدعوى أنهم يجدون قراء أكثر وانفساحًا أو طاقة أكبر. ولابد من ذكر تأثير التوراة على الشعر المحلي حيث أن التوراة تراث إنساني غير مقصور على اليهود في البلاد، ولكني أرى هذا التأثير كذلك، لأن أغلبنا قرأ التوراة بالعبرية لا بالعربية. فكتب شعراؤنا عن إرميا ومراثيه وعن حبقوق وعن إشعيا وتناصت التوراة في كثير من نتاجنا.

·       في مسألة التطبيع الثقافي مع إسرائيل. هناك من يرفض التطبيع لموقف سياسي بحت، وليس خوفًا من عظمة الثقافة الإسرائيلية.. وهناك من يرفض التطبيع خشية انقراض تدريجي للثقافة العربية.

-       أرى هذا المصطلح مأخوذًا من الطبيعة في التعامل، أو أن تجري الأمور على الطبيعة؟ وفي رأيي أن كل حوار هو مفتوح ومتاح، ولكن لا يعني ذلك أن توافق على ما لا تؤمن به. الحق بيّـن في منطقه ووضوحه ، أو كما قيل في التراث: الحق سجسج والباطل لجلج، فليكن ، أو ليجرِ كل لقاء حتى لو مع ألد الأعداء.. وأصدقكم أنني أبحث بسراج وفتيلة عن متطرفين يطالبونني بالترانسفير لأناقشهم  ولأقزمهم أمام الحقائق.. وكنت في موقف لا احسد عليه في مدرسة دينية متطرفة، كنت أقرأ أشعارًا فلسطينية. هنا دوري ووظيفتي، وضرورتي هنا أكثر من ضرورة إقناع أخوتي من أبناء شعبي.

      إن الضعيف هو الذي يخاف المجابهة، ولا إخالنا ضعفاء، بل إن الكثيرين في الشارع الإسرائيلي يعارضون أي لقاء بين عرب ويهود بسبب خشيتهم على اندماجهم ...أو اندثارهم. ليخافوا هم ولينكمشوا، أما عن التزمت غير المبرر فأنا ارفضه، وسأسوق مثلا:

      حضرت مناقشة الدكتوراة لصديق فلسطيني في جامعة الأزهر، وكان من المناقشين للأطروحة د. عبد المنعم خفاجة، وإذا به في ثنايا خطبته يهاجم محمود درويش، لا لسبب إلا لأنه صرح يومها أنه قد تثقف الثقافة العالمية عن طريق ما ترجم إلى العبرية.

      استشاط المحاضر غضبًا وقال: وهذا شاعرهم يعترف بتأثير العبرية عليه.... إنه يريد إظهارهم بأنهم  ذوو حضارة وثقافة.... إن أحرفهم مدنسة المداد.. الخ...

      فهل موقف أستاذنا خفاجة مثالي، وهل نبقى متطرفين : إما إلى هذا الطرف أو ذاك؟ فلماذا لا آخذ الأمر باليسر والحذق من خلال الاعتزاز بهويتي وكينونتي وحقي في وطني.

      شئنا أم أبينا فقد اختلفت اليوم وسائل الرفض، ويجب أن نتطلع إلى كل الجهات. ومن شاء أن يقرأ تزمتًا آخر فليطالع عدد مجلة إبداع كانون الثاني 1995.

·        بصراحة هل هناك لديكم تسليم بما يجري.. القبول بما هو قائم!

- ظلت تساؤلات تلاحقنا، ونحن نتشبث بفلسطينيتنا، ونقر بكوننا مواطنين في إسرائيل بمزدوجتين أو بدون مزدوجتين. عندما وقع الزلزال لم يستشرنا أحد. تسنى لي أن أقول  لشارون يوم زار باقة بلدي :  لو استشاروني لرفضت وجودك في فلسطين. وهيهات. صارعنا كيدًا وتجهيلاً وسلب أرض وقتل روح. ورغم ذلك بقينا نقتنص حرية الكلمة.

      اقترحت في مقالة نشرتها في صحيفة الندوة (16/3/1990) أن يتفرغ عشرة من باحثينا على مدار سنة لتقديم شهادات استخلاصية قد تؤدي بنا إلى خطة، وستكون ثمة أسئلة مفتوحة على غرار،

أ‌.         هل نضالنا المثابر في الكلمة والموقف فقط يساعد فعليًا إخوتنا في الضفة والقطاع والشتات؟

ب‌.     هل تعاوننا مع القوى اليهودية التقدمية مشروع... وإلى أي مدى؟ ومتى؟ وهل نطالب بحقوقنا في جو عنصري يمنع كل تقدم فعلي للعربي في وطنه؟

وعند قيام الدولة الفلسطينية هل نكون مواطنين فيها وحدها؟ أم نكون بهوية إسرائيلية أم بمواطنة مزدوجة على غرار اليهود الأمريكيين... وأسئلة كثيرة وغيرها، وأنا إزاءها كما المتنبي"على قلق كأن الريح تحتي".

·       الحل النهائي لقضية الشعب الفلسطيني حسب أوسلو سينفي بالحل إلى شبه كيان فلسطيني غير معروف الحدود الجغرافية ولا الديمغرافية. إنه يحمل بذور مشكلة. كيف ترى أنت قضية الشعب الفلسطيني؟

- أنا على يقين بأن الدولة الفلسطينية المستقلة ستقوم في الضفة الغربية وقطاع غزة ،  ولابد من الاستقلال-حتى ولو كان شكليًا، وأنا لست متشائمًا أو يائسًا حتى أرى أن ذلك يحل بذور الفشل، بل بالعكس فأنا أرى في هذا الشعب طاقة عظيمة ، وهذا الأردن الرائع الذي أزوره لأول مرة قام على سواعد الأردنيين والفلسطينيين بهممهم وقدراتهم الخلاقة. فلماذا نفترض الفشل للمشروع الفلسطيني في دولته العتيدة أو المرتقبة.... أشير كذلك إلى أن الحدود لا تهم كثيرًا في حسابات اليوم، فالمهم الأهم هو الفعالية الاقتصادية والتأثير على المستجدات والحضور... ولنا في إسرائيل والعالم عبرة.

      أما الفلسطينيون في إسرائيل فيستحقون  ظروفًا  أفضل ، وهم يبغون العيش  في أجواء سلام حقيقي وعادل ومنطقي وإنساني.. وليس ذلك على الله ببعيد، ولا على شعبنا الذي اجترح أكثر من فضيلة تبرر عزته وكرامته.

·       كيف ترى تأثير مرحلة السلام على الشعب الفلسطيني وعلى أدبه؟

- في بداية مشروع السلام أو اتفاقياته كانت حماسة الفلسطينيين منقطعة النظير، وقد تسنى لي أن أتجول في الضفة الغربية بين الأعلام الفلسطينية الخافقة، والأزياء العسكرية المهيبة، وأظن أنه لو أتاحت إسرائيل أن تجري الانتخابات في الوطن المحتل لكسبت قضية السلام كثيرًا، ولكن الإسرائيليين المفاوضين يراوغون ويبطئون، ويتهمون جزافًا، ويتسلون ...ويحاولون كسب الوقت ، ولا إجابة شافية لديهم حول مسائل هامة كالمستوطنات والقدس واللاجئين. فوضوح الرؤية في السلام وإليه يؤدي إلى طريق سالكة لا شائكة ....أما اليوم ففي ظني أن حماس قويت بسبب هذا التميع السياسي الراهن وعدم الجدية. والأنكى من ذلك أنهم يمنعون عن السلطة الفلسطينية مقوماتها ، ويطلبون منها ما لم يقدروا هم أن يحققوه، وهم في منتهى بطشهم وإرهابهم.

      أما بالنسبة للتأثير على الأدب فلا أكاد أرى شيئًا يذكر، وربما يكمن السبب أن السلم الحقيقي لم يُجنح إليه.

·       وهل ترى أن حركة النقد الأدبي في الداخل في تواصل مع حركة النقد العربي؟

- أما الأبحاث فهي في تواصل اضطراري، فالدراسات الأكاديمية التي تبحث الشعر العربي المعاصر والرواية الحديثة لابد لها من العودة إلى مقالات ودراسات ومعالجات عربية ما قدُم منها وما حدُث ، وأما النقد الانطباعي والذوقي فقد ساير مناهج النقد في العالم العربي ...لكننا في النقد البنيوي أو الشكلاني لا نكاد نجاري مدرسة النقد المغاربية.. وعلى العموم فالنقد في خطواته الأولى رغم وجود بعض الدراسات الجادة هنا وهناك. أما مدارس ما بعد الحداثة والتفكيكية والتأويلية والنفسية فهذه اتجاهات لا نتعامل معها ربما بسبب قلة الثقافة في هذا الباب أو ذاك.

·       هل هناك سمات أو خصائص للأدب الفلسطيني في مواقعه الثلاثة (الضفة والقطاع، عرب 48، الشتات)؟

قلت إن سمة أدبنا في الداخل تراوح الأمل والتفاؤل، إنه كما اصطلحتُ عليه أدب واقِنْسي =( واقعي رومانسي) بأغلب نتاجه الشعري. أما الشعر لدى إخوتنا في الضفة والقطاع ففيه الكثير من المباشرة، ويشف عن القليل من المتابعة لما يجري على الساحة العربية الأدبية، وذلك بسبب قلة ذات اليد، وعدم استحصال المصادر والمراجع المستجدة. وعلى كثرة ما أقرأ من أدبهم فقلائل هم الذين أثبتوا أنفسهم-في رأيي- على الساحة الأدبية الفلسطينية، وإن أثبتوا فقاماتهم لا تصل إلى المستوى الذي ارتفع فيه شعرنا لعدة أسباب... وفي اعتبار تباين الظروف.

      أما الشعر في الشتات فأظنه أرصن ، وذلك بسبب الحنين المستبد للوطن، كإرهاصات دحبور وانطلاقات مريد البرغوثي، وقس عليهم أسماء أخرى لاحقة في أدبنا الفلسطيني تؤدي إلى إعطاء صورة إيجابية لشعرنا. ونحن معًا في مواقعنا الثلاثة ظل ذو ثلاث شعب تلتقي للصلاة في محراب الوطن ، وكتابة ما تيسر لنا من معاناة.

صحيفة "الدستور" (الدستور الثقافي)- عمّان 21/4/1995.

أجرى الحوار: موسى حوامدة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 فاروق مواسي... ناقدًا

الشعر المحلي ونقده وأمور أخرى..."

 

صاحب ديوانين {"في انتظار القطار" عام 71 و "غداة العناق" عام 74} - عرفناه دارسًا لغويًا وناقدًا في الصفحات والدوريات الأدبية، وها هو يطلع علينا بمغامرة ليصدر (أول كتاب نقدي يصدر منا وعنا)- كما يقول في مقدمته- ليجمع مقالاته النقدية علها تجد من ينقد النقد ،  فيدلنا إن كان لفاروق منهج نقدي.

      ونحن إذ نلتقي فاروقًا في حديث عن كتابه "عرض ونقد في الشعر المحلي"* وهو يتأهب للبدء بدراسة الدكتوراة في الأدب العربي، فإننا نحمل العديد من الأسئلة التي سنطرحها على فاروق الذي عُرف بصراحته وببساطته الإنسانية. لن نقول عنه الكثير فبين الأسطر التالية سنجد إشعاعات هذه النفس، بكل ما فيها من تواضع وكبرياء .

·       عمدت في كتابك إلى تسعة من شعرائنا، وأغفلت الكثير منهم، فهل لهذا من تبرير؟

- لا أنكر أن بعض الشعراء ممن رسخت أقدامهم لم يُنقدوا في هذه المجموعة. وأنا كشاعر أصدقك لو أغفلني أحدهم فيما إذا كتب على غرار كتابي، لتأثرت ولغلوت في السخط،  فأنا لم أتناول شعراء الاتجاه المحافظ، وكذلك لم أتناول شعراء الجيل الجديد. وفي ظني أن الطرفين بحاجة إلى تقييم آمل أن أقوم فيه ببعض القسط.

·       إذن فما الذي يجمع الشعراء التسعة؟

- أظن أن  ما يجمعهم هو كونهم مجددين من خلال المحافظة على الموروث. وظاهرة بارزة أنني عالجتهم من خلال قصائد نثرية أو أعمال فيها إبداع، فجمال قعوار لم يلفت نظري في "الريح والشراع"، بقدر ما لفت نظري في "غبار السفر". وسميح القاسم أعتبر سربيته"إلهي.. إلهي..لماذا قتلتني ؟ " تركيزًا وتتويجًا لكل أعماله.. ومن الضروري أن يكون العمل الأدبي الذي تناولته هو قمة أعمال الشاعر، حسب تقديري.

·       ماذا تقصد "بالمنهج الوسطي" في نقدك، كما أشرت لنا  في مقدمة الكتاب؟

- إنه-كما قلت في المقدمة-  منهج يأخذ من"الأكاديمي" الدقة في الاستشهادة والحذر في الأحكام، ويأخذ من الذوقي ذاتية جمالية أستشفها من خلال التجربة، وقد عمدت إلى المزج بينهما بحيث حافظت على أبعاد أحكامي ،  فلم أنزلق وراء عاطفة ذاتية إلا إذا أشرت إليها ببعدها الجمالي.

·        إذن ما هو الإطار الذي يشمل الشعر المحلي؟ أو هل له ما يميزه في نظرك؟

- أرى أن الشعر في بلادنا هو جزء لا يتجزأ من الشعر في العالم العربي، ذلك لان القارئ عندنا يطلع أولاً بأول على صحافة العالم العربي الأدبية فلا بدع إذا جرى وفق التيار.

      وما دمت تسألني عن مميز بالذات فإنه إذا كان ثمة ما يميز شعرنا فإن طابع الأسى ونغمة التفاؤل يتراوحان في شعرنا ... فإنهما  يتناغمان حتى يندغما.

·       هل لك تقييم خاص تنظر به إلى الشعر؟

إذا لاحظت كتابي فإنك تجد في نقد جل الشعراء أن النقد يتركز على المضمون أولاً، ثم على الشكل ثانيًا، ومع أن الشكل والمضمون يشكلان كلاً واحدًا، إلا أنني أحاول أن ألقي الأضواء على الصور التعبيرية الجديدة ،  وعلى الإبداع والإيحاء، والمنطلق الذي خرج منه الشاعر، وكذلك على المقارنة بين ثنايا وتضاعيف إنتاجه. كما أنني أقرأ القصيدة مثنى وثلاث ورباع ،  فإن هزتني فقد أثارتني لأكتب عنها ،  وإلا فأنها ستُحفظ في خزانتي وذاكرتي.

·       من خلال قراءتي لنقدك لسربيه سميح القاسم يبدو أنك تبحث عن الجوانب الإيجابية فحسب، هل من تفسير لذلك؟

- الواقع أنني أعتبر سميح القاسم في مقدمة شعرائنا العرب، ليس في بلادنا فقط ..وتنما في الوطن العربي كله، ومع ذلك فإن قولك إنني أبحث عن الإيجاب عنده حكم غير دقيق، فمثلاً أقول (ص12): "والصور عند سميح متراكمة حتى لتطغى علينا ...فلا نعرف ماذا يعني"، فهل هذا إيجاب!؟

·       هناك أبيات من الشعر لسميح استشهدت بها، والأبيات تحمل مضامين جنسية هل تريد القول إنها أعجبتك؟

- من هذه الأبيات ما سقته في معرض التدليل على أن سميح رافض، ومنه ما سقته للتدليل على سرياليته في بعض أشعاره، كما أن لهذه الأبيات قيمتها على المستوى الفني، حسب تقديري.

·       في نقدك لميشيل حداد، حاولت أن تضرب "ضربة على الحافر وضربة على المسمار"، فبينما تقول" إننا لا نكاد نعثر على ثقافة فلسفية أو اطلاع عميق مستبد" (عنده طبعا) تقول في مكان آخر "لمسنا من عمقه"، فكيف توفق بين القولين؟

- ليس هناك تناقض، ففي القول الأول بينت أن ليس هناك فكرة سارت معه وواكبته طويلاً، ولها دعائم فلسفية أو فكرية مدروسة، وهذا لا يعني أنه ليس عميقًا في بعض أفكاره، ثم إن القول الثاني لا يعني أيضًا أنه عميق، وأرجو مرة أخرى ألا يفهم قولي على محمل التناقض.

·       أنت تقول إن لجمال قعوار طعمًا جديدًا ونكهة مستحبة خاصة لديك وإن كانت نثرًا، فهل تريد القول إن المضمون هو العامل المقرر في فهمك للشعر؟

- سبق أن قلت هنا إن للمضمون تأثيرًا بالغًا لكنه ليس كل شيء، ثم إنني أحببت هذه النكهة حتى ولو كانت نثرًا، فمعنى ذلك أن تقسيم الأدب إلى شعر ونثر ليس ضروريًا أصلاً، فالشعر ما قُصد أن يكون شعرًا أولاً، وما كانت فيه كثافة الشعر وإيحاءاته وخيالاته وتوثباته ثانيًا.

·       ماذا تعني أن شعر نزيه خير نستسيغه... ولكن لا ننصح بترجمته؟

- أعني أننا نحس بالوهج الشعري مكتوبًا بالحرف العربي أو منغمسًا ملفوفًا به، ولما كانت من مقومات الشعر الفكرة، ففي تقديري أن الفكرة عنده ما زالت في طور النماء، اللهم إلا قصائده الأخيرة التي أخذ ينشرها في "الجديد" و "الغد"، إذ أخذ يمزج الواقعية بالرومانسية، وأدعو هنا  لترجمة مثل هذه القصائد ، حتى تنتقل للشعوب الأخرى ونفتخر لها.

·       في نقدك لسالم جبران تحاول أن تفسح المجال لكل شاعر حين تقول "إن حقل الأدب يتسع لجميع الأزهار" لكنك فيما تبعد تحاول أن تنفي بعض الشعراء من دائرة الشعر، فكيف توفق بين الأمرين؟

- إن التوفيق بينهما يأتي في مقالي " الشعر والعبث" (ص83) حيث أقول:"... فمن يظن أن الشعر الحديث والتطفل على مائدته أمر يسير فلابد من إفلاسه يومًا، ولا نستغرب إذا لم نقدر على التمييز بين الضيف والضَّيْفن كما حدث للمحرر الأدبي ،  فالضيفن لابد من افتضاح أمره مهما أوتي من سعه الحيلة ،  ومهما حشر نفسه في المأدبة، ودكاكين الشعر مفتوحة... فمن يستهو دكانًا فليشترِ بضاعته  ،  وإن بان زيفها ذات مرة فلابد من كسادها" .

·       هل تعني في قولك بأن سالم جبران علَم بين شعرائنا بحكم موقفه السياسي، إنه سياسي أكثر منه شاعرًا؟

- من الغريب أن هذا السؤال وجهه إلى محرر البرنامج التلفزيوني"جوارير" ،  وقد أجبت أن سالمًا وصف بجرأة وتحد وعنفوان، وهذه أضفت على شعره مسحة البطولة. ومع هذا فإنني أقول في ختام المقال عن سالم إنه من"رواد التغيير ....والأدب أداة، لا يضيره إن وُصفت كلماته بالنثرية ،  أو التقريرية أو المباشرة أو الشعارات أو الخطابية".

·       قد يفهم القارئ أنك حقًا مقتنع بهذه الصفات في شعر سالم، فما رأيك؟

- ليفهم القارئ ما يشاء، ولكن سالم جبران شاعر ناهيك من شاعر، شئنا أم أبينا، ومن ذا الذي تُرضي سجاياه كلها!

·       حاولت في نقدك لأدمون شحادة أن تبين تأثرات معينة له من شعراء آخرين، وكذلك فعلت في أكثر من نقد، ألا تعتقد أنك تظلم الشاعر لموافقة كلمة عنده لكلمة أخرى عند شاعر آخر؟

- انا لم أظهر ذلك كأمر سلبي، ولكن ذلك معناه أن يظل الشاعر حذرًا من وقوع الخاطر على الخاطر.

·       تقول عن أنطون شماس إنك تلج عالمه بمنطق مستعد أن يتعايش واللامنطق، فهل نجحت في ذلك؟

- لا أستطيع أن أقول ذلك ،  فالقارئ هو الحكم، ولكني بذلت جهدًا منطقيًا لأدرس أبعاد كل كلمة عنده، خاصة وأن أنطون يرفضه الكثيرون شاعرًا، وأرجو أن أنهج في دراسة الشعر كما نهجت معه، فقد كلفني المقال عنه من أمري رهقًا، فأنطون شاعر شديد المراس يكاد يكون "مجنونًا".

·       علق أحد الأصدقاء على مقال"الشعر والعبث" أنه"مانفستو"فاروق مواسي، فما رأيك؟

- أظن أنني حاولت أن أركز في هذا المقال مفهومي للشعر ، وأن ألمس الجوانب المختلفة لقضية الشعر الحديث. وفيه قبول لمحاولات جماعة"شعر" وتحديد للشعر، وأظن أن في إطلاق كلمة"مانسفتو" بعض المبالغة ،  وربما بعض "الإيرونيا". ولكن مهما يكن من أمر فأرجو أن يتدارس المقال أدباؤنا ويناقشوه ، لأنه فعلاً بحاجة إلى نقاش جدي، وأرجو خاصة من الأستاذ جورج نجيب خليل أن يقرأه ويعلق عليه ،  فهو شاعر محافظ عليه تقع عليه تبعة الرد مع الحفاظ على الصداقة والأخوة بيننا.

·       لماذا اخترت لشفيق حبيب قصيدة ونقدتها... ولم تعالج ديوانيه"قناديل وغربان"، و"مأساة القرن الضليل"؟

- أعجبتني القصيدة بحيث سارت عندي أكثر من ديوان، ولقد رأيت أن الحديث عنها يكفي فالمسألة كيف لا كم.

·       في نقدك للشاعر جان نصر الله والشاعر أدمون شحادة، حاولت أن تجاريهما في الشعر ، فتكتب أبياتًا ،  ثم ما تلبث أن تهوي على أبياتهما وأبياتك بالنقد الساخر؟ أولاً : هل حقًا ما كتبت يساوي ما كتب كل منهما على حدة؟ وثانيًا : هل هذا أسلوب في النقد؟

- الحق أنني أردت أن أبين من وراء ذلك أن الشعر صناعة يجب أن يحذفها صاحبها ،  أما ما كتبته على سبيل المجاراة فأظنه على نفس المستوى من البساطة، ولعل في هذا الأسلوب إقناع للشاعر وللقارئ، وربما قد تأثرت من مارون عبود ونقداته.

·       سؤال شخصي: هل تظن أن شعرك في"غداة العناق"و"في انتظار القطار"، يتجاوز الهفوات التي أشرت إليها عند الشعراء المنقودين؟

- الصراحة أنني كنت لو سمح لي بإلقاء الضوء على شعري ..  وأن أنقده لفعلت ،  ولكني خفت أن أظلم نفسي مدحًا أو قدحًا، وأنا قد أفرط في الحالتين.

·       ولكن القارئ يفهم من وراء نقدك أنك تقول  إني "أنا الشاعر"، فما رأيك؟

- لا ادري المبرر لذلك، ولكنني ربما أشير بصورة غير مباشرة إلى أنني منتبه لهذه النقاط، وما يمنع الذين يقرأون نقداتي أن يحاولوا تتبع هفواتي من منطلقاتي.

·       أذكر أنني قرأت لك في "الشرق" مقالاً ترد فيه على عبد اللطيف عقل ، وتقول له بما معناه  "لم أجد الناقد الحصيف..." ، وإن شعرك قد ظُلم إذ لم يقيم التقييم الكافي، أما زلت عند قولك؟

- الواقع أن النقد الذي نُقدت به هو إما مدح مفرط لا استحقه، وإما تقييم لمن ليس له باع في الشعر والنقد، فيأتي مدحه أعرج وردحه أعوج، وأمامي ستة عشر مقالاً نقدوا فيها شعري لا تدعوني لأن أفخر، ولكني أفخر حقًا لأن الدكتور هاشم ياغي قد تعرض لي مادحًا في كتابه"حركة النقد الأدبي الحديث في فلسطين" الصادر عن معهد البحوث والدراسات العربية، 1973، (ص 322).

·       إذن من أنت فاروق مواسي الشاعر، أم فاروق مواسي الناقد؟

- ولماذا لا أكون شاعرًا وناقدًا  ، وإن استكثرت ذلك علي، فلماذا لا أسير في أول طريق الشعر وفي أول طريق النقد. ومن أصدقائي الأدباء الجادين أسمع اعترافات بنقدي ،  وتقديرًا له  ، وأرى نفورًا من شعري، فإن كتبت القصيدة اليسيرة الفهم قالوا ما هذا؟

·       نعود إلى الكتاب، هل وصلتك ردود فعل إيجابية عنه؟

- وصلتني من البروفيسور شموئيل موريه رسالة يقول فيها إن الأدب المحلي كان بانتظار مثل هذا الكتاب، وهو بحث جدير بالتقدير. كما كتب لي البروفيسور ساسون سوميخ عن انطباعاته الأولية المختصرة، وكتبت"المرصاد"تعليقًا مشجعًا، بالإضافة إلى رسائل العديد من الأصدقاء التي غلبت عليها أمارات المجاملة، ولا يسعني إلا أن اشكرهم جميعًا.

·       ثمة عقبات في توزيع الكتاب أليس كذلك؟

- بلى، فالكتاب المحلي مظلوم، ولا تتوقع من قراء كثيرين أن يذهبوا  إلى المكتبات ليسألوا:

هل عندك كتاب"عرض ونقد في الشعر المحلي" مثلا! لذا فالتوزيع غالبًا ما يكون عن طريق الأصدقاء، وتصور أن بعضهم لا يعيد المال ...ولا يعيد كذلك الكتب التي لم يتمكن من بيعها. وتصور مثلاً في مدرسة إعدادية قريبة من بلدتي-حيث أعضاء الهيئة التدريسية أصدقائي- لا يباع كتاب واحد، وتصور أن الكرامة تأبى علي ان أتوجه إلى فرد سائلاً إياه أن يشتري كتابي، لأنني بمعنى آخر أستجديه وأتوسل إليه. ثم قل لي بعد ذلك كم ستخسر من كتابك؟ والمضحك المبكي أن بعضهم يكتب لمؤسسة ضريبة الدخل، أنك تربح… فيطلبونك في الضريبة لتقدم لهم تقريرًا عن ربحك!!

·       سؤال بعيد عن الموضوع، لكن بودي أن أطرحه عليك: فقد سمعنا في باقة عن شاعرين شابين أصدرا ديوانين، وقد أهدى أحدهما ديوانه لك، فهل لك يد في ذلك؟

- الواقع أن كليهما قد أصدر ديوانه بلا سابق اطلاع مني، ولست ازعم لنفسي أن لي يدًا، ولكن ظاهرة الشعر أجدها في كل صف مدرسي أعلمه، وأنا أرعى كل نبتة تلقي أوراقها لي. ومن يظن أن شخصًا واحدًا يؤثر في شاعر فهو خاطئ.

·       سؤال أخير، ما هي مشاريعك للمستقبل؟

- صراحة -  أن طبع الكتب هو رسالة ،  وإن شئت فسمه هوسًا ، ولابد من ذلك، ولكني آمل هذه المرة أن تطبع في دار النشر العربي أحد الكتب الأربعة المرتقب صدورها وهي: دراسة عن صلاح عبد الصبور، لغة الشعر عند بدر شاكر السياب، إلى الآفاق (شعر للطلاب)، وديوان شعر ثالث لم أحدد اسمه بعد. وسأتوجه لمكتب صلاح الدين في القدس ....ولكل دار نشر محلية عساها تخفف عني العبء .

 

صحيفة "الأنباء" 4/2/1977.

أجرى الحوار:المندوب الثقافي

 

 

 

 

 زيارة في مكتبة  د. فاروق مواسي

مكتبتي ملأى بالأصوات ....والكتاب متعتي ونزهتي

 

مع الكتب يعيشون ساعات طويلة ليخرجوا إلى الناس بفكرة جديدة وكنز ثمين. يضيفونه إلى ينبوع المعرفة ليفيدوا به الآخرين.

في هذه الزاوية يقوم مندوبنا بزيارة لمكتبة ويحاور صاحبها  حول  الكتب وأثرها في حياته.

عندما أشرفنا على منزل الشاعر الدكتور فاروق مواسي- المنزل الذي أحب أن يسميه الشاعر حنا أبو حنا"الزَّهراء" لرحابته وجماله وموقعه، لم يكن يدور بخلدنا أن مواسي الذي يتهمه الكثيرون بالتعالي في العلم والمعرفة  يزين منزله بالآية الكريمة:"وقل رب زدني علمًا".

هكذا إذن هو يعترف بالنقص في المعرفة، وهكذا يبين لنا مدى اهتمامه وعشقه للعلم وتواضعه.

ولم يكن يدور بخلدنا أيضًا أن تكون مكتبته بهذا الحجم وهذه السعة-غرفة طولها عشرة أمتار، وعرضها أربعة، تمتلئ برفوف الكتب من الأرض حتى السقف، قد تصل الكتب والعناوين إلى عشرة آلاف، والأهم أنها مرتبة حسب مواضيع وحسب تفريعات،هنا المجلات المجلدة: الآداب، المجلة، إبداع، الجديد، مواقف، المواكب، الشرق، الناقد، أدب ونقد، البيادر، الفجر، الأدبي، فصول، القاهرة، الكرمل الفلسطينية، الكرمل الحيفاوية، مجلة النجاح للأبحاث، اليوم السابع،فلسطين الثورة، الأقلام العراقية، عالم الكتاب، الهلال والعربي وغيرها وغيرها كثير.

      وهنا الكتب التراثية ودواوين الشعر القديم... وكتب نادرة ذات قيمة أدبية رفيعة، كتب في النحو واللغة، كتب فلسفية، تراثية، موسوعات،معاجم، كتب حديثة نقدية... ودواوين الشعر الحديث- مجموعات كاملة- ودواوين الشعر المحلي مرتبة هجائيًا ، لا تكاد تجد كتابًا ناقصًا من كتب سميح أو حنا أو جمال أو حسين مهنا أو شفيق أو ميشيل... الخ وهناك مجموعات نجيب محفوظ... ومجموعات روائية... وأخرى مسرحية عربية، وهناك المحليات. هناك الكتب المترجمة إلى العربية، وهنا الكتب باللغات الأجنبية، العبرية، الإنجليزية والألمانية... رحلة ..وطواف ...وانبهار ...وروعة.

      كان الشاعر يقدم لنا القهوة ببسمته التي تصاحبه، وكانت تبدو عليه سيماء الاعتزاز والبشاشة. قلت سأسأله سؤالا أولاً، لابد أنه  كان قد سُئله مئات المرات، وقد يكون سؤالاً ساذجًا:

·       هل قرأت كل هذه الكتب؟

لم يرق له السؤال، فبالله كيف يمكنه أن يقرأ كل صفحة من هذه الكتب. أجاب :

- هذه المكتبة هي في الأساس مراجع ومصادر، وأنا أنتقي ما قد يلزمني في كتابتي وأبحاثي ودراستي وتدريسي.

·       ولكن متى بدأت بجمع الكتب؟ وهل أنت مؤسسة حتى تقتني ما اقتنيت؟

- بدأ أبي- رحمه الله- في شراء الكتب الأولى، حيث كان تاجرًا للأقمشة والألبسة، فعندما كانت تأتي البضاعة من يافا كانت تأتي معها بضعة كتب، عرفت منها في صغري روبنسن كروزو لديفو، وفقه المذاهب الأربعة والإمامة لابن قتيبة والعمدة لابن رشيق...

وفي سنة 1967 بدأت التهم الكتب قراءة وشراء، وذلك بعد أن تعرفت إلى مكتبة المحتسب في القدس ، والقطب في نابلس ، والطبري في طولكرم ،  وعصفور في جنين... وزادت القراءة ...وزاد الشراء مع تأسيس مكتبة عباسي وتعرفي إلى معرض الكتاب في القاهرة.

لا تسأل كيف أشتري ومن أين؟     ففي كل سفرة أعود حاملاً معي رزمة..... الكتب هي غذائي ومتعتي ونزهتي.

·       ولكن قد يظل كتاب واحد له أثر في نفسك، فما هو؟

- قد يعجب البعض إذ قلت إن القرآن-الذي حفظت أكثر آياته غيبًا- هو أستاذي الأول في اللغة، فقد قرأته كله وأنا صغير اثنتي عشرة مرة. كتاب اكتشف فيه دائمًا شيئًا جديدًا، وأنا أعجب بكتاب محيي الدين درويش"إعراب القران الكريم وبيانه" ، وقد عرفت عن المؤلف  من شاعرنا أحمد دحبور، فعند لقائي به في منتزه عبلين مؤخرًا حدثني عن درويش وعن طرائفه.

      وكان أستاذي الثاني المتنبي وديوان شعره، وأتحسر لأنني لا أجد الوقت لحفظه أكثر، فقد حفظت مرة ما يربو على خمسمائة بيت من قصائد له  مختلفة، وهي رصيد لي يسعفني في أكثر من سياق أو مجال.

·       هل تأثرت به في شعرك؟

- نعم، تأثرت به، وظهر ذلك جليًا في قصيدتي الأولى حيث قلت:

يا أبا الطيب  أنصت         روحك الصغرى تغني

إن يكن مجدي  سماء        أنت رب،  منك فني

لن يكون الشعر شعرًا        دون  أن  يرقى  بفني

إن شعري مسكرات       من دنان الخمر    دنـي

·       لنعد إلى المكتبة، كيف تحس وأنت تعمل فيها؟

- أصدقك أنني أحس بالعلماء والأدباء أحياء، وما اصدق الشاعر الذي قال:

لنا جلساء ما  نملّ     حديثهم

                              ألبّـاء مأمونون غيبًا ومشهدا

يفيدوننا من علمهم علم ما مضى

                             ورأيًا وتأديبًا ومجدًا وسؤددا

وهذا الإحساس لازمني كذلك في أثناء كتابتي قصيدة"أغنية إلى الإنسان بابلو نيرودا"(ديوان غداة العناق) قلت في وصف موته وكأني أتخيل مكتبته:

من يتساقط

فرماد وحديد ولهيب من جمرات

في مكتبة ملأى بالأصوات

·       هل تعير كتبك؟ متى؟ وهل ترجع الكتب إلى مقرها؟

- أصدقك أنني أعرت الكثير ولم يرجع، ولكن هذا لا يمنعني من تزويد طلاب الماجستير والدكتوراة على وجه الخصوص بالمراجع المطلوبة، فهذه مسؤولية، وأنا مضطر  إلى أن أقوم بها على المستوى الأخلاقي والاجتماعي. أما طلاب الشهادة الأولى فقد خصصت بجانب المكتبة-غرفة ضيافة خاصة للمطالعة والتلخيص، وكنت أتمنى أن تكون لدي ماكنة تصوير ليصور من يشاء ما يشاء.

·       هل توافق قول الشاعر:

فمعشوقي من الدنيا كتابي

                           فهل شاهدت معشوقًا يعار

- لا أوافق على الشق الثاني. أما انه معشوق فو الله هذا صحيح، فالكتاب بالنسبة لي سرج السابح، وهو أعز مكان وخير جليس، وأقرأ ما يقوله الجاحظ عن الكتاب في كتابه"الحيوان". حتى ترى مدى هذا الحب للسِّفر، فقد كتبوا فدرسنا ونكتب فيدرسون.

- فهمت أن مكتبتك معدة أولاً لأبحاثك ودراساتك ، فكيف تختار المصادر ؟

- أتصفحها أولاً ، وأعرف موادها والفهرست ومبناه ، وأسأل نفسي إن كان هذا الموضوع يهمني أم لا ؟ فإذا كان الجواب سلبًا فإنني لا أقتني الكتاب حتى ولو مجانًا ، وإذا كان الجواب إيجابًا أقتنيه وبأي سعر ، وإذا ترددت وكنت بين بين فإن سعر الكتاب يقرر اقتنائي أو عدمه ...

- كم ساعة تخصص يوميًا للقراءة ؟

- معدل قراءتي خمس ساعات ، وهي تتضمن قراءة الصحف والمجلات الأدبية الكثيرة التي أكتفي بمعرفة مضامينها للإفادة منها مستقبلاً ...ويعلم الله أنني أكثر المتابعين للإصدارات المحلية ، ويندر الكتاب المحلي الذي ليس له مكان في مكتبتي  ، ويندر الأديب الواعد الذي لا أعرفه إما عن طريق الورشة الأدبية التي أقمتها وشجعت فيها الكتابة الجديدة ، وإما عن طريق الصحف ...

- رأيت كتبًا عبرية كثيرة ، هل لك أن تحدثنا عن مضامينها ؟

- إن أكثرها إهداء من أدباء عبريين ، ولي علاقات وطيدة مع كثير من أرباب الكلمة ، وأعتز باهتمامهم بآرائي وملاحظاتي رغم تباين قراءاتنا ، وأكثر ما يعجبهم بي طريقة إلقائي للشعر باللغتين ، فهم يغبطوننا على إيقاع الشعر العربي ...ينصتون وكأنهم في عالم سحري باهر .

- معروف أنك ناقد وشاعر ، بل إن المرحوم عصام العباسي سماك ( كشاجم ) – في مجلة الحصاد ، وكل حرف من اللقب يدل على صفة ، وهي على التوالي : كاتب ، شاعر ، أديب ، جواد أو جامعي ، مؤلف  ؛ وفعلاً أصدرت في الأنواع المختلفة ...ألا ترى أن هذا يبعدك عن التركز في ميدان ما ؟

- أنا أكتب بصدق ما أحس ، ولا يهمني اللون الأدبي ، فليكن  الأصل  هو النص أو الكتابة ، وليكن اهتمامنا بما يقال أولاً وأخيرًا ...وقد أفاجِئ إذا قلت إن لدي رواية هي ( الحب البعيد ) كتبتها ولم أنشرها ، بسبب عدم اقتناعي بمستواها  ، فأنا قبل كل شيء ناقد ، فعلي بنقد الذات قبلاً ، وطبيعتي النقدية تتأتى مقالة وشعرًا وتعليقًا وملاحظة ...وأما إحساساتي فتنطلق شعرًا ، وقد يكون هذا ضمن دائرة النقد الشعوري .

- أصدرت ما يربو على السبعة والعشرين كتابًا ، فهل لديك نسخ من إصداراتك الأولى ؟

- أصدقك لا ، رغم أننا كنا أولاً نطبع ألف نسخة من كل كتاب  ، ولكن كان هناك من يحفل بالكتاب ، من حزب أو مؤسسة أو أصدقاء  ....أما اليوم فمعدل ما يُطبع خمسمائة ، ورغم أن عدد القراء ازداد بالضرورة إلا أن الإقبال على كتبنا قد انحسر ...

- كيف ترى علاقة الصحافة في العالم العربي مع كتابنا ؟

- إنها علاقة المـنّ ، فإذا نشرت ( أخبار الأدب ) القاهرية لأحدنا فذلك من باب أنهم ( من فوق ) ويجدر بهم  مراعاتنا بين الوقت والآخر ، ربما لأننا فلسطينيون ، وربما للتنويع الآني ...أشعر أنهم – عامة – يعاملوننا بكثير من التعالي  والأستاذية  ...ولا إخال مجلة ( الناقد ) عن ذلك ببعيدة ، فقد توجهت إلي أولاً ، ونشرت لي أربع مواد ، ثم أقسمت ألا تنشر شيئًا ، وربما لأن المستوى هبط دفعة واحدة ....ولا يعلم السبب إلا الله والراسخون في العلم أمثالهم .

- وكيف صحافتنا في البلاد ؟

- كنت أنشر في إحدى الصحف فإذا هناك من يسيء إلى مادتي تأخيرًا أو مونتاجًا أو ...والأنكى من ذلك أن أحد المحررين أضاف جملة على مقالة لي وهي من بنات أفكاره التي لا أوافق عليها .....

وهناك صحيفة أخرى يشترط  محررها علي أن أرسل له  بمادة مختصرة ، فهو لا يخصص لي صفحة ولو كتبت ما كتبت  ، وهناك صحيفة هزيلة تنتفخ عبثًا حتى تبدو سمينة ، وما درت أن هناك من ينشد :

أعيذها نظرات منك صادقة                    أن تحسب الشحم في منى شحمه ورم

- وما هو مشروعك لسنة 1995  ؟

-                                                                   - أولاً أن أصدر أطروحة الدكتوراة – أشعار الديوانيين ، وأن أصدر كتابي – قصيدة وشاعر ، وهو قراءات في الشعر المحلي ...وأن أصدر مجموعة أخرى من شعر الأطفال  ...، وأن أصدر الطبعة الثانية لمجموعتي القصصية ( أمام المرآة ) .

-                                                                  - في نهاية الزيارة يحضرني قول سأتصرف فيه : يا فاروق أنت فيك الكتاب ومنك الكتاب وإليك الكتاب ...

-                                                                   - الشكر الأوفى ...فأنا لا أتصور أي عالم آخر أعيش فيه دون كتاب  حتى ولو كان جنة

صحيفة "الصنارة" في 10/1/1995.

أجرى الحوار: ناجي ظاهر.

 

 

 

 

د. فاروق مواسي:

"صلتنا بكم كتاب ومجلة وإذاعة" يتيسر الكتاب المشرقي ...

ونسعى وراء المغربي........

 

كيف تم تأسيس اتحاد الكتاب العرب  الذي أسستموه مؤخرًا ؟

- كانت الفكرة تراودنا منذ فترة. وقد كانت في الوسط العربي في الجليل والمثلث  محاولات لروابط صغيرة، لكنها لم تكن تجمع كل التيارات الأدبية المعروفة، وهكذا جاء الاتحاد ليكون أول تجمع يضم الأدباء المعروفين في البلاد ،  ويزجهم في نشاطات أدبية ،فكرية واجتماعية. وهو يضم اليوم، أي بعد مرور أقل من سنة على تأسيسه، أكثر من مائة  عضو، ما بين شاعر وروائي وقاص وأستاذ أكاديمي.

·       هلا رسمت لنا خارطة  للواقع الثقافي في الأرض المحتلة !

- أتصور أن موقعنا الأدبي هو موقع خاص بسبب الظروف التي نعانيها.

وبما أن الأديب هو ابن واقعه، فهو ملتزم بذلك الواقع. وهذا الالتزام يكاد يكون صفة شاملة لأدبائنا.

إن دور النشر القائمة عندنا قليلة، وأبرزها" دار الأسوار" في عكا، وهي دار خاصة يشرف عليها يعقوب حجازي، تقوم بدور حميد في نشر الأعمال الأدبية المهمة للقارئ عندنا، مثل أعمال غسان كنفاني، ومحمود درويش، بالإضافة إلى أعمال أدبائنا المحليين.

لكن الشائع لدينا هو أن يطبع الأديب كتابه على نفقته الخاصة، ويقوم بتوزيعه بنفسه، وكل أديب يصل إلى الجمهور بقدر اتساع علاقاته مع المثقفين الآخرين وأصحاب المكتبات.

أنا مثلا، أطبع كتابًا لي في الناصرة بألف نسخة، فأقوم بإرسال عشر نسخ إلى صديق في عكا، ومثلها إلى صديق في القدس، وهكذا... والأصدقاء هم الذين يقومون بتوزيع الكتاب على أصدقائهم.

    أما الصحافة الأدبية لدينا فأبرز عناوينها مجلة "الجديد" والملحق الأدبي لصحيفة "الاتحاد". وهناك منشورات أخرى لا تصل شهرتها إلى القارئ المحلي لسبب أو لآخر. ويبقى نشاط الكتّاب اليساريين مَعلمًا بارزًا في صحافتنا.

 

·       هل من نواد أدبية؟  

-  لدينا ما يسمى بالورشة الأدبية للأدباء الشبان، والتي تأسست قبل سنتين، ثم عند تأسيس      الاتحاد قام بتبنيها ورعايتها. وتهدف الورشة إلى تشجيع ناشئة الأدباء، واستضافة أديب معروف  يناقش معهم كتاباتهم، ويساعدهم بخبرته.

    ولدينا ظاهرة أخرى، وهي دعوة الأدباء إلى المدارس الثانوية المختلفة، للالتقاء بطلبة ا لمراحل المنتهية. وهذه المدارس عربية تقع تحت سلطة المجالس المحلية في القرى العربية. أي أننا وباختصار نتفاعل  بكل وسيلة للوصول إلى هدفنا، وهو تعرف طلابنا إلى واقعنا الأدبي  والاجتماعي، وتهيئة دفاعات جديدة من محبي الأدب.

 

·       هل يتيسّر لكم الإطلاع على الحركة الأدبية في الوطن العربي؟

- أستطيع القول إن معظم المجلات الثقافية في الوطن العربي تصلنا بطريق أو بآخر.بعض منها يأتينا من أوروبا، والبعض الآخر يحمله إلينا المسافرون إلى مصر. ولعل النقص الوحيد هو الكتاب المغربي. ومع هذا، إذا سمعنا بصدور كتاب لمحمد بنيس أو محمد برادة -  مثلين - فلا بد  من أن نحصل عليه .

    أما لقاءاتنا الأدبية مع الأدباء العرب فمعدومة بحكم حرماننا من السفر إلى  البلاد العربية، عدا عن بعض المناسبات النادرة التي تقام في باريس أو لندن حيث تلتقي أسماء معدودة من أدباء فلسطين بالأدباء العرب.

·       باعتبارك مدرسًا للغة العربية في مدرسة ثانوية، ما هو مستوى تعليم العربية في مدارس الأرض المحتلة، وهل هناك خوف على أبناء الجيل الجديد من التهويد؟

- لقد كنت أحد الذين تولوا تصحيح دفاتر الامتحانات هذا الصيف، وقد فرغت من ذلك قبل أيام، وخرجت بانطباع جيد جدًا عن مستوى الطلاب. لكن هذا الانطباع ذاته يتضاءل إزاء الألم الذي يبعثه في نفسي بعض الدفاتر التي تدل على أمية مطبقة.

     وحتى لو لجأت السلطات إلى اختبار بعض المعلمين بطريقة غير سليمة، إلا أن المعلم العربي يعرف دوره ومسؤوليته، ويتصدى للأمانة الملقاة بين يديه.

ونعتز بأن الكثيرين منا يطرحون قضايانا الفلسطينية داخل صفوف الدراسة بدون خوف أو وجل.

إن موضوع اللغة العربية هو جزء من الكيان العام والوجود اليومي، وهو أول شروط حفاظنا على هويتنا.

ويجب ألا ننسى دور الإذاعات العربية في تعميق صلتنا بالأقطار العربية التي حرمنا من التواصل معها. كما أن شعراءنا وأدباءنا الفلسطينيين تركوا لنا ذخرًا قيّمًا نتزود به، وروحا قومية تعي أن ما يجري على الساحة السياسية هو أمر طارئ وعارض.

    مجلة الحوار ( باريس ) - العدد 16 تشرين الأول- أكتوبر 1988

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرصاد على الخط

 مع الشاعر فاروق مواسي-

نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب في إسرائيل:

 

§       نتحدث إليك في ساعة متأخرة بعد أن عدت من الناصرة..

- كنت من بين الذين حضروا المؤتمر القطري الأول لدعم مكانة الإنتاج الفكري والفني العربي، واسمح لي بأن أنوه هنا أنه لا علاقة بين اتحاد الكتاب العرب الذي تأسس مؤخرًا وهذا المؤتمر الذي حضره عدد لا بأس به من العاملين في حقل الأدب والفن ،  فالاتحاد لم يتخذ موقفًا معينًا من هذا المؤتمر ،  وقد استمعنا من وزير المعارف إلى وعود بدعم النتاج العربي في مختلف مجالات الإبداع وهذا حق حرمنا منه حتى الآن .

·        ومع ذلك تفوح من هذه المبادرة رائحة حزبية انتخابية..

- لقد أعلن القائمون على هذا المؤتمر وفي مقدمتهم الدكتور محمود عباسي أن هذه المبادرة هي غير حزبية أو سياسية ،  والدليل على ذلك أنه دعي لحضورها أدباء من مختلف الانتماءات الحزبية والسياسية في الوسط العربي، ونحن في نشاطاتنا ومساعينا نهدف إلى دعم الإنتاج العربي وتحقيق وحدة الصف لتزيدنا قوة وثباتًا.

·       وليس سرًا أن البعض يتهمون اتحاد الكتاب الجديد بالحزبية..

- إني أنفي هذه التهمة كليًا، فالبعض عارضوا أن يتولى الشاعر سميح القاسم رئاسة اتحاد الكتاب العرب ، لأنه عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، ولكنهم تناسوا أني عضو اللجنة المركزية للقائمة التقدمية للسلام ...وفي الوقت ذاته نائب رئيس اتحاد الكتاب. لقد سعينا إلى أن يكون الاتحاد الجديد شاملاً وممثلاً لمختلف التيارات ،  وحضر مؤتمره التأسيسي أكثر من أربعين  أديبًا ، والباب مفتوح أمام الجميع للانضمام إليه.

·       يلاحظ أنكم تركزون على الناحية المادية في معالجة قضايا الأدب العربي في بلادنا..

- لاشك أن الهموم المالية لها تأثير على كل إنسان، والأديب هو جزء من المجتمع   ولكن همومنا الرئيسية تتمحور حول ما يعاني منه شعبنا الفلسطيني سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين ،  أو في المخيمات في لبنان ....وجميعنا نعيش هذه الهموم ،  ونحاول التعبير عنها، كل بطريقته الخاصة. ونحن لا نستطيع أن نقف كالمتفرج إزاء مختلف أساليب القمع والاضطهاد وإغلاق الجامعات.

        وأملنا كبير في أن نستطيع، من خلال اتحادنا الجديد، أن نؤدي الواجب الذي يفرضه علينا انتماؤنا القومي.

 

                                                                                صحيفة "المرصاد": 16/9/1987.)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مع المؤلف: فاروق مواسي

"الجنى في الشعر الحديث".

 صدر مؤخرًا بعض الكتب التحليلية لمادة الأدب العربي المطلوبة في امتحانات البجروت، ومن أبرز هذه الكتب الجنى في الشعر الحديث، ولأهمية هذا الكتاب بالنسبة للمعلم والطالب فقد ارتأيت إجراء هذا الحوار.

·       ما هي أهمية هذا الكتاب بالنسبة للمعلم والطالب؟

1- ندرة المواد التي تعالج قصائد الشعر الحديث ، وإن وُجدت فهي ليست مطروحة بشكل منهجي.

2- إن كتاب"المختار" ليس فيه شروح ،  الأمر الذي يجعل الطالب مضطرًا لنسخ ما يمليه المعلم ، فيضيع بذلك جو النقاش المثمر والمجتمع ، عدا  عن ذلك أن بعض المعلمين لا يتذوقون الشعر الحديث.

3- ان الكتاب فيه منهج لتقديم القطعة الأدبية.

·       هل لك أن تحدد لنا ما هو منهجك في تناول النصوص؟

إن القصيدة يُنظر إليها من جوانب أربعة:

أ- مضمونها.

ب- شكلها ،  وذلك في الأساليب الفنية (المعمارية والتكنيك) وطريقة توظيف الألفاظ.

ج- الإشارات الثقافية التي تتعلق بها وتستوحيها.

د- الأسئلة التي تثيرها من بعد قراءة القصيدة.

·       لماذا اختصرت تراجم الشعراء؟

لأنني جعلت وكدي القصيدة ،  وليس حياة الشاعر، ولا تهم حياة الشاعر إلا بقدر ما تخدم النص ،  فلنوجه طلابنا إلى الأدب أكثر من تاريخ الأدب.

·       ما هي أهمية المصطلحات في نهاية الكتاب؟

لقد لاحظت أن المصطلحات مرتبة لكي تساعد الطالب على فهم ما يقرأه ،  فالإقواء أو الترصيع أو التصريع مثلاً بحاجة إلى توضيح ،  وقد جعلت مقابل المصطلح اسمه بالإنجليزية في كثير من الأحيان ، وخاصة إذا كان المصطلح في الأصل ليس عربيًا.

·       لقد شرحت لنا ثلاثا وثلاثين قصيدة ،  وهذه هي مادة الوحدات الخمس في البجروت، فما هو حال القصائد الأخرى التي اختارها معلمون آخرون؟

- أنا لم احلل جميع القصائد، وإنما حللت القصائد التي يختارها أكثر المعلمين، وإذا بقيت هناك بعضها فالأمر منوط بالمعلم أن يسير حسب المنهج نفسه إذا أحب.

·       لقد بدأت الكتاب بتمهيد تاريخي وأنهيـته بكشف الأسماء ، والنصائح العشر للطالب ، فهل تعتقد أن ذلك يساعد الطالب؟ وكيف؟

- اللمحة التاريخية ضرورية، والكشاف يعلم الطالب الصورة الأكاديمية للبحث. أما النصائح فهي تلخيص رأيي في ضرورة ترجمة الأدب للحياة.

·       الأسئلة التي وضعتها أكثرها إبداعي وتقويمي وتحليلي حسب سلم بلوم فلماذا لم تضع أسئلة أسهل منها؟

- الأسئلة السهلة متروكة للمعلم يعطيها كما يحلو له ، ولكني أثبتّ الأسئلة التي يشترك فيها الطالب بمنتهى الجدية... ويبحث هو والمعلم عن الإجابة التي ليس من الضرورة أن تكون أحادية الاتجاه. ثم إن الأسئلة هي في إطار أسئلة البجروت.

               والآن إلى الأسئلة من نوع آخر.

·       ما هي مشاريعك للطلاب؟

سأعكف على دراسة النثر الحديث: مقالة، قصة، رواية، مسرحية، نقد... وسيصدر في كتاب قادم ، والأمر يتعلق بالناحية المادية ،  وعندي مشاريع أخرى سأعلن عنها في حينه.

صحيفة "الصنارة" في 10/1/1986

 

 "الميدان- للثقافة والأدب والفن"

تستطلع الآراء في العام الجديد ، والسؤال هو :

 ما هي توقعاتك في السياسة والأدب  ؟؟:

 

    -   أما السياسة هنا فقد بانت لكل ذي عقل بأن شعبنا يتعملق، وعدوه يتقزم. وضريبة الدم اليومية كانت وستظل إيذانًا بالفجر المشرق، تحمله رؤانا وعزائمنا، وإن غدًا لناظره قريب جدًا.

       وفي السياسة العالمية، بدت ثورات التصحيح في العالم الاشتراكي لنهج إنساني قويم. ومن الجدير ذكره، أن الدول الاشتراكية الحقيقية لم تسفك فيها الدماء ولم تُصَب بالدمار، في أثناء عمليات التقويم هذه، لأن التربية الإنسانية راسخة في وجداناتهم... وفي هذا عبرة لمن اعتبر.

      لن أضيف كثيرًا في السياسة، لأن الصحف هذا الأسبوع ستذكركم بالكثير، وستتأكدون صدق الطريق الذي اختاره الشعب الفلسطيني البطل حتى يقيم دولته، ويخفق علمه. لكني سأبشركم أن عملية الديمقراطية وإقرار التعددية الحزبية سيصيبان العالم العربي، قريبًا مع إطلالة قرننا القادم  ، وستقرع الأبواب بعد هذه السنين العجاف والكبت المقيت، ولن يجدي بعض الأنظمة إخفاء حقائق ما جرى في رومانيا على سبيل المثال.....

       والآن إلى الأدب: وأخص بالذكر العربي منه، فقد كثرت جوائز الإبداع في العالم العربي، وهذه حميدة حقًا، كما كثرت المهرجانات الثقافية، ومعارض الكتب والمجلات التخصصيّة والمؤلفات الهامّة جدًا في حقول الأدب المختلفة. وافتقدت الساحة الأدبية علمًا فلسطينيًا شامخًا هو مصطفى مراد الدباغ صاحب موسوعة بلادنا فلسطين.

       وإذا توفقنا حصرًا على الأدب الفلسطيني في بلادنا، فسنجد الاعتقال المتواصل لبعض أدباء وصحافيي المناطق المحتلة، ومن أبرزهم المتوكل طه وعبد الناصر صالح، وسنجد إغلاق الجامعات والصحف والجمعيات الدراسية للأبحاث المختلفة، وتقييد حركة المسؤولين العرب في إسرائيل فأغلقت( الراية) واعتقل بعض محرريها.

       غير أن الإيجاب في الحركة الأدبية تجّلى في حركة التأليف النشطة ، ولا نكاد نجد أديبًا معروفًا على الساحة إلا وقد أصدر جديدَه.

      وقد عادت مؤسسة(الأسوار) لإصدار فصليتها التي أخذت تحتل مكانًا بارزًا إلى جانب (الجديد) و (48)، وتعرفنا هذه السنة إلى مجلة (المنبر) التي يصدرها د. أحمد هيبي.

      وكانت اللقاءات الأدبية مع اليسار الإسرائيلي علامة هامة على طريق النضال المثابر.

وقد استبشر المهتمون بالحركة الأدبية المحلية خيرًا لتأسيس الاتحاد العام للكتاب العرب مؤخرًا، والمشاركة في وفود إلى الخارج ، حيث أن  من شأنها تعميق علاقتنا مع أخوتنا، والتعاون المثمر لما فيه نصرة قضيتنا.

      ولا أستطيع إغفال أهمية مؤتمر التعليم العربي الثالث في طرح مسائل ثقافية وتربوية ملحة. وقد تجمعت الكلمة في أكثر من موقف سياسي وثقافي وأدبي وهذه بشارة خير حقًا وستؤتى أكلها.

      وفي غمرة هذا النشاط جرى تكريم لبعض الأدباء على إنتاجهم المبارك، كما جرى تأبين ووداع لشاعرين حبيبين هما: عصام العباسي وهايل عساقلة. وما أحرانا أولاً أن نكرم الأديب وهو حيّ يُرزق حتى ترافق ما يسمعه دمعة اعتزاز بأن هناك من يقرأه وأن هناك من يقدره.

      ولن أحدثكم عن توقعاتي هذا العام في ميدان الأدب، فلديّ ما أقول الكثير عما أستشرفه.

 

         

     

 

 

   

 

 

 

 

 

 

 

 

في أمسية شعرية نظمتها وزارة الثقافة في طولكرم:

الشاعر فاروق مواسي:

الصدق هو العمود الفقري لكل أعمالي الشعرية والادبية

تقرير وتلخيص الحوارات  : عبد الناصر صالح

 

      في إطار سلسلة المحاضرات الثقافية التي تنظمها وزارة الثقافة تحت عنوان "أضواء على الإبداع"، ألقى الدكتور الشاعر فاروق مواسي محاضرة حول تجربته الأدبية، أمام جمع غفير من المواطنين والمتهمين بالأدب والثقافة، وذلك في مقر جمعية دار اليتيم العربي بطولكرم .

      وفي بداية الندوة رحب الشاعر عبد الناصر صالح، مدير المراكز الثقافية شمال الضفة الغربية، بالحضور وفي مقدمتهم العميد عز الدين الشريف محافظ طولكرم، ومحمد عالية مدير التربية والتعليم بطولكرم، ولطفي كتانة مدير التربية والتعليم لمحافظة قلقيلية، ومحمود ضمرة مدير التربية والتعليم للواء سلفيت، وبالكتاب والأدباء من محافظة طولكرم وبطلبة الجامعات والمعاهد، ثم تحدث عن التلاحم الثقافي الفلسطيني في الضفة والقطاع وفي داخل الخط الأخضر مشيرًا إلى أن الأدب الفلسطيني هو أدب واحد، والثقافة الفلسطينية هي ثقافة واحدة غير قابلة للتجزئة، وأن الشعراء الفلسطينيين الجدد خرجوا من عباءة أبي سلمى وعبد الرحيم محمود وإبراهيم طوقان

      وقال: إن الهدف من هذه الندوة هو توثيق عرى التعاون واللقاء بين كتابنا في فلسطين التي كانت مهدًا للحضارة والثقافة والتقدم.

      وأضاف: لقد دأبت وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية على نشر الوعي الثقافي الوطني وإتاحة الفرص لإقامة الأنشطة والندوات والأمسيات، من أجل تقوية العلاقة بين المبدع الفلسطيني وجمهوره.

      وأشار الدكتور فاروق مواسي، في محاضرته إلى بداية تأثره بوالده، حيث كان يردد على مسامعه قراءة القرآن الكريم، وأبياتًا من الشعر القديم، وأنه اخذ يحفظ التراث العربي في وقت كانت سياسة التجهيل متبعة بشكل حاد بين العرب في الداخل.

      أما عن تعلقه بالشعر الحديث فيذكر ما لمجلة "الآداب" من دور كبير في بنائه الثقافي والقومي، وكان يطالعها في مكتبات المؤسسات الأكاديمية المختلفة.

      وعن تجربته الشعرية قال إن ديوانه الأول كان  "في انتظار القطار" صدر العام 1971 - عن جمعية عمال المطابع في نابلس، وذكر أن الشعر قدره، وهو يعرّف الشعر بأنه كالسيارة وقودها الحب وزيتها الثقافة، وهذه السيارة تجول وتجوب مع القائد الماهر، فتتكشف الطبيعة والمشاهد والحياة من خلال دفق الاستعداد والتواصل. وهذه بالطبع بحاجة إلى معاودة وعناية بعد كل سفرة ،  وإذا لم تكن السفرة الثانية أمتع فإن هذا يعني الإملال. وأضاف أن كل ديوان من دواوينه الأحد عشر يحمل تجربة خاصة.

"في انتظار القطار": بحث عن الخلاص .

"غداة العناق": ارتشاف من معين الحب أو بحث عنه.

"يا وطني": التصاق بهذا الوطن والتزام بقضيته.

"اعتناق الحياة والممات": مطارحات عن فلسفة الموت.

"الخروج من النهر": تنبؤ بالانتفاضة وشرح مواصفاتها.

"قبلة بعد الفراق": تشوق للسلام العالمي العادل.

"ما قبل البعد": خوف من النهاية الغامضة ومحاولة لاستثمار الحياة قبل فوات الأوان.

"من شذور التعب": يعني أن في التعب والمعاناة شذورًا ذهبية.

"لما فقدت منعاها الأسماء": وصف لواقع مأساوي ممض في حالتنا- حالة الشاعر- حيث تتغير المفاهيم وتنقلب الأمور.

      وعن تجربته القصصية يقول مواسي أنه أصدر المجموعة الأولى"أمام المرآة" عن مؤسسة البيادر 1985، لكنه ارتأى أن يعيد طباعتها مضافة إليها عشر قصص أخرى في مجموعة"أمام المرآة وقصص أخرى".

      وقال إنه يكتب القصة ملزمًا  ، وأعطى مثالاً كيف أنه لم يجد مخلصًا للتعبير عن غضبه إزاء مصرع غسان كنفاني إلا هذه القصة التي كتبها عنه في المجموعة .

وقال إن ما يميز كتابته القصصية هو أسلوب السرد الذاتي، وكأنه نوع من السيرة .

وتحدث د. مواسي عن تجربته النقدية فقال : إن طبيعته الأولى هي النقد، وحتى أن الشعر أو القصة نقد ما لواقع يعانيه أو يعايشه ؛ لذا فلا يرى حرجًا في تعددية الألوان الأدبية في كتاباته ،  ويعتبر مواسي كتابه النقدي الأول" عرض ونقد في الشعر المحلي" 1974، ويقول إنه أول كتاب نقدي صدر في المثلث والجليل.

ثم تلاه" الرؤيا والإشعاع" دراسات في الشعر الفلسطيني- وفي الكتابين نقدات لأشعار فدوى طوقان وعبد الناصر صالح وعبد اللطيف عقل وخليل توما، بالإضافة إلى تناول قصائد شعراء فلسطينيين آخرين في الجليل والمثلث...وقال إنه أصدر مؤخرا الكتاب الأول من "قصيدة وشاعر" ضم اختيار السبع عشرة قصيدة من الجليل والمثلث، وعن المنهج النقدي في هذا الكتاب يقول مواسي إنه لا يلتزم منهجًا نقديًا محددًا ،  فالقصيدة كالمرأة- وكل واحدة تستلزم تعاملاً خاصًا بها ...وقال:

أنا أقرأ ..أبحث عما يعنيني ...أقدم القصيدة للقارئ ،  وأقدم رأيي، فهذه أمانة أحسها منوطة بعنقي.. لا أمدح ولا أقدح. بل أنظر إلى بنية النص... إلى المضمون... إلى عالم القصيدة وأعترف أن تجربتي شاعرًا تؤثر تأثيرًا ما على تجربتي ناقدًا ، وقد يكون هذا إيجابيًا أو لا يكون، فالمهم أن أكتب بصدق، الصدق هو العمود الفقري لكل كتاباتي ،  ويشهد على ذلك الراسخون في الأدب المحلي .

      ثم تحدث الشاعر فاروق مواسي فقال إنه أقام ورشة أدبية للكتاب المبتدئين ، وقد استضافت هذه الورشة كثيرًا من أعلام أدبنا الفلسطيني منهم:

      سميح القاسم، ومحمد على طه، وصبحي شحروري، ونبيه القاسم، وعبد اللطيف عقل، وسالم جبران، وعبد الناصر صالح، وقد تعرف المبتدئون إليهم ، وأفادوا من خبراتهم... أما عن الجيل الناشئ فيذكر مواسي أنه قد أصدر مجموعة شعرية معدة للطلاب بعنوان"إلى الآفاق" ،   وأنه سيصدر قريبًا مجموعة أخرى بعنوان"أشعار للصغار". وقال إنه فخور بكل نشاطاته الثقافية والأدبية والسياسية.

      وأنهى المحاصر حديثه مشددًا على ضرورة التلاحم بين أبناء الشعب الواحد في مواقعه المختلفة، وقال إنه ينوي دعوة نخبة من الأدباء في الضفة والقطاع ،  ونخبة أخرى من أدباء الداخل في منزله ليتداولوا كيفية إجراء لقاءات ومحاضرات وتعاون ثقافي وأدبي، وسيتم ذلك حال إزالة الحصار الإسرائيلي الأرعن على شعبنا الصابر وقال:

 إنني أعتز باشتراكي في الأنشطة الثقافية الفلسطينية ،  فأنا جزء من هذا الشعب الذي رفض كافة محاولات التفرقة.

 

صحيفة الأيام" 8 / 4 / 1996

الدكتور فاروق مواسي يتحدث إلى "الاتحاد" حول:

المنهاج الجديد لقواعد اللغة العربية

     لا شك أن معلمينا ومؤلفينا قد قدموا لنا في السنوات الأخيرة عصارة جهد وخلاصة معرفة، بأسلوب ينحو نحو التيسير أو الإثراء. وفي هذا مصدر اعتزاز لنا جميعا نحن المهتمين بلغتنا وأدبها.

      ونحن هنا سنقف عند كتاب"الجديد" في تعليم قواعد اللغة العربية، وهو كتاب حديث في متناول أيدي الطلاب، يقع في ستة أجزاء: ثلاثة منها معدة للصفوف الإعدادية( السابع والثامن والتاسع)، وثلاثة أخرى معدة للصفوف الثانوية( العاشر والحادي عشر والثاني عشر).

      أما كتب المرحلة الإعدادية فيشترك في تأليفها الأساتذة: د. فهد أبو خضرة وأحمد غنايم ومدحت زحالقة، بينما قام بتأليف كتب الثانوية الأساتذة: د. فهد أبو خضرة ود. فاروق مواسي وإلياس عطا الله.

      وفي هذا اللقاء نلتقي مع أحد المؤلفين وهو الدكتور فاروق مواسي ،  ليلقي لنا ضوءًا على هذا الكتاب ومنهجه.

·       د. فاروق مواسي هناك أسئلة تدور بين جمهور المعلمين عن أهمية الالتزام بالمنهج الجديد والكتب الجديدة، فهل لك أن توضح أولاً: هل يمكن الاستمرار في كتب"النحو الواضح" مثلاً؟

- إن وزارة المعارف أصدرت منشورًا رسميًا بضرورة الالتزام بالمنهج الجديد، وأوصت بكتب"الجديد" الستة، وهي  تلتزم بالمنهج وتسير على هديه، وأكدت أن أسئلة"البجروت" في قواعد اللغة العربية ستكون في صيف 1993 من المنهج الجديد، بمعنى آخر أن طلاب الصف الحادي عشر في هذه السنة سيمتحنون في نهاية الصف الثاني عشر حسب المنهج الجديد .

·       إذن ،  لماذا لا يزال بعض المعلمين يستعملون الكتب القديمة في الصفوف العاشرة والحادية عشرة؟

- لست أدري سر ذلك. ولكني أفسر الأمر بسبب عدم تأكيد وزارة المعارف على كتاب بعينه. إن الوزارة تلتزم بالمنهج وتوصي بالكتب مجرد توصية أسوة بالكتب الأخرى التي توصي بها الوزارة.

·       لعل هذا يقودنا إلى السؤال: هل هناك فرق بين مادة" النحو الواضح" وبين مادة" الجديد"؟

- سأجيب عن هذا السؤال بمستويين- المستوى الأول فيما يتعلق بالمادة، والمستوى الثاني فيما يتعلق بأسئلة البجروت.

      بالنسبة للمادة، فهناك في "الجديد" مواد إضافية تتعلق بالأصوات اللغوية ومصطلحاتها، كما يتعامل" الجديد" مع الأساليب: أسلوب الشرط، وأسلوب التعجب، وأسلوب المدح والذم، وأسلوب النفي وأسلوب الاستفهام. بالإضافة إلى ذلك ففي كل درس فيه هناك وقوف على نقاط لم يعمد إليها" النحو الواضح"، كما هو الحال في المصادر المنصوبة التي يكون فيها فعل محذوف(في درس المفعول المطلق مثلاً ) ،  أو النائب عن المفعول فيه( في درس الظرف) ،  أو حذف حرف النداء(في درس المنادى) ،  أو معنى الفعل الناقص (في درس النواسخ)، وهذه مجرد أمثلة تحضرني الآن.

      أما  على المستوى الثاني فالطالب حسب المنهج الجديد يجب أن يعرف(اللام المزحلقة)مثلا ،

 و (بدل التفصيل)  ، و (الاسم المنصوب على الاستثناء)، و إعراب ما بعد (رأى البصيرية)، و معاني حروف الجر، وهذه المواد وغيرها كثير لا يشير إليها" النحو الواضح"إطلاقًا، في حين يهتم بها كتاب"الجديد".

 

·       ولكن ما الفرق بين طريقة عرض الدروس في كل من الكتابين؟

-1) في "النحو الواضح" يبدأ الدرس بأمثلة متفرقة هي عبارة عن جمل مقطعة ثم يتبع ذلك(البحث)، وبعد ذلك تأتي( القواعد)، يليها تمارين.

      أما في "الجديد" فيبدأ الدرس بنص مشوق ثم يتبع ذلك توجيه أسئلة استنباطية للطالب، وفي أثناء ذلك محاولة لمساعدة الطلاب على الاستنتاج حتى يصلوا إلى الإجمال ( وفي هذا الإجمال محاولة للدقة في التعريف)، وبعد ذلك تأتي التمارين، تليها فوائد إضافية ،  فتمارين اختيارية للطلاب المتفوقين والمتخصصين. وبمعنى آخر فالمعلم هو المرْكز في" النحو الواضح" ،  بينما الطالب هو المركز في كتاب "الجديد".

-2) في"النحو الواضح" لا تجد إطلاقًا آية قرآنية أو حديثًا شريفًا، بينما يُكثر"الجديد" من استعمال الشواهد القرآنية والأحاديث الشريفة استئناسًا بقوة البيان وجزالة اللغة في هذه النصوص التراثية.

-3) يعمد كتاب"الجديد" في الدرجة الأولى إلى الناحية الوظيفية، فبعد كل درس تعطَى قطعة للتشكيل، الأمر الذي لا يتكرر كثيرًا في "النحو الواضح".

-4) تعطى الدروس في" النحو الواضح" في توزيع متباين حسب المستوى... وفي كتب متعددة(انظر مثلاً موضوع المبتدأ والخبر) ،  بينما يتركز في "الجديد" بصورة موضوع (الصرف) في كتاب مستقل

 " "للصف التاسع".

-5) وقد تأتى ذلك التركيز بسبب اعتماد كتب "الجديد"على تقسيم يعتبر شبه ثورة في تعليم القواعد، حيث يتعلم طلاب الإعدادية مادة القواعد وظيفيًا من غير أن يتعلموا الإعراب، بينما يتركز الطلاب في الثانوية على الإعراب، ذلك لأن لنا قناعة أن الإعراب صعب للغاية لا يستوعبه عامة الطلاب، وحتى تدرك صعوبة الإعراب اسأل بعض المحامين وبعض الأطباء، وهم من خيرة مثقفينا،ماذا تبقى لهم منه؟؟! إنه ليعز علينا جدًا أن نرى طلابنا يرسبون في امتحان القواعد عند تقدمهم لامتحان اللغة العربية في الجامعات. ولعل هذا يقودنا كذلك إلى ضرورة التركيز في مرحلة الثانوية بالذات على هذه القضايا الإعرابية، لأن المرحلة أنضج وأدرك وأبعد نظرًا.

·       هل لك أن توضح كيف سيتعلم الطالب في الإعدادية مادة (البدل) مثلاً ،  وكيف سيتعلمها في الثانوية؟

- في الإعدادية سيتعلم أن البدل هو اسم تابع لاسم آخر سبقه في الجملة ومهّد لذكره، ويتعلم تعريف البدل المطابق منه، والغرض من استعمال البدل ،  ثم تأتي التمارين ليميّز الطالب البدل من غير النظر إلى إعرابه، بينما يعود الطالب في الثانوية إلى هذه التعريفات، ويعرّف العلاقة الإعرابية بين البدل والمبدل منه، ويعرف كذلك أنواع البدل المختلفة، كما يعرف عطف البيان أو غير ذلك مما هو ضروري له في السياق .

·       هناك تساؤلات حول الكتب، وبعض المعلمين لهم تحفظات وانتقادات. فما رأيك شخصيًا بهذه التحفظات والانتقادات؟

- أولاً يهمنا جدًا أن نسمع كل تساؤل وكل انتقاد بناء، لكي نجيب على التساؤل ونستفيد من النقد. أصدقك أننا سررنا للغاية من نقد الأستاذ صالح مراد لكتاب الصف الثاني عشر، وقد نشر جزءًا  منه في ( كل العرب 21//12/1990) وقمت بالرد عليه (كل العرب 4/1/1991)، وأذكر أنني اختتمت مقالتي بالقول:

" لا بد من الشكر الأجزل والتقدير الأمثل للأستاذ صالح مراد على ملاحظاته المخلصة من غير شائبة، فله تقدير وعرفان، ولنبحث معًا عن الحقيقة علّنا نهتدي إلى سواء السبيل".

      إن نقده هو النقد الوحيد الذي ترجم عمليًا، فأفادنا.

 

·       ولكن هل عملتم ببعض ملاحظاته؟

- نعم، وستظهر بعض التغييرات في طبعة الكتاب الجديدة. إننا نحيي كل من يكتب لنا، وقد قلنا في مقدمة كتابنا:

"والله نسأل أن يوفقنا في تيسير لغتنا، فإذا كتب لنا المعلمون والباحثون ملاحظاتهم وصلنا معا إلى أمانة العلم وجادة الصواب".

·       ولكن لماذا لم تكن أيام دراسية لإرشاد المعلمين ولسماع ملاحظاتهم؟

- أظن أن هذا واجب قسم المناهج في وزارة المعارف ، ونحن بانتظار دعوة المعلمين إلى لقاء مفتوح مع المؤلفين،وأنا شخصيًا أحبذ أن تكون ملاحظات المعلم مكتوبة، وأن ترسل للمؤلفين مسبقًا حتى يتدارسوها، ويفحصوا مدى صحتها، لا أن يكون اللقاء بعيدًا عن المصادر. كما تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ محمود أبو فنة مفتش المعارف قد دعا إلى أكثر من لقاء في أكثر من مستوى.

·       لقد لاحظت في تمارين الكتب أنكم تلجأون إلى نماذج من واقع الطالب وبيئته، فهل هناك نماذج أخرى بحاجة إلى الإشارة إليها؟

- ملاحظتك صحيحة، فعندما يقرأ الطالب عن قلعة شفاعمرو أو عن زيتون الرامة أو عن كلية الشريعة في باقة الغربية فإن ذلك مجدٍ له أكثر من الأمثلة التي لا تخص حياته ولا بيئته.

      وهناك نماذج من الشعر الحديث، ذلك أن الشعر الحديث قريب إلى الطالب، وقد تلاحظ نكتًا لغوية وأدبية مقبولة.

- ولكن ذلك قد يبعد المعلم عن درس القواعد، فيلجأ إلى التوسع في النص الأدبي على حساب القواعد.

- لا ضرورة للتوسع أصلاً....ليقف الطالب على تذوق الأدب والنص في بضع دقائق، ومن ثم يواصل الموضوع.

·       هنالك من يرى أن الدروس صعبة، بينما يرى البعض الآخر أن الدروس سهلة للغاية، فما رأيك في ذلك؟

- على هؤلاء أن يتروَّوا ويعيدوا النظر في أحكامهم، وأن يجربوا هذه الكتب سنة أخرى، قبل أن يصدروا أحكامًا نهائية. وقد تبين أن الأكثرية الساحقة من المعلمين الذين استعملوا الكتاب راضون. وهم يدافعون عن الكتب أكثر من المؤلفين .

·       هل تستطيع التأكيد على أنكم أتيتم بالجديد في قواعد اللغة العربية؟

- نحن لا نزعم أننا استحدثنا في المادة بقدر ما نؤكد أننا جددنا في أسلوب التدريس، وقد شملنا ما رأيناه ضروريًا فسيّرنا، معتمدين الأهم والأعم والأجود والأفيد- هكذا أشرنا في المقدمة.

·       وما هو توقعك بعد استعمال الجديد؟

- أظن أن الطلاب سيعرفون كيف يلفظون بشكل صحيح، وكيف سيشكلون قطعة مكتوية، وكيف سيعربون، وأن الجمل المأثورة التي تعلموها في "الجديد" من شعر قديم وحديث، ومن آيات وأحاديث ستكون لهم كنزًا لغويًا ومعينًا رائعًا.

·       هل لك أن تعرفنا من وضع المنهج الجديد؟

- عمل على صياغة المنهاج الجديد المؤلفون أنفسهم ، وتم التنسيق والمدارسة مع الأستاذ علي حيدر    ( رئيس لجنة المناهج) والأستاذ محمود أبو فنة(مركز اللجنة) والأساتذة خالد عزايزة ونمر اسمير ونمر خطيب ود.محمد حبيب الله وعلي أسدي وخولة السعدي وسليم نحاس ومصطفى مباركي وعلي زيداني.

·       هل عملت لجنة المناهج على إصدار كتب إرشاد للمعلم؟

-        سيعمل المؤلفون قريبا على إصدار كتابين: كتاب "المرشد للمعلم في المرحلة الإعدادية" وكتاب" المرشد للمعلم في المرحلة الثانوية" ...وأرجو أن نفرغ من اعد ادهما قريبًا.

·       ويبقى لي سؤال يتعلق بالكتاب المخصص لمادة الوحدة الثانية، متى سيصدر؟

·        - نحن نعمل على إعداد هذا الكتاب بخطوات حثيثة، وسيصدر في نهاية السنة الحالية إن شاء الله، ويشكل مع فوائد الكتب السابقة المادة المطلوبة للوحدة الثانية.

صحيفة "الاتحاد" 8/ تشرين الثاني/ 1991

 

 

 

 

 

 

 

 

ضيف حديث الليل الدكتور فاروق مواسي

" نحن بحاجة إلى نقابة عمل... لا نقابة زعامة-

مستقبل أدبنا على كف جنية جميلة"

·       ما هي المقومات الأساس للأديب بشكل عام، وفي فترتنا الراهنة بشكل خاص؟

- الأديب أصلاً يتسم بالرهافة والانتماء لمجتمعه أو حتى لنفسه، لا ضير في ذلك، ولكن العملة النقدية التي يتداولها هي الكلمة.. الكلمة في موضعها قنطار، فكيف إذا كانت في إطارها الأدبي؟.. كيف إذا حملت رشاقة وطلاقة؟ كيف إذا أنس بها المتلقي ،  ورددها بينه وبين نفسه أو على مسامعه..؟

      الأديب - بصورة عامة -  بحاجة إلى قراءة تصقل موهبته، بحاجة إلى تأصيل تجربته، كما هو بحاجة إلى الاستقاء من مناهل الأدب العالمي وروافد الفن الإنساني، وهذا ما تمليه ظروفنا الحياتية المعاصرة، حيث أن الكمبيوتر يحاول أن يُقزِم معرفتنا وحفظنا ،  فإذا بنا نصارعه ونسأله:

 ولكن هل لديك إكسير الجمال في الكلمات؟      هل لديك العاطفة وعلى رأسها الحب في برامجك؟

·       أريد أن أصبح أديبًا، فماذا عليّ أن افعل؟

 - أجبت عن هذا السؤال أو بعضه فيما سبق.. لكني هنا  أزيد:

 من الضروري أن تقرأ الأدب القديم تتثقف شعرًا ونثرًا، ومن الضروري أن يكون لك موهبة تستقبل هذه القراءات، تلتهمها بمحبة وبتماثل ونفسي، ومن الضروري أن تستلهم منها بعض ما يعبر عن ذاتك بصدق..

      تسلّح أيها الأديب بسلاح الصدق وامض.. قل كلمتك وامش - كما قال أمين الريحاني.

سألني صديق قبل فترة أي الكتب تنصحني في قراءتها حتى أغدو متأدّبًا؟

طرحت عليه أسماء ثلاثة كتب، لكني لا أرى ضرورة ذكرها هنا، لأن كل قارئ تلزمه كتب معينة ومغايرة لسواه.. قل لي بماذا تهتم ، وما هي ثقافتك أنصحك  ماذا تقرأ. "أقل لك" بالطبع إذا أحببت أن تستنصحني، وإلا فمن أنا حتى أوجهك؟!.

·       أي الأنواع الأدبية أكثر انتشارًا في العالم الآن، وفي بلادنا خاصة..؟ ولماذا؟

- الشعر هو أكثر الأنواع انتشارًا في بلادنا، وأما في العالم فالرواية هي في الطليعة.

      الشعر العربي في بلادنا كثير، بسبب طبيعة التلقي المعتادة وراثيًا على الإيقاع، وعلى إعزاز الشعر والشاعر، ولكن المصيبة أننا أخذنا نقرأ كل ما هب ودب، واختلط الحابل بالنابل والقارئ بالجارئ، وأخذ القراء العاديون يتساءلون:ما هذا؟ وما الفرق بين هذا وذاك؟ وقد لا يتساءلون، وإنما "كله ....صابون".

الرواية في العالم هي خلاصة التجربة.. فيها مخزون شعري، ووقود نفسي. هي "ملحمة العصر "كما قيل.. وإذا قرأت بعض روايات أمريكا الجنوبية. مما ينحو نحو الواقعية السحرية فستجد مدى الشعرية في النص.

·       ما رأيك في الأدب المحلي، وفي أدب الشباب خاصة؟!

- في رأيي أن النثر المحلي عامة لا يرقى إلى مستوى الشعر، وفي النثر- وهذه الحقيقة قد تؤلم- هناك أخطاء لغوية كثيرة وثمة لا عمق، بالقياس مع ما نقرأ من كتابات عربية معاصرة. وبالطبع فهذا لا ينفي وجود بعض الأقلام الجادة.. والمسألة نسبية.

أما الشعر فلم يتوان عن التعبير عن القضية وتبنّيها ورفدها في كل حلبة.. الشعر الخطابي كان ظاهرة صحية- في رأيي- لأنه أداة توصيل وتلاحم وبناء نفسي وشعوري. الشعر هنا يدعو للتغيير.

أما أدب الشباب فهو يقع في إحدى المقولات التي أطرحها وهي:

1) إما هو بعيد عن اللغة بنحوها وصرفها.. وكتّاب هذه الفئة لا يحسنون القراءة غالبًا، وهذه هي الطامّة الكبرى.

2) إما هو متكلّف في الإغراق المعمّى حتى يقول القائل.. والله هذا عميق، والشعر لا يكون إلا عميقًا.

3) وإما هو ينحو نحو الثقافة والاطلاع والمران والممارسة وتقدير ما كتبه السلف أو استبصار ما طرحه الجيل السابق ليتجاوزه من خلال إدراك وارتقاء.. وأتباع هذا الطريق قلة.

·       ما هي أبرز المشاكل التي تواجه أدبنا المحلي؟ حسب رأيك؟

  - من أبرز المشكلات التي تجابه أدبنا هو عدم احترام الأدب بصورة عامة، خاصة بعد أن أنهى دوره السياسي القيادي.. السؤال الذي يجابهني شخصيًا ( أو الأسئلة على الأصح ) :

 لمن أكتب؟ لماذا اكتب؟ هل اكتب؟ من يقرأ؟

وكلما قررت أن أستريح وأريح، فإذا بمن يرد علي، أو يـهاتفني، أو يقنعني أنني لست حرًا في الهروب.. وأنني عندها سأكون أشبه بالتينة التي حدثنا عنها إيليا أبو ماضي..

      نحن بحاجة إلى مسؤولية صحافية في نشر الأدب، كأن يكون في كل صحيفة ناقد جدي مسؤول، يمتلك ناصية الكلام والقدرة على التأثير، ويبتعد عن الحسابات، الشخصية الضيقة.

نحن بحاجة إلى شرف الكلمة وإبائها ،  والبحث عن المسؤولية الخلقية فيها.

·       ما رأيك في التنظيمات الأدبية في بلادنا؟ وأين أنت منها اليوم؟

- التنظيمات توقفت.. هذه حقيقة، وقد تؤلم بعض أصحاب المناصب الرسمية فيها.. أنا شخصيًا كنت رئيس رابطة الكتاب العرب ضمن اتحاد روابط الكتاب في إسرائيل، استقلت قبل بضعة اشهر غير آسف على هذه" النياشين" التي لم تقدم شيئًا..

واستقالتي كانت بسبب عدم إعطائنا حقنا.. فالعربي هو للعدد فقط، لكن بعض الأصدقاء ما زالوا يتوسمون الخير في هذه الرابطة أو ذاك الاتحاد  ، ولكنهم سيستبينون النصح ضحى الغد.

      أقترح أن نؤسس نقابة كتاب عرب بانتخابات ديموقراطية( وليست أبدية) ينتسب إليها كل من أصدر ثلاثة كتب ،  وحصل على تزكية من لجنة المبادرة.

وهذه النقابة تجري الندوات، ولقاءات مع الطلاب، وتدعم الكتاب المحلي، وتدعم الأديب معنويًا وماديًا..

هذه النقابة ستطالب بأجور للكتاب، لا أن يظل كل شيء مجانيًا.

هذه النقابة ستصدر مجلة أدبية محترمة، وتوثق العلاقات الأدبية بين الأدباء التي أضحت في وضع بائس.. ولن أزيد في وصفه.

بحاجة إلى نقابة. قلت ذلك عشرات المرات.. نقابة عمل لا نقابة زعامة.

من هنا بدأت الصحيفة تستقبل أسئلة القراء

    iخليل أبو ربيعة:  تصدر في النقب بين الحين والآخر كتب ونشرات، فيها الكثير من الركاكة.. ما رأيك؟ وهل هناك إمكانية مراقبة من لجنة معينة، مثل لجنة المتابعة العليا للتعليم العربي، أو من قبل أشخاص مسؤولين؟

- لا أدري كم صدر في النقب من كتب، فهذه بادرة خيرة إذا حصلت.. لكني أتوقع أن يصدر بعض هذه الكتب عن طريق دائرة الثقافة العربية.. وقد اختيرت لجنة الكتاب لدراسة النصوص التي تدعمها الدائرة في الطباعة أو التوزيع، وفي رأيي أن هذه اللجنة المؤلفة من أساتذة أكاديميين وأدباء معروفين، يجب أن يكون لها القول الفصل، وتعطى لها صلاحيات أوسع حتى تكون لغتنا رقيقة لا ركيكة..

وهذا لا بنفي وجوب الرفق ببعض الأقلام التجريبية الناشئة فلعل فيها سنونوة مبشرة.

·        محمد حسن هبره (الطيبة): في المثلث ركود أدبي.. ما هو المطلوب من أجل تنشيط الحركة الأدبية هناك؟

- ثمة نشاط قائم، لكن الركود هو في المستوى العام للتحصيل الأدبي.قلت المستوى العام لأن المستوى الخاص لبعض الأقلام التي تكتب في المثلث يصل إلى شأو رفيع، ولا ينكره منكر، ومع ذلك فجدير بالإشارة إلى أن الحركة الأدبية ليست إقليمية، فلا يمكننا إلا النظر إلى أدبنا المحلي كلاً واحدًا لا يتجزأ، فالمناخ واحد ...والحصيلة للجميع..

·        عفت موسى إغبارية: لماذا كثرت النتاجات الأدبية النسائية في فترتنا الراهنة؟ وما رأيك فيها بشكل عام؟

- كثرت لأنها مبنية على علاقات إنسانية، وهذا ليس بالضرورة سلبًا، أصدقك أن الأدباء الذين يشجعون المرأة في كتابتها هم كثيرون.. والقليل الأقل من يقول للأديبة الناشئة: قفي.. هذا ليس شعرًا.. هذه ليس كتابة.... لأن.. ولأن.. .

لم أقرأ مادة أدبية ممتعة كثيرة لكاتباتنا. هناك بعض النصوص الجميلة هنا وهناك لأسماء معروفة.

هناك كتابات نسوية متميزة، أما أن أرى فرسًا سباقًا في الميدان فهذا ما لا أدعيه.

·        عفت موسى إغبارية: ولكن كاتبات الجليل لهن قصب السبق في الكتابة النسائية؟ كيف تبرر ذلك؟

- لعل لجوء المرأة في الجليل إلى الإبداع بنسبة أعلى متأتٍّ بسبب حريتها المتاحة والممكنة.. مرة أخرى... نسبيًا، الكتابة يا عفت هي حرية.. هي حرية خلق وبناء وشعور ووجود ووجدان.. هل أقول لك إن بنات المثلث أو النقب لا يحصلن على كثير من ذلك.. لن أقول ذلك.. الظروف هي التي تقول أكثر مني ومنك.

·       ما رأيك في جائزة التفرّغ؟ وهل هنا لها ضرورة لجوائز أخرى؟!

- جائزة رائعة.. حبذا أن تعمد مجالسنا وبلدياتنا بتخصيص جوائز أخرى ذات قيمة مادية ومعنوية.. واسمحوا لي أن أذكر أن هذه الجائزة كانت شغلي الشاغل باعتباري رئيس الرابطة الكتاب العرب بدءًا من سنة 1987.. فقد قابلت في حينه رئيس الدولة ووزير المعارف، ثم وزير معارف آخر، ثم مديري أقسام التربية، ثم كتبت عشرات الرسائل.. فقرروا أن تكون هناك جائزة رئيس الحكومة، ولكني كتبت أطالب أن تكون باسم وزارة المعارف ،  وبهذا حل الإشكال.. ولا زلت أذكر صحافيًا هاجم طلبي هذا بقوله" ما الفرق؟ ترى لو كان شمير وزيرًا للمعارف فهل يتيسر ذلك؟"

بالطبع الفرق كبير.. اليوم تقدّم وزارة المعارف خمس جوائز، وباستثناء شخص واحد فقد حصل جميع الفائزين بها على استحقاقهم وجدارتهم وأهليتهم في الأدب..

      علمت أنه ستكون جائزتان إضافيتان، وهذا بالطبع أمر إيجابي نغبط عليه... فمن يدفع الضرائب يستحق القليل من الواجب..

ولكن يا أغنياءنا: أين جوائزكم..

أضحك في سري من غنـي أثرى فجأة بشكل هائل.. كتبت له ناصحًا أن يدعم الأدب والفن ، فرد على الأدب والأدباء قادحًا.

·       كيف تنظر إلى مستقبل أدبنا المحلي؟ وأين تضعه بالنسبة، للأدب العربي في الخارج؟ وكيف يمكن أن نوصله إلى العالم؟! هل هناك ضرورة لترجمته مثلا؟!

- في المستقبل تفاؤل حيث لن يصح إلا الصحيح، مهما توسعت دوائر الزيف والنفاق في تقدير الأدب الحق.

      وغدًا لا بد فيه  من تواصل أدبنا وكتاباتنا مع أدب العالم العربي من محيطه إلى خليجه، عندها لن تظهر الفقاعات الأدبية أو النكرات الصحافية.. عندها سيجد بعض أدبنا ترجمات عالمية له، وسيتبادله الباحثون الجادون.. عندها سيعرف اللص الذي سطا على نصوص أدبية، وأبشره وابشّر الذين يصولون ويجولون أن هناك مسابقات تجري في العالم العربي لإصدار كتاب " السرقات الأدبية" لكشف سرقات توهم السارق أنه أخذها، وعفا على ذلك الزمن.

                                                                   صحيفة "الصنارة" في 19/7/1996.

أجرى الحوار: مراسل الصنارة،  وخليل أبو ربيعة، محمد حسن هبره( الطيبة)، عفت موسى إغبارية.

 

 

كتابان جديدان لمواسي

      صدر مؤخرا، للدكتور فاروق مواسي،كتابان، أحدهما دراسته للماجستير عن "لغة الشعر عند

      بدر شاكر السياب" والآخر مجموعة شعرية جديدة بعنوان"ما قبل البعد". بمناسبة صدور هذين

      الكتابين. أجرى مكاتبنا الزميل جميل فران مقابلة مع الدكتور مواسي، نورد، فيما يلي أبرز ما

      ورد فيها : 

  يعتبر الدكتور فاروق مواسي، من باقة الغربية، واحدًا من أنشط الكتاب والشعراء المحليين وأكثرهم فعالية، فقد أصدر ابتداء من سنة 1972 حتى هذه الأيام 25 كتابًا، توزعت على الشعر والنقد والدراسات والقصة القصيرة والدراسات الاجتماعية ، إضافة إلى الكتب التدريسية، في مجال اللغة العربية، نحوًا وصرفًا. والدكتور مواسي هو مؤلف كتاب" الجنى في الشعر الحديث" (صدر عام 1985) و"الجنى في النثر الحديث"(1986) اللذين يستعين بهما طلابنا، في المدارس الثانوية، في فهم النصوص المدرجة ضمن"منهاج الأدب". وقد شارك الدكتور مواسي كلاً من الدكتور فهد أبو خضرة والأستاذ سهيل عطا الله، في تأليف سلسلة كتب " الجديد في قواعد اللغة العربية". إضافة إلى هذا كله ساهم الدكتور مواسي في تحرير عدد من المجلات منها"مشاوير" ومجلة"48" و "الجديد" و "الثقافة" وحصل مؤخرًا على ترخيص لمجلة تدعى "شموع".

      يقول مواسي: إن كتابه عن لغة الشعر عند السياب هو" دراسة منهجية تتناول اللغة في مبنى الجملة وطبيعة اللفظة". ويؤكد أنه من أجل الوصول إلى هذه الغاية، وضع كتابه، الذي يعتبر دراسة أكاديمية، أو بحثًا، في "لغة محددة غير فضفاضة. الجمل تتساوق في تنسيق، والفصول متدرجة منطقيًا وهادفة" وهكذا.

      ويضيف فاروق إجابة عن سؤال حول سبب اختيار موضوع كتابه:

أولاً حبي للشعر. وثانيًا ما أشار إليه الدكتور إحسان عباس في نهاية كتابه عن" بدر شاكر السياب "في وجوب دراسة أساليب اللغة عند السياب". وما أشار إليه لويس عوض (الأهرام 23/2/65) في ضرورة بحث الظواهر اللغوية عند السياب.

      ومن الاستنتاجات التي توصل إليها مواسي في دراسته، كما يقول هو نفسه:

أ‌)         تبرز عنده الأصداء القرآنية في الأسلوب والألفاظ والمضمون.

ب‌)      تبرز أصداء الشعر القديم في الأسلوب والتراكيب اللغوية والتتناصات اللغوية والتضمينات المباشرة وغير المباشرة.

ج‌)       تكثر الجمل الإنشائية- كالاستفهام والنداء والتمني والتأوه، وتكثر أدواتها بشكل مفاجئ.

د‌)        تكثر جمل التشبيه حتى لا تكاد تخلو قصيدة منها.

هـ الجملة الاعتراضية جزء هام من طبيعة شعره.

و – إن  جملة القول والحواريات والتكرار واستعمال النعوت ترد لديه في  استعمالات جديدة، ولديه كذلك ظواهر كثيرة أجملتها في ختام البحث(ص 138) ، وتوصلت إلى أن الشاعر يمزج بين القديم والحديث، فهو إلى جانب إفادته من القرآن، يفيد من الأغنية الشعبية ويضمنها، ويزاوج كذلك بين الكلمة القاموسية والكلمة العامية.

 مواسي يدعو بقية باحثينا إلى  أن يستمروا في بحث أدبنا، فنحن قلما نعالج أبحاثًا تتعلق بالأدب العربي عامة، ويطمح- مواسي- إلى أن تكون دراسته ذات أهمية، في مجمل الدراسات عن السياب.

·       وهل ينصح مواسي زملاءه الجامعيين بنشر دراساتهم الأكاديمية؟

- بالطبع. فالنشر يعود بفوح في العطاء،.. غير أن النشر يكلف. وأظن أن مدير الدائرة العربية في وزارة المعارف، لايني عن المساعدة، رغم أنه لم يترجم هذه المساعدة عمليًا وتطبيقيًا حتى ساعة هذا الحوار.

      وإجابة عن سؤال حول قلة قراء الأبحاث في بلادنا، يقول مواسي: يكفيني بضعة قراء.

من المعروف أن مواسي المولود، في باقة الغربية عام 1941، كتب في النقد، كما سبقت الإشارة، ويرى البعض أن له علاقة ب" أحمد منير" وهو اسم مستعار، نشرت" الاتحاد" مجموعة مقالات نقدية لاذعة موقعة باسمه، وأثارت موجة من ردود الفعل، يقول مواسي إجابة عن سؤال حول علاقته ب" أحمد منير": أعتذر عن الإجابة ،  وأؤكد أن علاقتي به قوية. ويترك الأمر مفتوحًا، يقول إجابة عن سؤال  " هل أنت هو؟ "  :  الله اعلم!

   ويوحي مواسي أن نقدنا يعاني من أزمة حقيقية. لكن كيف يمكنه الخروج من هذه الأزمة؟

يجيب: على الصحافة أن تكلف بعض كتابها، ممن تتوسم فيهم الأمانة والثقافة أن يكتبوا تحت رعايتها. وأسأله: لماذا؟ فيجيب: لأن الكاتب في الصحافة يحصل على حصانة أولية، تحافظ عليه من السباب قبل أي حساب. ويؤكد مواسي أن مجتمعنا بحاجة إلى كلمات الصدق والأصالة، في عصر يكثر فيه النفاق- عصر يبحثون فيه عن العرض على حساب الجوهر.

      ويلفت نظر مواسي، المطلع على أدبنا المحلي تمام الاطلاع، أن هذا الأدب فيه الغث وفيه السمين غير أن ما يعجبه، في أدبنا، هو هذه العصامية التي يتحلى بها أدباؤنا، فهم يؤلفون ويرسلون المادة إلى الطباعة، ويصححون، ويدفعون، ولا يجدون- إلا نادرًا من يقرأ لهم. وعن الأدباء الواعدين يقول مواسي: إن اهتمامي بهم كبير، بدليل استمرار الورشة الأدبية، ولعلها أفضل رد على من يتهمنا بالقصور إزاء الأقلام الواعدة.

·       وماذا عن مشاريعه المنظورة القادمة؟

- أعكف حاليًا على ترجمة أطروحة الدكتوراة عن العبرية، وهي بعنوان" شعر مدرسة الديوان. وآمل أن تصدر في السنة القادمة. وهناك مشاريع كثيرة، مثل: جمع وتبويب الأمثال الشعبية الفلسطينية. وإصدار كتاب يضم مقالات اجتماعية، بعنوان"حديث ذو شجون" .

مشاريع مواسي كثيرة، فقد أعد للنشر "أنطولوجيا الشعر الفلسطيني" ولديه كتاب يضم مقالات بعنوان "قصيدة وشاعر" أما المادة التي لن ينشرها، في السنوات القريبة، فهي "تاريخ باقة الغربية" ورواية يتيمه لم يراجعها بعنوان" الحب البعيد".

صحيفة "اليوم السابع"- الناصرة في: 8\10\1993.

أجرى الحوار: جميل فران

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

            أبو " الجنى " يحكي لنا...

أجرت اللقاء: سماح فضيلي و  يعاد شبيطة  

 

د. مواسي لا يتحدث اللغة العِرْبِيّة..

 

كلنا نعرف الأستاذ الشاعر د. فاروق مواسي من خلال كتابيه الهامين الجنى في النثر الحديث والجنى في الشعر الحديث. وهما صديقان لنا يرافقاننا في دراستنا لأدبنا العربي الحديث. وحتى نتعرف عليه أكثر كان لنا معه هذا اللقاء ،  حيث التقيناه في مكتبة بكلية الشريعة الإسلامية في باقة الغربية ليرحب بنا بكل سرور ،  شاكرًا لنا اهتمامنا بإصدار هذه المجلة، وحيا القائمين عليها. ومن أهم المفاجآت التي عرفناها خلال الزيارة أن صاحب كتابي الجنى له ابنه اسمها جنى.

يعاد: لقد حضرنا لإجراء لقاء معك، خاصة وأن طلابنا يعرفونك شاعرًا بارزًا ويعرفون مساهماتك في اللغة والآداب، وسواء في كتابَي "الجنى" أو في سلسلة كتب "الجديد" في القواعد.

سماح: أولاً نرجوك أن تعرفنا على نفسك –بطاقة تعريف.

د. مواسي: ولدت في باقة الغربية قبل تسعة وخمسين سنة، وتعلمت في مدارسها، إلا أنني أنهيت الدراسة الثانوية في الطيبة. أما تحصيلي الأكاديمي فقد كان أولاً في بار إيلان  (M.A، B.A) ثم في جامعة تل أبيب (أطروحة الدكتوراه عن الشعراء الديوانيين: العقاد، المازني وشكري).

عملت في سلك التعليم، بدءًا من أوائل سنة 1961 وها هي أربعة عقود تمضي، وأنا أحاضر، لا أكلّ ولا أملّ.

سماح: وأين تعمل اليوم؟ هل يقتصر عملك في كلية الشريعة ؟

د. فاروق: بعد أن تقاعدت من التعليم الثانوي بدأت أعمل في ثلاث كليات هي هذه الكلية في باقة الغربية- حيث أرأس قسم اللغة العربية، وكذلك في كلية غوردون، والكلية العربية في حيفا، وفي هذه الكليات أعلم اللغة والأدب العربي.

يعاد: متى بدأت النشر والتأليف ؟

د. فاروق: أما النشر فقد بدأته وأنا طالب في الثانوية، وأما كتابي الأول الذي أصدرته فهو ديوان "في انتظار القطار" سنة 1971.

يعاد: وكم يبلغ عدد كتبك حتى اليوم ؟

د. فاروق: إنها تتجاوز الثلاثين: هي اثنا عشر ديوانًا شعريًا، ومجموعتان قصصيتان، وأحد عشر كتابًا نقديًا وكتابان أدبيان، وثمة كتب أخرى في النحو واللغة، والحبل على الجرار....

سماح: إلى أي حد كان كتابا "الجنى" في الشعر وفي النثر قد ساعد طلابنا- حسب تصورك-؟

د. فاروق: كنت أود أن أسأل أنا هذا السؤال لتجيبني كل واحده منكما كيف استفادت من تحليل النصوص، وكيف تحسنت معرفتها- إذا كانت كذلك-؟

في تقديري أن الكتابين وهما في أيدي الطلاب سنة بعد سنة يخدمان الطلاب والمعلمين الجدد، ولا ينكر ذلك أحد. بعض المعلمين يرى أن الكتابين مكانهما في البيت لحل الوظائف والاستعداد للدرس، وبعضهم يستعمل الكتاب في الصف، وكل أسلوبه وطريقته واجتهاده.

يعاد: هل هناك شروح أخرى للنصوص الأدبية ليعتمد عليها الطالب؟

 د. فاروق:هناك مصادر قليلة جدًا، وأكثر مدارسنا ليس فيها مكتبات. لذا فإن التحليل ضروري، وخاصة للطلاب المتوسطين الذين يبحثون عن النجاح وبكل وسيلة.

سماح: على أي أساس اخترت النصوص في "الجنى

 د. فاروق: النصوص هي من مقرر امتحان البجروت، وتشمل مواد كل وحدة من الوحدات الثلاث المتعلقة بالأدب العربي.

وقد اخترت مسلكًا اختياريًا واحدًا، فأنا مثلاً شرحت قصيدة "البئر المهجورة" ليوسف الخال، ولم أشرح القصيدة التي يمكن أن يختارها المعلم بدلاً منها وهي (السفر)، وشرحت قصة "الناس"، وتركت "مارش الغروب" البديلة.

يعاد: لماذا قررت ذلك؟ ولم تشرح جميع النصوص ؟

د. فاروق: أريد أن اجعل الكتاب بحجم مقبول، فلا بد من اختيار النص الذي أحبه أكثر. وبالطبع فأنا لا أمانع أن يحلل آخر النصوص المتبقية، وذلك خدمة للطلاب.

سماح: ولكن الكتابين يحويان كل المواد المطلوبة في الأدب الحديث.

د. فاروق: هذا صحي، فأنا اخترت مسلكًا اختياريًا واحدًا يضم جميع المادة المطلوبة.

يعاد: يتفق الجميع أن هناك ضعفًا في اللغة العربية في مدارسنا، فما هو رأيك؟

د. فاروق: الضعف مريع، وخاصة في النحو، حيث نجد اللحن شائعًا ذائعًا، وحيث أصبحت العربية تنعى حظها كما يقول شاعر النيل.

وهنا أيتها الضيفتان العزيزتان ألفت نظريكما إلى بلدكما الطيرة مثلاً، فالوافد إليها يرى اللافتات والإشارات الإعلامية كلها بالعبرية فقط، فأين العربية وأين مكانتها. كما أن شبابنا جميعًا يخلطون الجملة بكثير من الكلمات العبرية حتى نشأت لغة سميتها (العِرْبية) هي مزيج بين العربية والعبرية.

سماح:وما هو الحل في رأيك:

د. فاروق: الحل عسير، خاصة نحن في مجتمع غير عربي صرف. ومع ذلك فحفاظنا على اللغة يتأتى بإعداد المعلمين الممتازين لهذه اللغة ، وبتشجيع الباحثين لدراسة الأدب واللغة، وهنا تأتي مهمة المجالس المحلية، فربما تصحو يومًا لتدرك خطورة ما نحن فيه.

يعاد: وماذا على الطالب أن يتعلم حتى يتقن العربية حسب رأيك ؟

د. فاروق: يحضرني بيتان قالهما أحمد الهاشمي صاحب كتاب البلاغة:

 

نحو وصرف عروض ثم قافية

                                وبعدما لغة قرض    وإنشاء

خط بيان معان مع محاضرة

                                والاشتقاق لها الآداب أسماء

                                                               مجلة الزاد ( الطيرة 2000 )

 

 

الشاعر الفلسطيني فاروق مواسي

 أغلب الأدباء يرون أنفسهم فوق مستوى النقد

 ما جدوى الكتابة إذا بقينا بجوار السياج نتغنى؟!

 القدس في الشعر الحديث قراءة لقصيدة المكان!

 

د. فاروق مواسى شاعر وناقد فلسطيني رغم أعوامه الستين لم يزل قادرًا على أن يعطي ويشاكس ويبحث عن الجديد.. مبدع مرهف الحواس للمعنى، ومتمرد على أشكال الكتابة.. درج أن يهرب من المقال إلى القصيدة أو فضاء النص. وباستمرار ثمة جناحان يحركان جذوة الإبداع بداخله هما: الألم السياسي والهم الاجتماعي ،  التقينا به في القاهرة في زيارة سريعة لها ، وكان هذا الحوار:
شعر الكلمات  المفقودة

* إذا قلنا إنك شاعر أولاً وناقد ثانيًا.. يلاحظ أنك كتبت عن شعراء كثيرين ، ومع ذلك هناك ندرة فيما كتب عنك كشاعر؟

أحس أنني غمطت وتجوهلت إذا صح التعبير، ولكني على يقين أن نهاية المطاف لن تكون إلا لمن ترسخ قدمه، وبصراحة كتب عن الكثير، ولكن أكثره دون ما يشفى غليلي.. ثم ألا توافقني أن النقد لدينا مصاب بالأنيميا( والمسألة ليست مقصورة على الكتابة عن شعري فحسب ) .

* كتبت كثيرًا من القصائد عن القدس والشهداء وضياع الأندلس.. وبدا صدق الانفعال قويًا لدرجة قد تسم القصيدة بالمباشرة..فماذا تعني لك القصيدة؟
القصيدة كالفراشة التي تقترب من اللهب،هكذا أحب أن انصهر مع التجربة، و أن أبوح بما يعتمل في نفسي. ولا عيب في أن يكون الصدق هو العمود الفقري الذي تبنى عليه قصيدتي..فالقصيدة لدي تتكئ على الإيقاع والترنم وتتغذى بإيماضة فكرة، وتنام على سرير الانفعال، وتنهض على التواصل، إنها فرحة دونها أية فرحة أخرى، أن يجد الشاعر قصيدته..أما الشعر المعَمّى والغامض فلا أستسيغه ،  وأسميه بالشعر الدخاني أو التكلف ، لأنه يعتمد على كلمات مفقودة لا بريق لها ولا معنى يستشف منها.

* تنعكس في شعرك شخصيات ومواقف تاريخية وأسماء مدن مثل مالقة وابن زيدون وغير ذلك..فلماذا الحرص على التناص مع الشعر القديم تحديدًا؟
-
بالطبع، ثمة تناص هنا وهناك في كثير من قصائدي، وقد يعتبر البعض ذلك أمرًا إيجابيًا  ، وربما العكس..وأظن أن الاعتدال في التناص أمر جيد، لأن الأنساق اللغوية والبنى المأثورة يجب أن تكون ذات فعالية، والأصالة ضرورية إذا انتقينا من تراثنا ما يحقق التواصل ولا يقطع الخيط بيننا وبين من سبقونا.
بعيدًا عن الرواية

* يلاحظ المتابع لمسيرتك الإبداعية أنك عالجت كافة الأشكال الأدبية فيما عدا الرواية..فلماذا ابتعدت عنها؟

- وأنا على مشارف الخمسين تقريبًا كتبت رواية بعنوان " الحب البعيد» عام 1990م ولنقل إنها محاولة، لأنني بعد أن كتبتها قطعت عهدًا على نفسي أن أبعد الشقة بيني وبينها لا اقل من عشر سنين حتى أنسى خيوطها، وربما أعود إليها لأقرأها قراءة محايدة.. ورغم أنني الآن على مشارف الستين لكن مازلت غير متحمس لأن ترى رواية الأولى النور!!

* يتضح من إنتاجك أن الشعر هو أكثر أشكال الإبداع قربًا إلى نفسك.. فطوال هذا المشوار لم تنشر سوى مجموعة قصص واحدة هي أمام المرآة... فلماذا !
- القصة لدي تعتمد على لغة السرد الذاتي، أو الأوتوبيوجرافي ،  وتحتشد عناصرها فيما يشبه القصيدة..فإذا أدت القصيدة المعنى الذي بداخلي لا ألجأ إلى القصة.. لذلك ما عجزت عنه شعرًا أبحث له عن تنفس من خلال القصة..ولذلك عندما استشهد غسان كنفاني لم استطع أن أكتب القصيدة ،  وعبرت عن صدمتي من خلال قصة أمام المرآة..وبعد أن نشرت مجموعة من القصص تحت هذا العنوان أضفت إليها بعض القصص الجديدة ، وأعدت نشرها من جديد ، وكأنني أرغب في الانتهاء من القصة بشكل نهائي وفي كتاب واحد..
مقال اجتأدبي

* قدمت منذ فترة عددًا من المقالات الاجتأدبية - على حد تعبيرك- فماذا تعنى بهذا المصطلح.. وهل من الضروري أن تجمع هذه المقالات في كتاب، كما تفعل مع القصائد والقصص .. ؟

الاجتأدبية نحت من لفظتين ( الاجتماعية )  و ( الأدبية ) ، فالمقالات جميعها تهدف إلى إصلاح المجتمع، وفيها نقد مرير لواقع مؤلم، وأرمي من وراء المقالات إلى التغيير، فما جدوى كتابتنا إذا بقينا جوار السياج نتغنى؟ لماذا لا نعبر عن مواقف يومية في الحقل بلغة راقية وبفكر نير؟ فالوطنية الحقة تتبدى في المعاملة، وازدواجية السلوك خطر محدق، وقتل الأفكار قمع لوجودنا، والحديث عن أصحاب المهن ومماطلاتهم ،  وعن الأغنية الجماعية، وحفظ التراث..كلها مسائل نعاني من تصرفات خاطئة فيها، ولا يمكن فصل الجانب الاجتماعي من الجانب الأدبي عند الكتابة عنها . أما بالنسبة لجمع هذه المقالات في كتاب فهذا ليس أمرًا حتميًا بالضرورة ،  فلابد من إعادة فحص المادة عميقًا، فإذا ارتأى المرء ضرورة حفظها وتكرارها فله ذلك، لأن الكتاب يُحفظ ،  بينما المقال في الصحيفة يضيع هدرًا.
الاسم المستعار

* رغم انك تعتبر المقال قولة حق وشجاعة إلا أنك كتبت عددًا من المقالات النقدية عن شعراء كبار مثل سميح القاسم تحت اسم مستعار.. ألا يتعارض الاسم المستعار مع شجاعة المقال ..؟

كنت أكتب هذه المقالات باسم ( أحمد منير )  ورغم أنه ليس اسم الشهرة الخاص بي ،  لكنه اسمي الأول في شهادة ميلادي التي صدرت في طولكرم، ولذا عندما أقسمت أنه اسمي الحقيقي عمقت التنكر ، وكنت أترقب الاستفسارات الكثيرة لصحيفة الاتحاد حول صاحب الاسم ،  وازعم أنني بهذا الاسم استطعت أن أثير مناقشات ساخنة أكثر مما كنت افعل باسمي الصريح.. لقد أردت أن أكاشف أدباءنا بصراحة من غير حساسيات العلاقات القائمة بيننا..ولكن سيل الهجوم على صاحب الاسم، والسخرية المتجنية وما أثاره مقالي «جرد حساب الأدباء» كل هذا كان يدل على ضيق الأفق في الساحة الأدبية.. فأغلبية الأدباء يعتبرون أنفسهم في مستوى أدبي لا يصح أبدًا أن تعاتبه أو حتى تداعبه ، واضطرت الصحيفة أن تطالبني بإظهار اسمي الحقيقي والتوقف عن استخدام الاسم المستعار، ولذا فضلت أن أتوقف كلية.
* هل هذه التجربة جعلتك تعزف عن الكتابة الصحفية في الآونة الأخيرة ؟.
-
للأسف أحيانًا أرسل مادة للنشر ،  لكن أحس بعدم التقدير للمادة، فهي إما أن تنشر بحرف غير ملائم ،  أو في ذيول المادة الأدبية كأنك لا في العير ولا في النفير.. ولهذا أفضل في الآونة الأخيرة كتابة الدراسات المستقلة.. وأرجو ألا تصل بي الحال إلى ما وصلت إليه لدى الجرجاني حيث قال أأشقى به غرسًا واجنيه ذلة؟!
القدس في الشعر

*بمناسبة الدراسات المستقلة.. قدمت منذ فترة دراسة هامة عن القدس في الشعر الفلسطيني الحديث ،  فما هي أهم ملامح هذه الدراسة؟

تطرقت أولاً إلى ندرة قصيدة المكان ، وأن القصيدة الحديثة هي التي توقفت على الجزيئات والتفريعات..كما تحدثت عن القدس باعتبارها موتيفة..البعض يتفاءل بها ويبحث عن الخلاص فيها ولها ،  والبعض ينظر إليها بتشاؤم وكأنها مدينة تنذر بخطر محدق..كما تحدثت عن الرموز الدينية واستلهام التاريخ الكنعاني للتأكيد على الحق الفلسطيني في المدينة ، ورغم أن عشرات الشعراء كتبوا عن القدس إلا أنني آثرت الانتقاء ،  فليس كل من كتب بضعة أبيات هنا أو هناك يمكن أن أتناوله في الدراسة  - وإن كان هذا الكلام يغضب البعض..كما أنه ليس كل من كتب عن القدس أهلاً لأن نأخذه مأخذ الجدية في التناول الشعري.
عرب الداخل وثقافة الآخر

* ثمة سؤال محير ولا مناص منه.. كيف تتعايش كمثقف عربي من عرب الداخل مع ثقافة أخرى؟!

- العلاقة بيني وبين الثقافة الأخرى هي علاقة لغة، فأنا أقرأ العبرية كما أقرأ الإنجليزية، وأتعامل مع نصوص الأدب العبري كأي أدب آخر..وليس هناك مشكلة في ذلك، أما القصيدة أو القصة التي تطرح على نحو استعماري أو استعلائي ، أو تنطوي على نوع من الاحتقار للآخر.. فهذا مرفوض ،  ونحن كعرب نرفع أصواتنا دائمًا ضد هذه الكتابات السيئة والتي ليست ذات قيمة في ميدان الأدب.
* في وقت من الأوقات حاولت أن تدعم ورشة أدبية للشباب بمباركة جامعة حيفا..فلماذا توقف النشاط؟

نفذت فكرة الورشة الأدبية في بلدتي «باقة الغربية» ،  ودعوت الأدباء الشبان للمشاركة وقراءة إنتاجهم الأدبي ،  والاستماع إلى ملاحظات أحد الأدباء الكبار الذين تتم استضافتهم في الورشة ، ولاشك أن تداول النصوص يحقق ثراء وتواصلاً، كما أن الورشة تتجدد بتجدد دماء المشاركين فيها مع الوقت..
ولكن بكل أسف توقف النشاط ، لأن بعض الأدباء أخذوا يتطاولون أو يدّعون، فكأني أردت باطلاً من حيث أردت الحق.. علاوة على أن عنصر التضحية بالوقت أخذت تقارعه الهموم اليومية والانشغال بالذات..ومن يدري فقد تعود الورشة بلباس آخر وبهمة أكبر.

صحيفة الجزيرة ( السعودية ) - 16 / 3 / 2001

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مثقف من عرب الداخل وشهادة عن الهوية

الناقد الفلسطيني فاروق مواسي يتحدث عن أحزان لا تفهم

 

نعيش صراعًا يوميًا مع الوجود والكتابة . لا أرى عيبًا في ترجمة أعمالنا إلى العبرية .

 من الصعب تحييد دورنا كعرب في الداخل . هناك 13 شهيدًا منا في الانتفاضة الأخيرة .عندما يخرج شخص من فلسطين الآن يكون السؤال: ماذا يحدث هناك؟ التقينا بالناقد الدكتور فاروق مواسي عضو اتحاد الكتَّاب العرب في فلسطين في حوار يكتسب أهميته من عنف اللحظة.. بدأنا الكلام عن النقد ،  لكن سرعان ما أخذنا الكلام الى منطقة شائكة يلتبس فيها الثقافي بالسياسي.. عن قضية الترجمة التي أثيرت منذ فترة وعن الجوائز من إسرائيل وتحييد دور عرب الداخل في النضال. كلها قضايا تتصل ببعضها البعض ،  ولعلها تلقي إضاءة عن عرب الداخل.. وهم مليون مواطن في إسرائيل يناضلون ضد العزلة وضد تزييف هويتهم العربية والإسلامية.

 

       مأساة الحس النقدي

منذ أربعين سنة وأنت تكتب الشعر والقصة والمقال.. فهل هذا الجمع بين الأشكال الأدبية ميزة أم عيب؟ وما أكثر أشكال الكتابة قربًا الى نفسك ؟

·        بداية عندما أكتب فإني  أكتب لضرورة ما.. ثم بعد ذلك تنبجس المادة المكتوبة شعرًا أو نثرًا.. لا فرق عندي.. انه همُّ تترجمه أحاسيسي بما ترتئي، والأمر ليس بيدي.. ويمكن أن يندرج ما أكتبه تحت مصطلح الكتابة الجديدة، التي تهتم (بالنص) بغض النظر عن لونه أو نوعه.. يهمني كيف أقول ولا يهمني ما هو الإطار! ربما أكون بطبيعتي خلقت ناقدًا، رغم أن نقدي وملاحظاتي الأدبية تسبب لي أحيانًا حرجًا قد أكون في غنى عنه لو أمكنني ذلك. كذلك فإن القصيدة التي اكتبها هي معاناة وانعكاس لوضع أو حالة ،  فيها نقد ما، فيها المنشود الذي حال دونه الموجود.

-   إذا كان الحس النقدي هو الحافز الذي يحرك جذوة الكتابة بداخلك فهل هذا يجعلك مرتبطًا بمنهج معين ؟

·        النقد أصلاً هو تبيان المحاسن قبل المساوئ، وهو اتخاذ موقف فيه تقويم، وفيه تفسير أيضًا. أما بالنسبة للمنهج الذي يراه البعض ضرورة حتمية لتعميق رؤية الحياة بإطار ما، فبصراحة لا أرى ضرورة التقيد بأي منهج لا نفسي.. ولا اجتماعي.. لا بنيوي ولا تأويلي.. فالنقد بالأساس جزء لا يتجزأ من مبنى الشخصية الناقدة، وكل نص يقدم نفسه بنفسه بعيدًا عن المصطلحات التغريبية.

-  لكن، إذا تركنا الأمر لذائقة الناقد وخبرته الذاتية فالأمر لن يسلم من إنصاف البعض على حساب البعض.. ربما يتهمك آخرون بأنك تتجاهلهم وربما تشيد بآخرين لا يتحققون فنيا؟!

·                      يخطئ من يتصور أنني سأكتب عن كل أدبائنا، فالكتابة تتأتى لظروف موضوعية، فقد تهمني ناحية ما في هذه القصيدة أو تلك، أحب أن يشاركني القارئ فيها.. فالنص يحاورني وأحاوره، يستعصي عليّ أحيانا فأراوغه ولا اعرف ما هو المقياس في ذلك.. على أية حال يلاحظ القارئ لما أكتبه من نقد أنني لا أكيل المديح جزافًا، وأنني امتدح الظاهرة لا شخص الشاعر، وبالمقابل لا أقدح أحدًا (طب لزق) وسواء علا نجم من أشدت بهم أو لم يعْل لا اعتبر قولي هو الفصل.. إنما هو اجتهاد قد أصيب فيه وقد أخطئ.

 ثقافة التذويب

- ننتقل إلى قضية أخرى تتعلق بالمثقفين العرب بالداخل.. باعتبارك من أبرز هؤلاء المثقفين.. ما أهم ما يميز هذا التجمع الثقافي العربي؟

·        العربي في الداخل هو فلسطيني.. هو فرع من شجرة الأدب والإبداع الفلسطيني.. يتلاحم مع القضية والإحساس بها بعمق، خاصة وهو يعايش شعبًا آخر ويحاول أن يصارع في وجوده دائمًا.. هناك صراع يومي ينعكس في الكتابة التي تحاول أن تكون إنسانية.. فأنت تعيش مع الذي أخذ بيتك واضطهد أرضك وتحاول أن تتجاوز اليهودي كيهودي.. للأسف نجد أن بعض اليهود من اليسار المتعاطف مع قضيتنا.. حتى هؤلاء يتخاذلون إنسانيًا كما أثبتت ذلك الانتفاضة الأخيرة، وبدا أنهم ليسوا أهلاً لمواصلة المشوار لكن دائمًا هناك نية أن نصل إليهم كمثقفين ونناقشهم.. لأنه لا بد من ذلك فنحن نعيش معهم اقتصاديًا وثقافيًا وفكريًا ويوميًا.. هذا قدرنا الذي نختص به نحن العرب في الداخل أمام مسؤوليات طرح وشرح قضية شعبنا ووجودنا ،  وأننا نفَس من أنفاس هذا الوطن.

_ هل هذا يجعلكم أكثر حرصًا على الهوية أم يعرضكم للتذويب الثقافي في نسيج المجتمع الآخر؟

·        طبعًا كانت هناك محاولات لتذويبنا، منها محاولة إجبارنا على التعلم باللغة العبرية، وذلك مع قيام الدولة ، لكن لم يتحقق ما أرادوه  بسبب بقاء الأمة العربية في الإعلام من ناحية، وقيام ثورة عبد الناصر التي ظهرت مباشرة بعد أربع سنوات من 48.. وما أعقبها من مد قومي من المحيط الى الخليج ، فكنا نشعر بأن يوم الخلاص من الاضطهاد قريب.. لكن بعد مرور بضع سنوات وبعد نكسة 67 وجدنا أن الأمور فيها شيء من الاستحالة ،  ولذلك راجعنا حساباتنا، وكان علينا أن نتعايش ونطالب بطرحين-  الأول: أن يكون لأبناء شعبنا دولة فلسطينية فيما وراء حدود 67، المطلب الثاني: أن نكون متساوين وننشد المساواة الحقة، حتى لا يكون للمواطن اليهودي  أي فضل عليّ.. ولا يكون هو السيد وأنا المسود.. فأنا كفلسطيني من عرب الداخل أريد أن أشارك في الحياة.. فإذا قلت له إنني الفلسطيني الذي يريد أن يحاربك ، وأن يحمل الحجر ضدك فهذا يبعده عن إمكانية تحقيق هذه المساواة.. أما أخوتنا في الضفة وغزة فلهم قضية مختلفة عن قضيتنا.. وهذا معروف على مستوى المسؤولين في الوطن العربي.. حتى المفاوضات الجارية لا يحق لنا الاشتراك فيها، برغم أنهم هم  الذين قرروا بأن قضيتنا تختلف .

- هل هذا يعني أنهم يريدون تحييد دوركم؟

·        هم يحاولون ذلك لكن صعب علينا.. لأن أهلنا وأقرباءنا هم في نابلس.. في القدس.. في أماكن وجودنا فلا نستطيع أن نبتعد ونقول هذا لا يعنينا ،  لأنه قدر أن نبقى معًا.. ونحن شعب واحد.. الإشكالية أننا نرى إخوتنا يذبحون..( وتهدج صوت محدثي واضطررت لإغلاق المسجل .......ثم استئناف الحوار من زاوية أخرى).

 

      الترجمة والجوائز

- أعلم أن لديك اهتمامًا بالترجمة فيما بين العربية والعبرية.. فهل تحبذ كأديب وناقد أن تترجم أعمالك إلى العبرية ؟

·        هذا يسرنا كعرب في الداخل أن تترجم أعمالنا إلى العبرية.. بل إن أحد مطالبنا أن تترجم كتبنا.. وبالفعل لي كتاب مترجم الى اللغة العبرية بعنوان (الأحزان التي لم تفهم) كتبته بالعربية ،  وتُرجم (  لعلهم يفهمون أحزاني..) وعلاوة على الترجمة هناك اللقاءات التي نتحدث فيها ونتعايش خلالها يوميًا ، ولولا مأساة شعبنا لحاولنا تدريجيًا أن نأخذ حقنا، لأنه مهما تواترت الحكومات المختلفة لا بد أن يهتموا ويعرفوا أن هناك مواطنًا عربيًا له الحق في بيته.. في عمله.. وحاولوا دون أن نصل إلى مناصب عليا ...وحالوا دون أن  نحقق أمورًا كثيرة، لكنهم لا يستطيعون أن يمنعونا من طرح قضايانا.

- هناك مشكلة ما تتعلق بالجوائز التي تمنحها إسرائيل والتي تثير ردود فعل غاضبة.. فكيف الأمر بالنسبة لك باعتبارك مثقفًا من عرب الداخل؟ وهل تقبل جائزة من إسرائيل ؟

·        بالنسبة للجائزة.. كانت هناك باسم رئيس الحكومة يمكن أن تمنح لأي مواطن، وهذه الجائزة رفضناها كعرب، وعلى المستوى الشخصي لا يُعقل أن آخذ جائزة باسم شامير أو باراك لأنها على حساب شعبنا وكرامتنا.. مع ذلك نحن كمواطنين بالداخل ندفع الضرائب وبالتالي ندفع  ثمن الجوائز، وما داموا  يأخذون منا الحقوق فلماذا لا تكون الجائزة باسم وزارة الثقافة.. وبالفعل أصبحت هناك جائزة باسم وزارة الثقافة ...وقد حصلت عليها بدون تهيب.. بدون شروط.. لأن هذا حقي وخاصة أنهم يعطونها عن مجمل الأعمال الأدبية، كما أنها تتعامل معنا كمربين ومعلمين، وكجزء من الحياة الثقافية.

    أقول لك بصراحة أن هناك لجانًا حيادية ،  وقد اشتركت في عضوية هذه اللجان وكنت اختار كُتَّابا وطنيين ومبدعين جادين دون أن يهمس أحد في أذني – هذا قريب من الصحن فحاول أن تدعمه.

- بعيدًا عن هذه الأجواء الملتبسة سياسيًا وثقافيًا.. ماذا في جعبتك حاليًا ؟

·        طموحاتي أكبر من طاقتي، وسأحاول في المستقبل القريب أن أكتب مذكرات أو سيرة ذاتية بلون جديد، في صورة مقالات على الأرجح.

صحيفة الوطن  ( السعودية ) 15/2 /2002            

 

 

 

 

 

 

 

 



 

أرفض اتهام الشعر الفلسطيني بالمباشرة والاجترار

 

bullet الدكتور فاروق مواسي ابن باقة الغربية في المثلث المحاذي لمدينة طولكرم (في الضفة الغربية).  هو في أواسط العقد السادس من عمره، أستاذ محاضر في كليات باقة الغربية وحيفا، أصدر اثني عشر ديوانًا شعريًا، واثني عشر كتابًا نقديًا، ومجموعتين قصصيتين. كما أن له بعض الكتب الدراسية في الأدب والنحو.

ومواسي أسوة بكثير من إخوته الأدباء الفلسطينيين يشعر بأنه قد غمط في حقه وحجب عنه الإعلام العربي، يشعر أنه الطائر الذي أُبعد عن سربه، وهو يحاول بقواه الذاتية أن يظل قريبًا يأنس بأهله ويغرد بشجوه وشجاه.

استقبلني د. مواسي في مكتبته الواسعة المنظمة، وقد أحببت أولاً أن أعرف سر انهماكه في مادة هي بين يديه.

قال: هذه دراسة لي عن قصيدة "أيها السائح" لمحمد الماغوط قدمتها ضمن مؤتمر النقد الأردني الذي انعقد في جامعة فيلادلفيا من 5-7/12/1999، وأنا أعدها للنشر.

bullet وهل يُسمح لكم أن تشاركوا أنتم –عرب الداخل- في مؤتمرات تعقد في الجامعات العربية؟

- الحق، هذه هي المرة الثانية التي يسمح لنا فيها في نطاق المؤتمرات الأدبية العلمية، فقد شاركت في جامعة اليرموك صيف 1998 في مؤتمر عنوانه "استراتيجية التلقي"، وقدمت ورقة هناك عن "الصدق في القصيدة الوجدانية".

bullet ما دمت تدرس قصيدة للماغوط، فهذا يستدعيني أن أسألك: هل أنت من أنصار "قصيدة النثر" ؟

- "قصيدة النثر" أتحفظ منها، ولا أتحمس لكثير من كتاباتها. أما الماغوط فهو صاحب قصيدة خاصة وله تميّزه، وحبذا أن نطلق عليها "القصيدة الماغوطية"، لأنها موظفة في خدمة أفكار وإيحاءات متواصلة –الأمر الذي نعدمه في كثير من الهذيان الذي يهيمن على الساحة. قصيدة النثر تكتسب شرعيتها فقط من شاعر مثقف يحسن لغته وأدبه ومعرفته بالقديم والحديث وبالشعر العالمي، وافترض أن يعرف أوزان الشعر وبحوره ومعنى الإيقاع الخارجي قبل الداخلي. فإذا أتقن هذه فلا جناح عليه أن يقول ما يرتئي له ويروق.

أنا أبحث عن صور شعرية لعقلاء ومفكرين وذوي طاقات خلاقة، شعراء يقدمون عناصر المشاركة الوجدانية والانفعال المتفاعل. وهذا يسوقني إلى القول: يجب أن تكون غربلة لأفراد القمح عن الزؤان.

bullet جرى نقاش مؤخرًا في الصحف الفلسطينية حول مقالة نشرتها في "الحياة الجديدة" تحت عنوان "التطاول على الشعر الفلسطيني" ما هي دعواك، وما هي طبيعة الردود؟

- فكرة مقالي أنها ترفض اتهام الشعر الفلسطيني بأنه مجرد مباشرة وتكرار واجترار، وأنه كما يزعم نوري الجراح "شعاري واجتماعي محض" أو كما يزعم آخر" إن الشعراء سابقًا لم يخرجوا عن النظرة الضيقة المعهودة  للوطن والأشياء والحياة" هكذا بتعميمات منتفخة. وما "أضحكهم" أو "أفزعهم" أن أقول: إن الشعر الفلسطيني هو "ديوان المأساة والقضية" وقد أضفت إلى مقولتي اعترافًا "أن هناك عزلاً وقصائد وجدانية وإنسانية عامة وشمولية، وأن هناك من أبدع وأمتع في ميادين آخرين وأفانين شتى".

لقد نسي بعضهم هذه الإضافة، وظلوا يخافون على "الشعرية" من "ديوان المأساة والقضية".

ومما أغاظهم أنني أثبت " قصائد لغسان وزكريا ونوري الجراح ليطلع القارئ على مدى اكتنازها وثقافتها وعمقها وإيحائها؟؟؟؟!!!! فتصور لو أتيت بنص من هذه النصوص أمام طلابي لتحليله –وبحيادية تامة- وطلبت منهم تطبيق طريقة ريتشاردز في كتابه "النقد العملي"، فماذا يمكن أن يحدث ؟ ماذا يمكن أن يستوحوا من هذه الدرر؟

لن نكفر بالشعر، بل سنظل نغني في حدائقه المشعة وغرفه المؤثثة، وستقبلنا جنية الشعر شاكرة، لن نجعلهم ببؤس اطلاعهم أبطالاً على حسابنا، فكل نفخ لهم لا يغني عن حقيقتهم، وسيبقون في أحجامهم. لقد تسلقوا على اسم درويش، وكأنهم هم خلفاؤه، وحسبوا أن لا أحد فيما بين درويش وبينهم –إلا ما ندر- لقد كتب نوري الجراح في صحيفة ما، شتائم خلاصتها أنني لا فهم المقروء، وأن موهبتي ضحلة (فله الشكر على شتائمه)، بينما ظل "آخر" يضحك من مقولتي حتى صار ضحكه مضحكًا. فإذا سألت أنا عن قصيدة لغسان ما علاقتها بالشعر واللغة؟ (وقد رمزت إلى خطأ لغوي لا يخطئه مبتدئ في اللغة) أجابني: "إن غسان يشتغل على مشروعه الشعري بدأب وصمت وعمق وذكاء.." ما شاء الله على هذه الألفاظ والآراء الشخصية غير المشفوعة بالتعليل والتحليل... فانتظروا معي ما سيفرزه هذا الرعيل الجديد الذي سيكون فيه خلاصنا الأدبي، وستتألق معهم الشعرية والإيقاعية الجديدة، إني معكم من المنتظرين، وأعدكم أنني سأكون من الصابرين.

bullet ولكنك لا تنكر أن بعض هؤلاء الشباب هم واعدون ؟

- لا أنكر ذلك، بل قدمت جائزة لإحدى الشواعر منهم ضمن جائزة "قصيدة الشهيد" –كفر قاسم- وذلك بحكم كوني رئيسًا للجنة التحكيم. فهذه الشاعرة حصلت على الجائزة لأنها أثبتت نفسها وأحست بقضية، والتزمت نفسيًا ووجدانيًا للغتها ولشعبها، وأنها صادقة، فأين هؤلاء الذين يرددون اسمها من طاقتها الشعرية ؟!

bullet أفهم من ذلك أنك تشجع المواهب الواعدة، وأنك لست في الموقف المجابه لكل إبداع جديد كما يتهمونك.

- كثير من الشعراء يعرفون "الورشة الأدبية" التي أقمتها قبل سنتين، فقد كانوا يؤمونها، ونتداول جميعًا ضمن حلقة دراسية نصوصهم، وكنت أستضيف في كل مرة أديبًا معروفًا يكون له رأي في النصوص المقروءة، ويتم نقاش مثمر، فيه اطلاع ودرس، فالذي يحاور ويستخدم في حواره مقولات لباختين أو تودوروف أو الجرحاني أو الغذامي... الخ  لا شك أنه أفضل بكثير من هذا الذي يطهو نفسه في حسائه الخاص به، فقيمة كل امرئ ما يحسنه ويعرفه لا ما يدعي أنه خبير فيه من غير أهلية أو كفاية.

bullet ما هو آخر كتاب نقدي لك؟ وهل لك منهج به؟

- هو "قصيدة وشاعر" تناولت فيه ست عشرة قصيدة لشعرائنا في الجليل والمثلث ومنهجي هو "وسطي" يأخذ من الذوقية كما يأخذ من الأكاديمية- الدقة في الاستشهاد والتحديد.

نقدي يطلع على المناهج النقدية الغربية ويذوتها من غير أن يتقيد بأحدها. إنه ينطلق من العيش في النص وتقديمه ميسرًا غامرًا بالجو الشعري؟ وذلك حتى يمتع ويحاول أن يقنع.

إنني من أنصار تحبيب النص للقارئ لا إدهاشه بمعنى تعقيده وإرباكه، وإنما إدهاشه بمعنى إثارة المشاعر الجمالية لديه. إن الدهشة الإيجابية هي التي تجعل القارئ يستكشف ويتماثل ويتفاعل فهذا مبتغاي ومطمحي الشعري.

bullet ولكن الأبحاث التي تكتبها تختلف عن هذا الطرح الذي قدمته ؟ فهل لك أن تبيّن لنا رأيك في الفرق بين البحث والنقد؟

- البحث هو الدراسة الأكاديمية المحايدة التي تعلل وتحلل من غير تدخل الباحث ذاتيًا ومباشرة. بينما النقد هو الدراسة الفنية والذوقية في الشكل والمضمون، البحث هو عمل ووظيفة، فالوردة مثلاً تهم الباحث على أنها تعطي مادة كيميائية معادلتها كذا، أو تهمه على أنها أجزاء مؤلفة من...ومن... أو لدراسة تمايزها الفصيلي مع زهرة أخرى.

لكن النقد هو الذي يبيّن جمالها ورائحتها ولونها ، وأهمية إهدائها للحبيبة، وإذا لم يبيّن فعلى الأقل "يوجه إلى..."

في البحث تكون اللغة دقيقة محددة وجمل الباحث و/أو فصوله متدرجة منطقيًا ومتناسقة، والأمانة تقتضي أن يشار الى الاقتباس ويذكر المصدر، لا أن تختزل العبارات "المسروقة" وتعد لحساب "السارق"، وكأن شيئًا لم يكن.

أما النقد فهو يشمل استصفاء المادة من الحياة والأدب. فيه موقف في طرح الرأي والرواية، وكثيرًا ما نخرج أو نخلط  بينهما –البحث والنقد-. ويبقى الأمر منوطًا بمدى نجاح الكاتب في إقناعنا سواء في بحثه أو في نقده.

صوت الناقد أو الباحث هو الدليل إلى الإقناع والإمتاع .....ولكل صوت صدى.

 

كل العرب 14 /5 /2000  - أجرى الحوار : عايد عمرو

 

 

 

 

حوار صريح مع فاروق مواسي :                                                                           

أين أنت اليوم في الساحة الادبية ؟

 

- أتراوح بين معانقة المطلق وبين الصفرية. كلما اكتشفت مجهولاً وارتدت أفقًا تبدت لي مسارب ومتاعب، أحب أن أقتحمها، أجوبها، أتقراها، أعيها، أكتب عنها، وتسألني أين أنت؟ تصور أنني في كل مكان ،  وتصور أنني لست في شيء، المهم أنا أكتب فأنا موجود - هذه "الكوجيتو" يناقضها أحيانًا الإحساس بعبثية الكتابة و"أبسورديتها".

* ما هو الدافع الجديد لإصدار مجموعتك الشعرية في كتاب واحد؟

- لأنني أبحث عن نفسي، ويعز علي أن مجموعاتي الأولى نفدت، فإن سأل عنها أحد ولم يجدها تألمت، وإن لم يسأل عنها أحد تألمت، وفي كلتا الحالتين حضوري أهم من غيابي، وإظهار ألمي أروع من بلادتي. ولعل هناك  سببًا آخر -  أن تدفع أشعاري نقادًا جددًا إلى مداعبتها.... تخزهم أو تنعم لهم، وأنت تلاحظ أن المجموعة السادسة وهي التي أضيفت إلى أشعاري المطبوعة دعوتها "من شذور التعب" ،  وفي هذه التسمية دلالة موحية للناقد.

 

- أين أنت بين الشعر والنقد ؟

 

- في ظني أن أروع النقد ما يحمل شحنات الذوق والمتعة ، وهو ما ينطلق من المبدع نفسه، فإن نقدت وضعت نقد الآخرين في مرآتي، وهذا من حقي حتى لو طرحت شكلاً بنيويًا أو سرياليًا.

الكتابة عندي فيها حدس وهوس وتحفيز داخلي ومؤشر يهدف إلى مبتغاي المباشر ،  وبمقدار ما يتحلى الصدق في شعري إلى صفاء الدمعة وارتفاع وتيرة الدم فإن المقال النقدي "معقلن" ومؤطر، فيه المسؤولية عن الحكم، وفيه ذائقة قد لا تعجب البعض، لكنها أمام المحك تثبت. وأنا أقنع بعض الناس ناقدًا أكثر مني شاعرًا ،  مع أنهم يتوجهون إلي يسألونني دومًا عن جنية الشعر- كيف حالها؟ وقد يزاحم النقد بحوث أكاديمية فيها بعض الجفاف ،  إلا أن ضرورتها لعلميتها وسياقها لتأصيلها لا معدى عنها.

*  هل يقوم الناقد فيك بمراقبة الشاعر ؟  

- بداهة ..وحساب القصيدة عندي جد عسير ، فبعد أن أهذبها وأشذبها أقرأها  ، فأكتشف العلائق والدقائق ، ثم أقرأها على متذوق ، فإن علّق بما يقنعني  صوبت، وإن استهحنت ملاحظته وثقت نفسي ولا أبالي. وقد يظن البعض أن اعتزازي برأيي فيه "غرور" ناسين أن بين الغرور والثقة خط رفيع لا ندري أين هو.

كيف تقيم حركة النقد الأدبي في بلادنا ؟

أقول صراحة إن الوضع في العالم العربي كله وليس عندنا فقط، فيه الكثير من الهبوط، فالألسنية واللغة كبنية تبادلية، وشكلانية اللغة أين نحن منها؟ والنقد الجديد والرؤية الجدلية للوجود والزمنية الروائية والنص المضاد ماذا نفهم منها؟ وهل نحن نتابع كتابات تودوروف ومورون وبلاشار وبارت ولوكاتش وتيل كيل والان بوارسون وغيرهم؟ وماذا ندرك من سوسيولوجيا النقد عند لوسيان غولدمان. والكذب الرومنتيكي عند رينيه جيرار، وماذا نعرف غير غيض من فيض؟ ومجلة "فصول" تبهرني وكتابها "يفائلوني" ومجلة "ألف" التي تحررها سيزا قاسم فيها مشرع للنقد الجاد.

وعندما يستبد في الشعور أنني ناقد أقول لنفسي: مهلاً، هل فهمت هذه الكتابة الجادة؟ هل ألممت بالمدراس الحديثة وتفرعات البنيوية ؟

أين تعتبر نفسك من أبناء جيلك؟

كان الأجدى أن يجيب الآخرون ،  وأنا متهم بأنني أنظر في مرآة نفسي أكثر مما يجب، ومع ذلك فلن أستجدي أحكام احد ،  لأن الكلمة عندي مغموسة بالهم ،  أو مأنوسة بالوجد، محشودة بالمعاناة ، أو مشدودة بالسهد الواعي.

والأجيال عندي أعجنها في خليط قد يروق وقد لا يروق، ومن يوم أن عشق قلبي كفر بالعمر.

 

 

 

 

 

*ما هو تقييمك للحركة الأدبية عامة.. والشكل الشعري خاصة ؟

 

- مع أني رأيت تراوح الألم والأمل ميزة خاصة لنا، ومع أني شممت رائحة التربة مضخمة بالدماء الراعفة والعرق يندى من جبين الحرف، إلا أنني أشعر بضآلة ما أبدعنا قياسًا لما عانينا، فأين الرواية التي هي  بحجم المأساة تفصل وتنقل. قسمًا لو كانت قصص البطولة عندنا لدى كتاب آخرين كالكتاب السوفييت أو كتاب أمريكا اللاتينية لكانت الرواية كلها عربية محضة. اقرأوا "مائة عام من العزلة" مثلا ووازنوا أين نحن من الرواية ؟  وأين الرواية منا؟

أما المسرح وحتى الأغنية التي يحفظها ويرددها الجميع  -الأغنية الجماعية- وأدب الأطفال فهي باهتة تشي بضعف الدم –أنيميا أدبية.

وأما الشعر والقصة القصيرة فما أكثر ما يكتب ،  وما أقل ما يترك أثرًا، ويظهر لي أن الشهرة لا تتأتى في يوم أو يومين ،  بل عبر أعمال أدبية ومواقف ومتابعة وتعاطف، وقد ينقاد المهر ذلولاً من غير أن بغالبه المروّض.

وأنا أتدارك وأنحسر ، وإني لأخشى أن بكون شعرنا بأغلبه من التصنيف الذي لا تشتهي أن تسمعه.. إن لم يكن أكثر.

كيف تنظر الى ما ينتجه الشعراء الشباب ؟

مقياسي الأول: هل انطلق الشاعر من معرفة عروضية؟ هل تنعكس ثقافته على وجدانه عبر خيوط الكلمات ونسيج الموقف؟ وقد أتسامح وأتجاوز عن العروض إذا حلق الشاعر في صور إيحائية وفي أبعاد ثرية بالنبض ،  ولكني لن أعفو عن أخطاء لغوية ونحوية.

أحب الأدباء الجدد وهم يتهافتون على القراءة وبلغات مختلفة، أحبهم وهم يلتزمون بمنحى فكري أو اجتماعي أو سياسي يعبرون عنه بصورة غير مباشرة ... أحبهم وهم يبوحون ويجرؤون، وسأسوق لك مثلا من كتابات شاعرة جديدة اسمها "جنى شوقي" من قصيدة لها بعنوان "قبلة" :

قبلة فوق ثغري أشرقت

في عتمة الخوف أبرقت

تمنيت تمنيت

لو طالت، حملت ولدت

ألوفًا من القبل

تمنيت تمنيت

لو طالت

أحرقت، أغرقت

شفاهي... فأغمض المقل.

وبرغم جرأة هذه الشاعرة التي يقف عندها القارئ أكثر مما يقف عند شاعريتها إلا أنني أشعر بضرورة ترجمتها إلى لغات أخرى حتى نواكب حركة الشعر الإنساني والعالمي ..اسمعها تقول:

عيناي جواز سفر

شفتاي تذكرة الدخول

وعند ثغرك الجميل

نقطة العبور.

أتراني أتحدث عن الجنس أم عن الشعر الصافي؟

* هل قمت بواجبك نحو إنتاج الشعراء الشباب ؟

- أظن أن الورشة الأدبية التي بدأتها في المركز الثقافي في باقة الغربية ،  وتباعًا كل أسبوعين هي بعض ما قمت به.

يشارك العشرات من الأدباء الجدد من مختلف أنحاء البلاد ، ويصغي لكلماتهم بعض أدبائنا المعروفين برز بينهم سميح القاسم، ومحمد علي طه ،  وعبد الناصر صالح، وعصام خوري، وسيشارك آخرون غيرهم، وهؤلاء يوجهون الشباب بملاحظاتهم، وقد أشار سميح بهذا النشاط وقال: "للمرة الأولى يجري عندنا عمل رائع من هذا القبيل، عندما كتبنا ونحن يافعون كانوا يسخرون منا... أحييكم وإلى الأمام" وسنصدر كراسة تضم أعمالاً منتقاة لهؤلاء الشباب.

* لك مجموعة قصصية هي "أمام المرآة" كيف تقيمها اليوم بعد سنوات من صدورها؟

 

-هي تجارب، حزنت لأنهم لم يتناولوها بالدراسة الجادة، ولأن قصتيَّ "أمام المرآة" و"عبد الحي" أعتز بهما جدًا، ولم يفهمها أحد ، باستثناء ملامسة رائعة للقصة الأولى قام بها القاص محمد علي سعيد، الذي كتب دراسة مضمونية عن المجموعة شفت بعض الغليل ، ووعد أن يكتب القسم الثاني عن أسلوبيتها، وهو يعترف أن دراسته استعراضية تعريفية.

"أمام المرآة" يجمعها سلك من السرد الذاتي، فيها أساليب جديدة، وقد وعدني أن يكتب عنها الناقد المعروف عبد الرحمن أبو عوف.

* ما هي مشاريعك القريبة ؟

 

- بعد أن أصدرت كتابين تحليلين للأدب العربي الحديث: "الجنى في الشعر الحديث" "الجنى في النثر الحديث" كلفتني وزارة المعارف أن أعمل ضمن "طاقم" لتأليف كتب النحو للصفوف الثانوية والطاقم بإدارة د. فهد أبو خضرة، وعضوية الأستاذ اللغوي إلياس عطا الله، وفي طريقتنا تجديد أسلوبي بيّن، وأظن أن مثل هذه الكتب يعود بفائدة جمة على طلابنا.

وهناك لا أقل من عشرة كتب تنتظر أن ترى النور.

 

                             الشرق عدد 2 / 1987    أجرى الحوار :  ناجي ظاهر   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الدكتور فاروق مواسي في مقابلة أدبية – فكرية لـ"العين":

 

للمثقف دور طبيعي في كل معارك مجتمعه وإلاّ فأين الصدق إذا "نظّرنا" للشعب، فقط ؟!

bullet كل مؤسساتنا السياسية والتعليمية والثقافية يجب أن تعطي اهتمامًا خاصًا لتعزيز مكانة اللغة العربية في وعينا وفي مجتمعنا.
bullet أدعو المثقفين العرب وكل هيئات شعبنا الى المبادرات للحوار والتعاون مع كل قوى الخير والعدل والسلام في المجتمع اليهودي.

 

الدكتور فاروق مواسي: ولد في باقة الغربية 11/10/1941. أنهى دراسته الثانوية في الطيبة(1959). عمل في سلك التعليم بدءًا من سنة 1961.

دراسته الأكاديمية بدأها في جامعة "بار إيلان" وفيها أنهى رسالة الماجستير عن "لغة الشعر عند بدر شاكر السياب"(1976) بإشراف الأستاذ س.سوميخ، ثم التحق بجامعة تل أبيب، وفيها أنهى أطروحة الدكتوراة عن الشعراء "الديوانيين"- العقاد والمازني وعبد الرحمن شكري(1989)، وهي بإشراف البروفسور المرحوم ماتي بيلد. وقد صدرت الأطروحة في كتاب "أشعار الديوانيين" (1995).

بدأ مواسي النشر سنة 1971. فأصدر ديوانه الأول، "في انتظار القطار"، وتوالت الدواوين الشعرية حتى بلغ عددها اثني عشر ديوانًا آخرها "خاطرتي والضوء – نبضات" 1998.

في مجال النقد والأبحاث أصدر اثني عشر كتابًا أولها "عرض ونقد في الشعر المحلي"(1976) وآخرها "القدس في الشعر الفلسطيني الحديث" (1996)، ومن هذه الكتب البارزة التي يتداولها طلابنا ومعلمونا "الجنى في الشعر الحديث"(1985)، والجنى في النثر الحديث (1986)، وفيهما تحليلات أولية مساعدة لطلابنا في دراستهم.

أما في مجال القصة فقد أصدر مجموعتين هما "أمام المرآة"، (1985)، و"أمام المرآة وقصص أخرى" (1996).

أصدر كتابين يتضمنان (مواضيع اجتماعية نقدية ذات صبغة أدبية)، هما " أستاذ قد الدنيا " (1979)، و"حديث ذو شجون"(1994).

وله مؤلفات في النحو والصرف، وهي سلسلة "الجديد في القواعد اللغة العربية (أربعة كتب معدة للطلاب الثانويين)، وذلك بالاشتراك مع الدكتور فهد أبو خضرة والأستاذ إلياس عطا الله.

يعمل هذه الأيام رئيسًا لقسم اللغة العربية في كلية الشريعة في باقة الغربية، ويحاضر في كلية (غوردون)، والكلية العربية للتربية في حيفا.

وهو عضو فعّال في كثير من اللجان الثقافية والتربوية وفي مناهج التدريس للوسط العربي.

وكان مواسي قد شغل منصب رئيس رابطة الكتاب العرب ضمن اتحاد روابط الكتاب في إسرائيل، كما رئس تحرير مجلة "مشاوير"(1978-1980)، وكان عضوًا في هيئة تحرير مجلة "الجديد" (1990-1993)، وعضوًا في هيئة تحرير مجلة "الثقافة" (1993-1994)، وقدّم برامج إذاعية وتلفزيونية مختلفة.

شارك مواسي في مؤتمرات نقدية خارج البلاد، وكان آخرها مؤتمر "الحداثة وما بعد الحداثة" الذي عقد في جامعة فيلادلفيا في نهاية العام المنصرم. حول القضايا الأدبية والفكرية.

 كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور فاروق مواسي في مكتبته العامرة في داره:

العين: هل - في اعتقادك-  يقوم المثقفون العرب بدور قيادي وفكري في مجتمعنا العربي في إسرائيل، اليوم؟

د. فاروق: لفظة"المثقفون" مرنة وغير محددة، ولنفرض أنك في سؤالك تعني الأكاديميين والباحثين والقراء المتابعين لعلومهم والأدباء الجادين، فهل يقوم هؤلاء بدور قيادي معيّن؟ أقول صراحة إن هؤلاء المثقفين يكادون لا ينخرطون في الأداء السياسي والاجتماعي المحلي. لقد ذكرتَني بما جرى لي اليوم صباحًا عندما التقيت الدكتور (ر)، وكان يجالس بعض الشباب في المقهى ويمازحهم.

سألني: هل جالست هؤلاء الشباب ذات مرة، وهل تطيل الجلوس معهم؟ ثم اتبع: هؤلاء لا يدرون بنا ولا بأبحاثنا ولا بعوالمنا ولا بنقاشاتنا الحادة أو الجادة، هم في واد ونحن في واد، نحن نتخاصم ونتعادى، وهم لا يدرون شيئًا عن الموضوع مدار النقاش، إنهم الشريحة الهامة في مجتمعنا شئنا أم أبينا.

من هنا أصل الى النتيجة- أن الأغلبية الساحقة منا لا تتواصل مع المثقفين، فالمثقفون، هم لا يدرون عن قضايا العامة، وهي لا تدري ماذا هم يقولون.وبالطبع هناك قلة من مثقفينا نجحوا في الوصول الى رئاسة وعضوية المجالس المحلية، وهؤلاء لم ينجحوا على أساس ثقافتهم واطلاعهم العلمي ،  وإنما وفق اعتبارات أخرى.

فكيف إذن يقوم مثقفونا بدور قيادي وثمة أزمة ثقة نتجت أولاً بسبب التباعد الذي قد يكون مصدره تعالي المثقف ،  أو قد يكون بسبب جهل المتلقي؟ وثانيًا بسبب التركز في البحث عن الذات والأنا وتقدمها لدى المثقف وعدم ترسيخ مفهوم التضحية والمثابرة في وجدانه.

على المستوى الشخصي: في باقة الغربية طلب مني أحد الشباب أن أبادر إلى تقديم محاضرة توعية في موضوع ما اختاره هو، ولما اعتذرت لسبب حال دون تحقيق ذلك قاطعني هذا الشاب، وهو عندما يمر عني اليوم لا يحييني البتة، فهل هو على حق؟ أم لا؟ ولماذا أنا متهم في نظره؟ ومع ذلك فأنا أذكر ما قاله تعالى: "ولا تزكّوا أنفسكم"، مع العلم أن هذا الشاب كان أحرى به أن ينظم هو اللقاء بدلاً من أن يطلب مني لأنه صاحب الفكرة أولاً، وعندها يدعوني ولا بد من حضوري.

العين:أين الأقلية في إسرائيل من إشكالية الحداثة والتراث القومي والديني؟ وهل ترى أننا نسير وفق مناهج معينة؟

د. فاروق: العرب في هذه البلاد يعايشون مجتمعًا إسرائيليًا متقبلاً لضروب الحداثة وما بعد الحداثة، مجتمعًا هو بحد ذاته إشكالي- تارة هو يتحدث عن "حق توراتي" وعن تاريخ ما قبل ثلاثة آلاف سنة، وطورَا هو يتحدث عن الراهنية الواقعية والتغير.... هو يصارع بين الثبات والتغير، بين الإيمان والغيبيّات والإيمان بالملذات.

ومجتمعنا- اعترفنا أم لم نعترف – يماشي - ولا أتورع أحيانًا عن القول -  "يقلد" النماذج الإسرائيلية المتباينة.

بعض شبابنا ينقلون مفاهيم وحركات وإيقاعات حياتيه عن المجتمع اليهودي، ولكنهم –مع الأسف- لا يتعلمون منهم الاستقلالية المطلقة وبناء الذات والمثابرة على الدرس والتحصيل. وأحيانًا يكون حالهم كحال الغراب الذي قلد مشي الحجل. عربنا هنا بعضهم جنح إلى الحديث القومي الغائم، وتمثل عبد الناصر بصوابه وخطئه، ومنهم من قال بمقولة "الإسلام هو الحل" ولن يقنع هؤلاء أحدًا إلا إذا سلكوا سلوكًا مثاليًا وتطوعوا وتبرعوا وخدموا مجتمعهم خدمة جلى، وعندما يكون حالهم غير الحال الذي وصفه الشاعر:

 صلى وصام لأمر كان ينشده                  لما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما

فالعقائدي (قوميًا أو دينيًا أو ماركسيًا...)، لا بدّ إلا أن يكون مثلاً يُحتذى، وهذا يكلف صاحبه التضحية والعطاء والإخلاص والمحبة، ولا بدّ من التسامح أولاً في كل توجه بنّاء، ومبلغ علمي أن هناك القليل الأقل موجودون بين ظهرانينا.

العين: كيف يقيم د. مواسي –بنظرة الى الوراء- منابرنا الأدبية ومجلاتنا وملاحقنا الأدبية واتحاداتنا وروابطنا الأدبية، نحن العرب في إسرائيل؟

د. فاروق: لا زلت أذكر اللقاءات التي كان يتوافد إليها الأدباء المحليون في السبعينيات، وذلك في عكا ثم حيفا. وهذه اللقاءات اتجهت فيما بعد الى الناصرة ضمن مؤتمرات ومنابر شعرية ونقدية رائعة أعدّها أو أعد لها اتحاد الكتاب العرب، ورابطة الكتاب العرب الفلسطينيين. كما أنّ بعض الأحزاب نشّطت مثل هذه المهرجانات واللقاءات المباركة. وقد تميّزت بحضور الأدباء المعروفين إليها ومشاركة الجمهور وفعاليتهم، وما زالت هذه اللقاءات قائمة هنا وهناك، ولكنها اليوم حاشدة بالمدّعين واللاحنين الذين لا يعرفون العربية، والنويقدين الذين لم يقرأوا مقالاً نقديًا بلغة أجنبية ، أو - على الأقل -  لم يعرفوا نقدًا تراثيًا بصورة معمقة. ولله في الأدب شؤون.

أما المجلات فقد احتجبت "الجديد" رغم أنها تعود الى الصدور بين الفينة والأخرى بمبادرات فردية. كما احتجبت مجلة "الثقافة" التي رئس تحريرها سالم جبران، وما زالت "الشرق" تواصل الصدور رغم أنها لم تحافظ على مستواها الذي كان مرموقًًا، وهذا ينطبق على "المواكب" وعلى الملاحق الأدبية المختلفة. لقد ولى الزمان الذي كُنا نحتفظ بالعدد كله لما فيه من مقالات وقصائد وقصص، وأصبح الأدب الممتع الشائق بحكم الندرة!

العين: هل توافق على الادعاء القائل بأن هناك تراجعًا في مكانة اللغة العربية والأدب والمطالعة في مجتمعنا، وذلك في العقد الأخير؟ إذا صح ذلك فما هو العمل لتجاوز هذا الوضع؟

 د. فاروق: أما في المجتمع فقد تردت حال اللغة، وليس أدل على ذلك من اللافتات في مداخل الطيرة -  نموذجًا - فهي بالعبرية الفصحى، وقس على ذلك، وكذلك لغة شبابنا التي سميتها في أحد مقالاتي "اللغة العِرْبِيَّة" فهي مزيج مختلط من عربية وعبرية، وهي خاصة بنا نحن العرب في هذه البلاد، وإذا لم تصدق فأصخ سمعك لمحاميين يتناقشان ،  أو لعاملين مهنيين يتحاوران! والأدب (شعرًا ونثرًا) لا يكاد يَسأل عنه أحد، فإذا اشترى أحدهم كتبًا - فغالبًا ما تكون للزينة. ولا أبالغ إذا قلت إن نسبة القراءة (ساعتين يوميًا) على الأقل، لا تجاوز الواحد في المائة إن لم تكن واحدًا في الألف !

وأما في المؤسسات التعليمية فاللغة العربية وتحصيلها من أقل المستويات، رغم أن لدينا طاقات وإبداعات متناثرة هنا وهناك. وقد بادرت مؤخرًا إلى فكرة أطمح أن تحقق، و ذلك أن تستضيف "كلية الشريعة"، مثلاً صفًا طلابه من أبنائنا المتميّزين في اللغة من جميع أنحاء البلاد، بحيث يدرسون أسبوعيًا بعد الظهر كل يوم جمعة، ويتلقون مواد أدبية ولغوية ذات مستوى رفيع وجاد. وهذا الصف يبدأ من الصف العاشر، بحيث لا تتعارض دراسته مع تعلّمه في مدرسته الثانوية التي يتعلم فيها. فإذا درس الطالب تخصص العربية في المرحلة الثانوية والتحق بالجامعات فإنه يكون مؤهلاً للتدريس في الثانويات ودور المعلمين، كما سيكون من هؤلاء الطلاب الباحثون والدارسون الذين ستوكل إليهم الأمور.

وهذا الاقتراح تأتّى بعد أن لمست النقص في عدد المعلمين والباحثين في المؤسسات الدراسية العليا.

العين: هل ترى بأن حياتنا الفكرية والأدبية تمر في أزمة؟

د. فاروق: الأزمة هي في الادعاء، فكم من ضعيف يقاوي ، وكم من قصير يطاول، ورحم الله امرءًا عرف حده فوقف عنده، لكن الكثيرين منا وفي كل ميدان يبنون لأنفسهم هالات وأمجادًا ويلحّون على الآخرين أن يعترفوا بهم وبقدراتهم. والويل لك إن اعترضت، فما عليك إلا أن تصمت حتى تحفظ ماء وجهك.

تكمن الأزمة في أدبنا المحلي في أن معظم كتابنا الجيدين أو المجيدين لا يأتون بجديد –هذه الفترة- ربما لأنهم لا يجدون من يقرأ أو يهتم، وربما لأن الظروف السائدة أضحت مادية فماذا يفيد القول؟ وخلا الميدان لأكثر من حميدان او حديدان!

العين: ما هو السبيل للخروج من هذه الأزمة؟

د. فاروق: أن نعود إلى فكرة اللقاءات والمنتديات الأدبية- كأن نؤسس اتحاد الكتاب على أسس جديدة وشروط قياسية، وأن نحترم الصحف معنى الأدب فلا تُخرج كلامًا غثًا وباردًا أو ما هو غثاء هراء، فلا تنشر إلا بعد أن تستوثق من ناقد خبير يعرف أفانين الأدب، ويوجه الى جماليات بناءة.

العين: هل ترى في "الاتحاد" الذي تقترحه ضرورة لإجراء حوار أو تعاون مع الشعب اليهودي مثلاً؟ أسأل ذلك بعد هذه الأحداث التي نعايشها والتي تدل على شقة ما بين الشعبين في البلاد.

د. فاروق: كنت قد أجريت سابقًا لقاءات كثيرة مع أدباء يهود في مدارس عربية ومدارس يهودية، وكنت أنا وبعض زملائي نشارك في لقاءات أدبية عبرية كثيرة، ولهذه فوائدها الجمّة، فكم من أديب عبري أفاد ولو قليلاً في التعرف على شعبنا وقضيته، وعلينا وعلى مطالبتنا بحقوقنا القومية واليومية. إن اللقاء بحد ذاته يوسع الآفاق، ويعرّفك على الإنسان الآخر، على همومه ومخاوفه، وعلى مطامحه بل على طريقة أدائه اللغوي والأدبي. وفي الدرجة الأولى هو يخدمنا نحن، علمًا بأنّ الأديب العبري الإيجابي إنما يقدم خدمة لمجتمعه أولاً قبل أن يقدم خدمة لنا.

العين: هل لديك علاقات مع الأدباء اليهود؟ كيف كان شعورك عند حضور زهاء أربعين أديبًا عبريًا ليعزوا بالشهداء في الناصرة وسخنين؟

د. فاروق: هي علاقات إنسانية من لقاء أو معايدة أو مساعدة هنا وهناك، وقد شعرت بالرضا بل خفف من غضبتي أن يحضر نتان زاخ وأ.ب يهوشع وعاموس كينان وحاييم غوري وغيرهم إلى سخنين والناصرة. هذا موقف إنساني أشجعه وأثني عليه. وقد اتصلت بنسيم كلدرون مثلاً لأشكره على مقالاته الرائعة التي تدل على وعي وشجاعة. نحن نبحث عن الكثير من هذا، لدى من نعايشهم، وأصدقك أنني لا أحس بأي بعد عن هذه الأصوات الإنسانية، بل بالعكس، فهي قريبة إلى قلبي ،  وهي تدافع عن قضيتي وتفهم مشاعري، ولا أظن أحدًا لا يقول لجدعون ليفي مثلاً "كل الاحترام" !

العين: هل ترى أنه يجب أن نبادر إلى الإكثار من مثل هذا الحوار والتعاون؟

د. فاروق : نعم، وقد اقترحت على الدكتور نسيم كلدورن أن ندعو عشرين أديبًا من كل شعب، وليس بالضرورة من اليسار فقط، بل أن يكون اللقاء مؤسسًا على الاستعداد للتفاهم والتعايش والتعاون المشترك. وبالطبع لن يكون واحد منهم مبرِّرًا قتل محمد الدرة أو إطلاق النار على المتظاهرين أو التمثيل بالجثث أيًا كان !

العين: كيف ينظر الدكتور فاروق، مثقفًا ومواطنًا، إلى أداء قيادات الجماهير العربية، وأي نصيحة تسديها؟

د. فاروق: لي علاقات احترام وإعزاز لكثير من قياداتنا بل معظمهم، ومع ذلك فإنني أتساءل: لماذا لا تكون هناك متابعة للجان أو القرارات التي تقرر، فمثلاً قررنا الإضراب. حسنًا! فهل شكلنا في كل بلدة لجانًا للمحافظة أو للضبط أو الانضباط؟ هل كانت لجنة المتابعة منعقدة أيام الأزمة وبشكل مستمر؟ أم نترك الحبل على الغارب لبعض الشباب غير المسؤولين؟ ! إنني أسأل وبصريح العبارة والسؤال: هل ينبغي حقًا نحن العرب في إسرائيل أن نستقل أو ننفصل عن إسرائيل؟ إذن فما المبرر لهذه المزايدات في حمل العلم الفلسطيني؟! أسأل ذلك وأنا قد كتبت أفضل قصائدي في تحية العلم الفلسطيني لأهلنا في انتفاضتهم.

حبذا لو تلتئم قياداتنا لتقرر القرار الواضح والصريح من غير ذبذبة موقف! ويجب ألا نخدع أحدًا ، بل ألا نخادع أنفسنا في مسألة العَلَم، وكيف يمكن أن يكون ذلك من غير استفزاز لسوانا؟! لقد عشنا خمسين سنة من دون أعلام فما جدّ؟! وهل كانت فلسطيننا ناقصة؟

العين: ما هي آخر أعمالك الأدبية والثقافية؟ ما هو موضوعها؟

د. فاروق: هذه الأيام أعكف على كتابة الأبحاث والدراسات، بعضها نشر في صحفنا المحلية، والبعض الآخر في مجلات أكاديمية في العالم العربي نحو "علامات في النقد" و"جذور". وستنشر هذه المقالات أو الأبحاث ضمن كتاب "هَدي النجمة" عن دائرة الثقافة العربية. أما الشعر فلم أقرضه منذ سنة ،  ولعل جنية الشعر هربت مني لتحصل إجازة قد تطول وقد تقصر.

العين: هل ترى أنّ الأديب يجب أن يشارك في الهم العام والنشاط السياسي الوطني لشعبنا؟

د. فاروق : كم بالحري ذلك، وإلا فإنّ الأدب تزجية لوقت الفراغ ،  أو هو تمتع بمجرد فنيّات مبّررة وغير مبررة، ذاتية أو فلسفية. أعترف أنّ ماضيّ الأدبي على الصعيد الأجتسياسي هو أفضل من حاضري، ذلك لأني اليوم أكتفي بالمحاضرة هنا وهناك أو محاورة المثقف العبري. وقد أكتب بعض الآراء السياسية مما أفكر فيه... وأحسب أنني قد بلّغت، بينما كنت أشارك سابقًا في كل مظاهرة أو على المنابر في قصائد خطابية في مواقف مختلفة. كنت أنشط، وهذه هي الحقيقة، أكثر من الآن.

العين: هل هناك من كلمة تحب أن توجهها لعنوان ما من وحي واقعنا السياسي؟

د. فاروق: أود أن أشد على أيدي الذين نافحوا عن قضايانا فأحسنوا الذود، وأخص بالذكر هنا النائبين محمد بركة وأحمد طيبي لقوة وسطوع حجتيهما في الإعلام العبري، وكذلك الصديق سالم جبران الذي يعرف كيف تؤكل الكتف وكيف تقال الكلمة. لقد كنتم أنتم ومن جرى مجراكم مفخرة لنا ومصدر اعتزاز فطيب الله الأنفاس!

من هنا فإني أطالب حكومة باراك أن تعترف بكامل المسؤولية عما جرى بدءًا من استفزاز شارون الموتور ودعمه بالشرطة....... وانتهاء بالهجمات البربرية على أبناء شعبنا. ولا بدّ من لجنة تحقيق نزيهة وموضوعية ،  وليس لجنة شكلية للاستيضاح. كما أنّ على هذه الحكومة أن تبادر إلى تصفية الأجواء، ولا يجري ذلك إلا بعد إطلاق سراح المعتقلين ،  وبعد التوقف عن حملة الاعتقالات ،  وبعد لجم دعاة العنصرية، فهل من صفحة جديدة ومنطلق جديد!؟

العين -24تشرين أول 2000

أجرى الحوار: لؤي مصالحة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حوار مع شخصية العدد: د. فاروق مواسي

 

استقبلنا الدكتور فاروق مواسي في منزله الجديد في باقة الغربية. حيث طالعتنا على واجهة المنزل الآية المنقوشة "وقل ربي زدني علمًا"، وكانت البشاشة المعهودة في فاروق ترحب بنا أجمل ترحيب.         وفي المكتبة العامرة المنظمة كانت لنا هذه الحواريات.

* نرجو أن نبدأ بمشاريعك، ماذا في الجعبة بعد كل هذه الحصيلة من نتاجك؟

      طموحاتي أكبر من طاقتي، وأحيانًا أتمنى لو أنني أكثر من فاروق لأكلفه بمهمة مّا في خاطري تحقيقها.... وإلى الإجابة: أولاً سأصدر مجموعة شعرية للصغار بعنوان"أشعار للصغار"، وكذلك سأصدر مترجمات شعرية عن العبرية، كما سأصدر المجلد الثاني من أعمالي الشعرية... وفي المستقبل القريب سأخرج مقالات/مذكرات هي نوع من السيرة الذاتية بلون جديد (وبالطبع فهذه السيرة ستكون الجزء الأول....) ولديّ مقالات أدبية قد أجمعها في كتاب.

* نلاحظ أن جمع المقالات أصبح سنّة متبعة، فهل ما ينشر دائمًا يجب أن تضمنه دفتا كتاب؟

     ليس بالضرورة، وأنا مع الذين يفحصون المادة عميقًا، فإذا ارتأوا ضرورة حفظها وتكرارها فلهم ذلك... الكتاب في نظري يحفظ، بينما المقالة في الصحيفة قد تضيع هدرًا.

* نحن نرى أنك تكتب ألوانًا أدبية مختلفة، وقد يحبسها البعض إيجابًا، وقد يحسبها البعض الآخر سلبًا فما هو رأيك أنت؟

     كل ورأيه، ولكني عندما اكتب أكتب لضرورة أمليت عليّ، فقد تنبجس المادة شعرًا أو نثرًا... إنه همّ تترجمه أحاسيسي بما ترتئي، والأمر ليس بيدي. أما إذا أصر " البعض الآخر" على السلب فإنني أقول: ألا يعرفون اليوم مصطلح " الكتابة الجديدة"، وأن الأهم هو "النص"، ولا يهمنا لونه أو نوعه. يهمنا كيف نقول، ولا يهمنا ما هو الإطار؟

* اسمح لنا أن نعبر عن رأي مشترك لنا، هو أننا نرى فيك ناقدًا بادئ ذي بدء، فما قولك؟

       اعترف أنني بطبيعتي أو بجبلّتي الأولى خلقت ناقدًا، ونقدي وملاحظاتي الاجتماعية والأدبية والفكرية تسبب لي أحيانًا حرجًا قد أكون في غنى عنه لو أمكنني ذلك، وذلك بسبب جرأة الطرح، ولا أخاف في الحق لومة لائم. ثم إن القصيدة أصلاً هي معاناة وانعكاس لوضع أو حالة فيها نقد ما، فيها توجّه ورؤية، فيها المنشود الذي حال دونه الموجود.

* وما وظيفة النقد في مقياسك؟

النقد أصلاً ولغة هو تبيان المحاسن قبل المساوئ، وهو استصفاء وذوق واتخاذ موقف، فيه-شئنا أم أبينا- تقويم، وفيه توجيه غير مباشر، وفيه تفسير.

ويردد الكثيرون عن ضرورة المنهج أو تعميق رؤية الحياة بإطار ما، وفي رأيي أن هذا ضرب من الإحالة، فالنقد جزء لا يتجزأ مكن مبنى الشخصية الناقدة، وعلى ذلك فأي منا هو مُكَوَّن نهائي غير جدلي؟!

بصراحة لا أرى ضرورة التقيد بأي منهج لا نفسي ولا اجتماعي، لا بنيوي ولا تأويلي... كل نص يقدّم نفسه كالمرأة/الرجل له اللغة المنساقة معه/معها؛ ويحددها الطرف الآخر. وأنا لا أطلب شهادة التغريب واستخدام المصطلحات غير الناجعة في السياق غير الصحيح. أطلب شهادة نفسي أولاً ... وأخيراً - ومع ذلك - لا بد لي من الاعتزاز ببعض الشهادات من أدباء ذوي مكانة مرموقة رأوا بي الناقد بلام التعريف، ونحن- جميعا- في غنى عن الادعاء ، فاعذراني إذا لم اذكرهم!

* ولكنك تكتب الأبحاث كذلك؟ فهل هي نقد؟ وكيف ترى نفسك باحثًا ؟

البحث معطىً أولي في الدراسة الأكاديمية، الباحث محايد لا يحلل ولا يعلل إلا بموضوعية، ولا يقحم رأيه أو عواطفه من غير أن يكون لها دليل وشفيع في ثنايا البحث.

البحث عمل ووظيفة ... وقد سقت مثلاً للتفريق بين البحث والنقد:

الوردة تهم الباحث على أن لها أجزاء من كأس وتُويج ومتكّ... أو تهمه على أنها تعطي مواد كيماوية معينة، أو قد تعينه لدراسة التمايز الفصيلي، لكن النقد هو الذي يوجه إلى بيان جمالها ورائحتها ولونها وحبًنا لها وعلاقتها مع عناصر الطبيعة المختلفة .

أما كيف أرى نفسي باحثًا فأصدقكما أن البحث لديّ فيه رسالة، أريد توصيل شيء ما من ورائه، ولا اقتحم الموضوع إلا بعد دراسة كل ما كتب عنه... أدخل إلى " كهف" الموضوع وأستقصيه، ولا أبتّ في جزئية دون أن تكون موظفة في بيان ما أريد التدليل عليه...

لا أخرج المعاني أو الأقوال من كُمّي، فكل قول موثّق، والتساوق مسترسل، ولن تجدني أسطو على أفكار أحد لأنتزعها منه مدعيًا لها...

أما ما ينقصني – وقد لا يكون الذنب ذنبي – أن ليس لي مواد منشورة بالإنجليزية في مجلات علمية مختصة، وبالطبع فهذا الأمر يبقيني إلى حد بعيد مغمورًا على المستوى العام.

 

* لماذا أنصفت بعض الأدباء المحليين وغمطت بعضهم الآخر؟

يخطئ من يتصور أنني سأكتب عن كل أدبائنا، فالكتابة تتأتى لظروف موضوعية، فقد تهمني ناحية ما في هذه القصيدة أو تلك، أحب أن يشاركني القارئ فيها. قلت في مقدمة كتابي قصيدة وشاعر:

" أكتب ما يحوم في الوارد، وأعايشه في الخاطر ، أنساق مع المحفز، فأكون سادنًا في محراب الكلمة، آنس بها وأنا أغازلها – مدركًا أن هناك حسانًا أُخر - )

فالنص يحاورني وأحاوره، يستعصي عليّ أحيانًا فأراوغه، حتى أستشف منه خواطر وخلجات نابضة.

* ولماذا هوى نجم بعض من أشدت بهم؟

لا أعرف ما هو المقياس في ذلك؟ يلاحظ القارئ الحصيف أنني لا أكيل المديح جزافًَا، إنني امتدح الظاهرة لا الشخص الشاعر، وبالمقابل لا أقدح أحدًا (طب لزق)، ثم من قال أن قولي هو الفصل؟! إنما هو اجتهاد قد أصيب فيه ...وقد أخطئ.

* وأنت هل أنصفك النقد المحلي؟

أحس أنني غمطت و(تجوهلت) إذا صح التعبير، ولكني على يقين أن نهاية المطاف لن تكون إلا لمن ترسخ قدمه وترتفع هامته، وبصراحة – ثانية – كتب عني الكثير، ولكن أكثره دون ما يشفي غليلي... ثم ألا توافقان أن نقدنا المحلي عامة مصاب بـ( الأنيميا ) - ، والمسالة ليست مقصورة على الكتابة عن شعري فقط.

- والشعر؟ كيف تعرًفه ؟ وكيف تراه؟

في قصيدتي " فراشة "  تظل  لفظة " حب " هي خلاصة شعري ، فالقصيدة تلك الفراشة الزرقاء التي لا تترك إلا الحب الشمولي ، أنصهر مع التجربة، وأبوح بما تفيضيه النفس الجياشة بما يعتلج فيها... الصدق هو العمود الفقري الذي تبنى عليه قصيدتي، تتكئ القصيدة لديّ على الإيقاع والترنم، وتتغذى بإيماضة فكرة، وتنام على سرير الانفعال، وتنهض على التواصل. المزارع يفرح إذ تزهو النبتة في طلعتها. العاشق يفرح إذ يتلهف للثغر، الأم تفرح إذ... لكن كل الغبطة هذي أدنى في مقياس الفرحة، من فرحة الشاعر في نشر قصيدته، وفرحة الوردة في نشر أريجها.

أما عن الشعر المُعَمّى من (أفيوني) أو (دخاني) أو (تكلفي) فقد خاطبت أصحابه بتساؤل:

لو يأتينا من يخطب في محفل

يلقي كلمات مفقوءه

من يستعملها؟

بل من ينصت كي يسمع؟!

لو يأتي من يحفظ شعرًا مخصيًّا

أو معميًّا

يلقيه على مسمع معشوقه

هل تنصت شفتاها؟

هل ينبض نهداها؟

هل تطلق آها؟

أم تتحرك رجلاها للمشي بعيدا

ويداها لوداع؟؟؟

* نلاحظ أنك كثير الحفظ من الشعر القديم، فهل لحفظك تأثير ما على قصيدتك؟

       بالطبع، فثمة تناصّ كثير هنا وهناك، وقد يعتبر البعض ذلك إيجابًا كبيرًا أو بالعكس... وأرى أن في الاعتدال صحة، والأنساق اللغوية والبُنى المأثورة يجب أن تكون ذات فعالية، والأصالة ضرورة إذا انتقينا منها ما هو الأنقى، ولا ينقطع الخيط.

* القصة القصيرة... هل تعتبر نفسك ذا خصوصية فيها بعد أن أصدرت مجموعة (أمام المرآة)، وأعدت نشرها مضافة إليها قصص أخرى؟

القصص جميعها فيها تكثيف، وفيها لغة السرد الذاتي(الأوتوبيوغرافي)، تجمع القصة لديّ زخمًا أو طاقة فنيّة، هي أشبه بالقصيدة... فما عجزت عنه شعرًا في رثاء غسان كنفاني – مثلاً – عبّرت عنه قصتي (أمام المرآة).

ويعرف قراء الواقعية معنى قصة (أنفة) ويحضرني قول القاص سهيل كيوان عن هذه القصة (أرغمتني دائمًا على تخيل حركة حمدي السكاك).

وبالمناسبة فمن أجمل ما نُقدت به قصتي كانت دراستك يا محمد علي سعيد بعنوان (أبعاد المضامين في مجموعة فاروق مواسي القصصية) ولا أغالي إذا قلت إنها من أرقى ما كتب في نقد القصة في بلادنا، أقول ذلك لا تحيّزًا والله!

* والمقالات الاجتأدبية؟ ماذا تعني بها؟ وما ضرورتها؟

الاجتأدبية نحت من لفظين (الاجتماعية) و (الأدبية)، فالمقالات جميعها تهدف إلى إصلاح المجتمع، وفيها نقد مرير لواقع مؤلم، وأرمي من وراء المقالات إلى التغيير، فما جدوى كتاباتنا إذا بقينا جوار السياج نتغنّى؟ لماذا لا نعبّر عن مواقف يومية في الحقل بلغة راقية وبفكر نيّر؟

فالوطنية الحقة تتبدى في المعاملة، وازدواجية السلوك خطر محدق، وقتل الأفكار قمع لوجودنا، والحديث عن أصحاب المهن ومماطلاتهم، وعن الأغنية الجماعية، وحفظ التراث، والحفاظ على الوقت و – و.... كل هذه مسائل نعاني من تصرفات خاطئة فيها... فلا أقل من كلمة وموقف.

لقد قلت غيضًا من فيض، ويعلم الله أنني لن أماري أحدًا، فالحق أحق.

* ودراساتك اللغوية.. هل أنت ماض فيها؟

تعلمان أنني عضو في لجنة المناهج، وقد أصدرنا – بالتعاون مع د. فهد أبو خضرة والأستاذ إلياس عطا الله – خمسة كتب في النحو لطلاب المرحلة الثانوية... بل إن المنهاج – وخطته – كان بمبادرتنا أصلاً… ولديّ مجموعة مقالات كنت قد نشرتها في مجلة (صدى التربية) في أوائل السبعينيات، وهي بعنوان (من أحشاء اللغة)، وتقع في ست عشرة حلقة، ولدي كذلك زهاء ثلاثين حلقة إذاعية ضمن برنامج ( وقفة مع اللغة)، وهي على نمط (قل ولا تقل)… وسبب عدم نشري لها حتى اليوم يعود إلى ضرورة التحقيق والتدقيق أكثر، فالكتابة مسؤولية وأمانة، وما تيسر لي قبل ربع قرن لن يمر في مصفاتي اليوم بسهولة… ونقدي الذاتي عليّ شديد.

* يلاحظ أنك لم تكتب الرواية … وقد قيل إن عصرنا عصر الرواية فما رأيك؟

كتبت رواية يتيمة لم انشرها، وهي بعنوان( الحب البعيد)، وقد قطعت عهدًا على نفسي يوم أن كتبتها سنة 1990 أن أبعد الشقّة بيني وبينها لا أقل من عشر سنين، حتى أنسى خيوطها وخطوطها، فأعود إليها لأقرأها قراءة محايدة... إذًا أنا في الانتظار – قبل القراء – لأحكم عليها بمنظاري الجديد.

أما إن عصرنا (عصر الرواية) فلا أوافق على ذلك، لأنني أرى أن عصر (الإنترنت) هو الطاغي؛ والكلمة الأدبية/الصورة الجميلة هي الأصل، ولا يهم – مرة أخرى – أي أطار وضعت فيه.

* نحب أن نسألك عن (الورشة الأدبية) ما هي؟ ولماذا توقفت؟

هذه الورشة فكرة بدأتها في السبعينيات، وقد واتتني بعد أن كلفني أ.ب . يهوشع في جامعة حيفا أن أرعى أقلامًا عربية ناشئة، وذلك ضمن دورة ترعاها  الجامعة... ولم تخرج الفكرة هناك إلى حيز التنفيذ، فأخرجتها في باقة الغربية، ودعوت الأدباء الشبان للمشاركة فيها، فيقرأ الأديب بعض نتاجه، ويستمع إلى ملاحظات زملائه، وإلى إرشاد أديب ضيف من أدبائنا المعروفين، وفي تداول الآراء والنصوص يكون إثراء. وكانت الورشة تتجدد بين الفينة والأخرى، ويشارك فيها بعض الأدباء الذين ظهرت أسماؤهم فيما بعد، وأزعم لنفسي أنها فكرة رائدة أولى.

أما لماذا توقفت ؟ فلأن بعض الأدباء أخذوا يتطاولون  أو يتجاهلون أو يدّعون، فكأني أردت باطلاً من حيث أردت الحق... وشيء مهم آخر هو أن عنصر التضحية لديّ أخذت تقارعه الهموم اليومية والانشغال بالذات. ومن يدري فقد تعود الورشة بلباس آخر وبهمة أكبر.

* ولكن، يُعرف عنك أنك قاس مع الكتابات الجديدة فكيف توفق بين الرعاية والقسوة؟

الإجابة في شعر أبي تمام:

                     فَقَسا ليزدجروا ومن يكُ حازمًا

                                                فليقسُ أحيانًا على من يرحم

إذن فالرحمة قائمة، وقول الشاعر (أحيانًا) يبيح لنا أن تتصور ضرورة رعاية الأقلام الجديدة، ولكن بعد اقتناعها بضرورة الجدية والمثابرة والأصالة والانضباط اللغوي أولاً قبل الانفلات منه... أما أن يبدأ الأديب قفزًا فذلك مؤداه إلى التهلكة والتعثر.

* هل تحمّل الصحافة مسؤولية الخلط بين الغث والسمين في الكتابات الجديدة؟

نعم، فكم من صحيفة فيها محرر أدبي بحاجة هو أولاً إلى مساعدة... حبذا أن يكون في كل صحيفة مشرف أدبي على المواد المنشورة – تكون لديه القدرة النافذة على توجيه الأقلام ورعايتها، وتكون لديه المسؤولية الجسيمة، ويكون هو أصلاً لها، ولكن...

* نلاحظ أنك تعزف هذه الأيام عن الكتابات للصحف؟

الملاحظة صحيحة، فقلما أرسل مواد للنشر، ذلك لأنني أحس بعدم تقدير المادة حق التقدير، فهي أما أن تنشر بحرف غير ملائم، أو في ذيول المادة الأدبية، أو انك ترى في الصفحة الأولى إبرازًا لسواك، وكأنك أنت لا في العير ولا في النفير.

لقد آثرت أن انشر مباشرة في كتب/دراسات مستقلة، فمن يهتم بكتاباتي يطلبها، وأنا سأرسلها بالمجان... اللهم لمن يقرأ فقط، لمن يقرأ ، لا لمن يكدسها بين كتبه وينساها... أرجو ألا تصل بي الحال إلى ما وصلت إليه لدى الجرجاني حيث قال: أأشقى به غرسًا وأجنيه ذلة؟!

* أليس للإطارات الأدبية علاقة بالتوزيع... أو هكذا هو المفروض ؟

هذه الأطر كثيرة كأسماء القط، وما أحرانا أن تكون في إطار أدبي مستقيم وديموقراطي حقيقي ينتظم في سلكه الأدباء الأدباء.

كنت مؤسسًا لرابطة الكتاب العرب ضمن اتحاد روابط الكتاب في البلاد، بل كنت رئيسًا حتى قبل سنة، ولم تُغْنِ هذه الرابطة عن الحق أو الأدب شيئًا، لأن الميزانيات كانت معدومة أصلاً... وكنت مؤسسًا في اتحاد الكتاب العرب ومن ثم الاتحاد العام ،  بل كنت نائب رئيس، وقمنا ببعض النشاطات ولكنها توقفت.

باختصار أخذت أقتنع مؤخرًا ( أن تؤلف مع نفسك الإطار الذي ترتئيه، وكفى الله الأدباء شر الخصام).

* يلاحظ المتابع لنشاطاتك الإبداعية انك كنت دائمًا محفزًا أو محورًا لنقاشات حادة بين الأدباء ؛ فهل توافقنا على ذلك؟

إلى حد ما هذا صحيح، وقد تكون هذه علامة تضاف لي ولا تخصم مني، فالحوارات الحادة حول رابطة الكتاب العرب في الثمانينيات، ثم حول (الإتحاد) و "رابطة الكتاب الفلسطينيين" ثم حول ما نشره أحمد منير – كل ذلك كان بعد أن ألقيت حجرًا في كل مرة في بئر راكد، والتشبيه الأصح بع أن فجرت ركودًا.

* في هذا العدد الخاص بتكريمك تعترف رسميًا ولأول مرة أنك أحمد منير، فمن أين جئت بهذا الاسم؟ ماذا كان قصدك من كتاباتك؟ ولماذا توقفت؟

أحمد منير هو اسمي الأول في شهادة ميلادي الرسمية التي صدرت في طولكرم، ولذا فعندما أقسمت أن هذا هو اسمي الحقيقي عمّقت التنكر فعلاً... وظل القراء يتساءلون كل يوم جمعة من هذا؟

كنت أراقب التلهف والمتابعة والاستفسارات الكثيرة لصحيفة الاتحاد، وللجنة المركزية، ولتوفيق طوبي، وتوفيق زياد، ولجلسات تحليل كتابة أحمد منير... وأعترف أن زاوية(مداعبة/معاتبة)، وهي تنتهي دائمًا بجملة (وتحية حب رغم كل ذلك) كانت تثير مناقشات أكثر مما كنت أثير في كتاباتي باسمي الصريح.

لقد أردت أن أكاشف أدباءنا بصراحة من غير حساسيات العلاقات القائمة بيننا، ويعلم الله أن الغرض شريف محض... ولكن سيل الهجوم الكاسح على  أحمد منير، والسخرية المرة المتجنّية... وما أثاره مقالي المتسرع ( جرد حساب الأدباء)  - كل هذا كان يدل على ضيق الأفق في مساحتنا الأدبية...

وقد تعلمت أن أغلبية أدبائنا الساحقة تعتبر أنفسها في مستوى أدبي لا يصح أبدًا أن  تطاله مداعبة أو معاتبة... فهذا يريد من أحمد منير بحثًا وذاك يريد منهجًا... بيد أن فكرة الزاوية كانت على أساس نقد ذوقي مبني على أسس علمية وأكاديمية، وبالمناسبة مثل هذا النقد سميته في مقدمة كتابي (عرض ونقد في الشعر المحلي) – (المنهج الوسطي)، ووصفته بأنه يأخذ من (الأكاديمي) الدقة في الاستشهاد والحذر في الأحكام، ويأخذ من (الذوقي) ذاتية جمالية استشفّها من خلال التجربة ....ولست ازعم أنني أشق طريقًا في المناهج النقدية، لكني أسلك دربًا يبعدني عن جفاف الأول وانزلاق الآخر.

أما لماذا توقف؟ فالصحيفة أبت أن أواصل باسم مستعار... وهذا حقها.

ولا بد من الإشارة إلى أن هناك مقالات أخرى نُشرت في الصنارة  وقعها أصحابها (بقلم: أحمد منير) وهي ليست لي، وهذا يدل على إن هذا الاسم الأدبي حفر في الوجدان لونًا يتسم بالجرأة والمسؤولية.

* دراستك الأخيرة (القدس في الشعر الفلسطيني الحديث) ماذا قدمت فيها؟

تطرقت أولاً إلى ندرة (القدس المكان)، وأن القصيدة الحديثة هي التي توقفت على الجزيئات والتفريعات ضمن وحدة الموضوعة أو رؤية الموقف... تحدثت عن القدس باعتبارها موتيفًا (Motif)  لقدسيتها،فكانت قصائد تشي بالتفاؤل والبحث عن الخلاص، وبعضها كان ذا طابع اتهامي حاد ونبوءة صارخة بالخطر المحدق... وكانت رموز القدس الإسلامية والمسيحية تتجلى من خلال التعبير القومي العربي... وتحدثت عن استلهام التاريخ الكنعاني للتأكيد على حق الفلسطيني في مدينته...

ومن العجيب أن عشرات الشعراء سألوني: لماذا لا تستشهد بشعري في تضاعيف الدراسة؟ ونسي هؤلاء أن الدراسة انتقاء – تأخذ ما يسعفها في طرحها، ولا يمكن أن أتناول كل من كتب عن القدس بضعة أبيات هنا وهناك، أو لأنه ذكرها ،  فالموضوع هو الذي يحتم الضرورة، ثم ليس كل من كتب (القدس) أهلاً لأن نأخذه مأخذ الجدية في التناول الشعري.

* كتبت أنت أربع قصائد ولم تتناولها في دراستك فهل هذا تواضع أم تنازل؟

على الباحث المسؤول أن يدرس الموضوع بمنتهى الحيادية، ولا أظن أنني سأكون حياديًا مع نفسي، فقد آثرت أن أترك ذلك لباحث غيري ليقول كلمته. وما دمتما قد سألتماني عن قصيدتي فأحب أن أختم هذا اللقاء – إذا أذنتما – بالإشارة إلى قصيدة (القدس – قصيدة أخرى – قرأتها في افتتاح معرض الكتاب العربي في القدس بإشراف الأخ صالح عباسي ومكتبة (كل شيء) قبل فترة وجيزة، وقد قرأت هذه القصيدة بحضور رئيس البلدية إيهود أولمرت، وقدم لي يومها وبرغم ذلك - هدية تذكارية رمزية.

 

 الشرق  العدد الرابع تشرين الأول 1996       

   أجرى الحوار:

 محمد علي سعيد ومحمود مرعي

 

 

 

 

لقاء مع الشاعر الناقد فاروق مواسي..

الأخطاء الإملائية واللغوية أهم عيوب الشعراء...

 

الدكتور فاروق مواسي من باقة الغربية أحد الوجوه الأدبية البارزة لدى عرب 1948، وقد أصدر أحدى عشرة مجموعة شعرية وعشرة كتب نقدية ومجموعتين قصصيتين وكتابين إجتأدبيين، بالإضافة إلى مجموعة من كتب النحو العربي معدة لتدريس الطلاب حسب المنهج الجديد الذي خطط له هو بالتعاون مع آخرين.

ومواسي في أواسط العقد السادس من عمره، يواكب النشاطات والإبداعات الثقافية في العالم العربي، وهو من الداعين إلى التواصل المستمر مع الأخوة في الأرض العربية حتى لا يظل الطائر بعيدًا عن سربه، وهو يأمل أن تجد كتبه وكتب زملائه لدى الناشرين من يرعاها ويعرّف بها في الوطن العربي، لا أن يظل الأمر مقصورًا على بعض الأسماء التي برزت في ظروفها  الموائمة. وكان الشاعر المصري عبد الله السمطي قد أجرى معه هذا الحوار

* هل لك أن تحدثنا عن بداياتك الأدبية!

يتشرب الأديب عناصر الأدب منذ يفاعته، وقد تسنى لي أن أطلع على الكتب الأدبية بفضل والدي الذي كان يحضر معه من يافا في أوائل الخمسينيات بعضًا من ذخائر الأهل، وأشهد على نفسي أنني بدأت مطلعًا من الطراز الأول، فقد قرأت، بل حفظت كتاب تاريخ الأدب العربي للزيات في الإعدادية، وختمت القران لا أقل من اثنتي عشرة مرة، وقرأت (المنجد) مادة مادة وقس على ذلك.

أما أول قصيدة نشرتها فقد كانت في صحيفة (المرصاد) سنة 1968 ومطلعها:

جَنّ النهارُ فلا نَسمٌ ولا زهر

                                              قسا المساء فلا حب ولا سمر

أحسُّ بالوحشة الخرساء تلسعني

                                             ففي حشاي سياط النار تستعر

أما مقالاتي الأدبية ونقداتي الاجتماعية فقد بدأت بالظهور قبل ذلك بكثير.

س: كيف ترى واقع القصيدة العربية في ضوء تجربتك الشعرية؟

ثم (كم) هائل من الركام الشعري، يوازيه عدد هائل من الادعاء بالأولية للإبداعية ونسبتها للذات من جهة، واستنكاف أو – على الأقل- إنكار لتجارب الآخر.

ألاحظ هشًا كثيرًا وهشيمًا تذروه أقل هبة ريح، ولكني ألاحظ كذلك قصائد أخرى تثير دهشتي وقراءتي لها أكثر من مرة، وليس بالضرورة أن يكون صاحبها ذا شهادة أدبية تجيز له أن يقول ما يقول في عصر التخدير والإيمان بالمسلمات.

أطوف في القصائد وحولها، تصاحبني أشكالها وإيقاعها وروعتها وهذيانها، ارتعاشها أو مواتها، ولا إنكار أن هناك ما يروع (وللتذكير فللكلمة معنيان).

* يتجه الشعراء الجدد الآن إلى كتابة "قصيدة النثر" فهل جماليتها كافية لصنع شعرية جديدة؟ وما رأيك في الشعراء الجدد؟

كنت أقول للمبدعين الشباب في " الورشة الأدبية" التي أسستها لهم على مدار عشر سنوات: اقرءوا ولا مندوحة من  تكرارها كما فعل شكسبير . أما العيوب التي تصم شعراءنا الجدد والمتعجلين منهم خاصة:

1) الأخطاء الإملائية واللغوية... ويفتضح الأمر أكثر إذا دُعوا إلى منصة، فهنا تكون الطامة الكبرى، ونخجل جميعًا على حساب الشعر، فالنحو في إجازة لا يدري أحد متى تنتهي لديهم.

2) الإغراق في التعمية والإبهام، وكنت قد دعوت بعض هذا الشعر "الشعر الأفيوني" وقصدت هنا ظاهرة أعتبرها زيفًا وتضليلاً قدر ما هي افتراء على الشعر والحقيقة بل الذات... .

ومن هذا الشعر أيضًا " الشعر الدخاني" ولعل هذه التسمية بفضل المثل ( خير ما في منه خير، ودخانه بيعمي العينين)، فهذا الشعر مؤذ على الأقل لي- ولا أستطيع إزاءه إلا أن أهرب لأنجو بذائقتي ولغتي  ، كما أنجو من السعال والدموع، "ومثلي أمثال". فبالله، كيف تريدني أن أصدق شاعرًا يجعل شعره ألغازًا وأحاجي ، وهو لا يفكها (ولا يكفها كما يقوم المعلم دريدا)،  وإذا استغبيت نفسك وتابعت أقواله فإنك لا محالة واقع في وهدة سحيقة، وهات يا خيال ويا شرود!

كيف يستطيع شاعر شاب أن يدخل إلى محراب الشعر من غير تعرف حقيقي إلى قومه تاريخًا وقصصًا، والتعرف إلى لغته وتراثه، والتعرف إلى أدوات الشعر وأدائه؟ ثم ما معنى أن نبدأ السلّم قفزًا؟ ولو أجزنا لهم- متجاوزين سلّم الحطيئة – بسبب إحداثيات الحداثة وما بعدها فإننا نسال:

يا ذلك! ما هي اللغة الأجنبية التي أهّلتك للتدبر؟ لماذا لا تقرأ يا أخي ما يكتبه غيرك من رواد تيارك؟ وما معنى الغمغمة وأنت تقدم القصيدة وأجواءها؟ إني أرجو في جمالية القصيدة أن يركب / يقود الدفة من يحسن القيادة، وإلا عانينا من المطبات والخبطات. أما الذين يريدون أن يرافقوا هذا الرّبان فنتمنى لهم رحلة ميمونة...

وهذا لا ينفي أن أؤكد أن هناك قصائد نثرية تفرض نفسها بسبب توهجها وطرافة معناها، وقد تكون بسبب موسيقا كلماتها.

* هل لي أن أسالك هل كتبت أنت قصائد من هذا اللون؟

قليلة جدًا جدًا، ولكل قصيدة حكاية، يؤلف بينها أن الوزن قيد وعبء بلا معنى، وسأسوق مثلاً قصيدتي "سيرة رجل" وكلماتها:

متخم ذلك السمين بالرمال

منكر سلّم الأبجدية

صاعد على خيط وخيط

سارق شارة الرجال

وينام الأدبية

فهل أتخم القصيدة بالإيقاع وأنا أرى أمثال هذا ممن يتشبثون بكل واهٍ  ، وهم غافلون عن الجوهر؟

ولي قصيدة أخرى "على نجوة من مضيق جبل طارق" فما هو الوزن الذي اختاره وأنا أرى وأقف في نفس المكان الذي خرجنا منه من الأندلس، فهل اللعنة يجب أن تكون موزونة؟ ؟!!

* ما هي رسالتك الحضارية في ما تكتب؟

أن أكون سادنًا في محراب هذه اللغة، وأمينا على قيادة – إذا أتيحت لي- نحو الحق والخير والجمال والحب.. أكتب حتى يكون للحياة(أو لحياتي) معنى، حتى تطيب الكلمة ويرقى الفكر.

- ما هي اتجاهات الأدب الفلسطيني في الداخل كما يتجلى لدى الأدباء البارزين؟

سأضع إجابتي في نقاط:

1- حمل أدبنا القضية وعاناها، ولم يتوان عن التعبير عنها وتبّينها ورفدها في كل ميدان وعلى كل حلبة، لذا نشط الشعر الخطابي... وهذه ليست سلبية يا سادة يا كرام!!! الشعر هنا أداة توصيل وتلاحم وبناء نفسي وشعوري.. الشعر يدعو للتغيير ومن لا يصدق فليقرأ بموضوعية توفيق زياد.

2- راوح بين الألم والأمل فعكس واقع المجتمع، ولعل قولي يعبّر عن ذلك:

الأمل المخضّر على صفحة قلبي

يسألني يومًا يومًا عن دربي

يسألني:

هل أملك أن أحفظ عرضي؟

أن أعشق أرضي

هل تثمر كي يطلع حبي

والأمل المخضر يجيب نعم

والبسمة تزهر في عين الأطفال

ونغطي كل ألم

والهمة تشرق في عزم رجال...... ليظل علم

3- لغة الشعور الفلسطيني أعطت صِدقية وبراءة للشعر العربي الحديث،. فأخذت الأذن العربية التقليدية تتقبل نمطًا مستجدًا لم تعتمد عليه.. ونلاحظ هذا التعصب للقديم لدى الجمهور، فإذا ما استمتع إلى قصيدة وطنية اشتعل حماسًا وشاعرية.

4- تبّنى الموقف الذي اتسم به الأدب الفلسطيني في دوره الريادي والطليعي، وها نحن نشهد أن الرؤية المحتملة لواقع الأحداث أخذت تتجلى في أكثر من محفل وملتقى.. وهذا الكلام بحاجة إلى تفسير أكثر!

 

أجرى الحوار الشاعر المصري عبد الله  السمطي : الفينيق ( عمّان )  30 / 9 / 1996 .

 

 

 

      مع الناقد فاروق مواسي

 

1- مسيرتك الأدبية :

    ولدت في قرية باقة الغربية – وفيها أعيش . وعندما دخلت القوات الإسرائيلية قريتي كان عمري يناهز السابعة . تركنا معلمونا الذين توافدوا من نابلس ومنطقتها ، وبقينا أضيع من الأيتام ...، ليس بيننا وبين اللغة العربية إلا الإذاعات ، وإلا كتب متناثرة تمزقت لكثرة ما استعيرت .

ومن حسن حظي أن لي والدًا كان قارئًا ، فكان في سفره إلى يافا يقتني لي الكتب فأقرأها أكثر من مرة ، فتخيلوا كيف سينشأ شاب وهو يطالع كتاب " العمدة " لابن رشيق ، وعليه اسم صاحبه " موسى عبد المجيد سمور – دير ياسين " ، ويكتشف الشاب فيما بعد أن دير ياسين هي -  هي هذه القرية التي أطاحت بها مجزرة ، ولكن أين موسى ؟

 وتعرفت على مجلة " الآداب "  البيروتية في مكتبات المعاهد والجامعات ، فراق لي خطها القومي ، كما راقت لي تجربة الشعر الجديد ، وتابعت فيها باب " قرأت العدد الماضي " ، فتكونت لدي حاسة نقدية ، فكنت بعد قراءة كل كتاب ألخصه ، وأبدي رأيي به ، ولا أنشره ، ثم أخذت بنشر زاوية " قصيدة وشاعر" في جريدة الأنباء التي صدرت في القدس بعد احتلالها ، ولا زلت أذكر تعليق أحد الأساتذة الجامعيين:" أنت تكسب لقاء كل مقالة كذا مبلغًا لكنك تخسر مقابلها كذا صديقًا ".

   وسبب دعواه أنني كنت متأثرًا  ب " قفشات " مارون عبود وبالمعارك الأدبية حول النقاد فكنت لاذعًا ، وكانت بعض مقالاتي تثير زوابع وردودًا قاسية .

    وفي دراساتي الجامعية التقيت أساتذة من يهود العراق كتبوا الشعر في لغة أمهاتهم –العربية - ، وكانوا من اليسار في بدء أمرهم . فكتبت رسالة الماجستير عن " لغة الشعر عند بدر شاكر السياب وصلتها بلغة المصادر العربية القديمة " – بإشراف البروفيسور س.سوميخ  . أما أطروحة الدكتوراه قد كانت عن " شعر مدرسة الديوان وتأثير الرومانتيكية الإنجليزية فيه " وقد أشرف عليها البروفيسور م . بيلد ، وهذه الأطروحة ما زالت مكتوبة باللغة العبرية ولم تترجم ، وستصدر قريبًا بالعربية بترجمتي .

وبالطبع فإن هذه الدراسة الأكاديمية جعلتني أطالع مئات المصادر إن لم أشأ المغالاة .

 وأعترف أن قراءاتي النقدية ، وهي كثيرة غزيرة ، جعلتني أنصب نفسي حكمًا ، فعندما أقرأ مادة ما أعلق عليها في الحواشي والجوانب ، فكأن تعليقاتي هذه تؤلف مقالاً للقارئ بعدي . لقد تفاعلت النظريات والرؤى النقدية في كتاباتي حتى توصلت إلى ما سميته " المنهج الوسطي "  ، ففي افتتاح كتابي " عرض ونقد الشعر المحلي " وهو أول كتاب نقدي صدر عندنا ( سنة 1976 ) قلت :

" ولا بد لي من الإشارة أن منهجي النقدي يأخذ من الأكاديمي الدقة في الاستشهاد  والحذر في الأحكام ، ويأخذ من الذوقي ذاتية جمالية أستشفها من خلال التجربة ، ولست أزعم أنني أشق طريقًا في المناهج النقدية ، لكنني أسلك دربًا يبعد عن جفاف الأول وانزلاق الثاني " .

    من الجدير ذكره كذلك أنني نظرت إلى الأدب بأنه أداة فعالة في خدمة الجمهور ، فوقفت وأقف أسوة بزملائي الشعراء في بلادنا ألقي قصائد . والجمهور غالبًا ما يوجه أسئلة ويثير قضايا أدبية وفكرية ، وفي هذا امتحان ومواجهة نقدية ليست يسيرة .  وجدير بالذكر كذلك ، أنني أقمت في قريتي " ورشة أدبية " كانت على مدار ثلاث سنوات خلية نحل يشتار طلابها من الأدباء والشبان من مختلف الأنحاء في بلادنا ما يستصفون من جنى . فكانت الورشة تستضيف كل مرة أديبًا من أدبائنا المعروفين يصغي لقراءات المتأديين ونقاشاتهم ، ثم ما يلبث أن يقدم هم هذا الجنى ، فيفيد منهم من شاء أن يفيد ،  حيث تعرّف أدباء الورشة مفاهيم التأويليه والبنيوية والتفكيكية ، وكانت أسماء تودوروف ولوسيان غولدمان وباختين تطرح أمامهم  ، كما كانت الواقعية الاشتراكية اتجاها بارزًا دعونا له في بلادنا بحكم ظروفنا التي لا تحتاج إلى وصف ، فالأهم أن تبقى نغمة التفاؤل مشعة بين ثنايا السوداوية والمأسوية .

    رغم أنني أصدرت عشرة دواوين شعرية ومجموعة قصصية واحدة فإن بداياتي الكتابية كانت نقدية . أما من حيث إصدار كتب النقد فقد تداخل وتزامن مع إصدار الشعر . فصدر لي " عرض ونقد في الشعر المحلي " ثم " الرؤيا والإشعاع " – دراسات في الشعر الفلسطيني ، فدراسة مختصرة عن " صلاح عبد الصبور مجددًا " ، وكان لي الشرف أن قدمت الكتاب لعبد الصبور في الهيئة العامة في أثناء زيارتي الأولى للقاهرة سنة 1980 ، ثم أصدرت كتابين اعتبرهما إضاءات للطلاب هما " الجنى في الشعر الحديث " الجنى في النثر الحديث " ومؤخرًا صدر لي كتابان هما : " أدبيات – مواقف نقدية – " و " دراسات وأبحاث في الأدب العربي " .

   ولن أغالط في مكاشفتي إذ أقول " إن نقدي يتمثل شعري وما راق لي من شعر غيري ، وشعري ( أو رؤيتي الشعرية ) تتماثل ونقدي . وسواء كانت الكتابة نقدًا أم شعرًا فإنها منتزعة من وجداني وفكري ، ولا يهمني تسمية اللون / الجنس الأدبي ، فأنا أكتب اضطرارًا لا ترفًا ، وعملية التشكيل اللوني تتم قبل الولادة .

 

2- مدرستك النقدية :

    لن أدعي فأسوق لكم عشرات الأسماء الأجنبية التي لا يعرف بعضنا حقيقة طروحاتها بدقة وأمانه ، ولن أفلسف لكم نظريتي النقدية ، فقد أشرت إلى رؤيتي والمنهج الوسطي ، ولكني أحاول أن أتجنب أمراضًا أدبية تتجلى في أساليب النقد المتبعة لدى الكثير من النقاد وعلى أكثر من مستوى .

ومن هذه الأساليب الأسلوب الذي أدعوه " الفضفاضي " يتبدى ذلك في وصف كلمات وعبارات دون رصيد أو دقة . وقد سخر محمد النويهي في كتابه " ثقافة الناقد الأدبي " من مثل هذه التشبيهات إذ يقول : " وعبث أن تحاول أن تسألهم ما معنى هذا كله . ما معنى " تجهم المعاني " ؟ وكيف تتجهم المعاني ؟ وما هي هذه الديباجة التي يصفونها بالحسن  تارة وبالصفاء أخرى .. " ونكتشف نحن فضفاضية العبارات واندياحها إذا حاولنا ترجمة ما يقال لأية لغة أخرى بل إلى لغتنا نحن . عندها ندرك أن العبارات الإنشائية فيها تعميم ولا يسمن ولا يغني .

وقريب من هذا الأسلوب الأسلوب " الشاعري " الذي يصلح لأن يكون نصًا أدبيًا آخر أكثر من كونه نقدًا ، ولأسق مثلاً من كتاب " الرمز والرمزية " ( ص 148 ) :

  

  " وقد تركت خطى البارودي على رمال الشعر العربي آثارًا ترسمها من تلاه من الشعراء ، ولم يفلت شوقي ، الذي جمع إلى فحولة الملكة الشعرية حساسية مذهله بأسرار النغم الموسيقي ، وتحكمًا أصيلاً في ناحية  الأسلوب الشعري ، ولكنه – في معظم تجاربه – ظل يغترف من تلك الدنان التي اغترف منها البارودي "

  فهذه الاستعارات والمجازات كانت تدبيجًا أكثر من كونها لغة علمية محددة .

أما الأسلوب " الغيبي " فهو ناشئ من اضطراب وضبابية وافتعال ، ناء عن جوهر التجربة والمعرفة . وقد أصاب " بوالو " في قوله " إن ما يدرك جيدًا يعبر عنه جيدًا وبوضوح " ، فإذا انعدم التصور الحسي للميزات المادية وانعدم التنظيم الشكلي للتصور انعدم بالضرورة التعبير البين ، ولأسق مثلاً من  كتاب " حركية الإبداع " :

" إذا كان نجيب محفوظ قد كتب ملحمة التحول وبرهن على أنه يتحسس تراجيدية البعد الاجتماعي ، فإنه لم يبلغ اللحظة التراجيدية ، لأنه لم بفارق موضوعيته ، ولا اهتزت عنده مسافة الشهادة ؟ ففي كل موقف تراجيدي لا بد من توتر معين ، من زمن مباغت يسقط منظار الرصد ويعدم المسافة بين الشاهد والموضوع " .

وعلى الذي يكابر أن يترجم هذا النص إلى لغة العمل .

أما الأسلوب ( البنيوي المتكلف ) ذلك النوع منه الذي يسوقنا شططًا ، فلا يؤدي إلى مؤدٍ وبمنطقية ، وإنما ثمة أسهم وإشارات ودوائر ومربعات " ندوخ " منها ، ولا بأس من مثال أجتزئه من كتاب " الشعرية العربية الحديثة " ( ص 85 ) :

" التشبيه يستمر بين الأرض والمتكلم مشيرًا هذه المرة إلى الازدواجية المماثلة بين الطرفين التي يمكن أن نرمز إليها  بالصورة التالية :

المتكلم          الأرض

اليأس = الرجاء الخريف = الربيع

أريد ولا أريد " الازدواجية هذه تتأكد في السطر الأخير ... "

إن مشكلتي مع كثير من هذه الكتابات أن المؤلف يثبت بطريقته أن أ = أ ، ولكنه غالبًا لا يقول لي ما بعد ذلك . وما هي الرسالة وأين الدقة التي لا تحتمل عكس ما ذهب إليه ؟

ولا بد بعد هذا أن أؤكد أن النقد القديم هو الذي يدعونا إلى تذوق النص أولاً ، وذلك بعد أن تذوقه الناقد حقًا / أو نفر منه ، فعالج النص منه وفيه ، فتساوقت مع قراءته معرفة ما ، فيعلم الناقد عبر هذا النص ولغته كما يضيء . ولا ضرورة أن يلتزم الناقد منحى أو منهجًا ثابتًا ، وإنما النقد حوار جدلي بين الناقد والنص يقول الواحد للآخر ما يثري تجربة المتلقي وما يوضح أمامه بعض معالم الطريق ، ولكل نص مفتاحه .

3 – عن نقد الشعر :

    أحب أن أضيف كذلك إلى أنني أقمت معيارًا أوليًا في دراسة القصائد للطلبة خاصة ، لعله القالب أو المنطلق الذي أخلع عليه ما أشاء وهو يندرج في :

أ- إجمال مضمون القصيدة .

ب- الوقوف على الوسائل الفنية وخصائص القصيدة في أدائها ومنهجها وأسلوبها وإيقاعها .

ج- بيان توظيف اللغة والألفاظ وكيف يخدم الشكل المعنى .

د- إثبات الإشارات الثقافية للدلالة على معين الشاعر الذي استقى منه وعلى الإثراء الموازي لتجربته حتى نعرف من أين انطلق ، وأي موروث يرفده ، ولكي نلاحظ بالتالي الاختلاف والعمق الجديدين .

هـ - وحتى لا تموت القصيدة بانتهاء ما أشرت إليه من مفاتيح أبقيت أسئلة للنقاش تثيرها القصيدة في توجهاتها .

و – وترجمة الشاعر بإيجاز ضرورة تلقي بعض الضوء على النتاج مع أنها ليست ضرورة حاسمة .

  وفي ظني أن طريقتي هذه جعلتني أستطيع أن أتلمس شعر الشاعر وأتقرى مناحي الإبداع لديه ، بل كثيرًا ما عرفت شعر من هذا من غير أن أعرف اسم الشاعر قبلاً .

أما في البحوث حيث الدراسة الأكاديمية المحايدة التي تحلل وتعلل من غير تدخل فإنني أمتحن نفسي بأسئلة منها :

1- هل قرأت أغلب ما نشر سابقًا عن الموضوع المطروح ، وهل أنا أمينٌ في ذكر ذلك للقارئ ؟

2- هل آتي بفكرة جديدة من تصوري أم أنني سأتكل عن طريق النسخ والترجمة .

3- هل تكون الاقتباسات والإشارات مستعملة بدقة أم بعشوائية ؟

أكثر نقدي يدور في فلك الشعر . أما البحوث فقد تناولت مجالات لغوية وأدبية .

4 – ما  رأيك في النقاد الآخرين ؟ 

 ثمة نقاد كثيرون ودارسون ، ربما لم يكتسبوا شهرة الرعيل الأول ، لكنهم يبذلون جهدًا جهيدًا ،منهم الذين يستصفون المادة من الحياة والأدب ، ولهم مواقف وأساليب عرفوا بها ، ومنهم الباحثون الذين اتجهوا اتجاهًا وصفيًا ، بعضهم يخرج من التنظير المجرد إلى الفائدة والمتعة ، وبعضهم يمزج بين التراث العربي وبين المناهج الحديثة قس التحليل . وهذا الإيجاب الذي نستخلصه لا ينفي ما أشرت إليه من أساليب سلبية أرفضها ، وعذرًا لأنني لا أذكر الأسماء ، فالناقد أحرى أن يعرف موقعه .

- ما هي مشروعاتك النقدية :

المشروع النقدي الذي بدأت أعالجه يتمثل باختيار قصائد من الشعر الفلسطيني أنقدها وأنظمها في سلك أو أنتولوجيا  تعكس تطور شعرنا وخاصة في الداخل . وسيصدر لي كتاب " قصيدة وشاعر " وكنت أصدرت رسالتي " لغة الشعر عند السياب " عام  1993 ، و " مدرسة الديوان ... " عام 1995 وأخيرًا لا بد من استفاضة :

بقدر جراءتي هنا إذ أكشف أوراقي أمام أساتذة كبار ، وأنا المغمور حتى بيني وبين نفسي ، فإن لي جرأة أخرى تتبدى في استعمال التعابير الجديدة ، وسأذكر بعضها دون الوقوف على تفاصيل فحواها :

الواقنسية – المزج بين الواقعية والرومانسية .

الأنوية – الكتابة من منطلق الذات ، والحديث عن جوانبه بعيدة عن الأنانية .

التأدنس – محاولة تقليد أدونيس في أشعاره دون استيعاب تجربته .

الشعر الأفيوني – الشعر المغرق في الإبهام .

ويلاحظ القارئ أنني تحدثت عن " النقد الفضفاضي " و " النقد الشاعري " و " الغيبي " ... الخ ، ولي مصطلحات كثيرة ترددت في كتابات محلية .

وأخيرًا فإن هذه المادة لن تقول لكم كثيرًا – وهذا حق ، لكني أضع في تصوري موضوعية ابن قتيـبة في تقويمه للشعر ، وذلك في تقديمه " الشعر والشعراء " ليكون شفيعًا لي عندكم .

وفي هذا السياق لا بد لي من أن أذكر التجربة التالية لعل فيها عبرة :

 للناقد  ريتشاردز تبين كتاب  The practical criticism  ،  وعلى أثر قراءتي في هذا الكتاب ، أحببت       

 تقديم أدبنا وفق منهجه . فقد عمد ريتشاردز إلى قصائد مختلفة وقدمها لقراء مختصين من غير أن يذكر أسماء الشعراء ، ثم طلب من طلابه – عينة البحث – أن يذكروا الأسباب التي حدَت بهم لقبول القصائد أو رفضها .

فكانت محصلة هذا البحث تقديم دليل لصياغة الذوق في الأدب وفق رؤى موضوعية وإشارات تفرضها طبيعة العمل ولغته .

قلت : ما أحوجنا إلى مثل هذا التوجه فنقرأ العمل الأدبي غُفلاً ، ونتعرف على إبداعه وطاقته ، ونحكم بالإيجاب والسلب أو بهما معًا من غير تأثر ببريق الأسماء وشهرتها . وقدمت للقراء قصيدة لأحد الشعراء الذين تتردد أسماؤهم كثيرًا على ألسنة الدارسين . ولا تسألوا عن ردود الفعل ، فقد قُتلت القصيدة ... ولم يتراجع بعضهم إلا بعد أن عرف الشاعر .

                                    حوار أجرته مجلة  المواكب  عدد 11- 12 1992 .

 لقاء مع الشاعر فاروق مواسي

 

    الأستاذ فاروق مواسي شاعر وناقد أصدر على التوالي :" في انتظار القطار ( شعر ) ، غداة العناق    (شعر )، عرض ونقد في الشعر المحلي ، يا وطني ( شعر ) ، وشعره يتسم بالجزالة اللغوية وترداد التعابير القرآنية يصوغها في قصائد إنسانية رائعة " . وقد أجرينا هذا اللقاء اعتبارًا منا أن نطرح آراء الشاعر التي سيفيد منها كل باحث لحركتنا الأدبية المحلية ودفعًا لنقاش جاد .

س – أستاذ فاروق كيف يواتيك الشعر :

ج- أحيانًا أشعر أنه إفراز ، ولدي إيحاء أو طاقة خارقة خارجية تملي علي الكلمات موزونة – وهنا أفهم سر الاعتقاد القديم أن للشاعر شيطانًا ملهمًا - ، فأكتب القصيدة متصلة أو أدعها إلى وقت آخر – وقد يطول – أعود إليها بعد أن أعمل فيها وعيي ، فهي إذًا مزيج من الفيض ومزيج من الصنعة .

س -  ألا ترى أن معاودة القصيدة أو مراجعتها تودي بك إلى ضعف في التدفق الشعري  ؟

 ج- لا أرى ذلك وتحضرني أبيات للشاعر إذ أجاب ناقدًا – فقال : " أولئك الأصدقاء الذين يرون أني أرتكب خطأ كلما نقحت قصائدي وراجعتها لا يدركون حقيقة الأمر ....وهي أنني إنما أراجع نفسي وأنقحها . 

س- هل ثمة أوقات معينة تطل فيها عرائس الشعر ؟

ج-  يقول يـيتس الذي استشهدت به : " الشعر دم وخيال وفكر " . وأظن أن هذه تتوافى في ساعات التأثر والانفعال ، فأنقل الأحاسيس إلى الآخرين ليعيشوها ويجربوها فهي " عدوى " على حد تعبير تولستوي  .

س- هل تظن أن الشعر واجبه التوجيه ؟

ج- الشعر منه ما هو للمتعة ...ومنه ما هو للتوجيه ، والإنسان له جوانب مختلفة . فالشعر هو الذي يصدق فيه قائله ويحس أنه شعر ، وما وجد له بعض التجاوب ، والشعر ليس دعاية أو وعظًا، وإنما هو صوت الضمير الأكبر ، فلا بد للشاعر من أن يلم بواقع الحياة... ويوجه بصورة غير مباشرة ؛ والانفعال ضرورة معبرة عما يجول في خاطر الآخرين – ولا يهم عددهم - .

س- في مقدمة ديوانك ( غداة العناق ) تقول : ( من الكلمة ونغمتها إلى تجربتي ، وإذا بها تصبح تجربتك فتعيد تشكيل القصيدة بالشكل الذي ترتئي....ولا غرو أن تكون أنت الشاعر " هل لك أن توضح ذلك ؟

ج- إن الموسيقى ضرورية لكل شعر سواء أكان الوزن أم ما اصطلح عليه " الإيقاع الداخلي " - وهو الإيقاع الحسي الناتج عن ترابط الكلمات وتعاملها ، وأنا أفترض أن الذكريات التي أثيرها في مخيلة القارئ صورًا وأحاسيس جديدة .

يقول فروست :  " إن التوفيق في التقاط الصور اللفظية لا يقل متعة عن التوفيق في ابتداعها " وأنا عندما أتخلى عن القصيدة فإنني أعود إليها قارئًا جديدًا ، أعود أنا والقارئ لنحول في آفاق جديدة للقصيدة .

  س- هل أنت ملزم بطريقة هذا الشعر ؟

ج- إنني أمر عبر طرق تجريبية مختلفة ، أكتب القصيدة الرمزية المبهمة.. والقصيدة الغامضة الشفافة.. والقصيدة الواضحة المعالم ، أكتب شعرًا تقليديًا وشعرًا حرًا ( المنطلق على حسب تعبير الدكتور النويهي ) لا أتقيد بخط شعري على نسق واحد ، ولعل ذلك لتنوع مشارب القراء وأذواقهم ومسايرة هذه الأذواق ، ولعلها ذبذبات مزاجية عندي ، وهذا هو الأصل . أعزي نفسي وأقول :

" لعل القارئ استملح لي قصيدة واحدة وأمتعته بها " فالشعر في نظري لا تحدد آفاقه ما دام الصدق الفني رائدًا ومنطلقًا .

س-  ما هو موقفك – ناقدًا – في كتابك ( عرض ونقد في الشعر المحلي ) ؟

ج- أنت تلاحظ أنني نظرت إلى قصائد سالم جبران المباشرة بنفس المنظار الذي عاينت به قصائد أنطون شماس المغرقة في تلافيف الرمزية ، قلت في هذا الكتاب ( ص 85 ) .

" الشعر قالب جميل يصاغ بالإشعاعات الغامرة ، وربما تكون غير مرئية... تشحن بالنشوة النفسية ، فتبعث فينا الإيحاء محمولة على أكتاف الرعشة . أما روافد الشعر فهي : التجربة والموسيقى والفكرة ، وهي تتوحد معًا وتتواجد في نهر يعطي الخصب لأرضيتنا الشعرية من ماء الحياة المستمد من خلفية التراث " .

س- ولماذا التراث ؟ 

ج- لنستلهم من الماضي حاضرنا ومستقبلنا يقول إيليوت " إن ولاء الشاعر يجب أن يكون للغته التي يرثها من الماضي ، والتي يجب أن يحافظ عليها وينميها " وفي آخر رباعياته الأولى يقول :

" لقد كان الكلام موضع غايتنا

وقد اضطرنا الكلام إلى أن نمحص لهجة القبيلة

 ونحث العقل لنتبصر الماضي ونستشرف المستقبل " .

 إن   اللغة هي القالب الذي يوضع فيه الشعر . ولقد تعرفت على شاعر عظيم يكتب كلمات لا يفهمها إلا هو فأين شعره وما عظمته ؟؟

اللغة تتناسب والأفكار تناسبًا طرديًا ، والأفكار مدعاة للخيال والخيال حافز الشعر .

س- ما هي مواضيع شعرك ؟

ج- هي مواضيع إنسانية يحب البعض أن يسميها ( وطنية ) ، فالوطني هو إنساني ، ولا أنكر أنني أحب ذاتي على مضمونها ، فمأساتي تتمازج في المأساة الشاملة ، ولعل هذه الجمل أو هذه الإجابة صورة أخرى لما كنت قد أجبت عنه أن في شعري كثيرًا ما أجد  أبعادًا ثلاثة : ذاتية ووطنية وإنسانية .

س- لماذا يرفض الكثيرون الشعر الحديث ؟ 

ج- أولاً لعدم فهمهم له ،  وقد نسوا أنهم لا يدركون معاني الكثير من اللزوميات وسواها من الشعر القديم.

   إن قراءة القصيدة تستلزم صدرًا رحبًا وليس ضيقًا حرجًا ، فالقصيدة المرفوضة أصلاً وقبلاً لا يمكن أن يتعامل معها القارئ إلا من خلال الرفض ، إذن فالقارئ المتسامح غير المغلق هو الذي يتعايش والقصيدة الحديثة ، فإن فهم صورها كان به ، وإلا فإنه لا يشتط في الحكم ضدها .

س- بعض القراء يذهبون إلى أنك بسطت في ديوانك الثالث ( يا وطني ) من مستوى فني مرموق وخاصة في

 ( غداة العناق ) إلى ركام نثري فما رأيك ؟

ج- أعترف بتراكم النثر في بعض قصائد ( يا وطني ) ومنه ما عمدت إليه عن سابق قصد ، فمزج الشعر بالنثر أسلوب تجريبي جديد .وقد أراد هذا البعض من  قصيدتي أن تكون مستقلة أو بإضاءة خفيفة ،  وهم عندما يقولون ذلك فكأنهم يفاضلون بيني وبين نفسي ، فالشعر والشخصية أمران لا يحددهما الإنسان فقط ، والشعر الذي ينكره أصحاب الأذواق الغامضة قد  يُعجب به أيما إعجاب آخرون .

فإن قلت :

( يا شعبي العملاق إنك ملهمي      أنت الكريم وما سواك معلمي )

وجدت من يستهجن ويربأ بي أن أقول مثل هذا ( النظم ) المباشر ، ووجدت من يعجب ويتساءل : ترى لماذا انحرف فاروق ولا يقول مثل هذا الشعر ؟ لكليهما احترامي وليسمحا لي أن أواصل القول كما أحب  .

س- ذكر أحد أساتذة الأدب المحليين أن شعرنا المحلي هنا ضعيف ، ولا يكاد يصل إلى مستوى يسمح لنا أن نقارنه والشعر العربي خارج البلاد فما رأيك ؟

ج- إن في هذا القول تجنيًا على شعرنا ، فكثير منه استقى من الروافد التي استقاها الأدب في العالم العربي ، بل إن بعضه بحكم المعاناة والتجربة أضحى في مستوى أرفع ، الأمر الذي حدا بالصحف العربية ذاتها أن أفردت له اهتمامًا ( وبعضه بحكم الانفعال السياسي ) ، ولعل هذا الاحتفال بأدبنا بحكم المستوى الفني الحقيقي . ولكن هذا لم يجعل أدباءنا يغترون بل يتواضعون ونحن لا زلنا نذكر قول محمود درويش :

" أنقذونا من هذا الحب القاسي " .

أجرى الحوار عرفان أبو حمد ، مجلة  الشرق - تموز 1978

 

 

 

 

 

 

 

 

أديب من فلسطين

لقاء مع  " كشاجم " –

 فاروق مواسي الناقد يُعرّف الشاعر

 

كتب ستصدر  للأديب :

1) إلى الآفاق ( شعر للطلاب ) / عن دار الأسوار – عكا .

2) عناق الحياة والممات ( شعر ) / عن دار الأسوار – عكا .

3) صلاح عبد الصبور شاعرًا ( دراسة ) / عن دار المشرق – شفاعمرو .

4) أمام المرآة ( مجموعة قصصية ) .

5) من أحشاء اللغة .

6) مونولوج نقدي .

7) لغة الشعر عند السياب .

هل يتواءم كثرة الإنتاج مع كثرة الاطلاع ؟

    أظن أن الإنتاج نتاج القراءة إلّا إذا كان سرقة ، والأصالة تأبى ، ولا أريد أن أزعم كما زعم مؤلف آخر : أقرأ ألف كتابًا لأؤلف واحدًا ، بل أقول ببساطة : أقرأ الكثير لأكتب القليل وأنا في نظر نفسي وحسابها مقلّ.

أبا السيد أنت ناقد وشاعر ، فنرجو أن يعرف الناقد الشاعر .. 

الناقد الشاعر ...  شعري كما قدم له البروفيسور " سوميخ " في كتابي الأول " في انتظار القطار " هو شعر مأساوي وفيه على حد تعبير " أنطون شماس " ( غزل محموم )، أما أنا فأرى فيه أبعادًا ثلاثة : البعد الذاتي والبعد الوطني والبعد الإنساني .

ما هي القصيدة الأولى التي كتبتها ؟

 هي قصيدة خاطبت فيها المتنبي شاعري الأثير وهذه لم أنشرها سابقًا  ، وأولها :

يا أبا الطيب أنصـت                        روحك الصغرى تغني

- حدثنا عن تجربة ديوان " يا وطني " ؟

    هذه المجموعة ضمنتها قصائد عن يوم الأرض وعن وثيقة كينغ ، القدس ، لبنان وسواها من قضايانا التي نعانيها ونعايشها باستمرار ، ولأن الكلمة بسيطة وفيها مباشرة ووصول – مع أنهما ليسا حادّين – فقد أخذ عليها بعض القراء المآخذ ، وأستطيع أن أؤكد أن هذه المجموعة كانت على المشرحة أكثر من سواها بين مادح وفادح .

ما الذي استهواك في " السياب " حتى جعلته موضوع رسالة الماجستير ؟

    لأنه أولاً انطلق من التراث وتطور  ، حتى بدأ الشعر الحر الذي له الريادة فيه ، فدراسته تقدم ذروة لمعالم الشعر الحديث . وبالمناسبة بعد أن فرغت  من كتابة الدراسة ولدت لي طفلة أسميتها " آلاء " على اسم ابنة السياب .

ما معنى " آلاء " ؟

    هي النعم مصداقًا لقوله تعالى : " فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟" ومفردها ألي و إلىً .

- اقرأ لنا  من شعر السياب ما تعجب به ...

    سأختار مطلع أنشودة المطر ،  وارجو أن تمعنوا النظر في الصور :

عيناك غابتا نخيل   ساعة   السحر

أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر

عيناك حين تبسمان تورق الكروم

وترقص الأضواء كالأقمار في نهر

- هل تأثرت بشاعر معين أو بشعراء معينين ؟

    في بداية مرحلتي نعم تأثرت بما حفظت من الشعر .

فإذا قلت قديمًا : " هي الأرزاء تكثر في البلاد " فهي على نسق قول الرصافي : " هي الأخلاق تنبت كالنبات " .

وإن قلت : " فصبرا في بلايا الدهر صبرا " فهي على غرار قول قطريّ " فصبرا في مجال الموت صبرا "

أما في شعري الذي نشرته في ديواني " في انتظار القطار " و " غداة العناق " فأنفاس شعراء كثيرين تضيع في ثنايا قصائدي، لكنها تضوع وأنا – بالحق – أدأب لتكون لي هويتي الشعرية الخاصة .

ذكرت اسمي الديوانين الأولين .. فهل تذكر لنا أبعاد تسمية كل منهما ؟

في مجموعة " في انتظار القطار  "   -  أرمز للقطار إلى مداليل ثلاثة :

1) المطر ، أي في انتظار الخصب .

2) قافلة الجمال ، أي عودة التاريخ .

3) المركبة الحديثة ، وتمثل عذاب الإنسان في انتظاراته .

   أما غداة العناق ، فكلمة " غداة " تعني صباحًا سيكون ... ، وتعني كذلك بعد أن كان ... فهنا تلاعب بين المستقبل والماضي ، كما أن كلمة العناق لها أكثر من مدلول .

 

-  كتبت المقالات الكثيرة انتقدت فيها الكتاب والشعراء المحليين .. فما هي الصورة التي توصلت إليها حول هذا الشعر ؟ ولماذا أنت من أنصاره ؟

    إنه شعر يتراوح بين الأمل والألم يتطور ويبدع . وأستطيع أن أؤكد أن ما يكتبه الأديب ذو المستوى المتوسط أقرب لواقعنا وتربيتنا وآلامنا وآمالنا من أي كاتب آخر  هو بعيد عن قضايانا حتى ولو كان مجيدًا . والأدب المحلي لا أقصره على فئة دون غيرها وعندي – بهذه المناسبة – ملاحظة :

   أين الجوائز الأدبية التي يتبرع بها ذوو المروءة وتتبرع بها بلدياتنا ؟ أين تكريم أدبائنا وسماع محاضراتهم؟ لقد دعيت قبل سنتين إلى مكتبة بلدية نابلس لسماع الشاعرة الصديقة " فدوى طوقان " ، وشد ما أدهشني اعترافها لي بأن هذا اللقاء هو أول لقاء مع جمهور نابلس . فإلى متى سنظل نردد " لا كرامة لنبي في وطنه " ؟ أو على مستوى متواضع " لا يطرب زمار الحي " . إنني أدعو من هنا أن يُعلن عن جائزة بلدية  نابلس مثلاً ، أو جائزة " عبد الرحيم محمود " أو " راشد حسين " أو " مطلق عبد الخالق " أو " إبراهيم طوقان " لأحسن إنتاج يصدر هذا العام ، وأن تؤلف لجنة مثقفة ومتذوقة لقرار الفائز ،  فلا يُغمط أديب قديم ، وكذلك يُحفز الأديب الجديد .

هل لديك منهج نقدي تسير وفقه  ؟

    الصحيح أن الدراسة الأكاديمية التي أكتسبها حكمت علي الدقة في الاستشهاد والنظر في الأحكام ، لكني لا أنكر تأثري بـ " مارون عبود " ونقداته الذوقية ، ولا مناص لي – كشاعر – أن أتطرق للجمالية .

أنت ناقد مجيد ..وشاعر قد تضيع بين أسماء كثيرة .. ما رأيك ؟

  أصدقكم أن الشعر فيض يجب أن أفرغه رغمًا عني ، أدندن وأهوم حتى تنبجس القرارة ، وقد يكون الماء عذبًا فراتًا ، وقد يكون ملحًا أجاجًا حسب ذوق القارئ .

   أما النقد فأنا أشعر أن أدبائنا يقرّون لي فيه ،  بل يحفزونني على خوضه كلما كففت ، وكتابي " عرض ونقد في الأدب المحلي " حاليًا  لا ثاني له في وسطنا . وفيه تناولت شعر " سميح القاسم " و" سالم جبران " و" أدمون شحادة " و " أنطون شماس " و " نزيه خير " و " جمال قعوار " و " عبد اللطيف عقل " و " شفيق حبيب " و " ميشيل حداد " و " جان نصر الله " .

    وكتابي النقدي الثاني " مونولوج نقدي " – الذي سيرى النور – نشرت بعض فصوله في مجلة " الجديد " وأصارحكم أن النقد عملية صعبة جدًا لعدم دقة الموازين ، فالناقد اليوم قاض أمام الجمهور لا يؤمن بعدالة القضاء .

أنت كاتب وشاعر معرض للنقد .. قل لي كيف تقابل النقد اللاذع الموجه إليك ؟

   أصدقك أن " عبد اللطيف عقل " حين نقد لي  قصيدة " ليلة ابن المعتز " أغضبني في حينه ،  أما اليوم فأنشر في مجلة " مشاوير " التي أحررها مادة ضد شعري ولا أبالي .

هل يسهل على الشاعر اختيار أحلى قصائده ؟

    لكل قصيدة تجربة ، وقد يتردد الشاعر كثيرًا حتى يشير إلى قصيدة ، وكثيرًا ما نسمع الشعراء وهم يكررون : قصائدي أولادي . وفي نظري غالبًا ما تكون القصيدة الأخيرة – إذا تكاملت هي الأحلى .

عندما يختار الشاعر أحلى قصائده .. هل هي كذلك بالنسبة للآخرين ؟

    لا أظن ذلك ، فللقارئ ذوقه . أما الشاعر فهو صاحب التجربة وسابر أبعادها ، ولقد أعجب الكثيرون بقصيدتي " حلم السلام " المهداة للشاعرة فدوى وما هذه القصيدة إلاً خطوات أولى في  شعري .

ما هي مهمة اللغة حسب رأيك ؟

     الإيصال إما بالمباشرة وإما بالإيحاء ، ولغة التركيز لا يفهمها إلا الراسخون بالعلم ، أما المباشرة فهي لغة الخطاب.... وأما الإيحاء فهو إرسال لا يصل كل مستقبِل ( بكسر الباء )

هل توافق أن الكاتب في رسائله الخاصة يكون هو  في ذروة كتابته ؟

    لا أوافق ! إذ أن المادة المعدّة للنشر تراقب وتمحص وتنقح ،  بيد أن الرسالة هي انبثاق من الكاتب لا يحفل به قدر المادة الأولى ، وطبيعي أن رسالة الأديب فيها أدب وليس بالضرورة أن تجسد الذروة .

ماذا يثير اهتمامك أكثر شيء في الحياة ؟

    أعتقد أنه الكتاب ، حتى لقد خشيت أن يكون أي عالم آخر بلا كتاب .

عندكم رابطة للكتاب العرب حدثنا عنها ....

    هدفنا منها تجميع كتابنا بإطار ، سكرتير الرابطة الشاعر " جورج نجيب خليل " الذي أجريتم معه لقاء في " الحصاد " السابق . وأقوم بمسؤولية تحرير " مشاوير " المجلة التي تصدرها الرابطة ، وسنقيم  محاضرات ونشاطات مختلفة ، وأملنا أن ينضم إلى الرابطة جميع أدبائنا بمختلف تياراتهم وأفكارهم .

ما رأيك في الأخطاء التي يتعرض لها الكاتب أو الشاعر المحلي ؟

    إنهم لا يقرأون الأدب الأجنبي بشكل كاف ومنهم من لا يقرأ التراث .

إن المبتدئين منهم – إذا ما رأوا أسماءهم تبرق في صدر الصحيفة أصيبوا بالغرور ، وأخذوا في الطعن بمن أرسخ منهم قدمًا ، وأخصب منهم قلمًا .

بصراحة  هل تتوخى من كتابتك إشهار اسمك ؟

    هذه نغمة مكررة يقابل بها كل من يعمل . أظن أن كل فنان يحاول أن يقهر الموت في تخليد اسمه ،  ولا يمكن أن يكون الفنان دون أن يقدم فنه على حساب صحته وأعصابه ، ولعلّ إشهار الاسم هو تعويض لما فقده .

أي الألوان الأدبية أقرب إلى نفسك ؟

   الألوان الأدبية من قصة وقصيدة ومقال نقدي وسواها متكاملة ، ولا بدع على الشاعر أن يكتب قصة ، فماذا نحجر عنه ما دام متنفس العمل الأدبي يتجه اتجاهًا معينًا ، أما أقرب الألوان إلي فيحدد بظرف الكتابة واستعدادي لها ، وأنا بطبعي أحب الإيحاء اللطيف شعرًا  ، والنابع عن تجربة حية قصة ،  والنقد الموضوعي المنطقي بحثًا... أقرأ منها جميعًا ، وأكتبها بدافع خارجي وداخلي معًا .

حدثنا عن مجلتكم " مشاوير " ... وماذا قدمت ؟

    بعد أيام سيصدر العدد الأخير من السنة الأولى ،  ولو ألقينا نظرة عامة على المجلة لوجدنا :

* أنها مستقلة الطابع ،  وفيها كثير من القصائد الوطنية والوجدانية .

* أنها نافذة على الأدب الغربي بكل ألوانه ،  ونحن نقدمها بترجمة الأستاذ " جميل إرشيد " التطوعية والتي يستحق عليها كل ثناء ( بالمناسبة كلنا متطوعون ) .

*  أنها نافذة على الأدب العربي الحديث حتى يبقى اتصالنا بإخوتنا وثيقًا ومكينًا .

* أنها تبنت أقلامًا جديدة من الجيل الجديد... وهذه البذور أخذت تؤتي أكلها .

* أنها تشجع النقد من خلال زاوية " قرأت في العدد الماضي "، وتشجع الفن المحلي من خلال " فنان من بلدي "، وهذه يكتبها (ج) بأسلوب رشيق ، وفيها عودة إلى التراث وإلى المصطلحات القاموسية في الميادين المختلفة ،  بالإضافة إلى أخبار " الساحة الأدبية " التي يقدمها الأخ " سعيد الفارس " .

* وفي العدد الذي يوشك على الصدور استمارة نتوجه فيها إلى القراء أن ينتقدوا المجلة وأبوابها وإخراجها ، ونأمل أن نفيد من ملاحظاتهم .

ألا تصل " مشاوير " إلى الضفة والقطاع ؟  

    المشكلة مشكلة التوزيع ، ونأمل أن تساعدنا الزميلة " الحصاد " في هذا المجال .

كيف ترى الحركة الأدبية في الضفة والقطاع ... وهل ثمة تأثر بعرب ( الداخل )

    عند الاحتلال وفي لقائي مع أخوتنا تعرفت إلى الشاعرة " فدوى طوقان " والشاعر " عبد اللطيف عقل " . أما اليوم فأحب أن أطالع كتابات " عادل الأسطة " و " توفيق الحاج " و " ليلى علوش " و " عبد القادر صالح " و " أديب رفيق " ، والمعذرة لأنه لا تحضرني الآن أسماء أخرى أعجب بها . أما عن التأثر بأدبنا فلا أرى بصمات واضحة كما يحاول البعض أن يتهم ، فأدباؤنا هم جزء لا يتجزأ من الحركة الأدبية الشاملة ، لهذا فمن نافلة القول أن نشير إلى مثل هذا التقليد إذا ما قرأنا تعابير مشتركة ، ثم إن الجميع تخرج من مدرسة واحدة ، واقعًا وأدبًا فلماذا هذا الاتهام ؟

ما رأيك في الحركة النقدية في البلاد ؟

    الشاعر الجيد هو ناقد جيد ، لأنه من المعروف إذا كان جيدًا فله ذائقة وله موازين وتقويم ، ثم أنه يجب أن نميز بين النقد والبحث ، فالنقد يدخله الذوق ، والبحث لا عاطفة فيه ولا رأي ، وإنما استخلاص نتائج وتوصل دقيق . من النقاد الشعراء يعجبني " صلاح عبد الصبور " و " أدونيس " و " رياض نجيب الريس " .

هل لك في إعطاء فكرة عن موضوع أطروحتك للدكتوراه ؟

    أكتب عن " جماعة الديوان " وهم " عباس العقاد " و " إبراهيم المازني " و " عبد الرحمن شكري " ، وقد برزوا في مطلع هذا القرن ، وتأثروا بالرومانسية الإنجليزية ، ودعوا إلى وحدة الموضوع في القصيدة والخروج عن الإطار التقليدي قي الشكل والمضمون . وإذا تيسر لي أن أستقصي الموضوع فسيكون بحثي أول بحث يستوفي الموضوع من جميع جوانبه ، خاصة في مدى تأثره بالأدب الإنجليزي ... وفي رأيي أنهم ظُلموا في تقويم شعرهم لأنهم كانوا نقادًا كانت لهم نظريات طغت على أشعارهم .

 

    شكرًا أستاذنا أبا السيد ... ونتمنى مزيدًا من العطاء وخصوصًا في مجال النقد الأدبي .

أجرى الحوار الشاعر عصام العباسي  الحصاد  ( رام الله )  العدد 9 / 1979

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لقاء  مجلة العودة مع الشاعر الناقد فاروق مواسي

 

متى بدأت الكتابة ؟

  .... منذ أن تفتحت عيناي على الكتاب ، وكنت أقرأه مثنى وثلاث أو أنقله إن عز علي اقتناؤه ، ومنذ أن كررت ختم القرآن عشرات المرات طمعًا في قروش أبي... فكانت الكتابة استغراء تدريجيًا . أنشر وأنا في الابتدائية منتقيات مما استحببت ،  وأكتب في الثانوية " الأيام " على طريقتي ،  بل أختم قصة " بداية ونهاية " بخاتمة تروق لي وليشرب نجيب محفوظ من النيل . أضع في درجي إعجابًا بأبي العلاء المعري بصفحات نقلتها من عشرين مصدر .

    أما الشعر فبدأته بخواطر لا أعرف متى أستطيع تحديدها بأنها شعر حقًا ، بل من يقول لنا أن ما ينشر اليوم هو شعر بالتمام والكمال ، فالمقاييس نسبية ، لكني سأنقل لك ما قلته في بدء الطريق :

* يا أمتي ثوري ولا تتخاذلي

                              نصرًا وفتحًا شمت في المستقبل

 

    وعندي ما يجمع ديوانًا من مثل هذه القصائد...وخاصة الغزليات .

وقراءاتك الأدبية التي أثرت فيك ؟

    مما أدين له بالفضل مجلة الآداب البيروتية التي كنت أطالعها في مكتبات الجامعات ،  فهي أستاذي الأول ،  وقد حاولت جاهدًا أن أقتني أكثر أعدادها ، وها هي معظم أعدادها تزين مكتبتي .

والآن كيف تولد القصيدة ؟

    عندما تفرض نفسها . وأتساءل أحيانًا وبسبب عجزي وعنّتي الشعريين إن كان ثمة شيطان حقًا ...وأصدقك أنني أحس أن لي ربة شعر تغالبني وتهجرني طويلاً ، لكنها تعود إليّ تغرقني بفيض إحساسها ومأساويتها ... أبكي وإياها أمام حائط قصيدتنا .

    أثور وتثور معي فنتسمع أصداء أصواتنا بماسوشية غريبة أعشقها وتعشقني بنرجسية أغرب .

    نتفق على خطة نكتب ونكتب ، وعندما ينتهي دور اللاوعي تودّعني بقبلة خاطفة ... أتحسس آثارها ...وأتلمظ فأعود إلى القصيدة.

   ومن القصائد ما يولد بشكل أسرع ، فهذا يحفزني أن أكتب ، وهناك امرأة مثيرة لا يسليني بعد صدّها إلا بيت شعر ،  فأهيم في كل واد ولا يتبعني غاو .

    ومن القصائد ما لم يولد بعد ،  فإن فترة الحمل فيها تزيد على ثمانية عشر عامًا منذ تلك السنة التي لكمتني لكمة ما زال أثر الدوار في رأسي ينتابني مرات .

أين تجد شعرك ؟  وكيف تقومه ؟

    ما استطعته – في تصوري – أنني زاوجت بين التراث والمعاصرة ،  فتفاوتت القصيدة من المباشرة والتسطيح إلى الاستغوار والنفاذ إلي الهلامية واللإنسيابية إلى اللغة – اللعبة ،  وأنا قلت في مقدمة ديواني " غداة العناق " :

" من الكلمة ونغمتها إلى تجربتي ، وإذا بها تصبح تجربتك فتعيد تشكيل القصيدة بالشكل الذي ترتئي      - ولا غرو أن تكون أنت الشاعر  . فإن أفضيت استودعك الكلمة الصادقة ، وأرجو لك المتعة والعمل لبناء عالم أجمل وأرقى... وإن آثرت الرجوع فثق أن وراء هذه الكلمات متوقفًا ينبض حبًا لك ".

    آنًا  أشعر أنني قلت وأعجب ، وآنًا أشعر أن كل ما قيل هراء . ليست المسألة مزاجًا بقدر ما هي علاج ، فلا عجب أن أدعيت ذات مرة بأناي المستمدة من عمنا المتنبي ، ولا تعجب إن تضاءلت من ثم حتى الصفرية

لقد قلت في " قصة قصيدة " :

    شعري قد لفف في أغطية أغطية يحمي قيمة وزن الكلمات ويبيت على إلهام الإيحاء ليبحث إن كان هنالك من يبحث عن جوهر .

وهل وصلت القصيدة الفلسطينية إلى مستوى الجرح ؟

    أي قصيدة ؟ وأي كلام ؟ وأي حرف ؟ وأي جزيء صوتي أو خطي ، لا . وربما لا تكون .

كيف ترى الحركة الشعرية ؟

    مراوحة بين الألم والجرح وبين الأمل ( ليس الساذج ) ...حبًا لشيء منا خاصة ، لأنه أخلص في ظروف الاضطهاد ، نبتة بسقت برغم العواصف .

   ما من شاعر مجيد إلا وله في قلبي صدى ، فلن أعدد الأسماء خوفًا من حساسية الشعراء . ولكن طموحي يبحث عن ثغرات لا أجد تلافيها بشكل مقنع .

أبحث عن قصائد تربطني بالمكان ربطًا عميقًا لا مجرد صيغ . أريد قصيدة عن القدس أستطيع ترجمتها إلى لغات العالم - فيها ما تغنيه فيروز ، وفيها الجرح النغار ورائحة التربة والسوق ودرب الآلام ، أريد أن يقرأ المغترب قصيدة عن حيفا فيعيش مأساة روشيما ووادي الصليب ،  ويستشف منها معالم وادي النسناس .

    لقد طلبت مني محاضِرة من الجامعة العبرية قصيدة عن القدس فيها روابط نفسية ودينية وتاريخية واجتماعية ،  فما وجدت ، وخجلاً من هذا الاعتراف عدت إليها بقصيدة ألفتها بعد معاناة شهر سميتها " مقدسية " نشرت في ديوان " يا وطني " ولا أدري إن وجدت فيها معنى الالتصاق .

 *   أبحث عن " البالاد " القصة الرعوية الشعبية في الشعر المعبأ بالبساطة والعمق بالجرح والإيمان بالليل والنهار .

 *   أبحث عن المسرح الشعري الذي هو في رأيي امتحان للشاعر الحق ولكنه لا ينفي وجود شاعر   غنائي.

  *  أبحث عن شعر الأطفال ولا أعني الأغاني المدرسية . إن أدب الأطفال لا يأتي إلا لمن أوتي الملكات الفنية والعمق والنفاذ... ومحاولتي في ديوان – إلى الآفاق – كانت بيضة الديك ، ويبدو أنها بيضة ديك حقًا، لأنها لم تنجح بشكل يقنع حتى اليوم .

   * أبحث عن الأغنية الشعبية ،  فلو لاحظنا طلابنا في رحلاتهم وهم ينشدون نراهم يقفزون من أغنية إلى أغنية وبعضها تافه المعنى .

والحركة الشعرية داخل الأرض المحتلة عام 1967 ؟

    طبعًا ما أشرت إليه من ثغرات ينطبق هنا أيضًا من الشعراء الذين جذبوا انتباهي وأحببتهم :

* د. عبد اللطيف عقل ...فهذا الذي يداخل بين دوائر الجنون والنبوءة والشعر ، وأحب أن أقرأ له حتى درجة الملل .

* المتوكل طه سمعته يلقي مرثاته عن الشهيد شرف ، فعلمني درسًا أن القصيدة يكون تقويمها بمعادلة جديدة:

الشاعر +    النص   +     المستمع       =    قصيدة

طريقة الإلقاء الشخصية / اللغة المضمون / ليس غبيًا .

* علي الخليلي أدهشني في بعض قصائده العمودية بالذات إلى درجة أقنعتني بنظريتي أن الشاعر الذي يتقن الحديث لا بد إلا أنه اجتاز المراحل الأولى بإتقان . 

* من الشعراء الذين لم يتسن لي التعرف إليهم وأحب قراءتهم توفيق الحاج وخاصة في " سنابل العشق"

* ماجد الدجاني في ديوانه " أحبك حتى الهزيع الأخير " ولن أواصل ذكر الأسماء مرة أخرى خوفًا من حساسية الشعراء ....ولكني لا بد أن أذكر ديوان الصديق إبراهيم قراعين الأنيق وهي صفة للموصوفين : بيارق فوق الحطام ، فهذا شاعر اتسم بمتابعة الحدث ، والصدق في التعبير عن الواقع بلغة لا كَدَّ فيها ولا إيغال ، ولنقرأ معًا كيف يصف واقع المثقفين الذين لا يعجبهم العجب ، يقول إبراهيم :

يأتيك يشكو جهل كل رفاقه

                                ويذم   أقربهم   له   ويعيب

فهو الذي في العمي ظل مفتحًا

                                وهو الذي بين القفار خصيب

وهو الذي وقت الشدائد إن يقل

                                رأيا فذاك الرأي  ليس يخيب

كم مرة بذل الجهود محاولاً

                                إصلاح ما أودى به التخريب

 

  ومثل هذا الشعر النقدي لأحوال المجتمع كثير يكتبه إبراهيم كما يحسه وبدوافع إنسانية معبرة .

 

كيف تقوم الحركة النقدية ، وأين وصل مستواها ؟

    النقد مرآه الأدب ،  ولأن النقد قليل فإننا نحكم على أن مسألة التراكم الأدبي مجرد كم . في القصة قرأت كتابين لحسين البرغوثي الذي  بهر بمصطلحاته وبتداخلات اللغة أكثر مما حفز وبنى ، ومع ذلك يبقى صوته لوكاتشيًا مثيرًا .

    وقرأت لنفسي كتابين سأتحدث عن تجربتهما فيما بعد ، ومقالات هنا وهناك بعضها ضحل ، وبعضها مسألة فيها نظر . بالإجمال لست راضيًا ،  ولن أتهم الكاتب بقدر ما أتهم القارئ ،  فالكاتب الذي يكتب ولا يجد من يتابعه سينكص على عقبيه .

كيف يمكن أن نتجاوز الأزمة الأدبية ؟

     الأدب في عصر الفيديو والبورصة وملاحقة أسعار الدولار لا يحفل به إلا من امتلك الملكة . فأخذنا نقرأ لبعضنا البعض ،  وندور في حلقات بعضنا ، ومن المؤسي أن الواحد منا لا يعجبه الآخرون ،  وإن أعجبه البعض فيتحفظ .

    وقد نتجاوزها بمسؤولية واعية من المحررين لصفحات الأدب . فإذا قلّت القصائد وكثرت حولها الدراسات أثرينا الحركة الأدبية ، أما أن ينشر ( سين ) في كل عدد من أعداد المجلات الصادرة ،  ويرى اسمه يبرق في صدر الصحيفة ، ويطالعه القارئ بنصف إغفاءه .....فهذا لن يقدم في الحركة هزه .

    ثم أين دار النشر الفلسطينية التي تستطيع أن نفرض احترامها على القراء فيبحثون هم عنها ،  وتجمع حولها ألف قارئ متابع تتصل بهم في مدنهم وقراهم ، وتخرج الكتاب بحلة أنيقة وبسعر معقول . هل كتب علينا ألا ننظم حتى في هذه ؟

هل أضفت شيئًا جديدًا في كتبك  النقدية ؟

    كانت طريقتي في النقد ما أسميته " المنهج الوسطي " : منهج يأخذ من الأكاديمي الدقة في الاستشهاد والحذر في الأحكام ، ويأخذ من الذوقي ذاتية جمالية استشفها من خلال التجربة ، وقد عمدت إلى المزج بينهما بحيث حافظت على أبعاد أحكامي ، فلم أنزلق وراء عاطفة ذاتية إلا إذا أشرت إليها ببعدها الجمالي.

    إن نقدي يتركز على المضمون ،  فالشكل ،  مع أن كليهما يشكلان نسيجًا واحدًا ... أحاول أن ألقي الأضواء على الصور التعبيرية الجديدة ، وعلى الإبداع والإيحاء والبث والرمز والمنطلق .

    وقد تسألني ماذا أضفت عدا عن رؤيتك التي ذكرتها  ، وأجيبك أن ثمة بعض المصطلحات التي أدخلتها وقد تكررت في كتابات الآخرين منها :

* الواقنسية : وهي مصطلح يمزج بين الواقعية والرومانسية ،  وقد حددت معالمها حسب تصوري ووجدت أصولاً لها في شعر عبد الناصر صالح وخليل توما .

* الشعر الأفيوني : وهو مقال أثرت فيه مسألة الغموض المتعمد بلا ركيزة موهبية .

* الشبوبية : مصطلح استقيته من " العامية " وأضفته على شعر سميح القاسم وحددت معالمه.

* المونولوج النقدي : وهو طريقة نقدية جديدة ،  إذ أنني أجري حوارًا بيني وبين نفسي يكون طرف منا مدافعًا عن الشاعر الذين أنقده أكثر مما يدافع هو عن نفسه ، ويكون الطرف الثاني مناقضًا وقد كتبت على غرار هذا الأسلوب عن شعراء مجموعة " كلمات سجينة " وغيرهم ... ثمة مصطلحات نقدية أخرى.  

    ومن تناولتهم في نقداتي الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان والمرحوم راشد حسين وخليل توما وأديب رفيق وعبد الناصر صالح . وفي كتابي الأول تناولت أدمون شحادة ، ميشيل حداد ، جمال قعوار ، شفيق حبيب ، سالم جبران ، أنطون شماس ، عبد اللطيف عقل وسميح القاسم .

    ومن المواد التي لم أنشرها حلقات " قصيدة وشاعر " كنت أتناول كل أسبوع قصيدة فأشرحها ، وأشرّحها ، وغالبًا ما يخرج صاحبها غاضبًا .

    ولدي انطباعات  كثيرة من أعمال أدبية لم أجمعها في كتاب... وهي تنتظر دار نشر تهتم بإنتاجنا الفني .

هل لك نشاط أدبي عدا التأليف :

    أمثل رابطة الكتاب العرب في اتحاد الكتاب ،  وقد أصدرنا سنة 1978 مجلة مشاوير التي احتجبت بعد الغلاء الفاحش وندرة القراء .

    القي محاضرات هنا وهناك عن الشعر الفلسطيني .... وهناك نشاطات اجتماعية أخرى تحفزني على توطيد الصلة بقضيتي .

ومع ذلك تشعر ثمة ما ينقصك ؟   نعم فمن مطامحي أن تترجم قصيدتي إلى اللغات الأخرى ،  وألا تبقى نمطية الأسماء هي الفريدة على الساحة ، بينما يكون نصيب البعض هو التعتيم .... أن ترقى الذائقة بمتوسطها الحسابي حتى تجد " الأنا " كرامتها وصداها ، وأن يبقى الأمل المحضرّ على صفحات قلبي .                                           

                                                          

                                                      مجلة  العودة ( القدس ) 30/1/1986

 

 

 

مع الدكتور فاروق مواسي  ( نائب رئيس مجمع اللغة العربية )

 

حوار حول مجمع اللغة العربية

لصحيفة الشرق الأوسط ( نشر بعضه في 6 تموز 2007)

 

أجرى الحوار : أسامة العيسة

 

  *قررت الكنيست مؤخرًا تاسيس مجمع للغة العربية؟ كيف تنظر لهذه الخطوة وهل تتعارض مع وجود مجمع آخر؟

  وما رايك في الآراء المعارضة لانشاء المجمع الذي قررته الكنيست، وكيف ترد على الانتقادات التي توجه للمجمع اللغوي الذي يضم شخصيات أكاديمية وأدباء؟ وما الذي يفعله هذا المجمع وما هي طموحاته؟.

 

  الخطوة إيجابية ، وخاصة في أجواء التنكر لنا وجودًا وحضارة ولغة ، فمن بادر إليه هو عضو برلمان عربي من أعضاء حزب العمل ، وقد اختير فيما بعد ليكون وزيرًا للثقافة في إسرائيل ، وليست وظيفته محددة للعرب فقط ، بل هو يعالج - افتراضًا - قضايا عامة في إسرائيل .

 

  ولعل وجود وزير عربي مدعاة للتساؤل ، ولا أقل من ذلك اهتمام البرلمان الإسرائيلي باللغة العربية . لقد حانت فرصة كنا نحلم بها ، وعلينا أن نغتنمها ، وإلا فإننا نظل نندب حظنا  ، ونتهم الحكومة ، ولا أحد يستجيب لنا . ثم ، إن مسؤوليتنا إزاء الأجيال الصاعدة أهم من الحسابات الشخصية .

 

  إن مسألة : هل نقبل الوظائف العليا ، وهل نقبل حقوقنا الأساس يختلف فيها السياسيون  - كل من وجهة نظره أو رؤيته - ، ولكنني أرى - شخصيًا -  أن نستحصل كل حق ، وأن نظل نطالب بحقوقنا  حقًا تلو حق رغم أنف أصوات اليمين التي ترى في هذا الاعتراف بلغتنا عدوانًا على يهودية الدولة .

 

  إن من يظن أن الأعضاء العرب من غير الأحزاب الصهيونية يستطيعون أن يمرروا مشروع القانون هو ظن حالم واهم وغير قائم - في أجواء العنصرية التي ينعق بها  كثيرون من أعضاء الكنيست .

 

  إذن ، فلنطالب ، ولنبحث عن كل وسيلة ، ولن ندفع لقاء ذلك ثمنًا من كرامتنا ، أو تنازلاً عن قيم نتبناها ، ومن يظن ذلك  لا يعرف تاريخ نضالنا ومثابرتنا .

 

  المجمع الجديد هو استمرار لنشاط قام بها نخبة من أساتذة الأدب واللغة ، وقد حيل بينهم وبين النشاطات والطموحات شحة الميزانيات ، فإذا بنا أمام واقع جديد يرصد الميزانيات ، وتبعًا لذلك ، فنحن أمام مسؤولية جسيمة .

 

  من الطموحات التي في عزمنا :

 

  *   إقامة أيام دراسية ومؤتمرات لدراسة اللغة العربية .

 

  *  إصدار أبحاث ودراسات لغوية ، وإصدار مجلة خاصة باللغة ودراساتها .

 

  * الإشراف على الترجمات ، وإصدار معاجم خاصة تُعنى بالترجمة عن العبرية ، خاصة ونحن أمام تحديق اللغة العبرية في كل مجالات حياتنا - نحن العرب في البلاد - .

 

  * العمل على مراقبة اللافتات والإعلانات التي تنتهك العربية في المواصلات وفي مجالات أخرى .

 

  * الإشراف مباشرة أو غير مباشرة على مناهج تعليم اللغة في المدارس والأكاديميات .

 

 

* ولكن لدي استفسار صغير حول المجمع وتمويله وكيفية اختيار أعضائه، وما رأيك في الانتقادات التي تشير إلى أنه مقصور على أسماء محددة ، وهل أسستموه أولا  ، ثم تم تمرير قانون تأسيسه من قبل النائب مجادلة ؟

 

  أسس المجمع أولاً بفكرة مني ومن الصديقين د . فهد أبو خضرة و د . إلياس عطا الله ، وذلك في إطار عملنا المشترك في إعداد منهج جديد لتدريس قواعد اللغة العربية لمدارسنا ، وكنت قبيل ذلك - وفي أوائل الثمانينيات - نشرت مقالة في مجلة الجديد تدعو إلى ذلك ،  فاستحسنها إلياس ، وأضاف عليها ، ثم اجتمعنا مع بعض الأخوة  في أكثر من مكان ، ومنها كلية مار إلياس التي  فتحت أبوابها لتكون مقرًا لنا .

 

  ثم إن السيد موفق خوري  ( مدير دائرة الثقافة العربية " ومقره في الناصرة " ) تبنى المجمع في سنواته الأولى    ، وقدم له دعمًا يسيرًا متاحًا  ، وقد كان الأعضاء المؤسسون  عشرة - هم الذين يعملون في اللجنة العليا لشؤون اللغة العربية ، مضافًا إليهم بعض الأسماء المعروفة .

 

  بعد ذلك أصبح المجمع جمعية مسجلة رسميًا تحت إدارة دائرة الثقافة العربية .

 

  وفي جلسة من جلساتنا قررنا التوجه بطلب رسمي للبرلمان للاعتراف بنا - أسوة بمجمع اللغة العبرية _ ، فكان من رأي بعض الأخوة أن نتوجه إلى جميع أعضاء الكنيست العرب بدون استثناء ليعملوا معًا على تمرير قانون المجمع  ، وقد وافقنا على ذلك .

 

  وكنت شخصيًا قد تحدثت مع ابن بلدي وجاري وطالبي ( الذي لا أوافقه سياسيًا إطلاقًا ) وعضو البرلمان عن حزب العمل السيد غالب مجادلة ،  فتحمس  منفردًا للفكرة ، وأخذ يجري اتصالات مع القائمين على المجمع ، وعمل بكل الحيل والأساليب ، حتى يحصل على أغلبية الأصوات اليهودية لتمرير مشروع القانون  . ولم أفهم يومها لماذا امتنع أعضاء التجمع برئاسة عزمي بشارة عن التصويت رغم ما حاول التجمع  عرضه من مبررات سياسية أو رفضية بسبب أن  الاقتراح جاء من مجادلة ، فأخذوا يسخرون من طريقة لفظه ( المجمّـــع ) ، كما تحسبوا من إمكان استثناء سيُجرى.

 

  ومع ذلك ، فقد  سر الجميع بتمرير المشروع في البرلمان  ، وفي الأثناء أصبح غالب وزيرًا للثقافة ، فاستمر بحماسته للمجمع .

 

  وقد وصلنا النموذج الرسمي لتقديم الطلب ، وفيه وجوب أن يكون العدد خمسة عشر ، فما كان منا إلا أن أضفنا بضعة أسماء تحمست للدخول  (بعد أن كانت امتنعت )  لنستوفي العدد . وكان من الشروط أن يكون ثلث الأعضاء على الأقل من جنس آخر ( وبتفسيرنا هنا أن تكون في المجمع ثلاث أو أربع باحثاث - ، وكذلك أن يكون المجمع لكل ناطقي اللغة العربية ، ولا يستطيع أحد أن يستثني الباحثين اليهود ، الأمر الذي يوجب تنازل  أربعة منا  على الأٌقل من أسماء المؤسسين الأوائل ، وذلك ليفسحوا المجال للباحثات ولباحثين يهوديين مختصين .

 

  ومن المهم ذكره أن وزير الثقافة هو المسؤول عن تعيين الأعضاء المؤسسين ، وهو يعرض الأسماء على الحكومة لإقرارها .

 

  وقد عمل رئيس المجمع د . فهد أبو خضرة على تثبيت أحد عشر اسمًا منا ( بعد أن كان الوزير  قد عرض أسماء أخرى معروفة وطنيًا لكنها ليست معروفة في ميادين البحث اللغوي ) .

 

  ومع ذلك فقد كان استثناء أخوة لنا أمرًا عسيرًا ، ومنهم د . إلياس عطا الله  ، و  د . ياسين كتاني ، د .إبراهيم جريس ، د . نزيه قسيس ، أ . جميل غنايم  ، وقد تداولنا الأمر ، وأصبحنا بين خيارين :   أن نقبل اقتراح الوزير  ، ثم يكون لنا مجال فيما بعد لإعادة الأخوة - حسب القانون - ،

 

   أو أن نرفض النموذج الأصلي الذي أعد حسب قانون  مجمع اللغة العبرية ،

 

  ويبقى خيار ثالث أن يكون لنا نموذج خاص  وفق احتياجاتنا ، وهذا كما أرى غير ممكن .

 

  وكانت غضبة صديقنا إلياس - خاصة - بحق ، خاصة وأنه استثني لأسباب سياسية ، فهو تجمعي ( حسب رأي الوزير الذي أكد  لي بعد أن اقترحت عدم استثناء إلياس  أنه لا يختار أي شخص له صبغة حزبية- )، ولكنها كانت متعجلة في الغمز  المبطن  ببعض أصدقائه  دون أن يذكرهم ، وذلك عبر تعليقه أو رده أو رسالته الموجهة للوزير ( نشرت في فصل المقال 30 حزيران 2007 ).

 

  لا أتحدث باسم أحد هنا ، ولكني أقول : إننا أحوج إلى التعاون وإلى الإفادة من خبرات بعضنا البعض ، فنحن جميعنا لنا تخصصات بدراسة اللغة ، ولغة الأدب  ، وأدبيات اللغة ، ولن يستطيع أحد أن يغمط مكانة من استثنوا  ، فكل منهم معطاء في تخصصه ، وفيه وفاء للغته .

 

  *كيف ترى لواقع اللغة العربية بين العرب في اسرائيل؟ هل توجد سياسة اسرائيلية رسمية تستهدف هذه اللغة؟ ما تاثير اللغة العبرية على اللغة العربية في التداول اليومي، ودخول مفردات عبرية عليها؟ كيف ترى لمستقبل اللغة العربية بين العرب الذين بقوا في وطنهم؟

 

  سميت اللغة التي يتحدث بها عامة الناس ، بل أصحاب الوظائف : اللغة العِــرْبِـــية ، ذلك لأنها مزيج بين العربية والعبرية .

 

  لا أستطيع أن أتهم مباشرة السياسة الإسرائيلية بالتنكر للغتنا وأنسى مجالسنا المحلية التي تكون مراسلاتها بالعبرية ، ولا أستطيع أن أغفل

 

  مؤسساتنا وأصحاب المحال التجارية في القرى والمدن ممن يؤثرون الإعلانات بالعبرية .

 

  سأكون صريحًا وأقول : إننا في سبيل نشأة لغة خاصة هي العــِـــرْبيـــة - كما دعوتها ، وهي لغة أدخلت الألفاظ العبرية وطبقت عليها قواعد العربية ، فيقولون مثلاً  : " راح ع القنيون واشترى بيجديمات وعمل له التاجر هناحا " = ذهب إلى المجمع التجاري ( اقترحت أنا للّفظة "مشْرى " واشترى ألبسة للبحر ، وعمل له التاجر تخفيضًا ، ويقولون " يَشـِِّــر ! = سر مستقيمًا...إلخ . ولا تسألوا عن اللغة مع السباك أو الميكانيكي أو المستشفى أو في ميادين الزراعة والمحاماة  وغيرها ، فنحن في مد داهم وجارف .

 

  وفي هذا السياق أرجو أن تقرءوا مقالتي عن اللغة العِـــرْبية في موقعي :

 

  http://faruqmawasi.com/lugha.htm

 

  *ما هو المطلوب للنهوض بواقع اللغة العربية لديكم؟ وهل تختلف المشاكل التي توجه اللغة العربية في إسرائيل، مثيلاتها في الدول العربية الأخرى؟ هل من مقترحات للعلو بالعربية ليس في إسرائيل وحدها وإنما بشكل عام؟

  أولاً أن نعهد إلى أساتذة مختصين ليدرُسوا ويدرّسوا لغتنا ، ويحببوها لأبائنا ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ،

 

  وثانيًا أن نجري مسابقات في المطالعة ،

 

  وأن نكثف الاهتمام بالعربية ،

 

  وقبل ذلك أن نحترم لغتنا ، ويبدأ ذلك من البيت ، ومن الناس عامتهم قبل خاصتهم ، فإذا أولينا عشاق اللغة احترامًا أولينا لغتنا ذلك .

 

  أقول هذا وأنا أعرف أن هناك من يسخر ، بدءًا من المسرحيات التي تجعل التحذلق اللغوي وسيلة هزء ، وانتهاء بالعائلة التي تفاخر بدراسات أبنائها في الطب والمحاماة والهندسة ....، فإذا قال أحدهم : " ابني يتخصص باللغة العربية "  تغامزوا ، و مروا به فكهين .

      من هنا أصل إلى العالم العربي ، ففي رأيي أن جرس الإنذار  يقرع فيه كذلك  ، وقد زرت المغرب  فما وجدت اللغة العربية في مطاعمها أو في حديث الشارع فيها ( فاللهجة هناك تمزج الفرنسية باللهجة المغربية ، وهات من يفهم ! ، وقد حاولت التفاهم معهم بالفصيحة ، فإذا بأحدهم يصيح متهللاً : تعالوا :  هنا طه حسين يتكلم ! ) . وزرت الأردن ومصر  فوجدت الإنجليزية تقتحم  تضاعيف الجملة ، ووجدت العنوانات واللافتات الأجنبية ، وسمعت عربًا آخرين من الأقطار العربية فما سمعت إلا لحنًا ، وصار العارف بالعربية والمحاقظ عليها أعز من بيض الأنوق - في التعبير الصحراوي - ،  أو أعز من الكبريت الأحمر في معجم الأمثال  .

  * هل كان هناك تعاون مع مجامع اللغة العربية في العالم العربي ؟

 

  زرنا مجمع الخالدين في القاهرة المحروسة ، والتقينا د . شوقي ضيف رئيسه قبيل وفاته ، واقترح علينا أن ننضم إلى مجمع اللغة الفلسطيني في نابلس  ، وهو لا يدري أن مشكلاتنا وقضايانا مختلفة على الصعيد اليومي والفعلي .

 

  وفي المؤتمر الأخير في آذار وقد عقد احتفاء باليوبيل الماسي ( خمسة وسبعين عامًا على تأسيس المجمع ) كان هناك وعد بأن أشارك ضيفًا مراقبًا ، فإذا بالمسؤولين فيه يتذرعون أولاً بالتطبيع ، وكأننا مندوبون عن إسرائيل ، ثم ...بأن الأمن لم يقدم الموافقة حتى اليوم .

 

  ولن أضيف أو أعلق  تاركًا لكم أولاً أن تتخيلوا مشاعرنا إزاء هذه المعاملة ، وثانيًا : أن تتساءلوا عن حقيقة ذلك  .

  أما مجمع الأردن فأغرب ، فنحن نسافر يوميًا إلى بلدنا الثاني ، وأبناؤنا يدرسون في جامعات الأردن ، ونحن أهل رغم سايكس بيكو وووو ، ولكن الدكتور عبد الكريم خليفة  - رئيس المجمع - ( ويشهد الله أنني استمعت إلى محاضرة له مؤخرًا فأحصيت .....) ، وقد رفض قطعيًا أن يزور  وفد منا المجمع الملكي للإفادة من تجاربه .....

  ثم يأتي بعد ذلك من يعاتبنا - لأننا قبلنا اعتراف إسرائيل بمجمعنا ؟ فقد "احترنا يا قرعة من أين نبوسك !!!"

 

 حوار مع الدكتور الشاعر : فاروق مواسي

أمسك بيد غضبي وألمي وحبي، وأرافقها لنبحر في كلمات أسيانة، ونتقصى الشواطئ لعلنا نجد معًا مرفأ يتعاطف أو يرحب".

أجرى موقع " الكاتب العراقي" هذا الحوار مع د. فاروق مواسي، وسينشر في صحيفة كردية بالعربية ، كما سيترجم إلى الكردية لينشر في صحيفة بهذه اللغة.

5 حزيران 2009

حاوره: سردار زنكنة

الشاعر الفلسطيني الدكتور فاروق مواسي، غني عن التعريف ليس فقط في فلسطين وإنما في الوطن العربي أجمع، شاعرًا وقاصًا وناقدًا، وله بصمته المتميزة في هذا المجال، وذاك.  إذ له أكثر من (50) عملاً مطبوعاً ما بين الشعر والقصة والنقد والدراسات. يشغل منصب رئيس دائرة اللغة العربية في أكاديمية القاسمي في باقة الغربية، عضو مجمع اللغة العربية في حيفا، ونائب رئيس نقابة الكتاب في إسرائيل.

شارك في مهرجانات ثقافية في العالم العربي، وله نشاطات في حلقات عربية – يهودية.
 رسالة الماجستير بعنوان( لغة الشعر عن بدر شاكر السياب) عام 1976، حصل  سنة 1989 على الدكتوراه في جامعة  تل أبيب ( الشعراء الديوانيون)، ترجمت أشعاره إلى لغات عديدة، وفي حوار معه دار الحديث التالي:

* مابين العقل والعاطفة، الشعر أيهما يخاطب؟

- الشعر يخاطب العقل والعاطفة معًا، فلو كان مقصورًا على العقل لما كان شعرًا يعبر عن مشاعر وانفعالات، ولو كان عاطفة فقط لما حمل فكرًا وتأثيرًا مدروسًا وفعالية.
أجمل الشعر ما دعاك ودعا عاطفتك إلى اتخاذ موقف، أو إلى بناء علاقة إنسانية. وإلا فإن الشعر يظل بدون رسالة، وبدون معالجة تخالج المتلقي، فالرسالة من شأنها أن تدعو إلى التغيير، وكل تلقٍ حري به أن يدعو إلى ذلك.  فعندما أقول في قصيدتي " الشيخ والبحر":

"أطلب كأسًا
كي أذكر درسا

أذكر رأسا

أذكر أنسى أنسى أذكر أذكر أنسى

أجتر مهانة...."

فإنني أعبر عن عاطفة الغضب إزاء ما فعله الغاصب، وتراوحني مشاعر متفاوتة ومتباينة، ومن جهة أولى فإنني أدعو بفكرتي وبعاطفة منطقي أن يرفض المتلقي هذا الفعل المهين الذي جعل من المسجد حانة.

·    أي العوالم ترتب من خلالها هواجسك الشعرية؟

- تنتظم هواجسي وفق عوالم هي في الواقع،  أو هي في الواقع الممكن، أحيانًا أرتبها، وأحيانا لا تنتظم في أي إطار لتنطلق مؤقتًا إلى فانتازيا، لكنها جميعًا تعبر وبصدق- وهذا هو خيط نسيجي-  عن " أناي " ، بكل تجليات الأنا، وتعارضاتها، وانعكاساتها، وبكل صورها ودواعي وجودها.

* هل يمكن للشعر أن يتقمص الهموم السياسية ؟ باعتقادكم هل هناك توافق مابين الثقافة السياسية والخطاب الشعري؟

 - يستطيع الشاعر أن يتقمص همًا سياسيًا، وهمًا وجوديًا، وهمًا اجتماعيًا، فالخطاب الشعري يقاس بـ "كيف تقول" ، لا بـ "ماذا تقول" . وأدلل على ذلك مما أحبه من شعر توفيق زياد ( الذي كتب عنه عز الدين إسماعيل أنه أصدق الشعراء الفلسطينيين في التجربة):

"أناديكم

أشد على أياديكم

وأبوس الأرض تحت نعالكم

وأقول أفديكم"

ففي ندائه، بل بين  حروف ندائه شاعرية مجسمة تتقمص أحاسيس – هي في التواصل الشعري ذات دينامية وتلاحم، وتترك أثرًا حميمًا ومحفزًا، وذلك رغم المباشرة التي لا أراها مخلة أو غامطة من شعرية النص.

* كتاباتك عن فلسطين كثيرة ومتنوعة، ماذا أعطت فلسطين لكتاباتك؟

- حقًا، هي كثيرة شعرًا ونثرًا، ونظرة في موقعي الخاص تدلك على هذه الغزارة في التعبير. http://faruqmawasi.com
أمسك بيد غضبي وألمي وحبي
، وأرافقها لنبحر في كلمات أسيانة، ونتقصى الشواطئ لعلنا نجد معًا مرفأ يتعاطف أو يرحب .

* ما مدى انعكاس البيئة التي عشتها على نتاجك الأدبي؟

-البيئة هي الطبيعة والمجتمع، وما ينعكس فيهما من مرايا، وكتابتي لا تعمد إلى الطبيعة بما يكفي  رغم أنني كتبت عن البحر وعن مناظر في بانياس، وعن...
لكني أتركز على طبيعة المجتمع، وأنحي باللائمة على كل مظاهر القبح والشر والعدوان.
ومن جهة أخرى أستقصي مظاهر الجمال، وكم بالحري المرأة المخلوق الأجمل، فأراوغ وأناغي ، وأداور وأحاور، وتطيب لي كل لحظة.

* ماهي طبيعة العلاقة بين الأدب الفلسطيني في الضفة والقطاع والأدبين الفلسطيني والعبري في اسرائيل؟

- أدبنا في الداخل له خصوصية تختلف عن أدب أهلنا في الضفة والقطاع، فنحن نخاطب اليهودي (ولا أعني الصهيوني أو المحتل) بإنسانية، بل نتعاون مع يهود يساريين في نضال مشترك ضد الاحتلال والغطرسة الحكومية العدوانية.

وعلاقتنا قائمة مع بعض الأدباء العبريين ، الأمر الذي ينعدم لدى أخوتنا، وذلك بحكم عيشنا المشترك، فنحن وبعض الأدباء العبريين نقيم أمسيات وندوات مشتركة، معظمها له موقف يدعم تطلعات الفلسطينيين وحقهم في إقامة دولتهم.
أود أن أشير هنا إلى أن بعض الأدباء العبريين  يعارضون القصائد التي لها تناغم سياسي، بدعوى أن السياسة تقتل الشعر، وهم في ذلك يلتقون مع بعض غلاة الحداثة لدينا.

·   ما هو جديدك المرتقب على صعيد الأبداع؟

- سأصدر قبل نهاية هذا العام:

1- ديوان شعر بالعبرية عنوانه " الأحزان التي لم تفهم وقصائد أخرى ".

وسيعقب الإصدار نقاش وحوار في أكثر من مكان-  في الوسط العبري.

2- "القدس في الشعر الفلسطيني الحديث" ، وهو طبعة ثانية مزيدة ومنقحة ومضافة إليه أنتولوجيا شعرية . وسيصدر في رام الله ضمن إصدارات سنة القدس الدولية.

3- " أحب الناس " – ديوان شعري جديد ، بإصدار خاص ، وهو الكتاب الخامس عشر في الشعر.

4- " قراءات في شعر محمود درويش" ، وسيصدر في آب،  ليستذكر مرور سنة على رحيل الشاعر، وهذا الكتاب يشمل دراسات كنت قد ألقيتها في مؤتمرات نقدية في العالم العربي.

 ·وأخيراً هل لك اطلاع على الأدب الكوردي، هل قرأت لنماذج منه؟

 - قرأت للكثيرين، وما أحبه فيهم الحسية والومضات الذكية، وأبرز من أحببت هو شيريكو بيكه س، وفي مكتبتي عشرات من قصائده.

جدير بالذكر أنني ذكرته وذكرت آخرين قرأت لهم - عندما كتبت قصيدة تعاطفتُ فيها مع عبد الله أوجلان ، وهي :

ولماذا طلبوا موتك يا أوجلان ؟!

وعلى مرأى من بحرٍ صافٍ وجزيرهْ
 وسماءٍ زرقاءَ كريمهْ

كانت ثَمَّ جريمهْ :

طلبوا موَتك يا أُوجلانْ

 لم تطرفْ عينُ القاضي

ها هو ذا يتلو الْحُكم - البهتانْ

 او ينفخُ نَفخةَ ثعبانْ

*  *   *

فوق منصته غنّى البهتانْ

 قام القاضي يرقص في حلبتهِ

 ما زالت رقصتهم حتى الآن

من جهة أخرى:

 انطلقَ البحرُ

 وسماء في أُغنيةٍ

 تبكي:

 آ   بو   آ    بو    آ     بو

اما آبو = ( أوجلان)

 في ساعتها أضحى نسراً يكبر

 يكبر يكبر

مشتعلا لا يخبو

 حلَّق فوق ذُرى كردستانْ

صاحبه غيمٌ يحملُ حزنا في طيَّاته

 وضفائر ماءِ سحابهْ

تغدو سرَّ الحبِّ لأرض ظمأى

 لشراب

 وربابهْ

*      *      *

سألت أطيارٌ أوجلانْ :

- ولماذا طلبوا موتَك؟!

رَدَّدَتِ الأمداءُ صدًى تلو صدى

 ولماذا طلبوا موتك؟

  طلبوا موتك؟

  موتك؟

لكنَّ النَّسْرَ مضى في رحلته فوقَ الوطنِ

 المنكوبْ

يلحظُ مأساة الجوع هنا

 آيات الفقر هناكْ

 فيدوِّن في دفتَرِ  « زلزال » كلَّ حكايهْ

ما زالت " مَوْتُكَ " تكبر

 تكبر تكبر

 فأجاب الشَّاهدُ – ذاك البحرُ :

- فلعلَّ لهم ثأرًا من أيام صلاح الدين!؟

- أَوْ غضبا من أشعار بيكه س.

( أو حتى تُحذف أسماء : قاسملو، جمال

عرفات، عبد الخالق معروف، شرفكندي،

 موسى عنتر، سعيد بور، و..  و..)

وتجيب الشاهدة الأخرى:

- حتى لا يسأل أحد عن حريته

 ( أحد من أمثال الأكراد أو أبناء الشرق)

 – حتى لا يصبح عصفور يتغنَّى أغنية كرديهْ

  - حتى لا يقرأ أطفال في انطاكيهْ

 حرفـًا عربيا

  - حتى لا يعرف كردي أن له وطنـًا يحميه

 أن له صفصافهْ

 أو تاريخـًا يرويه

وأقول أنا: السيد الأمريكي يبغي حرية وانفصالا للأكراد

 في العراق- يا للكرم- !

 أما في إيران فهو حيادي في مسألتهم – يا للموضوعية-!

 وفي أذربيجان ثمة إغماض وتجاهل- يا للأكراد- !

أما في تركيا، فالأكراد هم الإرهاب ، واسمهم " أبناء الشرق"

 – يا للعدل- !

أرسلت كلماتي النثرية أعلاه

 في برقيهْ

 للشاعر شيركو بيكه س.

 فأجاب بكلِّ حميهْ :

" ذات يوم

 ولدت الأرض بركانا

 ومن البركان

 ولدت كردستان

 وكردستان خلفت ابنها آرارات

 ومن آرارات

 ولد الكرد

 ومن الكرد

 ولد توأمان: القهر والتحدي

 ومنهما

 ولد طريق- يلماز كوناي-".

 

لقاء مع البروفيسور فاروق مواسي

أجرته: آمال رضوان

 

 

-        كيف تعرف نفسك أولاً- وأنت تصول وتجول في ميادين الأدب، وأنت ترسم في ألوان أدبية كثيرة؟

-         أعرّف نفسي أولاً أنني ناقد، ذلك لأن النقد من طبيعتي وتأصيلي، وبي مثل شيلي شهوة لإصلاح العالم، ومن الغبن أنه لم يعهد إلي أن أجرب إدارة الدفة.
ألبس عباءة النقد، وأزعم أنني موضوعي نزيه لا يأخذني في قولة حق لوم أو تثريب. ومن يهتم بالأبراج أقول له "إنني من برج الميزان".
ناقد، لأن شعري محاورة حالة، جو، موقف، ومساءلة لذاتي.

ناقد، لأن مقالتي ترمي إلى الأجمل والأمثل.

ناقد، لأن قصتي تراوح فكرة وتداعبها علها تُروى فتروي.

ناقد، لأن بحثي أدرسه وهو يوازي قناعاتي، وإلا فما أغناني عن أن أعالجه ويعالجني.

وأطلّ على اللغة ناقدًا لها، وتظل معشوقة.

وأما المربي فيّ فهو ناقد اجتماعي فلسفي يزرع جنات ألفافًا في بيداء الظلمة الجاهلة.

 

-        إلى أي مدى كان للقرآن أثر في مسيرتك؟

-         يظل القرآن أستاذي ونبراسي في اللغة، حفظت منه ما حفظت، بل كنت فيه الفائز الأول في حضرة شيوخ حفَظة تجاوزوا الخمسين، ذلك في مسابقة رسمية أجرتها دار الإذاعة سنة 1967.
في لغة القرآن بدأت أتقرّى أسباب شكل اللفظة، وارتباط المعنى به، فإذا كانت (الحمد لله) بالحركات الثلاث على الدال فهذا يعني أنني شرعت أخوض لججًا لغوية ومعرفية، وثمة قراءات أتنغم بها، وأتعلم منها.
لغة كنت أترنم فيها وأنا أقرأ مثلاً سورة مريم وكأنها إيقاع موسيقي رهيف.

ثمة أكثر من دراسة أكاديمية عن تأثير القرآن في شعري – في اللفظة وفي الجملة، في المضمون، وفي التناص إيجابًا أو سلبًا.

ومن نافلة الإجابة أنني سميت ابنتي الحبيبتين مستقيًا الاسمين من رافدين-  آيتين: {فبأي آلاء ربكما تكذبان* جنى الجنتين دان}. هل أقول لكم إن (آلاء) و (جنى) جناهما حقًا دان في الدنيا قبل الآخرة؟!

-        ورحلتك الأكاديمية؟ دعنا نصحبك فيها!

 

-         رحلتي بدأت من خلال قراءات تترى، تثري تجربتي كل يوم، وتعلمني الدقة والمسؤولية في مراجعة الجملة والمقولة، بل محاورة اللفظة التي دخلت نسيج النص. فيها معاناة في التنقيب والموازنة، فيها استنتاج، وبناء موقف. فيها استقلالية وقناعة– قناعة غير المغترّ، قناعة ليست مطلقة، بل تدع المنفذ للمستجد، فمن أغلق النوافذ وأحكمها أصابه العطن.

يوم التقيت بعض الأساتذة في الجامعة، وكانت العربية مصدر اعتزازي دهشت لتصويبات كانت على أوراقي، فالتعليقات كانت توحي لي، بل تلح علي أن أفتح عينيّ أكثر على مصادر خفيت مساربها عني، وأن أثير مسائل جديدة، وأن أدقق حتى في رقم الصفحة الذي نقلته عجلاً.

تعلمت أن أجوب وأجول، أراجع المـراجع، وأنا أعمد إلى جدية هي شفيعي.

هكذا انطلقت أحسب كل حرف وكل كلمة، فأخذت أحاسب كل كتابة، وكأنني ضابط أو رقيب، فهذا البحث أعلق علية صفحة مقابل صفحة، وآخر أضرب عنه كشحًأ وكأنني لم أقرأ، وهذا أعجب به حتى الثمالة فلا أضن على نفسي ولا على صاحبة بكلمة ثناء، ولأنبئه عن مسرتي به، وهناك أكثر من آخر أسائله لماذا يصر صاحبه أن يكتب؟ لماذا؟

 

-        تركزت أطروحتك للدكتوراة على أشعار الديوانيين (العقاد والمازني وعبد الرحمن شكري) بإشراف محاضر إسرائيلي -هو ماتي بيلد في جامعة تل أبيب، فهل قدم لك إرشاده نوعية ما – حسب رأيك-، وماذا لو درست في جامعة عربية؟

 

-         ما ألاحظه على الأساتذة الأجانب المميزين أنهم يحرصون على دقة الأداء، وينفرون من فضفاضية العبارة التي تزخر فيها أبحاثنا، فنحن تشدنا الاستعارة والكناية والمجازات ببلاغيتها المطربة، فلو قال باحث: "هو جزل العبارة" – مثلاً- لصعبت الترجمة إلى أي لغة وحتى العربية، فما معنى (جزل) تمامًا؟ وماذا أعني بالعبارة؟ الأجانب يبحثون كذلك عن موازنات مع كتابات الغربيين في المجال الذي يجولون فيه، وهم يضعون نصب أعينهم أولاً وقبلاً سؤال البحث، وكل زائدة ناقصة.

لم  أتوجه للدراسة في عالمنا العربي لأن الأبواب سكّرت أمامنا، وذلك بسبب ما يدعون أنه حرب بينهم وبين هؤلاء الذين أعايشهم في بردس حنا وهرتسليا وكفار سابا..... وقد يعلم الله حقيقة هذا العداء، و حقيقة هذه "المقاطعات" الاقتصادية؟!

 

-        وماذا مع تهمة (التطبيع)؟ وهل جابهتها في غمرة مشاركاتك الأدبية في ربوع العالم العربي؟

 

-         تطبيع ! تطبيع!  أكثر من مرة حيل بيني وبين المشاركات الأدبية والعلمية، فجامعة جرش –مثلاً- تتصل بي لتعتذر قبل يوم من انعقاد مؤتمر فيها عن اللغة، وكانت قد  أجيزت فيه ورقتي.
 وجامعة الجزائر تدعوني لمؤتمر أطفال أشارك فيه ببحث عن لغتهم، فإذا بهم يلغون الدعوة، لأنني أحمل الجواز الإسرائيلي.
اتحاد الكتاب في الإمارات يعتذر عن عدم دعوتنا بعد أن توجهنا له (بناء على رأي دكتور له دالة – هو الصديق د. صالح هويدي)، فيقولون بصريح القول: إنه "تطبيع"!!!
    في مجمع اللغة العربية في القاهرة استقبلونا على توجس، واعتذروا عن عدم تمكنهم من استقبال وفد منا في مؤتمر المجمع باعتبارنا مراقبين، وهيهات! فهذا "تطبيع"!

بالطبع تستقبل الدولة السياح والتجار والقوّا.... والمقامرين ولا تستقبل العلماء والباحثين!!!
مع ذلك فقد دعيت إلى جامعة اليرموك، والبترا، والأردنية، وجدارا  وفيلادلفيا في الأردن، وإلى سوسة في تونس.  ومع أسفي أعترف بأنني كنت بمثابة "ضيف"، وعلي أن أقبل ما يراه المضيف، وألا أتجاوز حدي. أشارك وكأنني ذلك "القاصر" الذي تجب رعايته والحدب عليه.
سأعترف أكثر: لقد تبين لي من خلال فحص ومساءلات لي أن المخابرات تستقصي وتظهر للمسؤولين في الجامعة -بصورة غير مباشرة-  عدم رضاها عن الدعوة. هي لا تحظر، لكنها توحي، كما اعترف لي بعض أصدقائي ممن يبادرون لدعوتي.

في المؤتمر الأول الذي شاركت فيه في جامعة اليرموك أخبرني المستشرق ياروسلاف ستيتكيفتش أنه قرأ في صحيفة الدستور خبرًا عن المؤتمر، وفيه غمز بأن الجامعة تقوم بالتطبيع إذ تدعو محاضرًا يحمل الجواز الإسرائيلي؟؟؟!!!

وبرغم ذلك، وبرغم لغة "التعاطف" فإنني أشارك بنشاط، فأتعرف إلى أساتذة أجلاء، وإلى أدباء أسر برفقتهم.
هل أؤكد على أهمية أن يعتذر لي  أكثر من خطيب في المؤتمرات إذا أخطأ أو لحن؟
نعم سأذكر ذلك لأدلل على  اعتراف ضمني بمدى حرصنا نحن المرابطين في الأرض على لغتنا ووجودنا وهويتنا.

 

-        وهل لهم اطلاع على أدبنا وحركتنا الثقافية؟

 

-         لاحظت أن الدكتور منهم ليس مستعدًا للتعرف إلى الحركة الأدبية في الداخل، فحسبه من أدبائنا من يعرفه، ليدِلَّ بما يعرفه عنه في جمل مكرورة ومعادة، أما الجديد فيندر جدًا من يتدارسه.
بل إن صحافتهم لا تكاد تنشر لأحد منا إلا تكرمًا، أو كأن الأمر إنجاز موقفي- ينشرون مرة أو مرتين، وكفى بذلك وكيلا.

 

-        هل ثمة متنفس لدى مناطق السلطة الفلسطينية تبعًا لذلك؟

 

-         كان لقاء الأدباء الفلسطينيين تحت سماء الوطن  سنة سبع وستين في ظروف احتلالية عاتية، ومع ذلك كنا نكتب في صحافة الضفة، وهم يكتبون في صحافتنا. كنا نلتقي أدباء القطاع وهم يلتقوننا. نشارك ويشاركون في مؤتمرات تعقد، وفي ندوات تنتدى. حتى إذا تغيرت رياح السياسة، واستبد العدوان أكثر فأكثر حواجز وجدارًا وأسلاكًا ندرت اللقاءات، اللهم إلا لقاءات يسيرة في بيت الشعر.
أستطيع أن أصف الوضع أفضل مما وصفت به أهلنا في العالم العربي، لكن ظلال الريبة تغيم أحيانًا، وبقدر ما أنا وابن رام الله في هوية واحدة فإن ثمة خيطًا يرسم فرقًا.
هل أقول رأيًا لم يرد لدى أحد، وأنا أظنه يحلق في أجوائنا؟
ثمة تجاهل يُمْنى به (عرب48) سواء من الكيان الذي يعيشون بين ظهرانيه – يتجلى بعدم المساواة، وبحالة الاستلاب المستمرة- هذا من جهة،

ومن جهة أخرى - من السلطة الفلسطينية – بالتنكر لنا في كل المؤسسات الرسمية، وكأنهم يؤكدون "إسرائيليتنا" أكثر مما نبغيه.
إزاء ذلك فإنني أخشى إذا طالب الجليل والمثلث وسائر العرب في الداخل يومًا ما باستقلال داخلي (أوتونوميا)- بكيان له مقوماته ومواصفاته الاجتماعية والتعبيرية، وإذا انطلق ربيعهم العربي الخاص بهم . 

 

- أود أن أعرف منك إذا كنت قد نجحت –شخصيًا- في إبراز قضيتك الفلسطينية؟

 

-         هذا السؤال من شقين: في السياسة والنشاط فيها، وفي الأدب أو في كتابتي.
أما السياسة فقد توقفت عن معاركتها، وشرحت سبب قصوري في ذلك. وجدير بالمهتم أن يتابع حواراتي التي  كانت لي مع شخصيات إسرائيلية، وذلك في"أقواس من سيرتي الذاتية: ط2 -2011- صفحاتي السياسية ص  156- 191. ويستطيع المتصفح أن يجد ذلك في موقعي أيضًا.
أما الوجه الأدبي فهو في الشعر وفي النثر.

إن الهوية الفلسطينية بارزة في كتاباتي الشعرية،وذلك عبر التجليات التالية:

-         ذكر الاسم"فلسطين مباشرة وغير مباشرة، تعبيرًا عن الانتماء والهوية.

-         ذكر الأماكن والمواقع الفلسطينية من خلال إبراز النغمة التي تشي بالألم، وخاصة وصف قرى مهدمة ومهجورة - من خلال تبيان المأساة التي ألمت بالشعب الفلسطيني.

-         رثاء بعض الشخصيات الوطنية الفلسطينية.

-         التركيز على بعض المترددات (الموتيفات) الفلسطينية نحو “الشهيد”،"الأرض”،"العَلَم”......

  كتبت قصائد كثيرة فيها ذكر للمواقع وفيها التحام بالمكان،وخصصت قصائد خاصة عن القدس (أربع قصائد) وقيسارية وعكا ويافا وحيفا (انظر الأعمال الكاملة ص256،237،236...... وكذلك"ما قبل البعد،ص 27،26،172،8)

قلت في قصيدة  لي عن القدس :

وسر القدس يشرق في سرائرنا

(ما قبل البعد،9) حيث تُظهر لغة (نحن) الانتماء والمشاركة العميقة.
وقد وقفت على أطلال الديار في عين غزال وإجزم والسنديانة، ومما سجلته من عذاباتي قصيدة
"عذاب المدى، فقلت وأنا أصف بناية كانت مدرسة في"ماضي الزمان”:

أطفالنا مضوا

الآخرون من أتوا مكانهم

وجرحنا درى به طير يرف فوق إجزم.."

                                      (خاطرتي والضوء، ص 14)

وتظل قصيدة "الشيخ والبحر التي تتحدث عن مسجد قيسارية الذي أضحى بقدرة ظالم- حانة، وهناك يعترف الراوي الشاعر أنه طلب كأسا" ليذكر أو ينسى...  يذكر..... يجتر مهانة”.  والقصيدة تقع في خمسة مقاطع رقّمتها أو رتبتها حسب الحروف ب،ل،ا،د،ي، وما أجملها إذ تُجمع!

-         في رثاء الشخصيات الوطنية الفلسطينية أظهرت البعد الوطني، وكم بالحري إذا كانت القصائد أصلاً قد كتبت لرثاء وطنيين بارزين مثل راشد حسين وعصام السرطاوي وعبد اللطيف الطيباوي وسامي مرعي وفهد القواسمي (الأعمال الكاملة، من 159،360، 303، 305، 306)، وكذلك أبو جهاد (قبلة بعد الفراق،ص 15)، وتوفيق زياد (لما فقدت معناها الأسماء، ص80)، وإبراهيم بيادسة (أحب الناس، ص 76)، وغيرهم..

قلت مخاطبًا أبا جهاد قبل أن أزور مكان مصرعه في تونس:

 “ غدا أبا جهاد

غدا تعود

شوق أمطار تحن إلى المطر

غدا تعود

إلى روابينا فداء"

لاحظ خلدون الشيخ علي في كتابه "صورة الشهيد الفلسطيني في أشعار فاروق مواسي” (منشورات المركز الفلسطيني للثقافة والإعلام جنين،1995م) أن لفظة"الشهيد لدي بارزة،  ووصفي لها فيه نوع من التقديس، فيقول :".... الشهداء عند مواسي لا يموتون، بل يطلون ممتدين، يطربون الذاكرة الفلسطينية الواعية بالألحان المقدسة، يتصاعدون نحو النجوم، يحملون معهم كل الأفكار النقية، ويقتلون الطوفان القوي لليأس.." (ص20)

-         اما"الأرض فلا تكاد تخلو قصيدة من لفظها ذكرًا أو إيماء، بل إن بعض القصائد عن الحبيبة فيها ما يرمز للأرض، وفيها هذا الدمج المتماثل الذي شرع نوافذه أولا شاعرنا أبو سلمى. وقصائدي الثلاث عن يوم الأرض (ديوان"يا وطني ص3-17) تؤكد على هذا الارتباط بالأرض والإنسان الفلسطيني عليها، كما أن القصائد عن كفر قاسم وعن العذاب اليومي الذي يمارس علينا كلها كانت دليلاً واضحًا على هذه الهوية التي أشعر أنها غُمطتْ وقُمعت في غفلة من الزمن. وفي تقديري أن قصيدتي عن مصطفى كبها وذاكرة الوطن فيها هذا العشق الذي أتجاوب فيه وهذا النشاط في معرفة التفاصيل الفلسطينية، بالإضافة إلى القصيدة عن"المفتاح" الذي يحفظه اللاجئ، و"الجدار الذي يضيق الخناق، وكأنه أفعى تساورنا. (أحب الناس، 17، 23،26)

-         أما العلم الفلسطيني فقد أشرت إليه تعميمًاأولاً في قصيدة كنت أطمح أن تُختار لتكون النشيد الوطني الفلسطيني (هكذا عبرت عن ذلك في أكثر من لقاء /حوار في أوائل التسعينيات) والقصيدة هي بعنوان"تتويج”:

 

الأمل المخضرّ على صفحة قلبي

يسألني يومًا... يومًـا عن دربي

يسألني هل أملك

أن أحفظ عِرضي

أن أعشق أرضي

والأمل المخضر يقول"نعم

البسمة تزهر في عين الأطفال

وتغطي كل ألم

والهمة تشرق في عزم رجال

ويكون علم......

                            (الأعمال الكاملة، ص87)

 

-         أما هويتي في كتابي النثرية، فتجد في القصة قصصًا تدل على الهوية التي يحاول الأعداء- أعني المتنكرين لحقي طمسها كقصتي التي عبرت فيها عنها- " لماذا شطبوا اسمي" (أمام المِرآة وقصص أخرى، ص 45).

وفي قصه" حجرعلم" فهي تؤكد بفنية أنْ لا بد من قيام الدولة الفلسطينية (ص 7)....  بينما تـُظهر قصة (أين ولدي) واجب الذود عن  الوطن الفلسطيني (ص 101).

وظلت القصة-" أمام المرآة" تواصلاً عميقـًا مع غسان كنفاني الذي صرعته يد الغدر وهو  يلهج باسم وطنه (ص39)، وثمة عدد من القصص القصيرة جدًا تحكي حكاية الحال:"تيمائيل"،"حجر"،"حيفا"،"وطن"، يافا، وغيرها. (مرايا وحكايا، ص 34،73، 35، 20، 64).

-         أما في المقالات فقد تحدثت عن ضرورة الأغنية الجماعية الفلسطينية (حديث ذو شجون، ص3)، وعن ضرورة حفظ آثارنا الفلسطينية (ن. م، ص 21)، وعن أن الوطنية الحقة  هي المعاملة (ص7).

وفي كتابي (أدبيات –  مواقف نقدية) تحدثت عن ضرورة التعاون مع أصوات الآخر النقية التي تدعم قضيتنا (ص 88)، وكيف نعد أنثولوجيا الشعر الفلسطيني (ص 131)، وعن معنى أسماء القرى والمدن الفلسطينية (ص150).

-         كما ألفت كتابًا يتناول دراسات وقراءات في الشعر الفلسطيني (قصيدة وشاعر الجزء الأول) يظهر فيه هذا التعلق بكل جميل في كتابتنا من إبداعنا نحن.

        ولي عشرات الدراسات والأبحاث التي تتركز على الشعر الفلسطيني، وكذلك على القصة والرواية والبحث. ففي كتابي" هَدْي النجمة" كانت هناك دراسات أخرى في الشعر الفلسطيني نحو" شاهد على حصاد الجماجم" – عن مجزرة كفر قاسم، و صورة اليهودي في الشعر الفلسطيني"، و" القدس في الشعر الفلسطيني الحديث"، (وكان هذا المقال قد نشر في كتيب منفرد، ثم طبعته وزارة الثقافة الفلسطينية في رام الله (سنة 2010) مضافًا إليه أنتولوجيا بالشعر الفلسطيني- قصيدة القدس). وكنت قد أصدرت أولاً- عرض ونقد في الشعر المحلي 1976، و الرؤيا والإشعاع دراسات في الشعر الفلسطيني – 1984 م.

فيما بعد أصدرت نبض المحار (2009)، وفيه دراسات عن الأدب الفلسطيني، كما أصدرت كتاب محمود درويش- قراءات في شعره (2010).

ويقيني أن كتاباتي السياسية الوطنية كانت تعبيرًا عن مشاعري ومشاعر أبناء مجتمعي.

ويحضرني قول شاعرنا محمود درويش في هذا السياق (أقصد محمود في بداياته لا في خواتيمه):

قصائدنا بلا لون ولا طعم ولا صوت

إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت

إذا لم يفهم البسطا معانيها

فأولى أن نذريها

ونخلد نحن للصمت

 

بعد هذا، ما رأيك في مسيرة أدبنا في الداخل، أو ما اصطلح عليه

(عرب 48)؟

 

-          ثمة نصوص راقية تنشر هنا وهناك، لكن الصورة بمجملها غير كافية ولا شافية.
 عندما أتصفح مجلة "شعر" أو "إبداع" أو "فصول" المصرية، "نزوى" العمانية، و"دبي الثقافية"، و"أفكار" و"عمان" و ملاحق "الدستور" و"الرأي" الأردنية أعرف كم نحن بعيدون عن المتابعة الثقافية العربية والعالمية، ومن جهة أخرى:  لماذا لا أقول عن الثقافة العبرية الجادة.
أستطيع أن أطمئن أن  معظم أسماء الرعيل الأول هي هي التي تثبت للترجمة وللبحث وللتأصيل، وسيظل من يردد أشعار زياد والقاسم ودرويش ومن واكب مسيرتهم من حيث رسالة النص، ومن حيث معايشة الحدث والانطلاق منه، فهم حتى الآن الوجه والواجهة.
وما بدأت به أختم: ثمة نصوص جميلة لكتاب جدد تتبدى نصوصهم حيوية وذكية، ولها إشراقات وإيحاءات. فلا  بد لهم مع تصفيقنا لنماذجهم ولهم إلا أن ننصح بالتزود، فإن خير الزاد هنا هو ثقافة وثقافة وثقافة-  ليست بالعربية فقط، وليست بجمل متناثرة.

*تحفل مكتبك الشخصية بعشرات الإصدارات الثقافية والأدبية والنقدية والاجتماعية. كيف تنظر لإصداراتك في ظل واقع يتسم بانخفاض منسوب القراء والقراءة  والاتجاه نحو الإعلام الإلكتروني، وفي الوقت ذات كنت من السباقين ممن اتجهوا للإكتروني أيضا؟

 

-          ثمرات فكري فيها خلاصة عمري، أحبها لأنها بنات أفكاري، أو فلذات دماغي، وأجدها تصبو كلها إلى نشدان الحق والخير والجمال، وتتغنى بالحب بكل تجلياته.
أحزن أنًا لأنني لا أجد القارئ غير العابر، وقد نشرت أكثر من مرة دعوة للقراء بأن يزورونني في منزلي، وعلى فنجان قهوة أهديهم ما تيسر لي من نسخ، فما نفر إلا نفر يسير.
ثمة ظاهرة أجدها لدى الكثير من "القراء" هي "التصفح" أو قراءة بضع صفحات، ثم إلقاء الكتاب على رف ما.
أسال على ضوء ذلك أو عتمته: لماذا نكتب؟ ولمن؟
أتعزى بأن الكتابة قدري وأثري، فلا بد مما ليس منه بد!
حقًا كنت من السباقين في ارتياد الشبكة، وأقمت لي موقعًا يزوره بضع عشرات يوميًا، فأغناني هو ومواقع صديقة عن أعتاب صحف طالما نشأت فيها ونشأت معي، فانقطعت بيننا السبل، ورأيت أن قراءتي هنا متيسرة أكثر لمن شاء أن يجد مادة لدي، بل هناك زاوية أجدّ فيها، وهي "اسأل فاروق مواسي"، أفيد منها وأنا أبحث، وأفيد فيها وأنا أشرح.

 

-         * بلغت دواوينك الشعرية خمسة عشر، فما هو ديوانك الشعري المرتبط بالذاكرة، ولم تتنازل عن حقك في استرجاعه واستحضاره؟

 

-         ليس هناك تخصيص، فلكل من أبنائي معزته. ذلك لأن كل قصيدة  في أي ديوان هي جزء من كينونتي، وأنا أعجب لمن يتنكر لنص له، أو لمن يحذف أو يغير. تولد القصيدة كائنًا في أحسن تقويم، فهل من يستطيع أن يغير يدًا أو عينًا؟!
صحيح أنني أفضل هذه القصيدة أو تلك في هذا السياق أو ذاك، لكنني أحتضنها جميعًا، وأخاطبها وتخاطبني في شعرية الذاكرة.

-        لو استقبلت من أيامي ما استدبرت لدونت لي ولمعرفتي ظروف النص، وأبعاد الألفاظ، وظلال مرماي، فذلك نوع يضاف إلى المذكرات، ولا إخال ذلك إلا ترجمة حياة، فأنا لا أكتب إلا اضطرارًا، وإلا بإلهام أو وحي أرى له جنية أو (موزا) تداعبني وأداعبها، وتغالبني وأغالبها. من هنا أعجب لمن يكتب لأنه أراد أن يكتب، يفعل ذلك دون اهتزاز وجداني ونفسي!

مع بلوغك السبعين – مد الله عمرك بالعافية-  أصدرت مؤخرًا "أقواس من سيرتي الذاتية"، فهل لنا أن نتصفحه معك!

 

يبدأ الكتاب ببيت معبر:  

 

فقد وفّيتــها سبعين حولا        ونادتني ورائي هل أمام؟

الكتاب
  هو أقواس يتناول في كل منها موضوعًا، كان مواسي قد نشر بعضها، وهي على التوالي:

صور من الطفولــــة، من صفحات التربية والتعليم، صفحات في الكلية، من رحلتي الشعريـــة، الهويـــة الفلسطينيــة في كتابتي، مع فدوى طوقان، مع عبد الوهاب البياتي، مع نزار قباني، مع عبد اللطيف عقل، من رحلتـــي النقديـــة،

 جولاتـــــي القصصيــــة، رحلتــــي في رحاب لغتــــي، جولاتـــي في الترجمــــة، الكتاب متعتـــي ونزهتـــي، عن كتابتــــي، صفحاتــــي السياسيــــة، مع الشيوعيـــة وعن رمزيــن فيهــا (إميل حبيبي وتوفيق زياد)، رحلتــــي في مذهبـــي، معالم وشخصيات أخرى:

    مع ماتي بيلــــد، جامعة النجاح في ذاكرتـــي، في حضرة الدكتور محمود السمرة، محمود درويش كما عرفتــــه، تعرفت إلى يحيى حقــــي، زكي العيلــــة، مع سرجون بولس – قليلاً، عن معنى السفــــر، رحلات- الرحلة الأولى والسفر بالطائرة، رحلتي الأولى إلى مصر ولقاء أدباء. عن معنى الخوف. من حكاياتــــــــي.

 

في تقديم الكتاب أجيب عن سؤال يهم المتلقي:

 

لماذا أكتب سيرتي؟

يظل التعبير عن الذات التي عانت وصارعت جزءًا من الأدب، وكم بالحري إذا اتسم هذا الأدب بالدفء والحميمية والتواصل. ثم إن أدب الاعتراف فيه كشف وتجلّ، وذلك بالاستذكار والاستقصاء، وليس هناك من هو أعرف من الكاتب بنفسه أو ذاته، فإذا نقل مراحل منها بأمانة وصراحة قدر طاقته وإمكانه فإنه يسفح عمره على الورق، ليقول لنا في نهاية المطاف: إنها حكاية جِـد، سأسردها لكم إن أحببتم.

السيرة الذاتية فن عرفه العرب قديمًا، ومن يطالع طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة مثلاً سيجد عشرات النماذج على هذا الإفضاء بالسريرة، وهذه المتعة في متابعتها.
 وظل هذا الفن يخبو ويظهر إلى أن طالعنا أيام طه حسين بضميره الغائب، فحياة أحمد أمين بلغة السرد الذاتي، وتلت ذلك مئات من السيرالذاتية، وكلها تروي قصة عمر، وقد يكون فيها عبرة لمن اعتبر.

يقول غاسدورف: "السيرة الذاتية هي المرآة التي يلتقي الفرد فيها مع ذاته"، وجلال الإنسان كما يرى صلاح عبد الصبور: "أنه يقدر أن يواجه نفسه ذاتًا وموضوعًا في الآونة نفسها". والسيرة الذاتية هي حكاية القلق الذي استقر صاحبه في واحة، ليقدم فيها للوافدين الماء والثمرات، يقدمها لمن يحاول أن يبحث عن أحوال النفس المرهفة ومقاماتها.
 إنها رحلة المدارج بل المعارج إلى ظلال الجمال والكمال.
 إنها محاولة اقتناص عيشة أخرى مضافة للمعيشة التي مرت.

ترى ما الذي يدعو الكاتب إلى تعري نفسه؟ إلى بوحه؟
 ربما يكون بدعوى المشاركة الوجدانية،
ربما للإمتاع والمؤانسة،
ربما هي مراجعة أخيرة لكتابة الفصول يستعرضها فيعرضها قبل أن تدبر أنفاسه.

سألني صديق:
أتعرف لماذا يحب القارئ أن يقرأ السيرة الذاتية؟
قلت: أفدني مما ترى!
قال: لأنه يقرأ كاتبًا يحدث عن نفسه، فيقرأ بعضًا من (أناه) هو، بمعنى أنه يجد صورًا مما عايش وعاين.
قلت: وكيف تفسر ذلك؟
قال: ألا ترى أنه لو عثر في منزله على مخطوطات وكتابات تركها جده، ألا يقبل عليها بلهفة، كأنه عثر على كنز؟!
إنه يقرأ الكتابات وكأنها جزء لا يتجزأ من كيانه.

قلت: حقًا، يبدو أن الماضي في السيرة هو لعبة الزمن ترد إلى الفرد أو الجماعة لتقول لهم: هنا أنتم، فاقرءوا حكاية ما كان!

هذه الأقواس:

قبل عقد من الزمان –يوم أن ودعت الستين- أصدرت أقواس من سيرتي الذاتية.
ولاحظ قراء السيرة أنني نهجت نهجًا جديدًا في كتابة السيرة، إذ أفردت لكل موضوع قوسًا أو بابًا، أمرّ فيه عبر مراحلي المختلفة، من الخطوة الأولى وحتى السباق في الشوط. وهكذا تحدثت عن طفولتي، فتجربتي الشعرية، فالنقدية فاللغوية...إلخ.

كان كل باب قوسًا ذا لون، وهذه الأقواس جميعها ألفت القوس الذي يبتسم في حياتي، غب المطر أو قُبيلَه.

في هذه الطبعة المزيدة والمنقحة أضفت ما استجد في العقد الأخيرمن رحلة دفعت ثمنها تكاليف حياة لم أسأمها، وأضفت أقواسًا أخرى جديدة، لا بد منها، لأصحبكم فيها إلى عالمي وسفري.

إذا كانت السيرة الذاتية توجب فتح الملف بدون تحفظ فإنني هنا أستميحكم عذرًا إذ أتغاضى عن هذا الشرط، مع أن كل تعتيم هو ثغرة في الصميم. ذلك لأن من حق المتلقي أن يأخذ الأمر بجُمــاعه وافيًا لا خافيًا، ولكن من حقي مع الآن وهنا أن أخفي فصول المرأة في حياتي، وأن أتجاهل مواقف مدّعي صداقة تركوا ندوبًا وندوبًا.

ماذا يجدي الحديث عن علاقة أمام مجتمع مراقب محافظ، أو  كَيدي، ينتظر الكثيرون منه فرصة للغمز واللمز والهمز؟ فهل كاتب السيرة فريد في عصره لدى المعجبات؟ أو في عقوق بعض الأصدقاء؟  
وماذا تقدم التجربة سوى الإساءة لنفسي قبل أن أسيء لسواي، فلست روسو في اعترافاته في شبابه، أو هنري ميلر في اعترافاته وهو في الثمانين، وليس عقوق "الأصدقاء" بدعًا لدي.  ُثم إن كل كتابة يجب أن تكون وصفًا حيًا مثيرًا فيه إبداع وإمتاع، وإخالني قد لامست ذلك في شعري، والشعر الصادق هو سيرة ذاتية رغم أن لوجون يستبعده مشترطًا النثر في صياغتها.

من جهة أخرى لو أجزت لنفسي الحديث عن إلإساءات، وعن إنكار للجميل والعرفان، وعن عدوانية غير مبررة لأسأت لنفسي قبلاً، ولن تعلو لي رتبة، فأنا "لا أحمل الحقد القديم عليهم"، رغم ألم يتسرب، وذاكرة تتناسى.

ربما أغمط نفسي هنا إذ لا أدوّن لقاءات جرت لي مع أعلامنا ألأفذاذ، وأساتذتنا الكبار نحو محمود أمين العالم ونجيب محفوظ وأحمد عبد المعطي حجازي وسعيد الكفراوي، وإبراهيم عبد المجيد،  وناصر الدين الأسد والياغيين هاشم وعبد  الرحمن، ومحمد أبو دومة، وحسن طلب، ويوسف إدريس وعبد القادر القط، ولويس عوض، وجمال الغيطاني وسهيل إدريس وإبراهيم أصلان وعبد الله الغذامي ويوسف زيدان وحلمي سالم، والشهاويين أحمد ومحمد وفاروق عبد القادر وووعشرات غيرهم جمعتني بهم معارض الكتاب في القاهرة أو في عمان ومؤتمرات نقدية حظيت بدعوتها، وكانت لي محاورات ومساءلات، ربما سآتي عليها، ولا أدري متى وكيف. ومع ذلك يلاحظ القارئ أنني قمت بجولة معه لزيارة يحيى حقي وصلاح عبد الصبور وفدوى طوقان والبياتي ونزار قباني وغيرهم.

  لي كذلك علاقات طيبة مع معظم أدبائنا الفلسطينيين في مختلف مواقعهم، وقد رويت لكم عن شاعرنا محمود درويش كما عرفته، وبالطبع عمدت إلى الصدق ما وسعتني الحيلة، وقدمت صورته كما لمستها وقرأتها وصحبتها في لقاءات عابرة.
كما التقيت عشرات الأدباء العبريين البارزين، بحكم اتصالي بهم ممثلاً للأدباء العرب، ونائب رئيس نقابة الكتاب في إسرائيل، وكانت لي نشاطات سياسية وأدبية حدثتكم عنها في صفحاتي السياسية.
وبعد، فلو فتحت صفحات الحوار ومدى ما أفدت  وأفدت لما انتهيت، ورحم الله ياقوت الحموي الذي كتب في مادة "مقدس":
"وليس كل ما أجده أكتبه، ولو فعلت ذلك لم يتسع لي زماني".

آمل لك قارئي صحبة ممتعة، لا تنطلق من بحث عن هفوة أو كبوة، بل تتلمس الصدق، وأمانة القول رغم الانتقائية التي لا بد منها في كل سيرة.

 

 

لتصفح الكتاب في موقع الشاعر فاروق مواسي:

http://faruqmawasi.com/aqwas2.htm

-          .......................................................................

 

 

حوار مع أ. د  فاروق مواسي

 

التراث في منظار مواسي، ومساهمته فيه

 

                                                    أجرى الحوار: إدريس جرادات

 نشر في مجلة الإصلاح العدد العاشر 2012، ص 18-23.

 

-         الترحيب بك أولاً، فقد طالعت سيرتك الذاتية في موقعك: http://faruqmawasi.com/sera.htm

 ثم قرأت كتابك "حوارات كانت معي"، وهو مثبت في موقعك أيضًا: http://faruqmawasi.com/hiwarat.htm

وجدت هذا الغنى المعرفي، وزخم كتاباتك وما كتب عنك في "بيبليوغرافيا فاروق مواسي" في الموقع نفسه، كما أعجبت جدًا بركن "اسأل فاروق مواسي" في اللغة والأدب. لكني هنا سأسألك مقتصرًا على الجانب التراثي، فلك كما يبدو لي وللمتصفح في موقعك صولات وجولات وقولات.

هل لك يا أستاذنا أن تعرف التراث من منظورك؟

-         التراث فعله (ورث)، فهو ما نرثه عن السابقين والمعاصرين، ومع أن الفعل يتركز على الانتقال بعد موت الموروث، إلا أنه في المجاز اللغوي يصح أن يكون كل امتلاك بعد الموروث حيًا أو ميتًا.
ولما أن كنا نعرف أن قواعد اللغة مثلاً هي للإملاء والنحو والصرف والأصوات والبلاغة ...إلخ ومع ذلك فقد قصرنا المعنى على النحو والصرف، فهكذا فإن التراث  هو معنى عام، ولكنا نقصره على الأثر الذي نعايشه وتوارثناه عن آبائنا، وخاصة الشعبي منه من فولكلور وعاديّات.

-         ماذا تقصد بالأثر؟

-         هناك آثار مادية، وآثار إبداعية، وآثار عادات وتقاليد وأعراف.

-         أرجو توضيح وجهة نظرك؟

-         الأثر المادي يكون في المقامات والمباني، في حجر معين، أو شجرة مما نلمسه ونتبرك به غالبًا، في بعض "الكفريات" التي ترتبط بوجداننا.
الأثر الإبداعي يتجلى في الأمثال، في الغناء، في الرقص، في التعديد للموتى وفي الألعاب وفي الحكايات، والأحازير وغير ذلك.
الأثر العاداتي  يكون في ممارساتنا، في طريقة الأعراس، وفي بيوت الأجر، في طريقة الخطبة والإملاك، في عقد الراية، وغير ذلك من مظاهر حياتنا اليومية في الطب الشعبي والرقى، والنظام العشائري أو القبلي أو العائلي. بالطبع فإن في كل منطقة  اختلافًا هنا وهناك في هذا التفصيل أو ذاك.

-         هل هذه في رأيك إيجابية؟ وإلى أي حد؟

-         فيها الإيجاب، وفيها السلب. أما الإيجاب فنجده في التكافل الاجتماعي، وفي الجماعة وهي تغني معًا وتصب الباطون معًا، تقف في العرس صفًا واحدًا، وتشارك في دعم كل مجهود مالي، وجسمي.  في الإيجاب نضيف احترام الكبير، والاعتزاز بالمرأة حتى تكون مصونًا، فإذا ما كبرت في السن أضحت ذات مكانة مميزة.
لكن السلب أكثر من يحصى، فمن قتل باسم الشرف...

-         لكن هذا الأمر الأخير كما يجري في الواقع مخالف للدين.

-         حقًا، ومن العجب العجاب أن العادات والتقاليد مستحكمة في عقولنا أكثر من القواعد الفقهية وشريعة الدين، وليس أدل على ذلك من تعاملنا عامة مع ميراث المرأة وحقها، ومن عدم استشارتها أحيانًا في أمر زواجها، فهل يقبل ولي أمر أن يكشف الخاطب عن جزء من ساق ابنته أو أخته لينظر فيه الخاطب؟؟؟!!!
وكم منا من يقاوم المنكر حسب "من رأى منكم منكرًا فليقومه..."، فمعظمنا يردد: ابعد عن الشر وغني له"، وشتان بين القولين!

-         أرجو أن تواصل حديثك عن السلب في العادات والتقاليد، وتقدم نماذج من ذلك!

-         أليست "الطوشة العمومية" مظهرًا من القبلية والعائلية، و"معهم معهم عليهم عليهم"!، وما الفرق بيننا وبين القول في الجاهلية  "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"؟
 بالطبع فإن الرسول عندما  قاله فيما بعد كان يعني أن تنصر أخاك الظالم بالأخذ على يده وردعه، فبالله عليكم هل تصل نسبة من يقتدون بسنة الرسول واحدًا بالمائة؟؟!!
لا أنكر أيضًا أن الثأر من بقايا الجاهلية فينا، ونحن لا نعرف الإسلام ولا أي دين في كل ثأر!
السلبيات تجدها في كل مبالغة حتى في الكرم، فهل يصح لهذا الكريم (عن أب وجدود، أو مثل العرق في العود) أن يبذر، وأن يستدين حتى يظهر وكأنه حاتم الطائي، بل إن حاتمًا عندما ذبح فرسه كان قد جاد بفعله بلا ضرورة أيامها. طبعًا هذا بمنطقنا اليوم.

-         باختصار: هل أنت مع التراث أو تتحفظ منه؟

-         قلت في مقدمة ديواني غداة العناق":  "أستمد من تراثي ما هو الأنقى، ولا ينقطع الخيط".

-         هل لك مساهمات في الجانب التراثي؟

-         نعم، وقد أعددت كتابين لم أصدرهما: الأول: تاريخ باقة الغربية، وفيه التقيت شيوخ البلدة قبل رحيلهم، وعكفت عليه من السبعينيات، وفيه تأصيل لكل عائلة، وذكر لكل أثر تاريخي، وانطباعات من زيارات لقرى كانت مسكنًا لبعض عائلات باقة اليوم، فزرت قرى كفر الديك، وعنزة و سانور وعلار على سبيل المثال: عنزة لأتأكد أن بعض عائلات باقة ممن جاءوا من عنزة (في أرض نجد)  أن هذه عنزة التي قرب جينين ليس فيها عائلات تحمل أسماء عائلات باقة. وفي كفر الديك فحصت كذلك  أسماء عائلاتها، ذلك لأن أهالي باقة الأوائل قدموا من عنزة واستوطنوا كفر الديك فعلار. باختصار بذلت جهدًا بعضه أكاديمي، وبعضه الأخر تسجيلي مباشر. الكتاب في بطاقات، ولم أرتأ أن أنشره لأنه ليس من اختصاصي، فأنا لست مؤرخًا، مع أنني اشتغلت عليه أكثر من سنة هاويًا. ولا أدري ما سيكون مآله.

-         والكتاب الثاني؟

-         الأمثال الشعبية الفلسطينية، وفيه اختلاف عما سبقه ولحقه-  أنه يضم كل الأمثال الفاحشة بجرأة وهي كثيرة جدًا لا يمكن للباحث أن يغفلها. بدأت بجمعه أيضًا في السبعينيات –قبل أن تظهر كتب كثيرة في هذا المجال-  ورتبته حسب الحروف الهجائية للفظة البارزة، فستجد مثلاً أمثال الكلب متتابعة.
لم أجد الناشر الذي يقتحم هذا الباب، فقد طغى الجو التزمتي، وهذا عيب وهذا حرام، مع أن كل كتاب قديم من السلف الصالح حوى العبارات بحرّيّة ، وصاحبه  شيخ علاّمة.

-         هل كتبت مقالات تعالج مسائل تراثية؟

-         في كتابي "أدبيات" مقالة حول معنى أسماء المواقع الفلسطينية، وفيه مشروع دراسة لبحث الأسماء وكيف تأتت.
في كتابي "حديث ذو شجون " مقالات تعالج عادات مألوفة كزواج البدل، ولكني أرى من الضروري هنا إثبات أحدها هنا في هذا الحوار،وهو بعنوان "لنحفظ آثارنا"!

لنحفظ آثارنا !

 

 قال لي باحث آثار أجنبي وهو محاضر في موضوعه:

 

" إن الاهتمام بالأثر يكاد يكون معدومًا لدى العرب في هذه البلاد، وأنا أعجب لماذا لا يتفرغ بعضكم للتخصص في هذا الميدان".

 وآدم  زرطال – إذا أحببت التعرف إليه – تلفيه سعيدًا، وهو يقلب قطعة آثار أو عملة قديمة أو وثيقة ما.

دعاني ذات مرة إلى كيبوتس (عين شيمر) حيث يقيم، فوجدت له متحفًا مصغرًا، فهنا قطع نحاسية، وهناك نقود حسب الفترات التاريخية – ومن بينها النقود الإسلامية – التي استخرجها من هذه الأرض، وثمة أدوات العمل المختلفة، وفي زاوية أخرى خارطات (أطالس) من فترة إلى فترة. وباختصار لديه مشغل ومعرض يزجي فيه فراغه وينمي هواياته.

 

قلت في نفسي وأقول لكم: لماذا نحن لا نحفل ببلادنا إلا من خلال المشاعر الرومانسية من غير أن نترجم ذلك عمليًا؟

لماذا يحس رزطال بانتمائه إلى هذه الأرض تطبيقًا أعمق منَا؟؟

 

 لقد تقدمنا في كل ميدان، فما بالنا لا نخوض في هذا الخضم التاريخي؟ لماذا لا نهتم بكل أثر وكل حجر؟

 هل نبقى نتحدث عن المأثور، وكأنه مقصور على ما ينقل شفاها؟

 

   أعرف في قريتي شخصًا يهتم ويجمع ويحفظ، اسمه إبراهيم أحمد مواسي، وهو يتذمر من سوء تقدير المجتمع له. فإذا عاد إلى بيته يحمل جرة قديمة مروا به يتغامزون، وكأنه قد مس في عقله. يعجب صاحبنا ويتساءل: لماذا لا يدرك طلابنا أهمية التنقيب عن الآثار في رحلاتهم واهتماماتهم؟

 

ولو اقتربنا من مسار الزمن لرأينا ضرورة ترميم بيت قديم مما كان مألوفاَ قبل مائة سنة، يكون مركزًا سياحيًَا يرتاده المهتمون بنا وبتاريخنا، ويكون في هذا البيت معروضات  من الألبسة والأواني وأدوات العمل... الخ.

      وقد زرت مثل هذا المعرض الرائع في بيت المؤرخ إحسان النمر في نابلس قبيل وفاته، ولا أدري مآله اليوم.. ولا بد من إضافة (البدَ) و (المقر) و (الطابون) وغيرها في ساحة البيت، وعندها سيعترف الدارس على المعروضات وأسمائها (القراميل) وما (بشت البوز) وأقسام عود الحراثة.. الخ.

 

كتب الصديق صبحي بيادسة من باقة الغربية زجلية طويلة حشدها بالتعابير الفلسطينية-  التي لا بد من وجود معجم خاص لها ولسواها ينهض له دارس جاد ومثابر. ذلك لأن أبناء هذا الجيل لا يكادون يعرفون مثل هذه التعابير، يقول صبحي:

والسدَة من تحت السقف متعربشة

وجنب القطع في عليقة للثياب

أو في متبنة تخمين كاينة معششة

قرقه بقلبه... وفي طواله للدواب

والسراج قاعد على الرف مكنفشه

يا ما بنوره تعللوا شيب وشباب

والفتيلة منه مكركره ومقحمشه

لا زيت يرميها بكت تشكي العذاب

 

 والقصيدة تروي وصفًا دقيقًا لبيت فلسطيني في قرية (قاقون) المهدومة.

 

وبعد!

 

فهل يقوم مركز لإحياء التراث ، وذلك لإقامة متحف في أكثر من قرية، حتى يكون ثمة مبرر لمعنى اسمه (إحياء التراث)؟ وما أحوجنا أن نتذكر الماضي قليلاً، حتى نعي الحاضر كثيرًا، ونستشرف المستقبل أزهى، ولا ينقطع الخيط.

 

-         مقالة معبّرة حقًا، ورسالتك فيها جديرة بالاهتمام. لكني لاحظت  انك لا تسرد الحكاية الشعبية في تضاعيف نصوصك!

-         أسردها في مكانها، فمثلاً في مقالة لي عن المتطفلين المتسلقين ختمت مقالتي بقصة ، فكتبت:

"....... الغريب العجيب أن بعض هؤلاء (الوصوليين) يعرفون أنفسهم حق المعرفة، ومع ذلك يتمادّون في الانتهازية والادعاء، ولم يقابلوا الأمر بالسخرية كشأن (بكري) بطل هذه القصة التي سأسوقها :

 وأصبح بكري قاضيًا!

-         يحكى أن شخصًا كان يعتدي على الحرمات، ويكثر من السرقات، وكان اسمه بكري.

رأى الوالي أن أفضل وسيلة للتخلص من شرور بكري هي أن يعينه قاضيًا.

وبينما كان القاضي بكري على رأس جنازة ضخمة لعالم من علماء المسلمين، وإذا به يأمر الجنازة أن تقف في عرض الطريق، ويأمر أن ينزلوا  النعش على الأرض، ويكشفوا عن وجه الميت .. استاء الناس كثيرًا لهذا التصرف الغريب لما فيه من إساءة لحرمة الميت .. لكن بكري تقدم إلى الميت، وأخذ يهمس في أذنه، ثم أمر بمواصلة موكب الجنازة .. ...

شكا الناس هذا التصرف إلى الوالي، فلما حضر القاضي إليه أخذ الوالي يعاتبه على فعلته المنكورة، وبكري يطرق رأسه لا يحير جوابًا.

-  ولكن ماذا همست للميت؟.. سأل الوالي، ووعده إذا أجاب صادقًا أن يعفو عنه.

-   قلت له إن سألوك في العالم الآخر عن أحوال الدنيا فقل لهم:

-         " لا تسألوا، أصبح بكري قاضيًا".

 وهم بالطبع سيستنتجون  حقيقة الأحوال يا سيدي.

-         يبدو لي أنك تولي الاهتمام بالتراث خلاف ما يظنه الظان عنك، وأنت الحريص على الفصيح، وكل تراث فصيح.

-         في كتابي تمرة وجمرة  هناك مقالات من الضروري أن تقرأ، كمقالتي "عن الإبحار في الذاكرة"، و"عن المثل الشعبي الفلسطيني"- نقد لكتاب شكري عراف، ومقالة عن دار الكتب الوطنية في الطيبة، وأخرى عن مركز التراث في طمرة ( تجدها في الرابط:
 
  http://www.bettna.com/books/tamra-jamra.asp

 

 

-         هل كتبت في شعرك موقفًا من بعض التقاليد والعادات التي تراها سلبية؟

-         نعم، فقد كتبت قصائد اجتماعية، منها "جاهلية" عن (الطوشة)  في القرية، فقلت فيها:

 

جاهِلِيَّة

ما زالَتْ تَنْخَرُ فِينا رُوحُ القَبَلِيَّهْ

وَتَهيجُ دِمانا إذْ نَغْضَبْ

إنْ تُرْشَدْ عائِلَةٌ نُرْشَدْ

إنْ تَجْهَدْ أَعْداءً ـ مِنْ عائِلَةٍ أُخْرى ـ نَجْهَدْ

نَنْصُرُ إخْوانًا

لَنْ نَتَرَدَّدْ

فَسَبيلُ النَّخْوةِ أَنْ نَقْتُلَ حَتَّى نُقْتَلْ

بَلْ إنَّا نَقْتُلُ لا نَرْحَمْ

والقاتِلُ فِينا الأَكْرَمْ

وَنِساءُ (جَماعَتِنا) زَعْرَدْنْ

وَ(فَحَصْنَ) الأَرْضَ بِأَرْجُلِهِنّْ

وَ (لَميسٌ) تَحْرِقُ بَيْتًا

 للجارِ الأَظْلَم !؟

وَ (كِباشُ) القَوْمِ تُغَذِّينا بالثَّارْ

نَنْسى خُبْزًا مَعْجونًا بالمِلْحْ

نَنْبِذُ كُلَّ دُعاةِ الصُّلْحْ

ـ اِسْمي مَحمُودُ المردانْ

بَيْتي لا أَتْرُكُهُ لَيْلاً

ـ وَأَنا يَقْظانْ

أَعْصابي تَرْقُبْ، حَرَكَاتِ القِطَّهْ

وَعُواءَ الكَلْبِ الْجَوْعانْ

- اِسْمي مَسْعودُ الأَسعدْ

سَطْحُ البَيْتِ كَمينْ

وَمَعي أَمضى سِكِّينْ

- اِسْمي لا أَدري إنْ كانَ عَلِيًّا؟

خَوْفي كانَ وِراثِيًّا

وَأَنا في الْجُبْنِ سَجينْ

وَأموتُ مِرارًا يَوْمِيًّا

                        ( أَمَّا بَعْدْ )

ـ مَنْ أَعْتِبُ إنْ كانَ الطَّرَفانِ عَلى وَعْيٍ مِنْ

نِيِّاتِ الغاشِمْ؟

لن أَعْتِبَ إلاَّ الذَّاتْ

فَقَديمًا فينا القَسْوَةُ والثَّارُ ولا عاصِمْ

لا نَتَسامَحُ ( إلاَّ في النَّادِرْ )

وَعِنْادٌ وَفَسادْ

قُلْنا قالوا قُلْتُم قالَتْ قالْ

ق ظ ض ص ع ف ق ق

فَمَتى تَرْفُضُ هذا الأَجْيالُ ؟

والضِّفْدِعُ تَصْمُتْ

إنْ كانَ النَّيِّرُ فينا للشَّرِّ يُساوِمْ ؟؟؟

 

أما قصيدتي عن القتل فهي "باسم الشرف"في ديوان "خاطرتي والضوء": أقتبس منها:

 

وشجْرةٌ مدَّتْ يدًا

تصافحُ البريئةَ التي ارتدت ْ

فستانَ دَمْ

دم      دم ............

ببلطةٍ يَحزُّ رأسَها

أو طلقةٍ

أو قطعةٍ من سُمِّ فأرْ

أو خنقِها

أو  شنقِها

تأديبُها من الأخِ الحنون

من دمِها نداؤُها

يا

 يَمَّاهْ ..!!

ظلتْ على أصداءِ آآآهْ

يا

 يَمَّاهْ !!!

   *            *              *

قُبيلَ دفنِها الذي يتمُّ في استحياء

صاحتْ هناك هامةٌ لم تَطلبِ السِّقاء :

على جبينِها الضَّحيهْ

سؤالُها نداء-

بأيِّ دينٍ تحكمونْ ؟!

من ذا الذي أعطاكُمُ قرارَ موت

يا أيها الطغاهْ ؟

بل أيَّ ربٍّ تعبدون ؟

هل ظهر في أشعارك تشجيع لمن يعمل في هذا المجال التراثي :

نعم، فمما كتبت كان هناك نص يحيي السيدة فدوى يونس التي تقوم على مشروعات تراثية في وادي عارة، فقلت:

أصافح فدوى يونس

 

جوهرة كانت تبحثُ عن كنز لآل

تجمع كل تراث  وتراث

درسًا للأجيال :

أغنيــةً ...تــهليـلــــــــه

جِدَّ أصيلـــه

وأنا

أسمع أنغام الماضي  حتى صرت أغنــــي

وأغني

سرت على درب الفن

تتراقص في  دربي الآمال

جدي يسمو في الدرب ....

ويـــختــــال !!

والجوهرة

ظلت

تبحث عن كنز لآل ....

 

 

-         لك قصص قصيرة، فهل تجلى الحفاظ على التراث أو نقده فيها؟

-    من قصصي "فشخ في الرأس" وكيف أن طالبًا جامعيًا يعود من أوربا فيجد أهله في عراك عائلي، فيحصل على "هديته"، ولي  قصة "الحكاية" وكيف يتجاهلون فيها القراءة ويتركزون على لعبة المنقل والصينية، وقصة "وخرجت زرقاء اليمامة" وهي قصة مستمدة من الأدب التراثي حول تنبيه الحكيم، وعدم الاستجابة له. قصص فيها إلماعات تراثية منها ما أوافقه ضمنًا، ومنها ما أسخر منه.

وعلى ذكر السخرية فلي كتاب "أستاذ قد الدنيا" أسخر من أوضاع التعليم، وفيه أمثال وعبارات وحكايات تراثية، فحبذا رجوع المهتم إليها في الرابط:
http://www.faruqmawasi.com/austath.htm

 

-         كنت قرأت لك قصة عن مقام الشيخ تيم في باقة الغربية ووجوب الحفاظ عليه، فهل هناك مغزى من ذلك؟

القصة قصيرة جدًا، وهي من مجموعتي "مرايا وحكايا"، وإليك القصة- تيمائيـــل:
 زرت أطلال عين غزال، وجدت قبرًا يقوم على نشز من الأرض  ...
قال لي المرشد: هذا مقام  الشيخ  شحادة  رحمه الله. وهذه اللافتة وضعها  مجهولون وعليها:  "هنا يرقد الرابي عوفر بن تسفي " .
عدت إلى بلدي ، وتوجهت حالاً إلى مقام الشيخ تــيّـِم  الذي يقوم في مركز البلدة. رأيت بعض الناس  يقيمون النذور ويعلقون البيارق، ويقرءون الفاتحة.
قلت للجيران الذين يرعَون  المقام :
انتبهوا  - الله يخليكم - ، لئلا تجدوا لافتة غريبة، وعليها: "  هنا يرقد الرابي تيمائيل " .....
طبعًا، تجد هنا السخرية  والتحذير معًا من هؤلاء الغرباء الذين يسرقون تاريخنا وتراثنا وحتى مقاماتنا
.

-         وأخيرًا، كيف ترى مشروع "الدراسات للتراث الشعبي الفلسطيني في مركز السنابل في سعير- الخليل؟

-         أنا مندهش جدًا أولا بقدرة الدكتور إدريس جرادات على الاستقصاء في تفاصيل التراث، فهو باحث مميز وبارز، وما وهبه الله  به كذلك أنه محدث راو يشد النفس، وهو يسرد التفاصيل، ويردد الأقوال، ويستحضر التاريخ موثوقه ومرويَه.. قرأت دراسة إدريس عن الصلح العشائري، فوجدت هذه المعرفة التي لا بد منها في تاريخنا الفلسطيني. باختصار هو جدي، وأنا أبحث عن مثل هذه الجدية. آمل أن ندعوه في أكاديمية القاسمي قريبًا للمشاركة، حيث سيقدم محاضرة عن مقام الشيخ الهدمي- نموذجًا من شيوخ الصوفية.

أما عن مركز السنابل فأكثر ما أعجبني هو استضافة الدارسين، وإعداد الكتب والمجلات، والدراسات، ومتابعة الآثار واستقصاؤها حتى يظل شعبنا متماسكًا له جذوره وأصالته.
 

.............................................................................................................................

 

حوار سابق نشر في مواقع مختلفة:

 

أجرت اللقاء: د. سعاد جبر

 

ـ نسبة الأمية في العالم العربي لا زالت مرتفعة جًدا ، فما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك ، هل هي سياسة التعليم الفاشلة ، أم لا مبالاة الأهالي أم الوضع الاقتصادي أم ماذا ؟ وما

الحلول في نظركم ؟؟؟

سأكون صريحًا وأقول إنها مرتبطة ومتواشجة ، ولعل عقليتنا الَقبولية  التي تعتمد على المسلّمات ، وتستهلك جملا من غير أن تفكر بتأثيرها  هي المسؤولة أولاً وقبلا ....إننا نقلد ونتّبع ونستسلم للرأي السائد في المجتمع وفي الدين وفي السياسة وفي الرأي حول المرأة وووو ، ومن هنا دخل حكامنا  ..  والمتنطعون في شرح مسائل عقدية  ....ننسى أن الحياة في تطور ، ونظل نراوح أمكنتنا ...مكانك عُد !!!

البداية تبدأ بترسيخ الثقافة ....ولا بد إلا أن نلحق الركب ، آجلا أم عاجلا ....

  

ـ نسبة انتشار الكتاب في العالم العربي ضعيفة إذا ما قورنت بدول أخري منأ

العالم ، فهل السبب الوضع الاقتصادي أم عدم اهتمام المواطن العربي

بالمطالعة ، أم التعليم المتخلف في الدول العربية الذي يعلم الطالب عدم

الاعتماد على نفسه ؟؟ ما هي الحلول لذلك ؟؟؟

 

يرتبط هذا السؤال بسابقه ، فالتخلف لا يتجزأ  ... ولكن بداية علينا أن نعترف أننا أمة متخلفة ، لا أن نكابر ولو   على  " خازوق "....

 المطالعة تبدأ لدى الطالب إذا قرأ المعلم ، والمعلم لا يقرأ ما دام يرى أن "  الزعانف "  هي التي تصل غالبًا ...وتحتل الأماكن التي هي من حق سواهم ممن هم أجدر وأقدر ... وندور في حلقة مفرغة أو ممتلئة  ، والحلول مع ذلك ليست سحرية  ، فمجرد طرح هذا الموضوع فيه إثارة وتحريك ولو قدر قطمير .... ومع ذلك فالأيام أمامنا  ، ولا بد من تغيير ولو ضئيل ، فهل ثقافة المجتمع عامة اليوم ظلت كما كنا قبل أربعين سنة أو قبل عشر سنين   ؟.

 

السؤال الثالث

ـ محافل التكريم الثقافي غدت أخيراَ مجرد إرضاء خواطر بعيدة عن الإبداع الثقافي وهي بذلك تجاهلت إبداعات نخب ثقافية تستحق التقدير والحفاوة الثقافية ما ردكم على ذلك ؟؟

 

لن أتناول الموضوع بتفصيل واستقصاء ،لكني أرى أننا نحن - من ألصقونا بسنة سافلة 48 -  قد غُمطنا ، وتعالى علينا إخوتنا ، فلا جوائز ولا ما يحزنون  ....ولماذا نلومهم ؟ فمن يقرأ لنا أصلا ؟ فعلى سبيل المثال لا التباهي  أصدرت أكثر من أربعين كتابًا ،  وكأنني لدى بعضهم  رقم عابر ، فهم لا يعرفونا أصلا ... فهل أتألم ، أم أضرب عنهم كشحًا ؟ فليبحث أحبتنا في العويس والبابطين وزايد والصباح و ..و وو عن غيرنا ، فنحن لا نحسن الكتابة .

 

السؤال الرابع  

ـ برزت منذ سنوات ظاهرة التخلي عن ثوابت ( الفكر ،الأمة ، الأخلاق ) واعتبار ذلك صورة إبداعية في المشهد الثقافي العربي ، أين تقف أنت من ذلك وما ردك عليه ؟؟

 

منطقي ومنطلقي أن ليست هناك ثوابت ، بل هناك متغير ...ولكن بأصول ، فالحياة تتطور ... لكن لا يعني ذلك أن  أنسى كياني ولغتي ومذهبي ...حركة الفكر بركة أيضًا ....أم أن هناك من يريدنا  أن نحرم حرية الفكر ...يبدو والله أن كلمة ( حرية ) تقض بعض المضاجع .

 

السؤال الخامس

 ماذا يعني لك الأخر و ما هي مسافات توافقك وتضادك معه في البعد الثقافي الحضاري؟؟ .

  

 

سأجيب من خلال مقالة لي كيف أرى الآخر ... وقبل أن أترككم مع المقال القصير أود أن أؤكد  على أن العدو العاقل خير من الصديق الجاهل ، والأجنبي الذي يقف معي في قضيتي أفضل من العربي المتقاعس بَـلْـهَ الخؤون 
 

 .......والآن إلى الآخر :

 

يكتسب الآخر مدلوله من خلال معنى ( الذات )  وهويتها  ، وهاتان تقويان في حالة الانتماء ، وتطّرد قوة الانتماء بقدر معاداة النقيض الذي  يصبح هو الآخر –

    المعني ّ  معنًى وموقفًا  .

في مجتمعنا الفلسطيني  حيث يؤلف بيننا الوطن وما يُكاد له  فإن  صانع الكيد  هو   ذلك  ( الآخر ) ،   لأنني في مواجهته وهو في مواجهتي .

صحيح أن هناك “ آخر "  آخر  - ذاك الذي لا يعادي ولا يناقض  ، بل يراقب أو " يتفرج "  ، فهذا يكتسب " آخريته " بسبب  عدم انتمائه لمجموعتي  ، وعلاقتي به قد لا تختلف عن علاقتي بفرد من  مجموعة انتمائي .

 

لا يخفى أيضًا أن للهوية محاور مختلفة ، فعندما يستلزم التقسيم الديني  ، فإن الآخر الذي أواجهه  هو ذلك الذي يحاول نفيي أو إلغاء أسس نهضت عليها في عقيدتي .

ويمكن في التقسيم الاجتماعي الحاد  - كما كان في  أوج الشيوعية -  أن يكون الآخر هو المعادي الطبقي  .

إذن ، عندما  تقوى الهوية يقوى مفهوم " الآخر " نقيضًا معاديًا لطموحاتها  ، وهذا

 " الآخر  " هو المراد في المجابهة إلى درجة أنه يحتكر اسم ( الآخر ) وكأنه قصر عليه  ،   ويتضاءل مدلول الآخر -  بمعنى كل ما هو غيري أو غير فئتي .

ملاحظة :  ثمة علاقة  موقفية بين مصطلح ( جوي ) لدى اليهود  ، وهم  من أوائل  من رسخوا  قانونية " الآخر " ،  - وأحيانًا بنوع من الإنكار  - وبين  مصطلحنا الذي  تردد مؤخرًا بصورة منهجية .

وتبعًا لذلك فالآخر الذي يجابهه الفلسطيني  اليوم هو الصهيوني ، و هناك من  ينحو  – تعميمًا – اليهودي   ( وليس المقصود بالضرورة المفهوم الديني  )  ، وكذلك كل من دار في فلكه  ممن يحاول  أن يتنكر لوجود الفلسطيني  وحقه على أرضه وفي وطنه .

 

واسلمي لي يا عزيزتي سعاد !

................................................................................................................................

 

 

مجلة دبي الثقافية العدد 110 (تموز 2014)، ص 102- 104

 

أكتب لأني شجرة قد لا تكون شهية الثمر

" كشاجم فلسطين"

الشاعر الناقد فاروق مواسي

سما حسن_ فلسطين
"الشاعر الناقد"- هكذا وصفه وكتب إليه كل من  الشعراء نزار قباني وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي وسميح القاسم وغيرهم، وذلك عندما أهدى هذا الشاعر أو ذاك كتابًا له أو أكثر.

"كشاجم فلسطين" أطلق عليه أيضا، انه فاروق مواسي بروفيسور يحاضر في أكاديمية القاسمي في مدينته باقة الغربية التي تقع بين يافا وحيفا، وهو عضو في مجمع اللغة العربية في فلسطين، وقد أصدر أكثر من ستين كتابًا في الشعر والنقد والقصة والقصة القصيرة جدًا والبحث والدراسات اللغوية، والمقالة، والكتب المدرسية.
وعندما نلتقي شخصية أدبية جادة يتبادر إلى الذهن السؤال الأول:
لماذا تكتب؟

سأجيبك ما افتتحت به موقعي على الشبكة، وهو موقع ثري وبلغات مختلفة، قلت:
كتب لأنني مضطر أن أقدم الثمرات وكأنني شجرة ، قد تكون عذبة شهية، وقد لا تكون، ولكني أحس أن هناك من يسعد بها، يتلقفها/ يتغذى منها/ يستمرئها/ يلقي بنواتها التي قد تطلع شجرة أخرى.
كتاباتي قد لا تأتي طواعية وترفاً، بل تأتي تعبيرًا عن قلق ينتابني، أستحث التغيير نحو الأفضل والأمثل. أبحث عن زمن ضائع قد أستعيده بصورة جديدة، أو أناغي حاضرًا مؤلماً، أو مسعدًا  أخاف أن يمضي دون ذكر،  أو
أنتظر مستقبلأ.
أعيد تركيب الأشياء والعناصر
كطفل.
وأتجشم مسؤوليتها كرجل، وأنقد طبيعتها كشيخ."

أكتب حتى لا أموت.

v    في أي النصوص ترى نفسك أكثر ألفة مع ما قدمت؟ في الشعر، النقد، في السرد، المقالة؟ البحث؟

- لا بد إلا أن أجد نفسي في النص ـ أي نص وفي أي نوع أدبي، حيث يكون النص مسكونًا في ذاتي، وذاتي مسكونة في النص أولا أو قبلا، وذلك من خلال نسيج لحمته أو مضمونه الصدق، وسَـداه أو مبناه اللغة . واللغة هي عشقي أعلّمها وأتعلمها، وهي التي تشف عن كوامن حبي لمجتمعي، فتنطلق أداء موظفًا آنًا، وجماليًا يطوف في فضاءات شتى آنًا آخر. المهم ألا أنطق عن ثرثرة، بل في هوًى أستحبه، وأدعو لأن يحبه سواي، ويسعدني أن أجد لي رفقة درب.

 

v    ماذا يعني لك الشعر؟

 

أجبت عن هذا السؤال بصور مختلفة تبعًا للموقف من العلاقة الجدلية بين الشعر وبين الحياة – أي ماذا يجب أن يعكس؟ الذات خاصة؟ أم الذات المعبرة عن الهم الجمعي؟ هل هو الفيض التلقائي حسب مصطلح ووردزوورث أم هو عملية بنائية تنبثق من الشعور، وكلها كنت قد عايشتها فعلاً وصدقًا، الآن في ساعة الكتابة أرى أن الشعر يعني لي التعبير الصادق عن الوجدان، ولن أكتب إلا ما يعتمل ويتفاعل في احتدام بالغ وتواصل مع نفسي ومع المتلقي. شعري هو أناي.

  هل كتابتك التزام إبداعي أم طرح سياسي؟

 

-        إنها التزام إبداعي صادق، تعبر عن فاروق مواسي، وبالتالي تعبر عن همومه التي تتلاقى وهموم مجتمعه، وفاروق هذا له جوانب وحالات وأشجان، وأحاديث ذات شجون، وهو يحسّ القضية ويتألم،  ويعشق، ويرفض.... وقد تكون بعض انطلاقته سياسية، أو قد تكون السياسة لبسها ولبسته، فكونت شخصًا هو نسيج متفرد بمعنى individual

 

-         كيف ترى قصيدتك عند كتابتها؟ بعد كتابتها؟ وبعد مرور فترة عليها؟

 

في المرحلة الأولى وعندما أقرر نشرها أعجب بها، وإلا فلن أنشرها، وبعد كتابتها أو بعد نشرها استمع إلى ردود الفعل، فأقدرها إذا وجدت متلقين غير جديين، وأحترمها إذا أثارت نقاشًا. أما بعد سنين فأرى كل قصيدة بمنظارها الحدثي أو المنطلق من التجربة.
 لو أردت نشر قصائدي في مجموعات جديدة لما حذفت أية قصيدة، وهذا خلاف كثير من شعرائنا الذين تنكروا أو أغفلوا أو غيروا ما كتبوا.
 وكثيرًا ما أتساءل عند قراءة قصيدة  قديمة: كيف استطعت أن تهتدي إلى هذه المعاني؟ اليوم أنت – يا ولد – لا تستطيع أن تكتب سطرًا مما كتبت. دائمًا أتهم نفسي أنني لا أستطيع أن أجاري قصيدة الأمس.

ولكني عند ولادة القصيدة الجديدة التي جاءت بعد ولادة مكتملة النضج أحزن ...لأن شعراء آخرين هم الذين يُطبل لهم، وهم الذين يُحرق لهم البخور... فأقول لقصيدتي: يا قصيدتي لك الله، ولك الناقد الذي لا بد أن يقدَم!

-         هل تسعى من خلال شعرك أن تشكل جمهورًا؟

 

-        يهمني أن يرضى الجمهور الواسع عن قصيدتي الوطنية، ولا يهمني من هذا الجمهور أن يرضى عن القصيدة الفكرانية العميقة (إلا القارئ المتعمق  عندها أسعد به). "الجمهور" كلمة مرنة.

 

-         الشعر هل هو لديك هواية؟ أو عمل؟

 

-        بالطبع هو ليس عملاً أرتزق منه، فالشاعر – عادة – يكتب ويتحرى النشر، ويتعب، ويدفع الكتاب إلى المطبعة، ويوزعه على الأصدقاء، ولا يكاد يكون هناك تعويض ما.

والشعر ليس هواية كذلك بمعنى ترفي، بل هو قدري ولعنتي وحبي ومُجتلاي.

-         كيف ترى الوطن من خلال فاروق شاعرًا وفاروق إنسانًا؟

 

نشرت مجموعة يا وطني، وهي ليست الوحيدة التي ضمت قصائد وطنية، والوطن خلال كتابتي هو المكان والزمان في الوطن، هو النباتات والطيور، والمواقع والتضاريس والتربة والماء والهواء، وهو الناس وعلاقاتهم وانفعالاتهم، وما أتمناه فيه هو أن الإيجاب فيه يستمر، والسلب أن ينحسر. هنا تتلاقى الشاعرية والإنسانية في حضن الوطن.

- هل تأثرت ببعض الشعراء قدامى ومحدثين؟

- تأثري قد يتم من خلال قراءاتي الكثيرة المتباينة، وهناك معالم خفية أو تناصات (لا تلاصات) تؤدي إلى المتنبي من القدماء وإلى السياب، عبد الصبور من المحدثين. وقد يجد الدارس أثرًا لشكسبير أو لطاغور أو لريتسوس أو شيركو بيكه س... إلخ

قلت إن " شعري أناي"، وأناي هي كما قيل- (مجموعة خراف مهضومة).

 هل تعتمد شكلاً شعريًا واحدًا؟

-         لا، فلي قصائد كثيرة على الصياغة التقليدية، وخاصة قصائد الرثاء أو القصائد التي تلقى في المحافل الوطنية، أما قصائد التفعيلة فهي الغالبة على قصائدي. وجدير بالإشارة إلى أن لي بضع قصائد من قصائد النثر كتبتها في حالات تضطرني إلى الخروج من أي إيقاع أو تطريب، وأذكر مثلاً منها "أمام مضيق جبل طارق" في "أندلسيات" التي كتبتها في أعقاب زيارتي للأندلس، والقارئ يدرك لماذا خرجت أنا هنا من الوزن.

ما هي علاقتك بالمتلقي؟

 علاقة إنسانية، يهمني المتلقي الذكي البارع في التقاط الإشارات، ولا يهمني أبدًا ذلك الذي لا يقرأ أو لا يعي، وتذكرون مقولة أبي تمام.

والقراءة – كما نعلم – قراءة الأسطر، بين الأسطر، وما وراء الأسطر كما يقول هاريس.

 

 ماذا تعني لك الأنثى؟ هل أشغلت حيزًا في شعرك؟

 الأنثى هي الرقة والجمال والعذوبة، هي الصوت العذب الذي يسرّي على النفس.
 هي المشاركة الوجدانية الأخاذة التي تعطي للرجل معنى التكامل بقدر ما يعطي هو المرأة إحساسها بالتفوق. المرأة نقطة قوتي ونقطة ضعفي.

قصائدي الغزلية أكثر من أن تحصى، فكثير منها كتبته لبعضهن ولم أحتفظ به. بعضه فيه شبق جنسي، وبعضه يعني الأرض بقدر ما يعني المرأة، ولا بد من ذكر بادرة قد تكون جديدة في الشعر العربي عامة – وهي أنني كتبت قصيدة غزلية لزوجتي – أم السيد – أثارت غيرة زوجات بعض الشعراء الآخرين فكتبوا لهن قصائد تترى.

 ما هي أكثر قصيدة لك أحببتها؟

 أجيب في كل مرة عن قصيدة تختلف عن الإجابة السابق، الآن لو طلب مني تسليم قصيدة لمؤسسة عالمية –مثلاً- لكنت أختار (الشيخ والبحر) وهي عن مسجد قيسارية الذي أضحى حانة، وربما في وقت آخر أقول (أندلسيات"... إلخ

البروفيسور فاروق مواسي في سطور

أ. د. فاروق إبراهيم مواسي من مواليد باقة الغربية في المثلث (11/ 10/ 1941م). درس في جامعة بار إيلان، موضوعي اللغة العربية والتربية، وفي سنة 1976م حصل على الماجستير في الأدب العربي. وكان موضوع دراسته:" لغة الشعر عند بدر شاكر السياب وصلتها بلغة المصادر القديمة"، ثم حصل من جامعة تل أبيب على درجة الدكتوراة، وعنوان أطروحته: (أشعار الديوانيين: العقاد والمازني وشكري). أشغل منصب رئيس قسم اللغة العربيةٌ في كلية القاسمي في باقة الغربية حتى سنة 2011، وقد حصل على لقب (محاضر كبير أ -2008) ثم البروفيسوراة (آذار 2011). يشترك مواسي في لجانٍ علميةٍ منها: عضو مجمع القاسمي للغة العربية وآدابها، وعضو لجنة الأبحاث فيها، وعضو مجمع اللغة العربية في حيفا. وكان عضوًا في لجنة إعداد منهاج قواعد اللغة العربية في جامعة حيفا، ولجنة منهاج الأدب العربي للمدارس العربية. يحرر في بعض المجلات المحلية: مواقف ، الشرق ، جامعة، المجمع، غاغ (بالعبرية- وهي مجلة نقابة الكتاب في إسرائيل، حيث يشغل مواسي وظيفة نائب رئيس النقابة على اختلاف لغاتهم). شارك مواسي في مهرجانات ومؤتمرات أكاديمية في داخل البلاد وخارجها، ونشط قلمه في الصحافة المحلية والخارجية. في سنة 1967م حصل مواسي على لقب "حافظ القرآن"، وفاز بجائزة التفرغ للإبداع من وزارة الثقافة مرتين، الأولى- في سنة 1989م، والأخرى في سنة 2005م، كما حصل على جائزة توفيق زياد للعام 2001م. جدير بالذكر أن  مواسي شاعر، وباحث وقاص ومترجم له أكثر من سبعين إصدارًا. وقد ترجم بعض شعره إلى لغات مختلفة، وكلف بالتحكيم في أكثر من مسابقة أدبية في الداخل والخارج.


 

 

 

 

 

 

 

 



 

 

 

 المحتويات

 

الحوار                                             أجرى الحوار                                   ص

 أولاً حوار مع    نفسي                                                                2

هل لك طقوس في الكتابة                 كمال الرياحي                                 3

مع د . فاروق مواسي               الحقائق /أيمن اللبدي                              7

لقاء جمعية المترجمين العرب        ...                                              17

حوار مع د . فاروق مواسي          بلسم / مؤيد أبو صبيح                           27

حوار مفتوح مع الشاعر مواسي        ألطاف أبو هنطش                              31

لقاء مع الشاعر د . فاروق مواسي        الأسوار / رياض حسين                      41

سنة اللغة العربية إنجاز                   كل العرب                                 48

حوار قصير مع نائب رئيس ..           هذا الأسبوع / حيفا                         51

لقاء مع الشاعر فاروق مواسي             الأنباء / إميل خزعل                        53

آلام وآمال في مسيرتي الأدبية             كل العرب / ع.الرحمن مجادلة            57

مع د . فاروق مواسي شاعرًا وناقدًا         الاتحاد / خلدون الشيخ علي              62

التحام الأدب والسياسة                   الدستور / موسى حوامدة                   68

الشعر المحلي ونقده                        الأنباء / المندوب الثقافي                   76

زيارة في مكتبة د .مواسي                       الصنارة / ناجي ظاهر                84

صلتنا بكم كتاب وإذاعة                       الحوار ( باريس )                      90

مع الشاعر فاروق مواسي                       المرصاد                               93

مع مؤلف الجنى في الشعر                       الصنارة                             95

ما هي توقعاتك ......                          الميدان ( الناصرة )                   97

الصدق هو العمود الفقري لأدبي         الأيام / عبد الناصر صالح                  99

المنهاج الجديد لقواعد اللغة                         الاتحاد                           103

ضيف حديث الليل                               الصنارة                            110

كتابان جديدان لمواسي                  اليوم السابع / جميل فران                  117

د . مواسي لا يتحدث العِربية             الزاد / يعاد شبيطة                       121

أغلب الأدباء يرون أنفسهم                    الجزيرة( السعودية )                  123

الناقد الفلسطيني يتحدث عن الأحزان          الوطن ( السعودية )                 128

أرفض اتهام الشعر الفلسطيني             كل العرب / عايد عمرو                   134

أين أنت اليوم في الساحة                  الشرق / ناجي ظاهر                       138

د . مواسي في مقابلة أدبية                  العين / لؤي مصالحــة                   143

حوار مع شخصية العدد                  الشرق / محمود مرعي ومحمد سعيد       151

الأخطاء الإملائية واللغوية....               الفينيق / عبد الله السمطي             160

مع الناقد د . فاروق مواسي                   المواكــب                             164

لقاء مع الشاعر فاروق مواسي                الشرق / عرفان أبو حمد                170

لقاء مع كشاجم .......                      الحصاد / عصام عباسي              174

لقاء مع الشاعر الناقد مواسي                  العودة  ( القدس )                   181

 حوار حول مجمع اللغة العربية                الشرق الأوسط (أسامة العيسة )

 حوار مع الدكتور الشاعر فاروق مواسي         سردار زنكنه ونشر في كتابه "حوارات"

لقاء مع البروفيسور فاروق مواسي                 أجرته: آمال رضوان  (تشرين 2 2011)

 حوار حول التراث                                  أجراه إدريس جرادات  (تشرين أول 2011)
حوار مع سعاد جبر (للمواقع)
 

كشاجم فلسطين (حوار دبي الثقافية)                          أجرته سما حسن (تموز 2014)


 

*فاروق مواسي: عرض ونقد في الشعر المحلي، تشرين الثاني 1976، مطبعة الشرق التعاونية- القدس،95 صفحة من القطع المتوسط.